محتويات
ما أصل الحجر الأسود
إنّ أصل الحجر الأسود يعود في الأساس إلى الجنّة، وسيرجع إليها، فقد روى البيهقي في السّنن، والطبراني في الكبير، وغيرهما واللفظ للطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” الحجر الأسود من حجارة الجنّة، وما في الأرض من الجنّة غيره، وكان أبيض كالمها، ولولا ما مسه من رجس الجاهليّة ما مسه ذو عاهة إلا برئ “.
وقد روى الأزرقي في تاريخ مكة:” ليس في الأرض من الجنّة إلا الرّكن الأسود والمقام، فإنّهما جوهرتان من جوهر الجنّة، ولولا ما مسّهما من أهل الشّرك ما مسّهما ذو عاهة إلا شفاه الله عزّ وجلّ “، وقد ذكر أنّ سيدنا آدم عليه السّلام عندما هبط من الجنّة أصيب بوحشة عظيمة، واشتاق شوقاً شديداً غلى الجنّة، واشتدّ ولهه بها، فأنزل الله سبحانه وتعالى الحجر الأسود من الجنّة ليستأنس به، ويخفّف ما به من الشّوق إليها.
وقال الأزرقي في تاريخه:” إنّ الحجر الأسود سيعود إلى الجنّة في آخر الزّمان “، وقد روى بسنده عن عبد الله بن عمرو:” أنّ جبريل عليه السّلام نزل بالحجر من الجنّة، وأنّه وضعه حيث رأيتم، وأنّكم لم تزالوا على خير ما دام بين ظهرانيكم، فتمسّكوا به ما استطعتم، فإنّه يوشك أن يجئ فيرجع به من حيث جاء به “. (1)
حكم التبرك بالحجر الأسود
إنّ من المشروع للمسلم أن يقوم بتقبيل الحجر الأسود إن أمكن له ذلك، وإلا فإنّه يستلمه، أو يشير إليه على ما هو مبيّن في موضعه، وهذا كله من فعل النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – تأسياً به، واقتداءً بهديه، اتباعاً له، وأمّا الحجر الأسود بحدّ ذاته فإنّه لا يضرّ ولا ينفع، وذلك كما قال عمر وهو يقبّل الحجر:” والله إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقبّلك ما قبلتك “.
ولم يرد أيّ أمر في السّنة النّبوية يدلّ على أنّه يشرع للمسلم أن يتبرّك بالحجر الأسود، أو بأيّ حجر من أحجار الكعبة، فمن فعل ذلك رغبةً في الشّفاء من المرض أو للخروج من مصيبة ما فإنّ هذا الأمر ليس مشروعاً ولم يرد عليه أيّ دليل، بل يعتبر من الأمور المحدثة التي يجب على المسلم أن يحذر منها، وإنّما يكتفي بفعل ما ورد من تقبيل الحجر ونحو ذلك، مثل استلام الرّكن اليماني، والوقوف عند الملتزم لدعاء الله تعالى، ولا يزيد على ذلك، لأنّ هذا هو هدي النّبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. (2)
قصة وضع الحجر الأسود
عندما كان عمر النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – خمساً وثلاثين سنةً، أي قبل أن يبعث بخمس سنوات، كانت قريش مجتمعةً لتجدّد بناء الكعبة، وذلك بعد أن تصدّعت جدرانها، وكانت لاتزال على بنائها في عهد إبراهيم عليه السّلام، أي حجارةً فوق القامة، وتمّ حينها تقسيم العمل في بناء الكعبة بين القبائل المختلفة، وكان لكلّ منها ناحية من نواحي الكعبة لكي تتولاها، فكانوا يبنونها بحجارة الوادي.
وعندما وصل البنيان إلى موقع الحجر الأسود تنازعت قبائل قريش، وكان كلّ منها يرغب في أن ينال شرف رفع وإعادة الحجر الاسود إلى مكانه، وكاد الأمر أن يصل إلى الاقتتال بينهم، وحينها اقترح أبو أمية بن المغيرة المخزومي أن يقوم بتحكيم أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام فيما تنازعوا فيه، فوافقت القبائل على اقتراحه، وكان أوّل قادم هو رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – وما إن رأوه حتى هتفوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمّد، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر، فقال: هلمّ إليَّ ثوباً، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه، ثمّ قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثّوب، ثمّ ارفعوه جميعاً، ففعلوا، فلمّا بلغوا به موضعه أخذه بيده الشّريفة ووضعه في مكانه. (3)
فضل الحجر الأسود
يعتب رالحجر الأسود أشرف حجر على وجه الأرض، وهو حجر من الجنّة، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنّ النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال:” نزل الحجر الأسود من الجنّة، وهو أشدّ بياضاً من اللبن، فسوّدته خطايا بني آدم ” ،رواه الترمذي .
وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ عن النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه قال:” والله ليبعثنّه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق “، رواه الترمذي.
وقد جاء في فضل مسحه واستلامه عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” إنّ مسح الحجر الأسود والرّكن اليماني يحطّان الخطايا حطاً “، رواه أحمد، ومن المشروع للمسلم أن يستلم الحجر الأسود عندما يبدأ في الطواف، وعند بداية كلّ شوط، وكذلك فإنّ من المشروع له أن يقوم بتقبيله، فإنّ شقّ عليه ذلك فإنّه يستلمه بيده، ويقبّل يده، أو يشير إليه بدون تقبيل، فعن نافع ـ رضي الله عنه ـ قال:” رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده، ثمّ قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يفعله “، رواه مسلم.
وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال:” إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقبّلك ما قبّلتك “، رواه البخاري.
قال ابن حجر:” قال الطبري: إنّما قال ذلك عمر، لأنّ النّاس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظنّ الجهّال أنّ استلام الحجر تعظيم بعض الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهليّة، فأراد عمر أن يعلم النّاس أنّ استلامه اتباع لفعل رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لا لأنّ الحجر يضرّ وينفع بذاته، كما كانت تعتقده في الأوثان … وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدّين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أنّ في الحجر الأسود خاصيّة ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنّن بالقول والفعل، وأنّ الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد، أن يبادر إلى بيان الأمور ويوضح ذلك “. (3)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 39913/ الحجر الأسود أصله من الجنة/9-11-2003/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 140192/ حكم التبرك بالحجر الأسود وسائر أحجار الكعبة وأستارها/ 26-9-2010/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن مقال الحجر الأسود/ 19/05/2013/ موقع المقالات/ إسلام ويب/ islamweb.net