جديد لماذا سمي النبي بالأمي

'); }

سبب تسمية النبي بالأمي

الأمّي لغةً هو الذي لا يعرف القراءة والكتابة، فيُنسَب إلى جبلَّته التي ولدته أمّه عليها،[١][٢] وسُمّي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالأمّي لأنّه لم يكن يقرأ ويكتب، أو نسبةً إلى مكّة أمّ القرى، أو نسبةً إلى أمّة العرب التي كانت عندهم الكتابة قليلة أو معدومة،[١][٢] وقد جاء لفظ الأُمّي في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه: أوّلها العرب، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ)،[٣] وثانيها اليهود الذين لم يعلموا بالتوراة، قال -تعالى-: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ)،[٤] وثالثها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قال -تعالى-: (الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ)،[٥][٦] فقد بعث الله -تعالى- رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- أمّياً لا يعرف القراءة والكتابة.[٧] وهي إحدى صفاته الخاصة التي انفرد بها عمّن سواه من الأنبياء،[٨]

وقد وصف الله -تعالى- نبيّه بذلك في العديد من الآيات القرآنية كقوله -تعالى- : (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)،[٩] وقوله -تعالى-: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)،[١٠][١١] بل كانت الأمّية أبرز ما وُصِف به -صلّى الله عليه وسلّم- في كتب من سبقه من الأنبياء بعد وصفه بالنّبوّة، لقوله -تعالى-: (الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ).[٥][٨]

'); }

خصائص أمّية الرسول

لا بدّ من توضيح أربعة أمورٍ متعلّقة بأمّية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ أوّلها أنّ الأمّية في حقّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فضيلةٌ وصِفة كمالٍ لِأمريْن؛ أوّلهما أنّها إحدى معجزاته الدّالّة على صدق نبوّته،[٨][١٢] فقد جاء بالعديد من المعارف والعلوم على الصعيدَين الديني والدنيوي ويُستَبعَد كونها من بشرٍ أمّيٍّ إلّا أن يكون معتمداً على وحيٍ من الله -تعالى- ومُؤَيَّدا به،[٨][١١] وثانيهما لاكتفائه بالحفظ والاعتماد عليه لقوله -تعالى-: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى)،[١٣][٢][٦] وثاني الأمور المراد توضيحها أنّ الأمّية لا تعني الجهل وقلة المعرفة، فما القراءة والكتابة إلّا وسائل مُعينة على العلم والتعلّم، وخير دليلٍ على ذلك قدرة الأعمى على تحصيل العلم مع عجزه عن القراءة والكتابة، وما كان عليه العرب من قدرةٍ عظيمةٍ في حفظ آلاف الأبيات الشعرية رغم شبه انعدام القراءة والكتابة بينهم، واعتماد الصحابة -رضي الله عنهم- في نشر السنّة النّبويّة ونقلها على ما حباهم الله -تعالى- به من قدراتٍ عاليةٍ في الحفظ.[١١]

أمّا ثالث الأمور هي أنّ الأمّية في حقّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليست على غرار الأمّية عند غيره من البشر، فما يأتي به رسول الله من العلم؛ لا يحتمل الخطأ والزلّة والباطل، لِكونه يتلقّاه من الله -تعالى-، وهذا على خلاف العلم الذي يأتي به غيره من البشر إن كان أمّياً، فهو يحمل في طيّاته احتمال الخطأ لِكونه يتلقّاه من بشرٍ مثله،[١١] ورابعها أنّ أمّية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم تمنعه من أن يُولّي اهتماماً في الكتابة، فقد اتّخذ أكثر من أربعين كاتباً من الصحابة ليكتبوا له الوحي والرسائل والعهود، ولم تمنعه أيضاً من الحثّ على تعلّم القراءة والكتابة، فقد أمر -صلّى الله عليه وسلّم- أسرى بدر ممّن لا يملك المال لفداء نفسه أنْ يُعلِّم الكتابة لعشرة صبيانٍ من الأنصار، وبذلك كان انتشار الإسلام سبباً في تخفيف الأمّية بين العرب.[١٢]

الدليل على أن النبي كان أمياً

هناك العديد من الأدلّة التي تُثبت أمّية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها ما يأتي:[١٤]

  • أخرج البخاري -رحمه الله- عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إلى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ، فَاشْتَرَطُوا عليه)،[١٥] إلى أن قال: (قالَ: وكانَ لا يَكْتُبُ، قالَ: فَقالَ لِعَلِيٍّ: امْحَ رَسولَ اللَّهِ، فَقالَ عَلِيٌّ: واللَّهِ لا أَمْحَاهُ أَبَدًا، قالَ: فأرِنِيهِ، قالَ: فأرَاهُ إيَّاهُ فَمَحَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ)،[١٥] وتَظهر أمّية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من خلال الحديث في أمرين: أوّلهما ما قاله البراء بن عازب -رضي الله عنه- في وصف رسول الله: (وكانَ لا يَكْتُبُ)، وثانيهما ما قاله رسول الله -صلّى اله عليه وسلّم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (فأرِنِيهِ)، فلو كان رسول الله يعرف القراءة والكتابة ما طلب من علي -رضي الله عنه- أن يدلّه على موضع العبارة التي أراد محْوها.
  • قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وهَكَذَا).[١٦][١٧]
  • قول الله -تعالى-: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)،[٩] فقد كان كفّار قريش واليهود يعلمون بأمّية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبنزول هذه الآية عليه، فلو لم يكن رسول الله أمّيا لوجدوا ما يُكذّبوه به.[١٨]
  • اتّخاذ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الكتّاب لِكتابة الوحي عنه، كأبي بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، وغيرهم الكثير، لا سيما زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان، حيث كانا أكثر الصحابة كتابةً عنه.[١٩]

الحكمة من أمية الرسول صلى الله عليه وسلم

هناك العديد من الحِكَم التي من أجلها بعث الله -تعالى- رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- أمّياً، ومنها ما يأتي:

  • قطع الشّك في صدق نبوّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وإبعاد الشبهة عنها، فقد قال -تعالى-: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)،[٩][٢٠][٢١] فلو لم يكن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمّياً لادّعى الناس استعانته بالقراءة والكتابة في تحصيل العلوم التي جاء بها، أو تلقّيها عن طريق أحد العلماء والحكماء، إلّا أنّ زخم المعارف التي جاء بها -صلّى الله عليه وسلّم- يصعب على العالِم القارئ جمعها وتحصيلها، فكان الأمّي أحرى وأجدر بذلك، كما أنّ ذلك لا ينفي لقاءه -صلّى الله عليه وسلّم- بأحدٍ من العلماء؛ للقائه بالراهبين بحيرا وورقة بن نوفل.[٢٢][٢٣]
  • تحدّي اليهود الذين كانوا يُقلّلون من شأن العرب وينتقصون منهم لِأمّيّتهم، فقد قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)،[٢٤] فأرسل الله -تعالى- رسوله إلى هؤلاء الأمّيّين لِيُعلِم اليهود أنّ فضله لا يقتصر عليهم ولا على غيرهم، وإنّما يؤتيه من يشاء، لقوله -تعالى-: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)،[٢٥] وقد أرسل رسوله أمّياً يُعلِّم القرآن الكريم ويتلو آياته كما كان يفعل الرسل الكاتبين من قبله في تعليم أُمَمهم كتبهم دون نقصٍ عنهم، بل ما جاء به -صلّى الله عليه وسلّم- من الحكمة والعِلم تجاوز وتعدّى ما جاء به غيره من الرسل في الأفضلية.[٢٦]
  • تمكين أهل الكتاب من معرفة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، لأنّه وُصف في كتبهم بالأمّي، لقوله -تعالى-: (الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ).[٥][٢٣]

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحكمة في بعث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى أمّة تغلبها الأمّية تكمن في سلامة فطرة الأمّيين ونقائها من الأفكار الملوّثة الموجودة في الكتب المُحرّفة، فيكون ذلك مدعاةً في أن يبذلوا قُصارى جهدهم في حمل الدعوة على أعتاقهم وتبليغها في حال اقتناعهم بها.[٢٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ابن منظور (1414ه )، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 34، جزء 12. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت محمد عضيمة، دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، القاهرة: دار الحديث، صفحة 554، جزء 7. بتصرّف.
  3. سورة الجمعة، آية: 2.
  4. سورة البقرة، آية: 78.
  5. ^ أ ب ت سورة الأعراف، آية: 157.
  6. ^ أ ب الفيروزآبادي (1416هـ – 1996م)، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، القاهرة: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، صفحة 159، جزء 2. بتصرّف.
  7. علي الندوي (1425 هـ)، السيرة النبوية (الطبعة الثانية عشرة)، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 176. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 89، جزء 8. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت سورة العنكبوت، آية: 48.
  10. سورة الفرقان، آية: 5.
  11. ^ أ ب ت ث محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 4، جزء 171. بتصرّف.
  12. ^ أ ب غانم الحمد (1423هـ – 2003م)، محاضرات في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، عمان: دار عمار، صفحة 50. بتصرّف.
  13. سورة الأعلى، آية: 6.
  14. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 126-127، جزء 45. بتصرّف.
  15. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 3184 ، صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1913 ، صحيح.
  17. منصور السمعاني (1418هـ- 1997م)، تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 430، جزء 5. بتصرّف.
  18. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 624، جزء 4. بتصرّف.
  19. إبراهيم الأبياري (1405ه)، الموسوعة القرآنية، صفحة 323. بتصرّف.
  20. محمد الخطيب (1383هـ – 1964م)، أوضح التفاسير (الطبعة السادسة)، مصر: مكتبة المطبعة المصرية، صفحة 201.
  21. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 125، جزء 45. بتصرّف.
  22. محمود غريب (1418هـ – 1988م)، سورة الواقعة ومنهجها في العقائد (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار التراث العربي، صفحة 171. بتصرّف.
  23. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 596، جزء 4. بتصرّف.
  24. سورة آل عمران، آية: 75.
  25. سورة القصص، آية: 5.
  26. ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية، صفحة 209، جزء 28. بتصرّف.
Exit mobile version