محتويات
'); }
عام الفيل الذي وُلد فيه النبيّ
وُلد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في عام الفيل، وهو العام الذي نوى فيه أبرهة الأشرم هدم الكعبة، وذلك في عام خمسمئة وسبعين للميلاد أو بعدها بعام، وقد وُلد -عليه الصلاة والسلام- في يوم الإثنين، الثاني عشر من ربيع الأول، أمّا حادثة الفيل فقد ذُكرت في القرآن الكريم، فقال الله -عزّ وجلّ-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ).[١][٢]
أما مكان مولده -صلى الله عليه وسلم- فقد كان في بيت محمد بن يوسف الثقفيّ، والذي كان قبله لعقيل بن أبي طالب، وقامت الشفا أم عبد الرحمن بن عوف بتوليد أمّه، واستبشر جدّه عبد المطّلب بمولده، فأخذه وذهب به إلى داخل الكعبة ودعا له، وسمّاه محمّداً ليكون محموداً بين أهل الأرض كلّهم، ولم يكن هذا الاسم لأحدٍ من قبله.[٣]
'); }
عام الفيل
قصة أصحاب الفيل
قام أبرهة الأشرم ببناء كنيسةٍ في اليمن وأسماها القليس، وأرسل إلى النجاشيّ ليخبره أنّه يريد أن يتحوّل حجّ الناس إليها بدلاً من الكعبة، فبلغ ذلك رجلٌ من بني كنانة، فخرج إليها وخرّب فيها، ولمّا علم أبرهة بذلك توعّد بهدم الكعبة، فجهّز جيشاً بقيادة الأسود بن مقصود، وجعل أبا رغال دليلاً له في الطريق، حتى وصل إلى المغمّس، فوجد فيها مئتي بعيرٍ لعبد المطلب، فأخذها، فأقبل إليه عبد المطلب يسأله عن سبب أخذه لبعيره، فاستهزأ به أبرهة لأنّه سأل عن بعيره ولم يسأل عن الكعبة التي جاء ليهدمها، فقال عبد المطلب: الإبل أنا ربّها، وللبيت ربٌّ سيحميه، فأنكر أبرهة حماية الله للبيت، وردّ عليه عبد المطلب أنّ تُبّع وسيف بن ذي يزن وكِسرى قد حاولوا من قبله فلم يستطيعوا إيذاء بيت الله، فأعاد أبرهة البعير إلى عبد المطلب، وأخذها وعاد إلى مكة مخبراً قريش بما سيفعل أبرهة ليأخذوا حذرهم ويذهبوا إلى الجبال.[٤]
ويُقال أنّ ما أدّى إلى حادثة الفيل هو أنّ مجموعةً من تجّار قريشٍ توجّهوا إلى الحبشة من أجل التجارة، فساروا حتى وصلوا إلى الساحل بمكانٍ أسماه الكلبيّ البيعة، وأسماه مقاتل الهيكل، فأشعلوا ناراً ليُحضّروا عليها طعاماً لهم، ولمّا انتهوا تركوها وذهبوا دون أن يُطفئوها، فأتت ريحٌ وامتدت النيران على إثر ذلك حتى احترق المكان، فلمّا علم النجاشيّ باحتراق البيعة غضب غضباً شديداً، فأتاه أبرهة بن الصباح، وحجر بن شراحبيل، وأبو يكسوم، ووعدوه بإحراق الكعبة، فساورا نحو الكعبة وأخذوا معهم فيلاً واحداً حسب ما قاله الغالبيّة، وقال الضحّاك أنّ عدد الفِيَلة كان ثمانية، وقيل إن النجاشيّ كان معهم، وقيل غير ذلك، وساروا حتى وصلوا ذي المجاز، فوجدوا فيها أغنام أهل مكة قد خرجت للرعي، ومنها ما كان لعبد المطلب، فأخذوها كلّها، وذهب الراعي محذّراً أهل مكة بمجيئهم، فصعد على جبل الصفا ونادى بالناس وأخبرهم، فخرج عبد المطلب يسأل أبرهة عمّا أخذه من أغنامه وإبله، فأعادهم إليه على اعتبار أنّه سيعود لأخذها بعد دخوله مكة، فأخذ عبد المطلب الإبل ووضعها في جبال مكة، وأكملوا طريقهم لإحراق الكعبة، فكانوا كلّما توجّهوا نحوها عاند الفيل أمرهم، وكلما انصرفوا عنها أطاع أمرهم، وقال محمد بن إسحاق أنّ اسم الفيل كان محموداً، وروت عائشة أنّ قائد الفيل وسائقه أعماهم الله -تعالى- وأقعدهم، فكانوا يطلبون المساعدة من أهل مكة.[٥]
وقد عاقب الله -تعالى- أصحاب الفيل؛ فأرسل عليهم طيراً متتابعة، ترمي عليهم طيناً يابساً، وقد بيّن الله -تعالى- ذلك في القرآن الكريم في سورة الفيل، وكانت هذه السورة الكريمة بمثابة تذكيرٍ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ هؤلاء الذي أرادوا إحراق وهدم الكعبة؛ قد عاقبهم الله فأرسل عليهم طيراً ترميهم بالحجارة، كلّ طيرٍ يحمل العديد من الأحجار بفمه وقدميه، وعندما ترميها تقتل الأعداء وتجعلهم كأوراق الشجر اليابس، لِذا جعل الله تدبيرهم تدميراً عليهم، وهذا من أعظم ما يُظهر قدرة الله -تعالى-، وفي ذلك تمهيدٌ لنبوّة سيدنا محمد بوقوع مثل هذه الحادثة والمعجزة في السّنة التي وُلد فيها، ويظهر فيها حفظ الله -تعالى- لبيته من الهدم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عن مَكَّةَ الفِيلَ، وسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسوله والمُؤْمِنِينَ)،[٦] ويختلف اعتداء أهل الحبشة على الكعبة بالهدم والتخريب عن اعتداء قريشٍ حينما أدخلوا الأصنام إليها، وذلك بأن أهل الحبشة اعتدوا على حقّ العباد، أمّا قريش فكان الاعتداء من قبلهم على حق الله -تعالى-، وفي هذه الحادثة تأليفٌ لقلوب قريش لدخول الإسلام، بسبب دفْع الله -تعالى- لضرر أهل الحبشة عنهم، وجعْل قصّتهم عبرةً لغيرهم إلى يوم القيامة.[٧]
دلالات من حادثة الفيل
تُعتبر حادثة الفيل والتي وقعت في سنة مولد النبيّ محمّد -صلى الله عليه وسلم- مؤشراً كبيراً لمجيء رسالة الإسلام، وما سيكون فيها من بعثة النبيّ، وبدء الوحي، ونزول القرآن الكريم، وكان تزامن هذه الحادثة مع ولادة رسول الله توضيحاً لما أوحى الله -تعالى- به إلى الأنبياء السابقين بالبشارة بنبوّة محمد، لتكون لهم العبرة والعظة منها، كما أنبأت ولادته -عليه الصلاة والسلام- باقتراب سطوع نور الحق بالكتاب العظيم، قال -تعالى-: (وَهـذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعوهُ وَاتَّقوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ)،[٨][٩] وفي هذه الحادثة العظيمة أصبح العرب يهابون أهل قريش ويعظّمونهم، لِما رأوا من دفع الله -تعالى- لعدوّهم عنهم، وأصبح عام الفيل عندهم رمزاً ينسبون وقوع الأحداث إليه، فيقولون: وُلد فلان بعام الفيل، ووقع هذا الحدث بعام الفيل.[١٠]
بعثة النبي عليه الصلاة والسلام
تُوفّي عبد الله والد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عندما كان عمر النبيّ سنتين وأربعة شهور، أمّا أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب؛ فقد توفّيت حين كان عمره ثماني سنوات، فأخذه عمّه أبو طالب ليبقى عنده، ولمّا صار عمره تسع سنين سافر به إلى بصرى الشام، وتزوّج بخديجة بنت خويلد في الخامسة والعشرين من عمره، أمّا هي -رضي الله عنها- فقد كان عمرها أربعين عاماً، وقد نزل عليه جبريل -عليه السلام- عندما كان عمره أربعين عاماً، وعلّمه الوضوء والصلاة، وأُنزل في هذه الليلة قول الله -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ…)،[١١] وأسلمت خديجة -رضي الله عنها- معه، وقد وضع -صلى الله عليه وسلم- حجر الكعبة في مكانه عندما اختلفت قريش على ذلك، وكان قد بلغ من العمر حينئذٍ خمسةً وثلاثين عاماً وشهرين، وبقي في مكة ثلاثة عشر عاماً، ثمّ هاجر إلى المدينة المنورة في ربيع الأول.[١٢]
وكانت بعثة الله -تعالى- لرسوله -صلّى الله عليه وسلّم- ليُخرج الناس من الظلمات إلى أنوارالمعرفة والقيم الأخلاقية، قال الله -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[١٣] وكان الناس في أشدّ الحاجة إلى مَن يُنقذهم ويسير بهم إلى طريق الحق، ويتحقّق ذلك ببدء وحي السماء ورسالة الإسلام.[١٤]
المراجع
- ↑ سورة الفيل، آية: 1-5.
- ↑ محمد الدبيسي (2010)، السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية، القاهرة: جامعة عين شمس، صفحة 149. بتصرّف.
- ↑ محمد رضا، محمد صلى اللّه عليه وسلم، صفحة 19، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ علي الماوردي، تفسير الماوردي = النكت والعيون، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 339، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ علي الماوردي، تفسير الماوردي = النكت والعيون، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 340، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2434، صحيح.
- ↑ مصطفى البغا، محيي الدين مستو (1998)، الواضح في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الكلم الطيب، دار العلوم الإنسانية، صفحة 297-299. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 155.
- ↑ عبد الرحمن الحجي (1420)، السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثه (الطبعة الأولى )، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 275-276. بتصرّف.
- ↑ علي الندوي (1425)، السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي (الطبعة الثانية عشر )، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 130. بتصرّف.
- ↑ سورة العلق، آية: 1.
- ↑ محمد بن حبيب البغدادي، المحبر ، بيروت: دار الآفاق الجديدة، صفحة 8-10. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 15-16.
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 15، جزء 2. بتصرّف.