السعادة في الإسلام
لا تقتصر السعادة في الدين الإسلامي على الجوانب المادية فقط، وإن كانت هذه الجوانب من عناصر السعادة، فهي مجرّد وسيلةً لا غايةً في ذاتها، لذا فإنّ التركيز في الإسلام على تحصيل السعادة كان على الجانب المعنوي، كأثرٍ يترتّب على السلوك القويم للإنسان، قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ*وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)،[١] يتميّز الدين الإسلامي بالنظام الشامل الذي فيه من القواعد والنظم ما يرتّب للإنسان حياته الدنيوية، وحياته في الآخرة، فيكون بذلك قد ضمن للإنسان ما يحقّق له جميع مصالحه في الدنيا وفي الآخرة، فحفظ للإنسان المصالح العليا له؛ من حفظ النفس، والعقل، والدين، والمال، والنسل، فالسعادة من وجهة نظر الإسلام تشمل مرحلتين؛ المرحلة الأولى: السعادة الدنيوية، فقد شرع الإسلام من الأحكام والضوابط ما يكفل للإنسان الحصول عليها، فالحياة الدنيا إنّما هي سبيلٌ إلى الحياة الآخرة، والحياة الحقيقية هي حياة الآخرة، المرحلة الثانية: السعادة في الآخرة؛ وهي السعادة الدائمة الخالدة، وهي مترتبةٌ على صلاح العبد في حياته الدنيا، قال الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ).[٢][٣]
معنى السعادة
السعادة مصطلحٌ كغيره من المصطلحات التي تزخر بها اللغة العربية، لها معنيان؛ واحدٌ في اللغة، وآخرٌ في الاصطلاح وفيما يأتي بيان كلا المعنيين:
- السعادة في اللغة: اسمٌ، وهي مصدر للفعل سعد؛ أي فرحٌ، وابتهاجٌ، والسعادة هي كلّ ما يُدخل البهجة والفرح على النفس، والسعادتان هما: السعادة الدينية، والسعادة الدنيوية.[٤]
- السعادة في الاصطلاح: شعورٌ نفسيٌ يصاحبه الرضا، يحصل عليه العبد عند توفيقه بين مصالحة الدنيوية، ومصالحه الأخروية، وفق ضوابط الشريعة الإسلامية.[٥]
كيفية تحصيل السعادة
يسعى الإنسان إلى أن يكون سعيداً في حياته، ولكي يتمكّن له ذلك عليه أن يلتزم بالأسباب التي تحصل بها السعادة، وفيما يأتي بيان الأسباب:[٦]
- الإيمان والعمل الصالح؛ حيث قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون)،[٧] فالحياة الطيبة والسعادة تكون لأهل الإيمان وأصحاب الأعمال الصالحة، وأمّا غيرهم وإن كانوا يتمتّعون بالملذات المحسوسة فإنّهم في ضيقٍ؛ لأنّ مدار السعادة على القلب وراحته.
- الإحسان إلى الخلق بالقول، والعمل، وأنواع المعروف المختلفة، فإنّ الله -تعالى- يدفع عن العبد المحسن أنواع الهموم والغموم.
- الاشتغال بعملٍ من الاعمال، أو علمٍ من العلوم النافعة، فإنّ ذلك يُلهي القلب عن الانشغال بما يقلق النفس، ويوتّر الأعصاب.
- اجتماع الفكر على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وعدم الانشغال والخوف من المستقبل، أو الحزن على الماضي.
- الإكثار من ذكر الله تعالى، وهذا من أكبر أسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب، قال الله تعالى: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّهِ أَلا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).[٨]
- النظر إلى مَن هو أسفل منه، ولا ينظر إلى مَن هو أعلى منه، ففي هذه النظرة يرى أنّه يفوق الكثير من الخلق.
- السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، والسعي في تحصيل الأمور الجالبة للسعادة والسرور، وذلك بنسيان ما مضى من المكاره.
- تقوية القلب، وعدم التفاته للأوهام والخيالات التي تجلب له الأفكار السيئة؛ لأنّ الإنسان إن استسلم للخيالات والأوهام لازمته الهموم والغموم.
- الاعتماد على الله تعالى، والتوكّل عليه، والطمع فيما عنده.
- المقارنة بين النعم الحاصلة له الدينية أو الدنيوية، إذا أصابه مكروهٌ أو خاف منه.
منغصات السعادة
للسعادة منغصات كثيرةٌ جدّاً؛ منها:[٩]
- التعلّق بغير الله تعالى، حيث إنّ الإنسان عبدٌ لله تعالى، ومتى تعلّق قلبه بغير الله ذلّ، ومن التعلّق بغير الله التعلّق بالأولياء والصالحين، والتوسّل بهم، والاعتقاد بأنّهم ينفعون أو يضرّون، ومن التعلق بغير الله أيضاً الاعتقاد بالمنجّمين والعرّافين، وكلّ من يدّعي أنّه يعالج الأمراض بغير الرقية الشرعية.
- عدم الرضا بالقدر، وعدم الاستسلام لأوامر الله تعالى، أو ما يُعرف بالسخط والجزع؛ فالإنسان إن سخط وجزع ممّا أصابه حصل له الضنك، وأصابه الهمّ والحزن.
- الإعراض عن ذكر الله تعالى، حيث قال الله عزّ وجلّ: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ).[١٠]
- الحزن على ما فات من الأمور الماضية.
- الحزن على ما هو حاضرٌ أو مستقبلٌ.
- الأرق الزائد؛ فالأرق من الأمور التي يُبتلى بها الكثير من الناس في حياتهم، ويعتبر أمراً طبيعياً إلّا إذا زاد عن حدّه، خاصّةً إذا أصابه ما يُغضبه، أو يؤلمه، أو فاته أمرٌ من الأمور .
- الزوجة السوء، حيث إنّها تعدّ من أسباب المنغصات في الحياة الدنيوية.
- مصاحبة أهل السوء؛ فالإنسان بطبيعته كائنٌ اجتماعيٌ، يحبّ الألفة والاقتران مع الآخرين، وقد اعتنى الاسلام بسلوك العبد المسلم، فحثّه على التمسّك بالأخلاق الحميدة، والتي منها اختيار الرفقة الصالحة، والابتعاد عن رفقاء السوء، والتي لا ينتج عن رفقتهم إلاّ الثمار السيئة التي تعود على صاحبها بالمضرّة في الدنيا والآخرة.
- الحسد المذموم؛ فالحسد أمرٌ محرّمٌ حرمته الشريعة الإسلامية، لأنّه يعدّ أول معصيةٍ يُعصى بها الله -تعالى- من قبل إبليس عندما رفض السجود لآدم -عليه الصلاة والسلام- عندما خُلقه الله.
- الكبر والحقد والغضب؛ وهذه من أرذل الأخلاق التي ذمّتها الشريعة الإسلامية، وهي من أعظم المنغصات على الإنسان في حياته الدنيوية.
المراجع
- ↑ سورة النحل، آية: 5-6.
- ↑ سورة النحل، آية: 30.
- ↑ عبد الرحمن بن معلا اللويحق (29-11-2015)، “مفهوم السعادة في الإسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2018. بتصرّف.
- ↑ “تعريف ومعنى سعادة”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الله محمد غانم العامري (2005)، السعادة في المنظور الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 32. بتصرّف.
- ↑ سعود بن نفيع السلمي، “السعادة الحقيقية”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 97.
- ↑ سورة الرعد، آية: 28.
- ↑ عبد الله محمد غانم العامري (2005)، السعادة في المنظور الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 186-201. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية: 124.