كثيرة هي الحوادث والوقائع التي حصلت مع الناس، وقد تحوّلت مع الزمن إلى أمثالٍ وحكمٍ تُحكى بين الناس، إن كان لإعطاء دروس من تجارب الغير، أو كموعظة يقتدى به، وبعض الأمثال والحكم قد أدخلت أشخاص أو أغراض التاريخ من أوسع أبوابه، حيث خلّدت أسمائهم حتّى يومنا هذا.
يتداول مثل ( وعاد بخفي حنين )، في الكثير من حكايات الخيبة وربما الخذلان، ويقال أيضاً للخسارة أو لنقل عدم الفوز، ليدخل خفّ حنين التاريخ وينال الشهرة منذ القديم حتّى اليوم.
تحكي قصّة هذا المثل، عن رجل يدعى ( حنين )، كان يعمل اسكافياً، أي في صناعة الأحذية، فيدخل إلى دكانه ذات يوم رجل اعرابي، كان ينوي أن يشتري حذاءً ( خف )، وما أن يسأل عن سعره ويجيبه حنين، حتى يبدأ هذا الاعرابيّ بمساومته أشدّ مساومة، وبالتالي كانت بينهما مشادة كلاميّة قويّة، فيبدأ هذا الإعرابي بالسبّاب والشتم، فما كان من حنين إلاّ أن غضب شديد الغضب، وبالتالي أتى رفضه أن يبيع الإعرابي نتيجة هذه المشادة، ليغتاظ بدوره الأعرابي، فيزيد من كلمات الشتم والسباب بألفاظ جد نابية، وينصرف بعدها.
نتيجة لإنزعاج حنين من الإعرابي، ما كان منه إلاّ أن قرر الانتقام منه، فيأخذ بدوره الخفين ويذهب في طريق يسبق فيه الأعرابي، ويقوم بإلقاء أحد الخفين، وبعد مسافة قريبة يقوم بإلقاء الخفّ الآخر، ويقوم بالاختباء حتّى يراقب ماذا سيفعل الإعرابي حين وصوله وعثوره على الخفّ.
عند وصول الإعرابي إلى المكان، وجد أحد الخفّين، فالتقطه وكلّم نفسه قائلاً بأنّ هذا الخفّ كم يشبه الخفّ الذي كنت أنوي شراءه من حنين الملعون، ولكنّه خفّ واحد لا ينفعني بشي، فيقوم برميه ويكمل مسيره، ليفاجأ بعد مسافة قد مشاها براحلته أن وجه الخفّ الآخر، ليندهش ويقرّر العودة إلى حيث رأى الخفّ الأول ويجلبه، فيترك الإعرابي راحلته ويعود أدراجه مسرعاً ليستعيد الخفّ الذي رآه أولاً، فما كان منه إلاّ أن أحضره ورجع إلى مكان تركه لراحلته، ولكنه لم يجدها، وقد كانت سرقت.
يعود إلى دياره لا يحمله معه إلاّ هذا الخفّ، وعندما يُسأل عن حمولته من سفره، يجيب: ” عدتُ بخفّي حنين “، وبذلك يكون خفّي حنين مضرب مثلٍ لكثير من الخيبات، وأيضاً لسوء التصرّف، وضياعة ما كان يجب أن نحافظ عليه، ولولا أنّه قد طمع في لقيّة كان يفترض لو اشتراها، لما كان خسر وأضاع الكثير.