الثقب الأسود
خلقَ الله العديدَ من المعجزاتِ في كونه الفسيح، وأعطى للإنسانِ الفضولَ لاكتشافِها ودراستها، ومن هذه المعجزات الخفيّة الثقوب السوداء. يعرّف العلماء الثقب الأسود بأنّه منطقةٌ في الفضاء تتمتّع بجاذبيّة قويّة جداً لا يستطيع حتى الضوء الهروبَ منها؛ وذلك لأنّ المادة في هذه المنطقة تتمتّع بكثافة عالية فهي مضغوطة في مساحة صغيرة جدّاً. كانَ العالم ألبرت أينشتاين أوّلَ من تنبأ بوجود الثقوب السوداء عندما وضع نظريّته النسبيّة العامّة وذلك عام 1916م، وقد أُطلِقَ عليها اسم الثقوب السوداء في عام 1967م على يد عالم الفلك الأمريكيّ جون ويلر، ولكن لم يتمكّن العلماء من رصدها في الفضاء إلا في عام 1971م؛ وذلك عن طريق ملاحظتهم تأثيرها على الأجسام المحيطة بها مثل النجوم، والغازات، وغيرها، كما لم يستطيعوا رؤيتها بالعين المجرّدة؛ فهي تحتاج إلى أقمار صناعية وتلسكوبات لرؤيتها.[١][٢]
تكوّن الثقب الأسود
وضع العلماء مجموعةً من النظريّات لتفسير تشكل الثقب الأسود، ومن أشهر هذه النظريات أنّ الثقوب السوداء كانت نجوماً عملاقةً في حياتها السابقة، ولكنّها فقدت طاقتها فتحوّلت إلى ثقب أسود؛ فالنجم مصنع كبير للطاقة مصدرها التفاعلات النووية الهائلة التي تحدث للمكوّن الأساسيّ للنجوم وهو الهيدروجين؛ فعند الاندماج النوويّ لذرات الهيدروجين مع بعضها ينتج عنها غاز الهيليوم الذي بدوره يندمج لينتج عناصر أثقل، وهكذا كلّما ظهر عنصر ثقيل جديد يحدث له اندماج جديد، وجميع هذه التفاعلات النوويّة تنتج كميّة كبيرة من الطاقة تنقلها إلينا على شكل أشعة. يحافظ النجم خلال حياته الطويلة على كتلته بسبب التوازن بين القوّة الناتجة عن الاندماج وقوة التجاذب بين العناصر والذرات المكونة له. وعندما يبدأ النجم الذي تزيد كتلته عن 25 ضعف كتلة الشمس بفقدان طاقته يحدث خلل في التوازن بين القوى التي تحافظ عليه، فتبدأ قوّة الجذب بين العناصر بالتغلّب على قوّة الطاقة الناتجة من الاندماج، ممّا يؤدّي إلى توجّه المادّة المكوّنة للنجم نحوَ مركزه، فتنضغط هناكَ انضغاطاً كثيراً بسبب كثافتها وقوّة التجاذب بينها، وبعدها ينفجر النجم بسبب التدافع الشديد بين المادة الموجودة في مركز النجم، وينتج هذا التدافع بسبب الانضغاط الشديد، ويسمّى هذا الانفجار سوبرنوفا، وينتج عنه انتقال ما تبقّى من غازات النجم بالإضافة إلى غلافه إلى الفضاء، مخلّفاً وراءه مركز النجم العملاق الشديد الكثافة، وهو ما يُسمّى الثقب الأسود.[٣]
أنواع الثقوب السوداء
تتباين الثقوب السوداء من حيث حجمها، فمنها الكبيرة، ومنها ذات الحجم الصغير الذي لا يتجاوز حجم الذرّة ولكنّ كتلتها ضخمة جدّاً،[١] وقد صنّف العلماء الثقوب السوداء إلى ثلاثة أنواع رئيسة، هيَ:[٢]
- الثقوب السوداء النجمية (بالإنجليزيّة: Stellar black holes): يتشكّل هذا النوع من انهيار نجوم كبيرة الحجم، تنضغط بعد انهيارها حتّى تشكل ثقباً أسود، أمّا عند تعرّض النجوم الأصغر التي تصل كتلتها إلى 3 أضعاف كتلة الشمس للانهيار فإنّ مركزها لا يتحوّل إلى ثقب أسود بل يصبح نواةً جديدةً تسمّى نجماً نيوترونياً أو قزماً أبيض. قد تكون هذه الثقوب صغيرةً في حجمها لكنّ كثافتها عالية جدّاً، ممّا يجعل جاذبيتها كبيرة لما حولها، فتستمرّ بجذب الغبار الكونيّ والغازات من المجرات التي حولها، فتنمو ويزداد حجمها. اكتشفَ العلماء أنّ مجرّتنا درب التبانة تحتوي على بضع مئات من ملايين الثقوب السوداء النجميّة.
- الثقوب السوداء الهائلة (بالإنجليزيّة: Supermassive black holes): إنّ الثقوب السوداء الهائلة كبيرة جدّاً؛ إذ تتراوح كتلتها بين ملايين إلى مليارات أضعاف كتلة الشمس، وعلى الرغم من أنّ كتلتها كبيرة إلّا أنّ حجمها مساوٍ لحجم الشمس؛ إذ إنّ نصف قطر كلٍّ منهما متماثل، ويُعتقَد أنّ هذه الثقوب موجودة في قلب كلّ مجرّة في الكون تقريباً، وقد فسّر العلماء وجودها بعدّة نظريّات، منها:
- اندماج عدد كبير يصل إلى مئات أو آلاف من الثقوب السوداء النجميّة معاً.
- انهيار مجموعة من النجوم في وقتٍ واحدٍ، وتجمّعها لتكوّن هذه الثقوب الهائلة.
- الثقوب السوداء المتوسطة (بالإنجليزيّة: Intermediate black holes): اكتُشِف هذا النوع مؤخّراً؛ إذ اعتقد العلماء أنّ الثقوب السوداء تتكوّن من نجوم ذات حجم كبير أو صغير فقط. تنتج الثقوب المتوسطة عن اصطدام مجموعة من النجوم في تفاعل متسلسل، وإذا وُجِد العديد منها في منطقة واحدة فقد تنتهي معاً في مركز مجرّة مكوّنةً ثقباً أسود هائلاً، وقد عثرَ علماء الفلك عام 2014م على ثقب أسود متوسّط الكتلة في ذراع مجرّة حلزونيّة.
تأثير الثقب الأسود
إنّ الثقوب السوداء أجسام غامضة مثيرة للفضول، حيث يدرس العلماء تأثيرها على العناصر الكونيّة، ويضعون فرضيّات لما يحدث للأجسام إذا تعرّضت لجاذبيتها، ويمكن توضيح تأثير الثقب الأسود كما يأتي:
- تأثيره على الأجسام القريبة: تسقط الأجسام القريبة من الثقب الأسود فيه، فالثقوب السوداء لا تمتص الأجسام بل إنّ هذه الأجسام تسقط فيها. واعتقد العلماء لفترة طويلة أنّ الجاذبيّة التي تتمتّع بها الثقوب السوداء قد تجعل الأجسام التي تقترب منها تتمددّ وتتطاول بشكلٍ كبير، ولكنّ الحقيقة أنّ الأجسام التي تقترب من الثقب الأسود تسقط فيه ثمّ تحترق، أمّا إذا اقتربت نجمة من الثقب الأسود فإنّه يُمزّقها.[٢]
- تأثيره على كوكب الأرض: إنّ الثقوب السوداء بعيدة جدّاً عن كوكب الأرض، فأقرب ثقب إلينا يبعد عن الأرض 1600 سنة ضوئية، علماً أنّ سرعة الضوء تعادل 300 ألف كم في الثانية الواحدة،[٣] لذا فإنّ الأرض لن تتأثّر بالثقوب السوداء، وقد يضع البعض فرضيّة تحوّل الشمس إلى ثقب أسود لأنها نجم قريب من الأرض، ووضع الأرض تحت خطر التدمير، لكنّ الشمس نجم صغير لا يستطيع أن يتحوّل إلى ثقب أسود، وإن تحوّل فستكون كتلته صغيرة وقوّة جاذبيّته ستكون معادلةً لقوّة جذب الشمس للأرض، لذا لن تسقط الأرض في جاذبيّته، بل ستستمرّ بالدوران حوله كدوران الأرض حولَ الشمس.[١]
المراجع
- ^ أ ب ت Heather R. Smith (8-3-2017), “What Is a Black Hole”، www.nasa.gov, Retrieved 5-8-2018. Edited.
- ^ أ ب ت Nola Taylor Redd (19-10-2017), “Black Holes: Facts, Theory & Definition”، www.space.com, Retrieved 5-8-2018. Edited.
- ^ أ ب فداء ياسر الجندي (24-1-2016)، “الثقوب السوداء، حقائق وألغاز”، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-8-2018. بتصرّف.