الخِطبة الشرعية
الخطبة في مفهوم الشريعة الإسلامية: هي أن يطلب الرجل المرأة من أجل الزواج، والخطبة عند عامّة العلماء جائزةٌ لمن أراد ونوى الزواج من الرجال، ودليل ذلك قول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)،[١] وقد ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه خطب عائشة رضي الله عنها، وورد في الصحيح كذلك، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم- خطب حفصة رضي الله عنها، وقد رغّب -النبي صلّى الله عليه وسلّم- ودعا الخاطب للنظر إلى مخطوبته، حيث قال: (إذا خطب أحدُكم المرأةَ فإن استطاعَ أن يَنظرَ منها إلى ما يَدعوهُ إلى نِكاحِها فليفعلْ)،[٢] ولم تنصّ الشريعة الإسلامية على إجراءاتٍ محددةٍ يجب التقيد فيها عند خطبة النساء، وما يقوم به بعض المسلمين من احتفالاتٍ وهدايا، وإعلان للخطبة، إنّما من باب العادات التي تبقى على أصل حكم الإباحة فيها، إلّا إن دخل عليها ما دلّ الشرع على تحريمه، والقاعدتان الأساسيتان اللتان تحكمان العلاقة بين الخاطب ومخطوبته، أنّ الخطوبة ليست إلّا وعداً بالزواج، وأنّ الخاطب يظلّ أجنبياً على مخطوبته، إلى أن يتم العقد بينهما، وبالتالي فلا يجوز له الخلوة بها، ولا الخروج معها ونحو ذلك.[٣][٤]
وقد شرع الله -تعالى- الخطبة والزواج لحكمٍ عظيمةٍ، منها الحفاظ على النوع البشري من الانقراض، فإن الزواج مدعاةٌ لاستمرار تناسل البشر وتكاثرهم، ومن حكم الزواج أيضاً تحقيق التعارف والالتقاء بين الناس، ودليل ذلك قول الله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)،[٥] ومنها أيضاً حصول المودة والرحمة، والاستقرار، والألفة، بين الزوجين بشكلٍ خاصٍ، ولتحقيق هذه الحكم العظيمة، لا بدّ أن يكون بين الزوجين توافقٌ وانسجامٌ جيدٌ قبل الزواج، فشرع الإسلام لهما من أجل ذلك، أن يلتقيا ويتعارفا، ويرى كلّ منهما الآخر، وجعل للنظرة الشرعية بينهما أحكاماً، وضوابط خاصةً؛ ليعرف كلّ منهما ما له وما عليه في تلك الفترة.[٦]
كيفية النظرة الشرعية
اختلف العلماء في ما يجوز للخاطب رؤيته والنظر إليه من مخطوبته على عددٍ من الأقوال، وفيما يأتي بيانها:[٦]
- ذهب الإمام أحمد -رحمه الله- إلى القول بجواز النظر إلى وجه المخطوبة فقط، واستدلّ لذلك بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (المرأةُ عورةٌ)،[٧] كما أنّ الوجه يجمع محاسن الإنسان، وذلك موضع النظر، أمّا باقي الجسد، فذلك عورةٌ لا يجوز النظر إليه.
- ذهب جمهور الأئمة ومنهم: المالكية، والشافعية، وروايةٌ للإمام أحمد، إلى جواز النظر إلى وجه المخطوبة، وكفيها، ظاهراً وباطناً، واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[٨] والمراد من الزينة الظاهرة؛ الوجه والكفان، وقال جمهور الأئمة إنّ الوجه يدل على الحسن والقبح، والكفان يدلان على صلابة البدن أو طراوته، لذلك جاز للخاطب أن يراهما.
- ذهب الإمام أبو حنيفة إلى جواز رؤية الخاطب لوجه مخطوبته وكفيها وقدميها أيضاً، واستدلّ لذلك بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (انظُر إليها فإنَّهُ أحرَى أن يُؤدَمَ بينَكُما).[٩]
- ذهب الحنابلة في المذهب عندهم إلى أنّه يجوز للخاطب أن ينظر إلى كلّ ما يظهر في الغالب من بدن مخطوبته؛ كالوجه، والكفين، والقدمين والرأس، والرقبة، والساق، واستدلوا لذلك بما ورد من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، التي يأمر بها رسول الله الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته بالقدر المستطاع، علّ ذلك أن يكون سبباً في المودة والعشرة والألفة، وبما أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أذن بالنظر إلى المخطوبة دون علمها، فلا بدّ أنّ النظر سيكون إلى ما يظهر منها غالباً، ولا يمكن للإنسان أن ينظر إلى الوجه فقط، وهناك ما يظهر من البدن غيره أيضاً.
- ذهب الإمام الأوزاعي إلى جواز النظر إلى مواضع اللحم من المخطوبة، واستدل لذلك بما ورد من أحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المشيرة إلى جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته.
- ذهب الإمام أحمد في أحد رواياته إلى جواز النظر إلى جميع بدن المخطوبة، عدا العورة المغلظة، وفي روايةٍ أخرى يجوز النظر إلى جميع بدنها، ووافقه على ذلك الظاهرية، وقد نوقش ذلك الرأي بالقول إنّ الإذن بالنظر إلى المخطوبة محمول على النظر إلى بعضها، لا إلى كلها، بدلالة استخدام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للفظ (منها) في قوله: (إذا خطب أحدُكم المرأةَ فإن استطاعَ أن يَنظرَ منها إلى ما يَدعوهُ إلى نِكاحِها فليفعلْ)،[٢] و(من) لفظةٌ تدل على التبعيض، كما أنّ النظر إلى المخطوبة إنّما أبيح لحاجةٍ، والحاجة تقدّر بقدرها، كما أنّ النظر إلى سائر بدن المخطوبة مخالفٌ للأخلاق، والآداب الإسلامية، الناهية عن مثل ذلك الفعل، وقد عبّر الإمام النووي بالقول إنّ ذلك القول مخالفٌ أيضاً لأصول السنّة والإجماع.
والراجح من تلك الأقوال ما ذهب إليه أصحاب القول الرابع من الحنابلة، وهو جواز النظر إلى ما يظهر عادةً من المخطوبة؛ كالوجه، والكفين، والقدمين، والساق، والرقبة؛ وذلك لسلامة أدلتهم، وسلامة استدلالهم فيها، كما أنّ ما جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يدل على ذلك، فقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن الخاطب (إن استطاع)، دلالةٌ على صعوبة ما يجوز للخاطب رؤيته، ورؤية الوجه والكفين سهلةٌ للإنسان، فلا بدّ أنّ ما قصده رسول الله أكثر منهما، وفي قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- (منها)، دلالةٌ على التبعيض، كما سبقت الإشارة لذلك، فلا يدخل في الإذن كلّ بدن المخطوبة، بل بعضه، فيتبقى أن يكون ما يجوز له رؤيته هو ما قاله أصحاب القول الرابع.[٦]
شروط جواز النظر إلى المخطوبة
لجواز النظر إلى المخطوبة شروطٌ لا بدّ للخاطب من الالتزام بها، وفيما يأتي بيانها:[١٠]
- أن يكون نظر الخاطب لمخطوبته بدون خلوةٍ بها.
- أن لا ينظر إليها بشهوةٍ، فإنّ المقصود من نظره إليها الاستعلام، لا الاستمتاع.
- أن يغلب على ظنّه موافقة المخطوبة ووليها على الزواج.
- أن ينظر إليها بالقدر الجائز شرعاً فقط.
- أن يكون الخاطب عازماً فعلاً على خطبة الفتاة.
- أن لا تظهر المخطوبة أمام الخاطب متبرجةً ومتزينةً ومتعطرةً.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 235.
- ^ أ ب رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1791، حسن.
- ↑ ” الخطبة الشرعية”، www.islamqa.info، 2002-8-14، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-25. بتصرّف.
- ↑ د. أحمد إبراهيم خضر (2010-11-21)، “المسموح والممنوع في العلاقة بين الخطيبين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-25. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 13.
- ^ أ ب ت لؤي عبدالله عبدالكريم الصميعات (2012-4-29)، “حكم النظر إلى المخطوبة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-25. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان ، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 5598، صحيح.
- ↑ سورة النور، آية: 31.
- ↑ رواه الألباني، في غاية المرام، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 212، صحيح.
- ↑ “ما يباح نظره من المخطوبة”، www.islamqa.info، 2010-3-6، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-25. بتصرّف.