محتويات
مدة نزول القران الكريم
نزل القرآن الكريم على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على مرحلتين؛ الأولى تسمّى بالنزول الإجمالي، والثانية هي نزوله مفرّقاً على قلب النبي -عليه السلام- وقد قال بذلك ابن حجر، أمّا الشعبي وابن اسحاق فقد ذهبا إلى أنّ نزوله كان في مرحلة واحدة وهي نزوله مفرّقاً على قلب النبي -عليه السلام- ابتداءً من ليلة القدر إلى أن توفّاه الله -تعالى-، ونزوله مجملاً يعني نزوله مرّة واحدة؛ حيث أنزله الله -تعالى- دفعة واحدة إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، وكان توقيت هذا النزول في نزل في شهر رمضان في ليلة القدر، وقد قال -تعالى- في ذلك: (إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ)،[١] وقال أيضاً: (شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ)،[٢] أمّا ما يخص العام الذي نزل فيه القرآن إلى بيت العزّة فلم يتحدد العام، كما لم يتحدد إن كان النزول حصل بعد البعثة النبويّة أم قبلها، ولهذا النزول حكم كثيرة، ومنها أنّ في ذلك تعظيماً للقرآن الكريم وللنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبيانٌ لفضله وعلوّ منزلته -عليه السلام- عن سائر الأنبياء، كما أنّ فيه رفعاً لقدر الأمّة الإسلامية وبيان فضلها ومكانتها، كما أنّ ذلك دليلٌ جليٌّ على عظم علم الله -تعالى- وقدرته.[٣]
والمرحلة الثانية من مراحل نزول القرآن هي نزوله مفرّقاً على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، حيث استمر نزوله على النبيّ من حين بُعث وحتى مات -عليه السلام-، وكان نزوله منّجماً بحسب ما يحصل من أحداث،[٤] وقد ذهب بعض العلماء كالحسن البصري إلى أنّ مدّة نزوله كانت ثماني عشرة سنة، وهذا القول ضعيف وغير مشهور، وفي قول آخر لابن عباس وغيره أنّ مدّة نزول القرآن كانت عشرين سنّة، وقول ثالث مخالف للمشهور أنّه نزل في خمس وعشرون سنّة وقد قال بذلك الفخر الرازي، في حين ذهب جمهور أهل العلم ومنهم ابن عبّاس إلى أنّ نزول القرآن كان في ثلاث وعشرين سنة، وهذا الخلاف ناتج عن خلاف في مدّة مكث النبيّ -عليه السلام- في مكّة المكرمة، فمنهم من قال أنّها عشر، ومنهم ثلاث عشرة، ومنهم خمسة عشر، -كما بينّا سابقاً-، كما أنّه ناتج عن الاختلاف في اعتبار الحساب؛ فإمّا أن يكون من بداية الرؤية الصادقة، أو من بداية نزول الوحي، أو من بداية الرسالة، واتّفق أهل العلم على أنّ النبي -عليه السلام- مكث في المدينة عشر سنين.[٥][٦]
وذكر بعض المحققين مثل الشيخ محمد الخضرى أنّ مّدة إقامته -عليه السلام- في مكّة بعد البعثة كانت بالتحديد اثني عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة عشر يوماً، ويضاف إلى ذلك مدّة إقامته في المدينة المنورة حتّى وفاته، والتي استمرت تسع سنوات وتسع أشهر وتسعة أيّام؛ أيّ أنّ ذلك كان في السنة العاشرة من الهجرة؛ فثلاث عشرة سنة في مكّة وعشر سنين في المدينة فتكون مدّة نزول الوحي على النبي ثلاث وعشرون عاماً.[٧]
الحكمة من نزول القرآن الكريم مفرّقاً
نزول القرآن الكريم مفرّقاً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من رحمة الله -تعالى- وحكمته؛ فتتابع نزول القرآن الكريم على النبي -عليه السلام- كان سبباً في ثبات قلبه وتجديد قوّته والعناية به، وكثرة نزول المَلَك على النبيّ الكريم كان من أحد الأسباب التي تدخل السرور على قلب النبيّ محمّد -عليه السلام- وتجبر خاطره، وكلّما كثر نزول الوحي عليه كان أعظم في كرمه وجوده،[٨] كما أنّ نزول القرآن مفرّقاً حسب الحوادث والأحوال والوقائع والظروف هو ميزة من ميزات هذا الكتاب العظيم عن باقي الكتب السماويّة التي نزلت على الرّسل دفعة واحدة،[٩] ومن حكم نزول القرآن مفرّقاً أيضاً تحدي المشركين في أن يأتوا بمثل هذا القرآن، كما أنّ ذلك أنسب لحفظه في قلوب المؤمنين وصدورهم، وقد يصعب على المسلمين حفظه في حال نزوله مرّة واحدة، ومن ذلك أيضاً تدرّج القرآن في نزول الأحكام والتشريعات.[١٠]
نزول القرآن الكريم
يُرسل الله -سبحانه- الرّسل والأنبياء إلى الناس ويبعث معهم المعجزات التي تؤيّد رسالتهم وتدلّ على صدق نبوّتهم، فلم يُرسل الله -تعالى- نبيّاً إلّا وأنزل معه معجزة تؤيّد صدقه، وكان للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- الحظّ الأكبر من المعجزات سواءً في العدد أو في الأثر، وأعظم هذه المعجزات وأبقاها المعجزة الخالدة وهي القرآن الكريم،[١١] وهو دستور المسلمين، وهادي العالمين ومرشد البشريّة إلى الحقّ المُبين؛ ففيه حُكم الله -تعالى- وشريعته الصالحة لكل زمان ومكان، ومن تبعه فقد تبع الصراط المستقيم واستنار بالنور المبين، قال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ).[١٢][١٣] وقد كان نزول القرآن من الأحداث العظيمة عند أهل السماوات وأهل الأرض، وقد كان إنزاله الأوّل في ليلة شريفة هي ليلة القدر، وكان بعد ذلك إنزاله مفرّقاً على قلب النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- عن طريق الوحي حسب الوقائع والأحداث التي تحصل، وكان ذلك مما يقوّي عزم النبي محمد -عليه السلام-.[١٤]
المراجع
- ↑ سورة القدر، آية: 1.
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ بروج الغامدي، “نزول القرآن”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2020. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم بن عبد الله الخضير (34-4-2015)، “نزول القرآن الكريم “، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2020. بتصرّف.
- ↑ محمد بن عبد الرحمن الشايع، نزول القرآن الكريم والعناية به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 41-42. بتصرّف.
- ↑ “هل نزل القرآن كاملا في ليلة القدر”، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2020. بتصرّف.
- ↑ مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 271-272، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ أبي شامة المقدسي الدمشقي (1975م)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 28، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن محمد الشرقاوى سالم، موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات، صفحة 17. بتصرّف.
- ↑ مناع بن خليل القطان (2000)، مباحث في علوم القرآن لمناع القطان (الطبعة الثالثة)، -: مكتبة المعارف، صفحة 110-111. بتصرّف.
- ↑ أحمد فريد، دروس الشيخ أحمد فريد، صفحة 1، جزء 55. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 15.
- ↑ خالد الخراز (2009)، موسوعة الأخلاق (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 154. بتصرّف.
- ↑ مناع القطان (2000)، كتاب مباحث في علوم القرآن لمناع القطان (الطبعة الثالثة)، السعوديّة: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 100، جزء 1. بتصرّف.