'); }
عذاب القبر وعذاب النار
إنّ نعيم القبر وعذابه وعذاب النّار من الأمور الثابتة في الكتاب والسنة، وهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فقد قال الله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)،[١] وقال أيضاً عن المنافقين: (سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدّونَ إِلى عَذابٍ عَظيمٍ)،[٢] وقد فسّر مجموعة من العلماء، ومنهم ابن مسعود -رضي الله عنه- العذاب الأول بالعذاب في الدنيا، والعذاب الثاني في القبر، والعذاب العظيم في نار جهنم، وقد ورد العديد من الأحاديث النبوية في إثبات عذاب القبر وعذاب النار، ومنها أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يستعيذ من عذاب القبر وعذاب النّار، فكان يقول: (اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذابِ القبرِ اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذابِ النارِ)،[٣][٤] ويجدر بيان أنّ نار جهنّم أشدّ فيحاً من نار الدنيا، فإذا لفحت الوجه تركته عظماً دون لحمٍ، وهي خاتمة العذاب، ومقرّ العناء، والحسرة والبكاء، وقد جعل الله -تعالى- للنار دركاتٍ، يدخلها أهلها بحسب إجرامهم وأعمالهم، وماء جهنم حميم، وظلها يحموم، وهواؤها سموم، وطعام أهل النار الضريع؛ وهو شوكٌ مرٌ نتنٌ لا يُشبع من يأكله ولا يهنأ، ومن طعام أهل النار أيضاً، قيح الأبدان وصديدها، وفاكهتهم شجرة الزقوم ذات الطعم شديد المرارة، وأمّا شراب أهل النّار؛ فهو الحميم الذي يُقطّع الأمعاء من شدة الحرارة.[٥]
اتقاء عذاب القبر
ثمّة أسباب كثيرة مُنجية من عذاب القبر، ومنها:[٤]
'); }
- الإكثار من ذكر الموت، فقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته بالإكثار من ذكر هادم اللذات، كما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أكثِروا من ذكرِ هادمِ اللَّذَّاتِ)،[٦] وفي الحقيقة إنّ الإكثار من ذكر الموت، يُشجع الإنسان على التوبة، والرجوع عن الذنب، وعدم الإصرار عليه، ويمنعه من ارتكاب المعاصي والآثام، ويخوفه من الله تعالى؛ فيأمن في القبر ويوم القيامة، لأنّ الله -عزّ وجلّ- لا يجمع على عبده خوفين ولا أمنين أبداً؛ فمن خافه في الدنيا أمّنه من الفزع في الآخرة، ومن لم يخشاه في الدنيا أفزعه في الآخرة، بالإضافة إلى أنّ الإكثار من ذكر الموت، يوقظ ضمير العبد، ويدفعه إلى محاسبة نفسه، فإذا أمسى لا ينتظر الصباح، وإذا أصبح لا ينتظر المساء، ممّا يدفعه إلى تجديد التوبة، والاستغفار، والندم.
- الإيمان والعمل الصالح، ومصداق ذلك قول الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ)،[٧] فيثبت الله -تعالى- الذين آمنوا واتبعوا إيمانهم بأعمال الجوارح في الحياة الدنيا، بأن يُنجيهم من اتباع الشهوات، والانخداع بالشبهات، وعند الموت بالثبات على الإسلام وحسن الخاتمة، وفي القبر بالإجابة الصحيحة عند سؤال الملكين للميت: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيهديه الله -تعالى- لقول: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد -صلّى الله عليه وسلّم- نبيي.
- الاستقامة، تُعتبر الاستقامة دليلاً على عمران القلب بالإيمان، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (قل آمنت بالله ثم استقم)،[٨]، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)،[٩] وقد فسّر أبو بكر الصّديق -رضي الله عنه- الآية السابقة بأنّ الذين استقاموا على توحيد الله -تعالى- لم يلتفتوا إلى ما سواه؛ وذلك لأنّ القلوب عندما تعرف خالقها، وتهابه، وتحبه، وتتوكل عليه؛ تستقيم، وإذا استقام القلب، استقامت جوارح الإنسان كلّها.
- التقوى؛ فقد وعد الله -عزّ وجلّ- المتقين بالنجاة من عذاب القبر، وفتنته.
- الرباط في سبيل الله -تعالى- والشهادة في سبيل عزّ دينه، حيث إنّها من الأمور العظيمة التي تُنجي من عذاب القبر، هذا وإنّ قراءة سورة المُلك باستمرار، والعمل بما جاء فيها من الأمور التي تُنجي من عذاب القبر أيضاً.
اتقاء عذاب النار
للنجاة من عذاب النار أسبابٌ عديدةٌ، منها:[١٠]
- التوحيد والإخلاص؛ ويُقصد بالتوحيد الإقرار بوحدانية الله تعالى، وإفراده بالعبادة، فهذا من دواعي النجاة من عذاب النار، إضافةً إلى أنّ النطق بالشهادتين بإخلاصٍ دون رياء، من أسباب النجاة من عذاب النار أيضاً.
- البكاء خوفاً من الله، إذ إنّ المسلم لا يبكي خوفاً من الله إلّا إذا استقرّ اليقين في قلبه، حتى كأنّه يرى أمامه الجنة والنار.
- التزام أوامر الله واجتناب نواهيه، ويكون ذلك بالمحافظة على الصلوت الخمس، وخاصّةً صلاتي العصر والفجر، ومن أوامر الله -تعالى- التي تقي من عذاب النار أيضاً؛ الصيام، ويُقصد به الامتناع عن الشهوة وعن تناول الطعام والشراب، من طلوع الفجر الصادق، حتى تغرب الشمس، بنية العبادة لله تعالى.
- الإكثار من صلاة النوافل، وصلاة ركعتي الضحى، وصلاة أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وأربع ركعاتٍ بعدها، والصدقة، والاستغفار، وتعلّم القرآن، والعمل بما جاء به، والإكثار من ذكر الله تعالى، ومن الباقيات الصالحات، وطاعة الزوج فيما يرضاه الله تعالى، وحبّ الخير للناس كما يُحبّه المرء لنفسه، وكفّ الجوارح -بما فيها العين واللسان- عمّا يُبغض الله ويُغضبه، وكذلك استحضار المسلم للعقوبة التي أعدّها الله لمن يرتكب المعاصي قبل ارتكابها؛ فبهذا الاستحضار كفّ عن ارتكابها، بالإضافة إلى أنّ إحياء ليالي رمضان بفعل الخيرات، والقيام من الأمور التي تقي من عذاب النار أيضاً.
المراجع
- ↑ سورة غافر، آية: 46.
- ↑ سورة التوبة، آية: 101.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4/276، إسناده صحيح.
- ^ أ ب “الأسباب المنجية من عذاب القبر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-9-2018. بتصرّف.
- ↑ “صفة النار من الكتاب والسنة”، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه النووي، في الخلاصة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2/891، إسناده صحيح.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 27.
- ↑ رواه الرباعي، في فتح الغّفار، عن سفيان بن عبد الله الثقفي، الصفحة أو الرقم:2099/4، إسناده صحيح.
- ↑ سورة فصلت، آية: 30.
- ↑ ندا أبو أحمد، الدار الآخرة أسباب النجاة من النار، صفحة 4-25. بتصرّف.