سورة الحجرات
تعد سورة الحجرات من السور ة المدنية التي اشتملت على أسس المدينة الفاضلة وقواعد التربية العظيمة، حيث كان من أعظم مقاصد السورة بيان مكارم الأخلاق والأدب في التعامل مع -رسول الله صلى الله عليه وسلم- وتوقيره، وإظهار تعظيمه ليكون دليلاً على الإيمان في الباطن، وأشارت السورة الكريمة إلى وجوب التثبّت من الأخبار، ودعت إلى تجنّب أخلاق الكفار والفاسقين، كما وتطرّقت إلى ما قد يقع بين المسلمين من التقاتل، وضرورة الإصلاح بينهم.[١][٢]
وقد نزلت سورة الحجرات بعد سورة المجادلة وقبل سورة التحريم، وكان نزولها في العام التاسع للهجرة، وترتيبها من حيث نزول السور الثامن بعد المائة، وأمّا ترتيبها في القرآن الكريم فهو التاسع والأربعون، وعدد آياتها ثمانية عشر آية، ويعود سبب تسميتها بسورة الحجرات إلى أنّ الله -تعالى- ذكر فيها بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي الحجرات التي كانت تسكنها أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ونزلت السورة الكريمة في قصة نداء بني تميم للنبي -عليه الصلاة والسلام- من وراء حجرته، فعُرفت بهذه الإضافة.[١][٢]
أسباب نزول بعض آيات سورة الحجرات
ورد في كتب التفسير العديد من أسباب النزول في سورة الحجرات، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[٣]
- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،[٤] فقد ورد في سبب نزولها ما رواه عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- أنّه قدم ركب من بني تميم على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “أمّر القعقاع بن معبد”، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “بل أمّر الأقراع بن حابس”، فقال أبو بكر رضي الله عنه: “ما أردت إلا خلافي”، فقال عمر رضي الله عنه: “ما أردت خلافك”، فتماريا حتى ارتفع صوتهما، فأنزل الله -تعالى- الآية الكريمة.
- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)،[٥] حيث ذُكر أنّ سبب نزولها أنّ أحد الصحابة -رضي الله عنهم- واسمه ثابت بن قيس بن شماس كان يرفع صوته عند رسول الله صلى الله عليه سلم، وذلك لأنّه كان مصاباً بوقر في أذنه، وكان يجهر بصوته عندما يتكلم، وبعد نزول الآية الكريمة، رُوي عن ثابت بن قيس -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنا الَّذي كُنتُ أرفعُ صوتي وأجهرُ له بالقول وأنا من أهل النَّار، ففقَده النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبروه فقال: بل هو من أهل الجنَّة)،[٦] وقيل إنّ الآية الكريمة نزلت بسبب ارتفاع صوت أبي بكر وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- عند النبي -عليه الصلاة والسلم- بسبب اختلافهما في ركب بني تميم، وقال ابن الزبير: “فما كان عمر يُسمعُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه”.
- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)،[٧] سبب نزول الآية الكريمة ما رُوي عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي أنّه قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه إلى الإسلام فأسلم، ثمّ دعاه إلى الزكاة فأقرّ بها، ثم أرسله النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قومه حتى يدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، وأمره بجمع الزكاة ممن أسلم منهم، وإرسالها مع رسول النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما يأتيه، فدعا الحارث قومه إلى الإسلام وجمع الزكاة ممن استجابوا له، ولكن رسول النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأت لأخذ الزكاة، فظنّ الحارث أنّه قد حدث فيه سخط من الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، فجمع قومه وقال لهم: “إنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان وقَّت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الخُلفُ، ولا أرى حبس رسوله إلَّا من سخطةٍ كانت، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلم”.[٨]
- وفي ذلك الوقت بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- الوليد بن عقبة إلى الحارث ليأخذ ما عنده من الزكاة، ولما بلغ الوليد بعض الطريق خاف فرجع وأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: “يا رسول الله، إِنَّ الحارِث منعني الزَّكاة، وأراد قتلي”، فضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه والتقى بالبعث عند المدينة المنورة، فقالوا: “هذا الحارث، فقال لهم: إلى من بعثتم، قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إِليك الوليد بن عقبة فزعم أنَّك منعته الزكاة وأردتَّ قتله، قال: لا والذي بعث محمداً بالحقِّ ما رأيته البتَّة ولا أَتاني”، ولما دخل على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (منعت الزكاة وأردتَ قتل رسولي، قال: لا والذي بعثك بالحقِّ ما رأيتهُ ولا أتاني وما أقبلتُ إلا حين احتُبس عليَّ رسولُ رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم، خشيتُ أن تكون كانت سخطةً من الله عزَّ وجلَّ ورسوله)[٩] فنزلت الآية الكريمة.[٨]
دروس مستفادة من سورة الحجرات
ثمة العديد من الدروس المستفادة من سورة الحجرات، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[١٠]
- حرمة السخرية واللمز والنبز: فقد حرص الإسلام على كرامة الفرد والمجتمع، ولذلك حرم الهمز واللمز، والسخرية.
- التأكيد على أنّ التقوى أساس التفاضل بين الناّس: فقد ذكّر الله -تعالى- النّاس بأصلهم ليتذكروا أن المفاضلة بينهم على أساس التقوى.
- عدم التقدم بين يدي لله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم: وقد فسّر ابن عباس -رضي الله عنهما- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)،[٤] بعدم القول بخلاف القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن صور التقدم بين يدي الله ورسوله، التقدم بالفعل، كما قال سفيان: “لا تفضوا أمراً دون رسول الله بقول أو فعل”، والتقدم بالكلام، كقول لو أنزل في كذا ولو وضع كذا، بالإضافة إلى التحاكم إلى غير شرع الله تعالى.[١١]
المراجع
- ^ أ ب “الحاوي في تفسير القرآن الكريم”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب “سورة الحجرات 49/114”، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019. بتصرّف.
- ↑ “أسباب نزول آيات سورة ( الحجرات ) (للواحدي)”، www.altafsir.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الحجرات، آية: 1.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 2.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7169، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 6.
- ^ أ ب “أسباب النزول في سورة الحجرات”، www.islamqa.info، 2017-12-31، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن الحارث بن ضرار الخزاعي، الصفحة أو الرقم: 7/232، إسناده صحيح.
- ↑ “دروس من سورة الحجرات”، www.fatwa.islamweb.net، 2005-10-18، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019. بتصرّف.
- ↑ د. فارس العزاوي (17-9-2009)، “دروس منتقاة من سورة الحجرات”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019. بتصرّف.