كيف فرضت الصَّلوات الخمس؟
فُرِضَت الصَّلوات الخمس ليلة الإسراء والمعراج قبل هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكَّة إلى المدينة بسنةٍ تقريباً، وقد فُرضت في الأوقات المعروفة الآن؛ وهو وقت الظُهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، وأوَّل فريضةٍ صلَّاها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هي صلاة الظُّهر.[١]
وقال العديد من أهل العلم إنَّ الصَّلاة فُرضت في اليوم السَّابع والعشرين من شهر رجب، ودلّ على فرضيّتها الحديث الصَّحيح الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- فقال: (فُرضت على النبي صلّى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسري به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمساً، ثم نودي: يا محمد، إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بهذه الخمسة خمسين).[٢][٣]
وقد جاءت تفاصيل إنقاص عدد ركعات الصَّلاة في الصَّحيحين خلال ذكر قصَّة الإسراء والمعراج وأحداثها كاملةً، وكذلك حوار سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- مع سيِّدنا موسى -عليه السلام- في حادثة الإسراء والمعراج.[٤]
وصحَّ أنَّ جبريل -عليه السلام- أَمَّ في سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليعلِّمه الصَّلاة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أمَّني جبريلُ عندَ البيتِ مرَّتينِ فصلَّى بيَ الظُّهرَ حينَ زالتِ الشَّمسُ وَكانت قدرَ الشِّراكِ وصلَّى بيَ العصرَ حينَ كانَ ظلُّهُ مثلَهُ وصلَّى بيَ يعني المغربَ حينَ أفطرَ الصَّائمُ وصلَّى بيَ العشاءَ حينَ غابَ الشَّفَقُ وصلَّى بيَ الفجرَ حينَ حرمَ الطَّعامُ والشَّرابُ على الصَّائمِ فلمَّا كانَ الغدُ صلَّى بيَ الظُّهرَ حينَ كانَ ظلُّهُ مثلَهُ وصلَّى بي العصرَ حينَ كانَ ظلُّهُ مثليهِ وصلَّى بيَ المغربَ حينَ أفطرَ الصَّائمُ وصلَّى بيَ العشاءَ إلى ثلثِ اللَّيلِ وصلَّى بيَ الفجرَ فأسفَرَ ثمَّ التفتَ إليَّ وقالَ يا محمَّدُ هذا وقتُ الأنبياءِ من قبلِكَ والوقتُ ما بينَ هذينِ الوقتينِ).[٥][٦]
عدد ركعات الصَّلوات الخمس
أجمع أهل العلم على أنَّ عدد الرَّكعات في الصَّلوات المفروضة كما يأتي:[٧]
- صلاة الظُّهر أربع ركعاتٍ لا جهر بالقراءة فيها، ويجلس المُصلّي فيها جلستين للتشهّد في كلِّ ركعتين.
- صلاة العصر أربع ركعاتٍ كصلاة الظُّهر لا جهر فيها بالقراءة كذلك، ويجلس المُصلّي فيها جلستين للتشهّد في كلِّ ركعتين.
- صلاة المغرب ثلاثً ركعات يجهر المُصلّي الرجل بالصَّوت في الرَّكعتين الأُولَيَين منها بالقراءة، ويُسرّ في الثَّالثة، ويجلس نهاية الرَّكعة الثَّانية جلسةً للتَّشهُّد، وبعد الرَّكعة الثَّالثة جلسةً أخرى للتَّشهُّد الأخير.
- صلاة العِشاء أربع ركعاتٍ، يجهر المُصلّي في الرَّكعتين الأُوليين منها بالقراءة، ويُخافِت في الرَّكعتين الأخيرتين، ويجلس بعد نهاية كلِّ ركعتين جلوسٌ للتَّشهُّد.
- صلاة الفجر ركعتين، يجهر المُصلّي فيهما بالقراءة، ويجلس جلسة تشهّدٍ واحدة بعد الرَّكعة الثَّانية.
أما صلاة الجمعة فلها حكمٌ خاصٌّ بها، فهي ركعتان مع الخطبتين، وهي فرضُ عينٍ على كلِّ مكلَّفٍ قادرٍ مستكملٍ لشروطها، وتُقام في وقت صلاة الظُّهر، وهي ليست بدلاً عن صلاة الظُّهر، وهي ثابتةٌ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، حيث قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).[٨]
وقد صحَّ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خاطب قوماً يتخلَّفون عن صلاة الجمعة فقال: (لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ علَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ)،[٩] ومن لم يُدركها صلّاها كالظهر أربع ركعات، أمَّا وقتها فهو وقت الظُّهر من زوال الشَّمس -أي ميلها عن وسط السماء نحو الغرب- إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلهُ.[١٠]
ويختلف عدد ركعات الصَّلوات المفروضة إن كان الإنسان مقيماً أو مسافراً، فقد خفَّف الله -تعالى- الرَّكعات على المسافر رفقاً به ورفعاً للمشقَّة عنه، والصَّلوات المفروضة على المُقيم هي سبع عشرة ركعة، وطريقة أدائها كالطَّريقة التي كان يصلِّي بها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال: (صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)،[١١]
فضل الصَّلوات الخمس
الصَّلاة فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، ولذلك فقد عظَّم الله -سبحانه وتعالى- منزلتها، ونورد ذكر فضائلها فيما يأتي:[١٢][١٣]
- الصَّلاة عماد الدين الذي لا يقوم إلَّا به: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة).[١٤]
- الصَّلاة هي أوَّل ما يُحاسب عليه العبد من عمله عند ربِّه: فيكون صلاح عمله بصلاح صلاته، وفساد عمله بفسادها، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أولَ ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أَفْلَحَ وأَنْجَح، وإن فَسَدَتْ فقد خاب وخَسِرَ، فإن انْتَقَص من فريضتِه شيئًا، قال الربُّ تبارك وتعالى: انْظُروا هل لعَبْدِي من تَطَوُّعٍ فيُكَمِّلُ بها ما انتَقَص من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِه على ذلك).[١٥]
- الصَّلاة هي آخر عملٍ يُفقد من الدِّين: فإذا ذهب آخِر الدِّين لم يبقَ شيءٌ منه، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَتُنتَقَضَنَّ عُرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكُلَّما انتَقَضَت عُروةٌ تَشَبَّث النَّاسُ بالتي تليها، فأَوَّلُهنَّ نَقضًا الحُكمُ، وآخِرُهنَّ الصَّلاةُ)،[١٦] ومعنى ذلك أنه مع مرور الوقت يبدأ النَّاس بفقدان قوَّة الدِّين والتَّخلي عن بعض العبادات، وآخر عمل يتخلَّى عنه النَّاس هو الصَّلاة.
- الصَّلاة هي آخر وصيَّة أوصى بها النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أمّته: فقد صحَّ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّه قال: (كانَت عامَّةُ وصيَّةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حينَ حضَرتهُ الوفاةُ وَهوَ يُغَرْغرُ بنفسِهِ الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكُم).[١٧]
- مدح وثناء الله -عز وجل- على القائمين بها ومن أمر بها أهله: حيث قال الله -تعالى-: (وَكانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا).[١٨]
- ذمُّ الله -تعالى- المضيِّعين للصَّلاة والمتكاسلين عنها: حيث قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا)،[١٩] وقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلً).[٢٠]
- الصَّلاة هي أعظم أركان الإسلام وأعظم دعائمه بعد الشَّهادتين: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ).[٢١]
- لم تُفرض في الأرض بل فرضت في السَّماء: ممَّا يدلُّ على عظم شأنها، فالله -عزَّ وجل- لم يفرضها في الأرض بواسطة جبريل -عليه السلام- بل كانت في السماء دون واسطةٍ بأمرٍ مباشرٍ من الله -تعالى-.
- خمسُ صلواتٍ بأجر خمسين صلاةً: فمن أهميَّتها وحبِّ الله -تعالى- لها أنَّه فرضها علينا خمسين صلاةً في بادئ الأمر، ثمَّ خفّفها الله -تعالى- لخمس صلواتٍ، وجعل هذه الخمسة كخمسين صلاةً في الأجر.
- افتتاح الله -سبحانه- أعمال المفلحين في سورة المؤمنين بالصلاة واختتامها بها: حيث قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)،[٢٢] وختمها بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ).[٢٢]
- الصَّلاة عبادة لازمة على المكلّف ولا تسقط عنه.
المراجع
- ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003 م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 163، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 12641، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق – سوريا: دار الفكر، صفحة 654، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد التويجري (2009 م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، عمّان – الأردن: بيت الأفكار الدولية، صفحة 407، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 393، حسن صحيح.
- ↑ ابن عربي (2003 م)، أحكام القرآن لابن العربي (الطبعة الثالثة)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 181، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ كمال بن السيد سالم (2003 م)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة – مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 236، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الجمعة، آية: 9.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 652، صحيح.
- ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003 م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 341، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 6008، صحيح.
- ↑ سعيد القحطاني، منزلة الصلاة في الإسلام، الرياض – المملكة العربية السعودية: مطبعة سفير، صفحة 11-16، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (من 1404 – 1427 هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 51-52، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2616، حسن صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 413، حسن غريب من هذا الوجه.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الموارد، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 216، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي ماجه، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2200، صحيح.
- ↑ سورة مريم، آية: 55.
- ↑ سورة مريم، آية: 59.
- ↑ سورة النساء، آية: 142.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
- ^ أ ب سورة المؤمنون، آية: 9.