محتويات
اكتساب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
تتعدّدُ الوسائلُ التِّي يُمكِن للمُسلم من خلالها أن يكتسبَ خُلُقاً من أخلاق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومنها:
- التّمَرُّن عمليّاً على حُسْنِ الخُلُق: يتَعيّنُ على المسلم حتى يكتسب خُلُقاً من أخلاق النبيِّ -صلّى الله عليه وسلم- أن يتدرّب على ذلك الخُلُق، ويحاول أن يطبّقَه على أرض الواقع، ولا يضُرُّ التّكَلُّف في بداية الأمر حتى يصير ذلك الخُلُق هيئةً راسخةً في النّفْس.[١]
- مخالطة أصحاب الخُلُق الحسن: فمن طُرُق التَّخلُّق أن يحيط الإنسان نفسه بأهل الخُلُق حتى يتطبَّع به، ويقلّدهم فيه فيكتسب هذه الأخلاق، ومن هنا أتَتْ دعْوةُ النّبِيّ -عليه الصلاة والسلام- للحرص على الجليس الصّالح.[١]
- اللُّجوء إلى الله بالدعاء ليمنّ عليه بهذا الخلق.[٢]
- استحضار اتّصافِ النبيّ بهذا الخلق، وتخلُّق من بعده من الصّالحين به،[٢] فإن استحضار مواقف النّبيّ وأخلاقه يجعل نفسَ المسلمِ مُتواضعةً منكسرةً أمامها، فينعدمُ الكِبْر وتركُ الحق عنده.[٣] ويساعد على ذلك قراءة السيرة النبوية والشمائل والتعرّف على أخلاق النبيّ وصفاته الخُلُقية وسلوكه.
- التواصي بحُسْنِ الخُلُق: ويكون ذلك بالدَّعْوة إلى الأخْلاق الحسنة، وبيان الأخلاقِ السَّيّئة وتداعياتها، والنصح لسيِّء الأخلاق بتركها، وهذا من التّواصي بالحق الذي أمَرَ الله -سبحانه وتعالى- به، إذ يقول في مُحْكَم كتابه: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)،[٤] والأجْدر بالمؤمن أن يتحرّى من الأصحاب من يدعوه إلى الخُلُق الحسن، وذلك لتوجيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ، والمؤمنُ أخُو المؤمنِ يكُفُّ عليه ضيْعتَه ، ويَحوطُه من ورائِه).[٥][٦]
- الصّبر والمُجاهدة وحبْس النَّفس عن الميل إلى الأخلاق السيئة، فالتأنّي والتصبّر يأتي بثماره ولو طال الزمن، أما الاستعجال والجزع فلا يُثْمر شيئاً، فليصبر على نفسه ويتدرّج معها، تتنفيذاً لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: ( وَمَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَن يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَما أُعْطِيَ أَحَدٌ مِن عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ).[٧][٨]
- معرفةُ مكانةِ الخُلُقِ في الإسلام، فاستشعار أهميّته وفضله عبادة يُثابُ الإنسان على فعلها ويُؤجَر، فإن عَرَف ذلك سارع وبادَرَ في التَّخلُّقِ به، واستشعار المنزلةِ العظيمةِ لحَسَنِ الخُلُق حيث ترفع الأخلاق الحسنة المسلم إلى درجات عالية عند الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ المؤمِنَ ليُدْرِكُ بِحُسْنِ الخلُقِ درجَةَ القائِمِ الصائِمِ).[٩]
- الالتزامُ بالعباداتِ المفْروضة، ومُحاولة تطبيقها قولاً وفعلاً، ومن أهمِّها الصلاة، فهي نورٌ يضيء درْبَ العبدِ وتهديه لأحسنِ ما يُمكنُ من الآدابِ والأخلاق، وتنهاه عن الفُحْش والسُّوء، لحديث: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ).[١٠]
- مُخالطةُ الناسِ وجعلهم ميدان اختبار الخُلُق الحَسَن، فلا يظهر الخلق من صبر وحلم وتواضع حقيقة إلا عند الاحتكاك بالناس.[١١]
الاقتداء بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
إحدى صُور الانقياد والطّاعة في الإسلام أن يقتدي المسلم بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله؛ وإمّا أن يكون ذلك بالاقتداء به في العبادات أو المعاملات أو الأخلاق، والاقتداءُ به -عليه الصّلاة والسّلام- أظهر علامة لمحبته، فالمحِبّ يُطيع محبوبَه، ومن مال قلبه إلى مَحبّة النبيّ اقتدى به في سلوكه وخُلُقه، وأوّل درجات الاقتداء هي المحبة، ثم الطاعة، ومن اقتدى به -عليه الصلاة والسلام- حاز فضلاً كبيراً، فقد وصفه الله بصاحب الخلق العظيم، وذلك في قوله -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).[١٢][١٣]
جمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الأخلاق كلها في نفسه، وكان خير أسوة لمن أراد أن يتأسّى به ويسير على نهجه، وكانت أخلاقه من خير ما ورثه عنه الناس؛ سواءً في أخلاقه مع ربّه أو أهل بيته أو أصحابه أو المخالفين له من الكفار والمشركين.[١٤]
نماذج من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قرآناً يمشي على الأرْضِ، وإنّما وُصِف بذلك لأنَّه كان يتخلَّقُ بخُلُقِ القرآن، وكان يدعو اللهَ بأن يزيدَه خُلُقاً إلى خُلُقِه، وجعل رسالته مُكمِّلةً للأخلاقِ ومُتمِّمةً لها، وقد أعْلى -عليه الصَّلاة والسَّلام- من قِيمة حُسْنِ الخُلُقِ فِي قوْله:(إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا )،[١٥] ومن حُبّه للأخلاق فقد أطلق بنات حاتم الطائي وقد كنّ سبيا لأن أباهن ذو خلق حسن،[١٦] وكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- مثالاً في الأدبِ والخُلُقِ، وكان يستحيي أن يخرُجَ من فَمِه السُّوء، وكان حليماً متواضعاً أميناً كريماً، ولم يكن فاحشاً مُتَفَحِّشاً.[١٧]
التواضع
كان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يَخفِض جناحه للمؤمنين، ويمشي في حاجاتِهم، ويتواضعُ لصغيرهم وكبيرهم، لرجالهم ونسائهم، ويجالسُهم في مجالسِهم فلا يفرِّق الناظرُ إليهم بيْنَهم، وكان يعودُهُم في مرضِهِم، ويمشي وراء الجنائزِ ويصلِّي عليْها، ويجيب من يدْعوه إلى الطَّعام، ويركب الحمار، وكان يعمل بيديْه ويساعدُ أهلَه.[١٨]
العدل
كان النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- يُقيمُ العدلَ في نفسه وبين أهلِ بيْته وأقاربه والأبعد فالأبعد، وكان يحكُمُ بالعدْل بين زوْجاتِه على الرّغم من تفهُّمِه لكثيرٍ من مواقِفِهنّ،[١٩] ومن المواقف التي تشهدُ عدلَه في الحُكْم بينَه وبينَ النَّاس، وفي السَّماحِ للنَّاس من القِصاص منْه إن كان مُخطِئاً، ما ورد من موقفٍ له مع صحابيٍّ في غزوة بدْر، حيث أمرهم النبي عليه الصّلاة والسّلام بالاستواء أثناء اصطفافهم قبل المعركة، وحين وجد الصحابي قد خرج عن الصف ضربه بعودٍ معه ضربةً خفيفةً، فتألّم الصحابي من ذلك، وقال للنبي إنه أوجعه، فكشف النبيّ عن بطنه وطلب من الصحابي أن يقتص منه، فما كان من الصحابي إلا أن اعتنق النبيّ وقبّله، وبيّن له أنه فعل ذلك عامداً حتى يكون آخر عهده في الدنيا إن استشهد ملامسة النبي.[٢٠]
كرم النبي وجوده
ضرب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة للكرم والعطاء، فكان جواداً كريماً، يُعطي النّاسَ ولا يخشى الفقرَ والفاقةَ، واثِقاً من فضلِ الله، فكان يُعطي الناسَ وبيْته لا يوجدُ فيه إلا التَّمر، ومن الأحاديث التي تُبيّن كرَّمَه -عليه الصَّلاة والسَّلام- قوله:( لَوْ كانَ لي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّنِي أنْ لا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، وعِندِي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ).[٢١][٢٢]
العفو
تمثَّلَ العفوُ في حياةِ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلم- كثيراً، فأوَّلها كان حين رفض أن يُطبّق مِلك الجبال الجبليْنِ على أهْل الطَّائف، فعفى عمَّا بَدَر منهم تِجاهَه، ودعا لقريشٍ في غزوة أحدٍ حين كُسِرَتْ رُبَاعيَّته،[٢٣] ومنها عفوه عن أهل مكة بعد فتح مكة، وقد ذاق منهم من الألم والعَذَاب ما ذاق، وحينَ أصبحوا تحتَه وخافوا القتلَ استسْمحوه وطلبوا عفوَه عفى عنهم وأطلَقَهم.[٢٤]
المراجع
- ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، الخلق الحسن في ضوء الكتاب والسنّة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 15، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن إبراهيم الحمد، دروس رمضان، صفحة 249. بتصرّف.
- ↑ محمد ابن عثيمين، مكارم الأخلاق (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 35. بتصرّف.
- ↑ سورة العصر، آية: 3.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4918، حسن.
- ↑ خالد الخراز (2009)، موسوعة الأخلاق (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 77، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري ، الصفحة أو الرقم: 1053، صحيح.
- ↑ محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 359، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1932، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 223، صحيح.
- ↑ “الأخلاق: أصولها وتمثلها في الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-9-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة القلم، آية: 4.
- ↑ مثنى علوان الزيدي، “كيف نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-9-2020. بتصرّف.
- ↑ حسن أبو الأشبال الزهري، دروس الشيخ حسن أبو الأشبال ، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2897، صحيح.
- ↑ د. أحمد محمد الحوفي (1994)، من أخلاق النبي، القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، صفحة 59-61. بتصرّف.
- ↑ “أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم”، www.islamweb.net، 28-6-2009، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2020. بتصرّف.
- ↑ “الرسول قدوتنا في الأخلاق”، ar.islamway.net، 25-4-2014، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2020. بتصرّف.
- ↑ “من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2019. بتصرّف.
- ↑ ياسر عبد الرحمن (2007)، موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (الطبعة الأولى)، القاهرة: مؤسسة اقرأ، صفحة 65، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2389، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق، صفحة 184، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، سلامة الصدر، الرياض: مطبعة السفير، صفحة 49، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز السلمان، مرد الظمآن لدروس الزمان (الطبعة الثلاثون)، صفحة 407، جزء 4. بتصرّف.