لماذا كانت معجزات الرسل مؤقتة

'); }

لماذا كانت معجزات الرسل مؤقتة

كانت معجزات الأنبياء قبل سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- معجزات مُؤقتة محدودة، بمعنى أنّها قصيرة الأمد، تذهب بموتهم وانتهاء زمانهم، وهذا ينطبق على معجزات كافّةِ الأنبياء، باستثناء سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- الّذي جاء هدى، ورحمة لجميع العالمين، فكانت معجزته مستمرّة طالما استمرّ الزّمان إلى يوم القيامة، فمعجزات الرّسل عامّة انقرضت بموتهم. [١][٢] وذلك لعدة أسباب، وهي:

  • طبيعة المعجزات وأنها كانت حسيّة؛ ومن الطّبيعي أن تكون المعجزات في الأزمنة الماضية حسيّة، لأنّها مناسبة لطبيعة النّاس وثقافتهم، فمخاطبتهم بالعقول والعلوم أمرٌ صعب في ذلك الزمان، فقد أنزل الله -سبحانه وتعالى- المعجزات مناسبة لطبيعة النّاس وعقولهم، فقد كان البشر على الفطرة والبداهة، تفكيرهم بسيط، قليلي المعلومات، فناسبتهم المعجزات الحسيّة، وأمّا عندما ارتقت العلوم البلاغيّة، والعقليّة جاءت معجزة عقليّة تناسب الزّمان، وهي نزول القرآن الكريم، وبحكمة الله -سبحانه وتعالى- اختار أن يحوي القرآن الكريم معلومات تُعجز النّاس في كلّ المراحل والأزمان.[٣].
  • أنّها كانت تهدفُ لإظهار عجز النّاس الذين حضروها، فيُذعنوا لله -تعالى- ويؤمنوا به وبعظمته، وذلك متل تَحَوُلِ عصى موسى -عليه السلام– إلى أفعى، وشقّ البحر إلى نصفين، ومثل معجزة إحياء الموتى لسيّدنا عيسى -عليه السّلام-، وعلاجه للأكمه والأبرص بإذن الله -تعالى-.[٤][٥]
  • أرسل الله -سبحانه وتعالى- المعجزات بشكل يُلائم النّاس وطبيعة حياتهم، فقد كانت الرّسالات سابقاً مختصّة بقوم وزمان ومكان محدّدين، فلاءمها أن تكون المعجزات مؤقتة وغير خالدة[٦].

'); }

القرآن الكريم المعجزة الخالدة

أرسل الله -سبحانه وتعالى- الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- برسالة كانت تتميّز بالشموليّة، وذلك لتكون رسالة للعالم أجمع حتى يوم القيامة، قال -تعالى-: (قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّـهِ إِلَيكُم جَميعًا الَّذي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ لا إِلـهَ إِلّا هُوَ يُحيي وَيُميتُ فَآمِنوا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ)،[٧]وحتّى تكون المعجزة حُجّة على جميع النّاس، كان لابد أن تكون وحيّاً لا معجزة حسيّة تنتهي مع موت النبيّ، فالأنبياء جميعاً قبل سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- جاؤوا برسالة التّوحيد، وبجانبها معجزة تدلّ على صدقهم، أما القرآن الكريم فهو الرّسالة وهو المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة.[٨][٦]

حفظ الله -سبحانه وتعالى- القرآن الكريم لأنّه المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة، وبه قد حفظ قصص بعض الأنبياء والرّسل -عليهم السّلام-والمعجزات التي أتت على أيديهم، فلولا القرآن الكريم لَما سمع أحد بهذه المعجزات المُؤقتة،[٩] فإنَّ للقرآن الكريم العديد من الخصائص التي لم يسبق أن كانت لأيّ من الشّرائع السّابقة، وهي كما يأتي:[١٠]

  • اشتماله على ما جاء في الكتب السّابقة، ويزيد عليها بإعجازه وشموليّته من أخلاق، ومطالب.
  • اشتماله على أخبار السّابقين واللّاحقين، وفيه أحكام الشّريعة، وحِكمٌ لهداية النّاس، وأوامر إلاهيّة.
  • هو المرجع الصّحيح الوحيد الذي نثق به، فما وافقه من الكتب السّابقة فهو مقبول لدينا، وما خالفه فهو مردود، لأنّ كلّ الشّرائع السّابقة قد دخلها التّحريف، والتّبديل، إلّا القرآن الكريم لم يدخل عليه تحريف من زيادةٍ أو نقصانٍ، ولو بحرفٍ واحد وذلك لأنّ الله -تعالى- قد تكفّل بحفظه، قال -تعالى-: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ).[١١]وذلك لأنَّ الله -تعالى- قد تكفّل بحفظها.
  • احتواؤه على إعجاز بذكره للأمور الغيبيّة، وهو معجز بفصاحته وبلاغته، وبكلّ ما جاء فيه.
  • أنه كتاب لجميع الإنس والجن معاً، ولا يختص بقوم، أو زمانٍ معيّن.
  • التأثيرٌ الكبير على سامعه، وهذه ممّا جعل الله -تعالى- فيه من سكينة وطمأنينة للقلوب.
  • أنه كتاب لا يُملّ أبداً في قراءته، بل كلّما قرأه الإنسان أكثر كلّما ازداد حبّاً، وتعلّقاً به.
  • سهولته يسير الحفظ، فقد جعل الله -تعالى- له هذه الميّزات حتّى يحفظه المسلمون عبر العصور.
  • شموله إذ لم يختص بجهة، أو موضوع معيّن، بل لم يبقَ أمر إلّا وقد أشار الله -تعالى- له في القرآن الكريم ، فخصائصه كثيرة.
  • الدّستور الذي تُقام عليه حياة البشر في كل نواحيها وجهاتها.
  • أنه معجزة مغايرة لكلّ أنواع البيّنات والبراهين التي سبقته، يقول ابن خلدون: (فإنّ الخوارق في الغالب تقع مغايرة للوحيّ الذي يتلقّاه النبي ويأتي بالمعجزة شاهدة بصدقه، والقرآن هو بنفسه الوحيّ المدّعى، وهو الخارق المعجز، فشاهده في عينه، ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي، فهو أوضح دلالة لاتّحاد الدليل والمدلول فيه)، فقد اجتمعت في القرآن الكريم خصائص أنّه وحيّ، وكتاب فيه دلالاتٌ، ومعجزة وهو غاية في الوضوح ممّا جعله كتاب مؤهلٌ ليكون للأمّة جمعاء.[١٢]
  • إعجازه لجميع المكلّفين فهو باقٍ ببقاء التّكليف.[١٢]
  • مطابقته للسُّنن الكونيّة، فمن السّهل على الإنسان من خلال دراسة القرآن الكريم وفهمه، أن يتّبع هذا الدّين الذي كانت المعجزة فيه موافقة لحياة وطبيعة البشر، وهذه الخاصيّة ممّا تميّز بها القرآن الكريم، قال -تعالى-: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّـهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ*أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).[١٣][١٢]
  • القرآن الكريم هو المعجزة الوحيدة التي تحدّى الله -سبحانه وتعالى- بها النّاس من وقت نزوله، وحتى يوم القيامة، على الإتيان بمثل القرآن الكريم، قال -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ).[١٤][١٥]

تعريف المعجزة وأهميتها

المعجزة لُغةً هي من أعجز وعجز، وحرف الهاء للمبالغة، وهي عكس القدرة، والحزم، ويُقال العجز هو الضّعف، وقد فسّر العلماء كلمة المعجزة اصطلاحاً بأنَّها: الأمر الخارق للسُّنن الكونيّة التي جعلها الله -تعالى- في الكون، وتأتي على يد أحد الأنبياء ليتحدّى بها النّاس فيؤمنوا بالله -سبحانه وتعالى-،[١٦] فهي أُمورٌ لا تحدث وفقاً للقوانين الكونيّة وطبيعتها، ولا يُمكن لبشر طبيعيّ أن يصل بعلمه، أو جهده لفعل مثلها، فهيَ خوارق للعادات.[١٧][١٧]

ومن دون المعجزات لا يُمكن أن تقام الحُجّة على النّاس يوم القيامة، فالله -تعالى- قد بعث للنّاس الأنبياء لدعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهي أمورٌ يؤيدها الواقع، ولا تنافي العلم كذلك، كما أنّها أمورٌ ممكنة عقلاً،[١٨] وهي من الأمور التي يعرفها النّاس، حتى لا تبدو غريبة فيرفضوها ويُعرضوا عنها، وسيّدنا موسى -عليه السلام- أتى بمعجزات تفوق قدرات السّحر، حين أنّ قومه كانوا معروفين بالسّحر، وخداع البصر وهكذا، وهنا تكمن أهميّة المعجزة التي هي البُرهان على الصّدق القطعيّ للنبيّ، فالمعجزة هي البُرهان على أنّ المتحدّث هو رسول من الله -عز وجل-.[١٩]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، .: موقع الجامعة على الإنترنت، صفحة 397، جزء 14. بتصرّف.
  2. جلال الدين السيوطي (1974 م)، الإتقان في علوم القرآن، مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 3-4، جزء 4. بتصرّف.
  3. موسى شاهين لاشين (2002 م)، فتح المنعم شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى )، عمّان – الأردن: دار الشروق، صفحة 90، جزء 9. بتصرّف.
  4. أكرم العمري (1994 م)، السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (الطبعة السادسة)، المملكة العربية السعودية: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 593، جزء 2. بتصرّف.
  5. محمد راتب النابلسي (2005 م)، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (الطبعة الثانية)، دمشق – سوريا: دار المكتبي، صفحة 30، جزء 2. بتصرّف.
  6. ^ أ ب مصطفى مسلم (2005 م)، مباحث في إعجاز القرآن (الطبعة الثالثة)، دمشق – سوريا: دار القلم ، صفحة 30-31. بتصرّف.
  7. سورة الأعراف، آية: 158.
  8. سورة البقرة، آية: 143.
  9. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، القاهرة – مصر: دار الفكر العربي، صفحة 3967، جزء 8. بتصرّف.
  10. محمد بن إبراهيم الحمد، الطريق إلى الإسلام (الطبعة الثانية)، الرياض – المملكة العربية السعودية: دار بن خزيمة، صفحة 62-64. بتصرّف.
  11. سورة الحجر، آية: 9.
  12. ^ أ ب ت نور الدين عتر (1993 م)، علوم القرآن الكريم (الطبعة الأولى )، دمشق – سوريا: مطبعة الصباح، صفحة 194-196. بتصرّف.
  13. سورة العنكبوت، آية: 50-51.
  14. سورة البقرة، آية: 23.
  15. الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم، ماليزيا: جامعة المدينة العالمية، صفحة 13. بتصرّف.
  16. مصطفى مسلم (2005 م)، مباحث في إعجاز القرآن (الطبعة الثالثة)، دمشق – سوريا: دار القلم، صفحة 18. بتصرّف.
  17. ^ أ ب علي الصلابي (2011 م)، الإيمان بالرسل والرسالات (الطبعة الأولى )، بيروت – لبنان: دار المعرفة ، صفحة 317-318. بتصرّف.
  18. سيد سابق، العقائد الإسلامية، بيروت – لبنان: دار الكتاب العربي، صفحة 208. بتصرّف.
  19. حسن أيوب (1983م)، تبسيط العقائد الإسلامية (الطبعة الخامسة)، بيروت – لبنان: دار الندوة الجديدة، صفحة 147. بتصرّف.
Exit mobile version