ما أهانهن إلا لئيم
يشتهرُ في حقِّ النِّساءِ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أَكْرَمَ النساءَ إلا كريمٌ، ولا أهانهن إلا لئيمٌ)،[١] وإن كانت طرقهُ ورواياته كلُّها ضعيفةٌ أو حتى موضوعةٌ، إلَّا أنَّ الشَّريعةَ الإسلاميَّة قد أقرَّت معناه في مواضِعَ أخرى، إذ حثَّ القرآن الكريمُ الرِّجالَ على حُسنِ معاشرةِ زوجاتهم، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)،[٢] كما ربطَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كمالَ إيمانِ الرَّجلِ بخيريّتهِ لنسائه، فقال: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم)،[٣] دلالةً منه على علوِّ مكانةِ الإحسانِ إلى النِّساء،[٤] وتأكيداً على وجوبِ مُصاحبتهنَّ والاعتناءِ بهنَّ، كما أنَّ الحديثَ قد يدخلُ فيهِ الإحسانُ إلى البناتِ أو الأخواتِ، وصحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله في ذلك: (خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي).[٥][٦]
إنَّ إكرامَ الزَّوجة يكونُ بمعاشرتها بالمعروفِ والإحسانِ إليها، والتَّلطُّفِ معها بالقول والعمل، وهو دلالةٌ على اتِّزانِ الرَّجل وكمالِ شخصيَّتهِ، والإكرامُ عكسهُ اللُّؤمُ،[٧] ويكونُ اللُّؤمُ بإهانةِ المرأةِ وعدم احترامها، والتَّقليلُ من شأنها ورميها بالألقابِ والكلام الذي من شأنه أن يؤذي مشاعِرها،[٨] وقد كانَ لنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرَ مثالٍ على إكرامِ النِّساء، إذ كانَ يحترمُ نسائهُ ويستمعُ إليهنَّ، ويُلاعِبهنَّ ويضحكُ معهنَّ،[٩] وكانَ الإمام مالك -رحمه الله- يقول: “ينبغي للرجل أن يحسن إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم”.[١٠]
كيف يكون إكرام المرأة
إنّ لإكرامِ المرأة مظاهِر عدَّة، نذكر منها ما يأتي:
- المظهرُ الأوَّل: إكرام الزَّوجة بحُسنِ مُعاشرتها والإغداقُ عليها بالحبِّ والحنانِ قولاً وعملاً، لقوله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)،[٢] والمعروف يشتمل على كلِّ ما فيه خيرٌ لها ممَّا تُحبُّ وتألف.[٨]
- المظهرُ الثَّاني: إكرامُ الزَّوجة بمبادلتها بأحسنِ الكلامِ، والتَّزيُّنُ لها كما تتزيَّنُ هيَ لهُ، ومداعبتها، وإدخالُ السُّرورِ إلى قلبها، والكرمُ في النَّفقةِ عليها عند المقدرة.[١١]
- المظهرُ الثَّالث: إكرامُ المرأةِ بالصَّبر عليها لعلََّ في ذلكَ خيرٌ، لقوله -تعالى-: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).[٢][١١]
- المظهرُ الرَّابع: إكرامُ المرأةِ بالإنفاقِ عليها من طعامٍ أو شرابٍ، إذ قال -تعالى-: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)،[١٢] كذلكَ حُسنِ تقويمها إذا أخطأت، وموعظتها الموعظة الحسنة دونَ غِلظةٍ أو تعنيفٍ، فقد أرشدَ القرآنُ الكريم في التعامل مع المرأة النَّاشز -أي التي لا تُطيعُ أمرَ زوجها- بوجوبِ البدء بموعظتها أوَّلاً، فإن أبت يهجر فِراشها، فإن أبت يضربها ضرباً غير مُبرِحٍ، إذ قال -تعالى- في سورة النِّساء: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا).[١٣][١٤]
- المظهر الخامس: إكرامُ المرأةِ بعدمِ هَجرِ فِراشها، وذلكَ إشباعاً لحاجتها؛ لأنَّ المرأةَ كالرَّجلِ تحتاجُ إلى الجِماعِ لتعفَّ نفسها عن النَّظر المحرَّم إلى الغيرِ.[١٥]
- المظهر السَّادس: إكرامُ المرأة بدفعِ المهرِ إليها عند إتمامِ عقدِ الزّواجِ، لقوله -تعالى-: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا).[١٦][١٥]
- المظهر السَّابع: إكرامُ المرأةِ بُحسنِ الصُّحبةِ، ودفع الأذى عنها أو التَّفضل عليها والتَّمنن بما يُنفِقُ عليها؛ لأنَّ الله -عزَّ وجل- قد أمر الرَّجل بالإنفاقِ على زوجته تكليفاً لا فضلاً من الرجل.[١٧]
حقوق الزَّوجة
إنّ للزَّوجةِ في الإسلامِ حقوقاً كثيرة، نذكر منها ما يأتي:[١٨]
- الحقُّ الأوَّل: حق النَّفقة: على الزَّوجِ أن ينفِقَ على زوجته في طعامها، وشرابها، ومسكنها، ويقضي لها حاجاتها بالجُملة.
- الحقُّ الثَّاني: حقُّ الوطءِ: على الزَّوجِ أن يطأَ امرأته لدفعِ حاجتها الجسدية.
- الحقُّ الثَّالث: حقُّ المبيتِ: على الزَّوجِ المُعدِّد أن يبيتَ عند زوجته ليلةً كل أربعَ ليالٍ على الأقل، وقد أُقِرَ هذا الحقُ على عهدِ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
- الحقُّ الرَّابع: حقُّ العدلِ بينها بين زوجاتهِ الأخريات: يُقِرُّ الشّرعُ مبدأَ العدلِ بينَ الزَّوجاتِ، وقد حدَّثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عاقبةِ الرَّجلِ الذي لا يعدل بين زوجاته، إذ قال: (من كان له امرأتانِ، يميلُ لإحداهُما على الأُخرى، جاء يومَ القيامةِ، أحدُ شقيْهِ مائلٌ).[١٩]
- الحقُّ الخامس: حقُّ المكوث عندها أوَّلَ الزَّواج: إذ إنَّ من صحيحِ السُّنَّة أنَّ المُعدِدَ إذا تزوجَ بِكراً مكثَ عندها سبعة أيَّامٍ، وإذا تزوَّجَ ثيباً مكثَ عندها ثلاثاً، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (إذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ علَى الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وإذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ علَى البِكْرِ، أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا).[٢٠]
- الحقُّ السَّادس: استحقاقُ المهر: على الزَّوجِ أن يدفع المهر إلى الزَّوجةِ حالَ عقدِ القرانِ، لقوله -تعالى-: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).[١٦][٢١]
- الحقُّ السَّابع: حقُّ العِشرة بالمعروف: إذ يكرمها كما تقدَّم الإشارة إليه في المبحث السَّابق، لقوله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[٢][٢١]
- الحقُّ الثَّامن: ألَّا تؤتى وهي حائض وألَّا تؤتى من دُبُرِها: فلا يجوزُ جِماعُ المرأةِ أثناءَ حيضتها إلَّا ما كانَ دونَ الفرجِ، كما لا يجوزُ جِماعُ المرأةِ من دُبُرها.[٢١]
- الحقُّ التَّاسع: حقُّ مراجعتها لزوجها ونقاشها إيَّاه بأمورِ الحياة: إذ مِنَ الرِّجالِ من لا يستسيغُ نقاشُ المرأةِ له في قراراته، ويَفصِلُ في الأمر ما صحَّ من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، إذ قال: (فَتَغَضَّبْتُ علَى امْرَأَتي يَوْمًا، فَإِذَا هي تُرَاجِعُنِي، فأنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقالَتْ: ما تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ، فَوَاللَّهِ، إنَّ أَزْوَاجَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ)،[٢٢] ويُستدلُّ من الحديثِ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَقبلُ نِقاشَ زوجاتهِ له وهو خيرُ البرية وقدوةُ البشرية.[٢٣]
- الحق العاشر: حق الالتحاقِ بصلاةِ الجماعةِ في المسجد: إذ كنَّ نساءُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذهبنَ إلى المسجدِ ويصلينَ فيه ثمَّ يَعُدْنَ إلى حُجُراتِهنَّ، وقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: (لا تَمْنَعُوا إماءَ اللهِ مَساجِدَ اللَّهِ).[٢٤][٢٣]
- الحقُّ الحادي عشر: حقُّ التَّصرُّفُ في مالها الخاص: فيحقُّ للزَّوجة أن تتصرَّفَ في مالها الخاص كيفما شاءت، ولا يحقُّ لزوجها أن يمنعها منه أو يأخذه منها أو يتصرفَ فيه دونَ إذنها.[٢٣]
- الحقُّ الثَّاني عشر: حقُّ تطليقِ نفسها من الزَّوجِ إذا أضرَّ بها: ذلكَ أنَّ الإضرارَ بالزَّوجةِ -كضربها- يُعدُّ أمراً مًنافياً للعشرةِ بالمعروف التي أُمِرَ الزَّوجُ بها.[٢٣]
- الحقُّ الثَّالث عشر: حقُّ الخدمة: يحقُ للمرأةِ أن يُوَفِّر لها زوجها من يخدمها إذا اعتادت على ذلكَ قبل زواجها منه.[٢٣]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الضعيفة، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 845، موضوع.
- ^ أ ب ت ث سورة النساء، آية: 19.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1162، حسن صحيح.
- ↑ سيد سابق (1977م)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، لبنان: دار الكتاب العربي، صفحة 185، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3895، صحيح.
- ↑ الصنعاني (2011م)، التنوير شرح الجامع الصغير (الطبعة الأولى)، الأردن: مكتبة دار السلام، صفحة 33، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ أحمد مختار عمر (2008م)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، الرياض: عالم الكتب، صفحة 1984، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 59، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ المناوي، فيض القدير (الطبعة الأولى)، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 496، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح الموطإ (الطبعة الأولى)، مصر: مطبعة السعادة، صفحة 212، جزء 7. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 76-75، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 6.
- ↑ سورة النساء، آية: 34.
- ↑ عبد العظيم بدوي (2001م)، الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز (الطبعة الثالثة)، مصر: دار ابن رجب، صفحة 301. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد التويجري (2009م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، عمان: يت الأفكار الدولية، صفحة 138، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة النساء، آية: 4.
- ↑ ابن أبي تغلب (1983م)، نيل المارب بشرح دليل الطالب (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة 213، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر الجزائري، النكاح والطلاق أو الزواج والفراق (الطبعة الثانية)، المملكة العربية السعودية: مطابع الرحاب، صفحة 9-10. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3952، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1461، صحيح.
- ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 6843-6848، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1479، صحيح.
- ^ أ ب ت ث ج محمد الخضر حسين (2010م)، موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (الطبعة الأولى)، سوريا: دار النوادر، صفحة 109-110، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله ابن عمر، الصفحة أو الرقم: 442، صحيح.