محتويات
كيف يهدي الله قوماً
كيفية هداية الله العامة للمسلم وغيره
أرسل الله -تعالى- لعباده الرُّسل ليبلّغوهم دعوته، ويبيِّنوا لهم طريق الهُدى ويرشدوهم إليه،[١] فالغاية الأساسية التي أرسل الله -تعالى- رُسُلَهُ من أجلها هي هداية النَّاس إلى توحيده -تبارك وتعالى- وحده، حيث قال -تعالى-: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ)،[٢][٣] ولإخراجهم من الضَّلال والكفر إلى الإيمان والهدى،[٤] ثمّ هداهم الله -عزَّ وجل- فأنزل الكتب،[٥] واختتمها بالقرآن الكريم[٦] الذي جعله الله -تعالى- هدىً ورحمةً لمن اتَّبعه وآمن به،[٧] وهو الكتاب المعين على الثَّبات على طاعة الله -تبارك وتعالى- واجتناب معاصيه،[٦] ولا بد من الإشارة إلى أنَّ الهداية تنقسم إلى أنواع، نوردها فيما يأتي:[١]
- النَّوع الأوَّل: الهداية العامَّة: وتكون لجميع المخلوقات في الكون كُلِّه، فالله -تبارك وتعالى- خلق الكون وهداه سبيله وسخَّره، وقد ورد هذا في قوله -تعالى- في سورة الأعلى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى).[٨][٩]
- النَّوع الثَّاني: هداية البيان والإرشاد: حيث أنزل الله -عزَّ وجل- الأنبياء والرُّسُل وأيَّدهم بالآيات والكتب والمعجزات؛ لهداية النَّاس وإخراجهم من ظُلمة الكُفر والشِّرك إلى نور الإيمان والهداية، حيث قال الله -تعالى- لرسوله -صلّى الله عليه وسلّم- في سورة الشورى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).[١٠]
- النَّوع الثَّالث: الهداية التوفيقيّة: وهي خاصَّة بالله -سبحانه وتعالى-، حيث يُوَفِّق العبد إلى طريق الهداية والصَّلاح، فالله -تعالى- يهدي من يشاء إلى الإيمان ويضلُّ من يشاء إلى الكفر، وهداية التوفيق متعلّقة بالله -عزَّ وجل- دون أحدٍ من خلقه، حيث قال -تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).[١١]
- النَّوع الرَّابع: هداية الله -سبحانه وتعالى- الناس للجنَّة أو النَّار: حيث يهدي الله المؤمن ليدخل جنَّة الخلد ودار السَّلام، والكافر إلى النَّار، قال -تعالى- في حقّ أهل الجنّة: (الحَمدُ لِلَّـهِ الَّذي هَدانا لِهـذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّـهُ)،[١٢] وقال -سبحانه- عن أهل النار: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ* مِن دُونِ اللَّـهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ).[١٣]
هداية الله الخاصة بعباده
تتحقَّق الهداية الخاصة بأن يشرح الله -تعالى- صدر عبده للإسلام، فيُقبل العبد على طاعة الله -عزَّ وجل- ويجتنَّبُ معصيته، ويعينه الله -سبحانه وتعالى- على ذلك، على خلاف من لم يرد الله -تعالى- له الهداية، حيث قال -تعالى-: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجعَلُ اللَّـهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يُؤمِنونَ)،[١٤][١٥] فالله بيّن طريق الخير لجميع الخلق بلا استثناء، ثمَّ يختصُّ منهم من سار على هذا الطَّريق طاعةً له -عزَّ وجل- فيما أمر،[١٦] فيقوم العبد بحقِّ الله -تبارك وتعالى- في التوحيد والطاعة، ويتحلَّى بمكارم الأخلاق، ويبتعد عن الشِّرك بالله،[١٧] وهذه الهداية من أعظم نعم الله -تعالى- التي يُنعم بها على عباده.[١٨]
طريق الهداية
الإنسان مخيَّرٌ بالسَّير في طريق الهدى أو طريق الضلال، ومَن سار بطريق الخير واهتدى بهدي الله -تعالى- زاده الله -تعالى- هدىً إلى هداه، وسهَّل له مسيره وووفّقُهُ إلى طاعته،[١٩][٢٠] وقد أنعم الله -سبحانه وتعالى- على الإنسان بالحواسِّ جميعها؛ ليستخدمها في هذا الطريق فيعقل ويهتدي، ويميِّز الصَّواب من الخطأ،[٢١] ومن سار في طريق الضَّلال فيتحمَّل نتيجة اختياره وضلاله العائدة بالسوء على نفسه،[٢٠] وقد قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢٢] أي أنَّ الله -تعالى- يهدي من يشاء الهداية إلى طريقه المستقيم،[٢٣] ليحقّق السعادة والفلاح، ويكون ممَّن قال الله -تعالى- فيهم: (فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم).[٢٤][٢٥]
أسباب الثبات على الهداية
هناك أسبابٌ كثيرةٌ متعدِّدةٌ للثبات على الهداية، فليس كلُّ من اهتدى ثبت واستمرَّ على طريق الهداية، فمنهم من يضلُّ وينتكس بعد أن هداه الله -عزَّ وجل- وأراه طريق الحقِّ، ومن أسباب الثَّبات على الهداية:
- التّوجّه إلى الله -تعالى بالدُّعاء بالثَّبات على الهداية والتزام طريق الصَّواب والحقِّ، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الله -تعالى- ويقول: (يا مقلِّبَ القلوبِ، ثَبِّتْ قَلبي علَى دينِك قالوا يارسولَ اللهِ: آمنَّا بكَ و بِما جئتَ بهِ، فما تخافُ علَينا؟ فقال: نعَم إنَّ القلوبَ بين إصبَعينِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ يقلِّبُها)،[٢٦] بالإضافة إلى الإقبال على الطاعات والتنافس فيها.[٢٧][٢٨]
- اجتناب المعاصي والذُّنوب وشهوات النَّفس، وضبط النفس بخشية الله -تعالى-، واليقين بأن ما عند الله خير وأبقى، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ).[٢٩][٣٠]
- مرافقة الصَّالحين والتأثُّر بهم والاقتداء بأخلاقهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله -عز وجل- غفر لعبدٍ جلس في مجلس ذكر مرة واحدة، فقال كما جاء في الحديث: (فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ. قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ).[٣١][٣٢]
- قراءة القرآن، والحرص عليه أثناء قيام الليل اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.[٣٣]
- طلب العلوم الدِّينية التي تساعد على زيادة الإيمان والعلم والفهم، والإخلاص في ذلك وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ).[٣٤][٣٥]
- الإقبال على الإسلام وتعاليمه، حيث قال -تعالى-: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجعَلُ اللَّـهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يُؤمِنونَ).[١٤][٣٦]
- تجنُّب فِتن الدُّنيا وشهواتها.[٣٧]
- الإكثار من ذكر الله -تعالى- والاستمرار عليه.[٣٨]
المراجع
- ^ أ ب حسن أبو الأشبال الزهيري، شرح صحيح مسلم، صفحة 18، جزء 76. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 36.
- ↑ عبد الكريم الخضير، شرح كتاب التوحيد، صفحة 8، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم القطان، تيسير التفسير، صفحة 284، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 189، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد المجممي (1433)، التنصير عبر الخدمات التفاعلية لشبكة المعلومات العالمية، المملكة العربية السعودية: جامعة الملك سعود، صفحة 205. بتصرّف.
- ↑ محمد العثيمين (1423)، تفسير الفاتحة والبقرة (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 53، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعلى، آية: 1-3.
- ↑ عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 12، جزء 119. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى، آية: 52.
- ↑ سورة القصص، آية: 56.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 43.
- ↑ سورة الصافات، آية: 22-23.
- ^ أ ب سورة الأنعام، آية: 125.
- ↑ أمين الشقاوي (2013)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الثامنة)، صفحة 586، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد بن العثيمين (1426)، شرح رياض الصالحين، الرياض: دار الوطن، صفحة 123-124، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أمين الشقاوي (2013)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الثامنة)، صفحة 584، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ أمين الشقاوي (2013)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الثامنة)، صفحة 583، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد الشعراوي (1997)، تفسير الشعراوي – الخواطر، القاهرة: مطابع أخبار اليوم، صفحة 4967، جزء 8. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دمشق: دار الفكر العربي، صفحة 3646، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ أسعد حومد، أيسر التفاسير، صفحة 5472. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 46.
- ↑ محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دمشق: دار الفكر العربي، صفحة 5210، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 69.
- ↑ إسحاق السعدي (2013)، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 126، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج كتاب السنة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 225، صحيح.
- ↑ أمين الشقاوي (2013)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الثامنة)، صفحة 586-587، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 10، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن رجل من أهل البادية، الصفحة أو الرقم: 1523، صحيح.
- ↑ محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 4، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6408، أورده في صحيحه، وقال: رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- ↑ محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 5، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 6، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم: 1037، صحيح.
- ↑ محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 7، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ سليمان العودة (2013)، شعاع من المحراب (الطبعة الثانية)، الرياض: دار المغني، صفحة 180، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سلمان العودة (2013)، شعاع من المحراب (الطبعة الثانية)، الرياض: دار المغني، صفحة 182، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سلمان العودة (2013)، شعاع من المحراب (الطبعة الثانية)، الرياض: دار المغني، صفحة 183، جزء 1. بتصرّف.