'); }
سبب تسمية شهر محرم بهذا الإسم
سمي شهر الله المُحَرَّم بهذا الاسم من باب التشريف له، والتأكيد على أنَّ الله -تعالى- هو الذي حرَمَّه فلا يستطيع أحد تحليله، وشهر الله المحَرَّم هو أفضل الأشهر الحُرُم، وقد روي عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-: (أنَّه سأَلَ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: أيُّ الرِّقابِ أَزْكى، وأيُّ الليلِ خَيرٌ، وأيُّ الأشهُرِ أفضَلُ؟ فقال له: أَزْكى الرِّقابِ أَغْلاها ثَمنًا، وخَيرُ الليلِ جَوفُه، وأفضَلُ الأشهُرِ شَهرُ اللهِ الذي تَدْعونَه المُحرَّمَ)،[١] وقال ابن رجب: إنّ المقصود من ذلك أفضل الأشهر بعد رمضان.[٢]
وقد سميت الأشهر الأربعة الحُرُم بهذا الاسم لأنَّه لا يجوز فيها الغزو والقتال، أمّا بالنسبة للاسم القديم لشهر المُحَرَّم فهو صفر الأوّل؛ لتميّزه عن صفر الثاني الذي عُرف به، وكان يُعرف صفر و المُحَرَّم معاً بالصفرين، أمّا عند قدماء العرب وبعض علماء اللغة فقد عُرِّف بلفظ الموجب، واسمه عند الجاهليين كان صفر الأوّل، أمّا اسم المُحَرَّم فقد أطلق عليه في الإسلام؛ لأنّه كان في البداية صفةً له لحرمته ثمَّ غلب عليه الاسم وأصبح علماً له،[٣] وقد سُميّ بذلك أيضاً لأنّه الحروب كانت تُحَرَّم فيه، ولأنّ الله -تعالى- عندما لعن إبليس، وأنزله إلى الأرض؛ حرَّم عليه الجنّة، وكان ذلك في هذا الشهر.[٤]
'); }
فضل شهر محرم
يختلف فضل شهر المُحَرَّم نفسه، عن فضل الأعمال الصالحة فيه، وتوضيح ذلك فيما يأتي:[٥]
- فضل شهر الله المُحَرَّم: ذهب النووي إلى أنَّ شهر مُحَرَّم هو أفضل شهر للصوم بعد رمضان لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ)،[٦] وأفضل يوم فيه هو يوم عاشوراء؛ أي اليوم العاشر من مُحَرَّم، ثمَّ تاسوعاء؛ أي التاسع منه، ثم العشر الأوائل منه، وهذا ما ذكره المرداوي، وابن رجب، وهذا ما نقله أبي عثمان النهدي، مع أنّه لم يرد حديث صحيح في فضل صيام العشر الأوائل من مُحَرَّم في مجموعها؛ كما ورد في فضل العشر الأواخر من رمضان، أو العشر الأوائل من ذي الحِجَّة، وقد قال الحسن: إنَّ شهر الله المُحَرَّم كان يسمى بشهر الله الأصمّ من شدّة تحريمه، وقال ابن قاسم: إنّ أفضل التطوّع المطلق هو في شهر الله المُحَرَّم، وأما بالنسبة إلى أنَّ أكثر صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في شعبان بالرغم من فضل شهر الله المُحَرَّم؛ فقد فسَّر النووي ذلك بأنّه ربما يكون قد علم تفضيله بآخر حياته، أو ربما كان يعرض له أعذار تمنعه من صيامه كسفر أو مرض، ووجود يوم عاشوراء فيه يزيد من أفضليّته، وهو يوم له فضل عظيم ومنزلة عظيمة.[٧]
- فضل العمل الصالح في شهر الله المُحَرَّم: قال ابن عباس: إنَّ أجر العمل الصالح في الأشهر الحُرُم، ومنها مُحَرَّم أعظم من أجره فيما سواها كما أنَّ الوزر والذنب فيها أعظم؛ لأنَّ الله -تعالى- يعظّم ما يشاء وقد عظّم من الأشهر شهر رمضان، والأشهر الحُرُم، ومن أعظم الأعمال الصالحة التي رغَّب بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر هو الصيام، لا سيّما صيام يوم عاشوراء الذي يكفّر ذنوب سنة كاملة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ)،[٨] ويُستحب صيام تاسوعاء أيضاً لمخالفة أهل الكتاب في صيامهم عاشوراء منفرداً.[٩]
ما هو شهر محرم
اتّفق المسلمون في السنة السادسة عشر للهجرة على أنَّ أول الأشهر الهجرية هو شهر الله المُحَرَّم، وكان ذلك في عهد أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقد أُدخِلَت عليه الألف واللاّم دون غيره من الشهور كما بيّن ذلك النَحَّاس،[١٠] ويتبيّن فضل شهر الله المحرم من إضافته إلى الله -تعالى- كقول: ناقة الله، وبيت الله؛ فهي إضافة تشريف وتفضيل، وقد ذكر الله -تعالى- الأشهر الحُرُم في كتابه العزيز في قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم)،[١١] قال الإمام القرطبي: إنّ اختصاص الأشهر الأربعة الحُرُّم بالنهي عن ظلم النفس فيها هو من باب التشريف لها؛ لأنّ الظلم مُحَرَّم في جميع الأشهر، وذهب إلى هذا القول أكثر أهل التأويل.[١٢]
وذهب ابن عباس إلى أنّ النهي يشمل الاثني عشر شهراً، وهذا قول السعدي أيضاً؛ أي أنَّ الضمير في قوله -تعالى-: (فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم)،[١١] يعود للإثني عشر شهراً التي هي مقادير العباد ولهم أن يستغلوها بطاعة الله -تعالى- وشكره، ويَحذروا من ظلم أنفسهم فيها، ويُحتمل أن يكون الضمير عائداً للأشهر الأربعة الحُرُم؛ لزيادة التأكيد على تحريم ظلم النفس فيها عن ظلم النفس في الأشهر الأخرى، وقد ذُكِر شهر الله المُحَرَّم في السنّة النبويّة أيضاً في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ).[١٣][١٢]
وقال ابن كثير إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أضاف رجب إلى مُضَر ليتبيّن أنّ المقصود هو رجب مُضَر لا رجب ربيعة؛ أي الشهر الذي بين جمادى وشعبان، وليس الذي بين شعبان وشوال أي رمضان، وبذلك تكون الأشهر الحُرُم أربعة واحد منها منفرد وهو رجب، الذي حُرِّمَّ في وسط السنة ليتمكّن الناس من زيارة البيت الحرام آمنين، وخاصّةً من يأتي من جزيرة العرب ليتمكّن من الرجوع إلى بلده آمناً، وثلاثة أشهر متتالية وهي ذو القعدة، وذو الحِجَّة، ومُحَرَّم، وقد حُرِّمَّ ذو القعدة لأنَّه شهر قبل الحج ليتمكّن الناس من أداء مناسك الحج والعمرة في وقت التوقّف عن القتال، و حُرِّمَّ ذو الحِجَّة ليتمكن الناس من أداء مناسك الحج فيه، وحُرِّمَّ بعده شهر الله المُحَرَّم ليتمكن الحُجّاج من العودة إلى بلادهم آمنين.[١٢]
المراجع
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 35/440، فيه أهبان لم يرو عنه غير حميد بن عبد الرحمن، وذكره بعضهم في الصحابة.
- ↑ “أحكام شهر الله المحرم”، www.ar.islamway.net، 2-9-2019، اطّلع عليه بتاريخ 21-7-2020. بتصرّف.
- ↑ جواد علي (2001)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار الساقي، صفحة 92، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ بطال الركبي (1988)، النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب ، مكة المكرمة: المكتبة التجارية، صفحة 160-161، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 921، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
- ↑ اللجنة العلمية بموقع المسلم، “فضائل شهر الله المحرم وأحكامه”، www.saaid.net. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- ↑ “فضل شهر الله المحرم وصيام عاشوراء “، www.ar.islamway.net، 18-3-2002، اطّلع عليه بتاريخ 21-7-2020. بتصرّف.
- ↑ معاذ العتيبي، “شهرُ اللهِ المحرَّم – مسائلٌ وأحكامٌ”، www.saaid.net. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة التوبة، آية: 36.
- ^ أ ب ت سليمان الجاسر، شهر الله المحرم فضائل وأحكام، الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 5550، صحيح.