شجرة الدُر
تنحدر ملكة مصر شجرة الدر من سلالة أصولها خوارزمية وقيل بأنّها تركية الأصل، وأُطلق عليها لقب عصمة الدين، وبدأت قصة حكمها لمصر بعد أن أقدم السلطان نجم الدين أيوب على شرائها كجارية له ورافقته خلال سجنه في الكرك، وبعد أن أصبحت تحت ملكه تمكّنت من نيل مكانة عالية عنده حتى تزوّج منها وأنجبت منه ابنها خليل والذي لُقّب بالملك المنصور.
من المتعارف عليه بأن شجرة الدر كانت تتولّى الحكم بالنيابة فترة غياب زوجها عن البلاد المصرية، وتوفي زوجها السلطان الصالح أيوب في الثاني من صفر عام ستمئة وثمانٍ وأربعين للهجرة، وبعدها حظيت بمبايعة المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة زوجها لتوّلي عرش مصر الذي دام حكمها فيه ثمانين يوماً، وقامت بعدها بالتنازل عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني، وتمكنّت شجرة الدر من لعب دور مهمّ في الوقوف في وجه الحملة الصليبية السابعة على مصر خلال معركة المنصورة، وتناقل القدماء صفات خاصّة بشجرة الدُّر وهي فطنتها وذكائها الحاد الذي جعلها نابغة عصرها، وجمالها الفائق الذي جعلها محط إعجاب الكثيرين في زمنها والتي افتتن الكثير بفنّها، وكما كانت ذات صوت غنّاء جميل بالغناء ومُجيدة للقراءة والخط، ويذكر بأنّ اسمها ليس “شجرة الدر” وإنّما الأصح “شجر الدر”.
ذكاء شجرة الدر
جاءت وفاة السلطان الصالح أيوب في وقت عصيب تمّر به مصر، إذ كان هناك حملة صليبية كبيرة متّجهة إلى مصر واقتربت من دمياط على البر الشرقي للفرع الرئيسي للنيل بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وبدأ السلطان الصالح أيوب بالتجهيز للدفاع عن مصر والوقوف في وجه الهجمات الصليبية، وفي عام 1249 م بدأ فرسان وعسكر الصليبيين المشاركين في الحملة الصليبية التاسعة بالنزول عن المراكب على بر دمياط وبدؤوا بنصب الخيمة الحمراء الخاصّة بملك فرنسا لويس التاسع، وعندما شاهد رجال الملك الصالح أيوب المشهد بدؤوا بالانسحاب بعرباتهم من مواقعهم في دمياط التي كانوا قد تمركزوا فيها للدفاع عنها، ما أدّى إلى تسهيل عملية سقوط دمياط في يد الصليبيين ودخلوها خالية من أهلها الذين فرّوا منها خوفاً.
قام الملك الصالح أيوب بإعدام الهاربين غضباً من جبنهم، وبعد مرور فترة وجيزة نزلت الصاعقة بوفاة السلطان الصالح أيوب الذي ترك مصر منتقلاً إلى الرفيق الأعلى في أوقات عصيبة وهي بأمّس الحاجة إليه، وبرز ذكاء الملكة شجرة الدر وحنكتها في إدارة أمور الدولة خلال تعرّضها لموقف وفاة السلطان الصالح أيوب بعد أن قامت باستدعاء قائد الجيش المصري الأمير فخر الدين يوسف برفقة رئيس القصر السلطاني الطواشي جمال الدين محسن حيث توّصلت بعد الاجتماع بهم إلى اتفاقية كتمان نبأ وفاة السلطان الصالح أيوب حتى تتمكنّ الدولة المصرية من تخطي وتجاوز المحنة الملمّة بها وحتى لا يؤدي نبأ وفاة السلطان من إحباط العسكر وتهبيط معنوياتهم.
وفي هذه الأثناء قامت شجرة الدر بالأمر سراً على نقل جثمان الملك الصالح إلى قلعة جزيرة الروضة في مركب، وقد أوصت ابن السلطان توران شاه بأن يتولّى عهد السلطنة المصرية، وكانت قد أقنعت الجميع بأنّه نائم ومريض ولا يستطيع رؤية أحد، وبالرغم من التكتّم على الأمر إلا أنّ الأخبار قد تسرّبت إلى الصليبيين حول وفاة السلطان الأمر الذي شجّعهم على توجيه أنظارهم إلى القاهرة للسيطرة عليها، فهاجمت قوات الصليبيين بقيادة روبرت دارتوا الجيش المصريّ في معسكره بعد أن اجتازوا قناة أشموم عن طريق مخاضة سلكوها كان قد دلّهم عليها أحد قوّاد العربات، وكان ذلك على بعد حوالي ثلاث كيلو مترات من منطقة المنصورة.
أفضت هذه الاشتباكات إلى مقتل الأمير فخر الدين يوسف أثناء خروجه من الحمام مسرعاً إثر صوت ضجيج وصراخ، ما أدّى إلى هروب العسكر الذين فوجئوا بالهجوم غير المتوقّع وانصرفوا إلى المنصورة، وفي هذه الأثناء تلّقت شجرة الدر من الأمير ركن الدين بيبرس خطة كان قد وضعها، حيث يسمح للصليبيين بالدخول إلى المنصورة وهناك ستكون المصيدة لهم ومهلكهم، وبالفعل تمّ تنفيذ الخطة ووقع الصليبيون في الفخ وبعد أن داهمتهم قوات المماليك البحرية والجمدارية التي خرجت فجأة وهاجموهم بالسيوف والسهام، وتمّ دحر العدو الصليبي.
حكم شجرة الدَُر لمصر
استمر حكم شجرة الدر لمصر مدّة وصلت إلى ثمانين يوماً فقط، تمكنّت خلالها من تصفية الوجود الصليبيّ، وتمكنّت من إدارة شؤون البلاد والقبض على زمام أمورها بقوّة.
يذكر بأنّ الملك لويس التاسع قد وقع أسيراً بعد الحملة الصليبيّة السابعة في المنصورة وتمّ إخلاء سبيله بالاتفاق مع شجرة الدر شريطة تسليم دمياط ومقابل فدية قدرها ثمانمائة ألف دينار دفع نصفها قبل مغادرته البلاد والنصف الثاني من المبلغ بعد وصوله إلى عكا مع عدم العودة إلى السواحل الإسلامية إطلاقاً.
لم يدم حكم شجرة الدر طويلاً حتى لقي المعارضة من داخل البلاد وخارجها بحجة مخالفة جلوس امرأة على سدّة الحكم للشرع، فبدأت المظاهرات تجوب البلاد والهتافات وغيرها، علماً بأنّها لم تكن المرأة الأولى التي تتولى مقاليد الحكم في بلادها، وبالرغم من حنكتها في الحكم إلا أنّه تمّ عزلها عن الحكم، فتنازلت عن العرش للأمير عزّ الدين أيبك والملّقب باسم الملك المعّز، وكانت قد تنازلت عنه بعد أن تزوجّت به وقد مارست الحكم بطريقة غير مباشرة أثناء مشاركتها زوجها مسؤولية الحكم، الأمر الذي أخضعه لسيطرتها، ما جعله يهجر زوجته الأولى طوعاً لشجرة الدر.
مقتل شجرّة الدُّر
بدأ سلطان مصر الملك المعّز عز الدين أيبك بالانقلاب على زوجته شجّرة الدر بعد إحكام قبضته على الحكم في البلاد المصرية، فبدأ أولاً بمرحلة التخلّص من منافسيه ومناوئيه من الأيوبيين في الخارج، وفي هذه الأثناء كان الملك المعّز عز الدين أيبك متمرسّاً في إدارة شؤون البلاد وحكمها ولم يعد بحاجة إلى وجود شجرة الدُّر في حياته، فأقدم على خطوة الزواج من ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، الأمر الذي أثار غضب شجرة الدر وعلى الفور أسرعت إلى تدبير مكيدة له للتخلّص منه، فراحت ترسل إليه حتى تسترضيه وتنال رضاه ولطفه وتطلب العفو منه حتى وقع في المكيدة واستجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة وقُتل هناك.
كانت وفاة زوجها بأن دخل إلى حمام القلعة بعد قدومه إليها وانقض عليه خمسة غلمان أقوياء ضربوه ضرباً مبرحاً حتى الموت، وكانت نهايته، وشاع الأمر بين المماليك بأنه توّفي فجأة ليلاً لكن لم يصدّق المماليك ذلك فقاموا بالقبض عليها وحملها إلى امرأة عز الدين أيبك الأولى وقامت الأخيرة بأمر جواريها بالتخلّص من شجرة الدر وتم ذلك بعد أيام قليلة من وفاة الملك المعّز عز الدين أيبك، وقد قامت الجواري بضربها بالقباقيب على رأسها حتى فارقت الحياة ومن ثمّ رميت جثتها من فوق سور القلعة للتأكّد من وفاتها في الثالث من مايو في عام 1257م.
لم تدفن إلا بعد أيام من مقتلها، ويقال بأنّها كانت عارية في أحد خنادق القلعة وبقيت مقتولة عارية حتى تمّ دفنها في ضريحها الحالي القائم في أحد المساجد الكائنة في قسم الخليفة بالقاهرة والذي أنشئ في عصر الدولة الأيوبية في مصر.