'); }
المقدمة
“اللهم إني أسألك الجنة وما قرَّب إليها من عمل، وأعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من عمل”، تختم سارة جلسة الذكر مع صديقاتها بهذا الدعاء المُثلج للصدر، المُطمئن للسكينة، المُحفّز للخير.
تتواصى الصديقات على طاعة الله وإجابة فرضه والتذلّل لقربه، وتُحذّر كل واحدةِ الأخرى من أنياب الشيطان وسوء عاقبته، وقباحة خلقه ومن كرهه الخير والجنة للمسلم بكثرة الوسوسة، وتسلّل الوهن والضعف واليأس في النفس؛ ليجرّه إلى النار ومهالكها، والعياذ بالله، ثم يتعاهدن على قيام الليل في اليوم ركعتين، وقراءة ورد القرآن اليومي بتدبر وخشوع وفهم للمعاني والآيات، تُهدي الرفيقة أختها في الدين والخير مصحفاً نبويأً شريفاً توصيها على العمل بما يأمر به، وتصافح كفها بالمسبحة التي تُعاهدها على كثرة ذكر الله وطلب جنته في اليوم مائة مرة، يُغادرن المسجد وكل واحدة منهن تلهج بالدعاء لصديقتها، تستودع الله دينها وأمانتها وخواتيم أعمالها وصولاً إلى غاية النفس وراحتها الأبدية والنعيم المُقيم جنة الآخرة، ورؤية وجه الله تعالى، والجلوس مع رسول الله وصحابته وأحباب الدنيا.
إن الرجاء والخوف جناحا المؤمن اللذان يُحلِّق بهما نحو سماء الآخرة، ويهوي قلبه نحو كل مقام محمود ويجتاز كل عقبة، فلا يعترض طريقه إلى الجنة غفلة، ولا يحول بينه وبين غايته هوىً أو شهوة، وهما توأمان متلازمان لا ينفكّان، يسيران بالمؤمن الذي يتحلَّى بأنبل الصفات وينقلانه إلى شاطئ الرحمة، ويُعرّفانه على لطف الله وكرمه.
'); }
هاتان الخاصيتان تجعل المسلم يرتشف من فيض عطاء الله ولطفه، ويُباشر بالعمل والسعي في الاصلاح بالأرض، وتدفعه لمجالسة الصالحين وتذوق معنى الحب والسعادة والتفيء بظلال السكينة والطمأنينة والتنزّه في حدائق السعادة الربانية، ويشحن قلبه بالإيمان والعمل الصالح والاعداد السليم، ويُحيي الأرض الجدباء بماءٍ مُنهمٍر يورق صحراء النفس ويجعلها مُثمرة مُرضية للرب.
كل ذلك لأجل جنة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين، ثمنها غالٍ، شروطها محددة واضحة، وصفها ساحر عذب وأبوابها مشرعة لمن يؤدي حق الله وفرضه ويصرف عنه ما نهاه الله، ويجتنب السوء بكثرة الوقاية والحماية بذكر الله وطاعته والتقرب إليه بالعمل الصالح والخير المُقيم في النفس والجوارح. وطلب الجنة من أسمى غايات المؤمن؛ لأنّه أدرك عظيم الفوز بها، وعرف سيل الجمال والسعادة والبهاء فيها، ويظهر ذلك جلياً في زيادة الحسنات بعبادات القلوب والجوارح.
إنّ دخول الجنة يحتاج لمفاتيح تُمكّن المسلم بإذنه وحوله من الفوز بها نحو نعيم وخلود دائم يسر العين، ويذهب كدر الدنيا كله برشفة من يد الحبيب –صلى الله عليه وسلم- من ماء الكوثر وجنة الدنيا القرب من الله والوقوف على بابه، وهي متعة نفسية غامرة يتذوقها المؤمن ثماراً مورقة تبارك في الوقت، وتضيء القلب والوجه، وتسعد العمر، وتُيسّر دخول جنة الآخرة.
أبواب تضمن لك دخول الجنة
- إنّ من عظيم إحسان الله، وفيض رحمته أنّه يضع لعبده أسهل الطرق لدخول الجنة، فالمحافظة على صلاة الفجر والعصر في وقتهما باب يضمن لك سعادة دائمة، ورسول الله يطمئننا ويقول: “من صلّى البردين دخل الجنة”.
- صيام التطوع خير وفير، يضمن لك الدخول من باب الريان، وهو باب من أبواب الجنة.
- طاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما في الكِبر، وهو من أقرب الأعمال إلى الله بعد الصلاة كما أجاب المصطفى صحابته.
- حفظ أسماء الله الحسنى وفهم معانيها دخول للجنة بيسر بإذن الله.
- إماطة الأذى عن الطريق خلقٌ حسن يتحلّى به المسلم المخلص لدينه، وهو عمل يوصلك للجنة.
دخول الجنة دون حساب أو عذاب
يخبرنا رسول الله أنّ سبعين ألفاً من أمته يدخلون الجنة دون حساب أو عذاب، وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطايرون، وعلى ربهم يتوكلون، والذين لا يسترقون هم من لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم الرقية الشرعية؛ اعتماداً على الله، وعزة لنفوسهم التي تأبى التذلل والخضوع لغيره، وثقة بقوته وقدرته على أن يُحيي العظام وهي رميم، ومعنى لا يتطايرون لا يتشاءمون، ولا يكتوون هم الذين لا يتداوون بالكي توكلاً على الله وفي ذلك دلالة كبيرة على ضرورة التوكل والاعتماد عليه فهو حسبه ووليه وناصره وكافيه، لأنّ المسلم في التوكل عليه جل في علاه لا يخشى إلّاه، ولا يلجأ إلّا إليه، ولا يرجو ويطلب العفو والتذلل إلّا لمن نفث روح الحياة في جسده وصار إنساناً من لحمٍ ودم، ولما يشعر ربنا بأن عبده يُوكله في كل حركة وسكنة ثقة بقوته وكرمه يغدق عليه من واسع رحمته ويفيض عليه من قدرته ورضاه.
أسباب دخول الجنة
كل مسلم على وجه البسيطة يسأل الله في كل صلاة الجنة ويواظب على الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً للفوز برضا الله وبها:
- العمل الصالح: هو ما يُرضي الله، كالتيسير على المُعسر بتفريج كربته بعد بمشيئة الله، وإماطة الأذى عن الطريق، والأمانة في المأكل والمشرب، والمعاملات التجارية، كذلك بر الوالدين، والعطف على الصغير، واحترام الكبير، وتقديم يد العون له.
- طاعة الله ورسوله في الفرائض والواجبات واجتناب ما نهى عنه، والحرص على أداء الطاعات على أكمل وجه.
- الصبرعلى البلاء حين فقد الأزواج أو الأبناء واحتسابهم عند الله والرضا بالقضاء والقدر، والإيمان بأن الخير فيما قضاه الله والشر فيما صرفه.
- كفالة اليتيم، فلقد أخبرنا رسول الله أنه وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بأصابعه السبابة والإبهام؛ لأن في ذلك رحمة وخير وتيسير حال.
- التحلي بالصدق وحفظ الفرج وغض البصر، ولقد ضمن رسول الله لمن يتسم بهذه الصفات الحسنة الجنة.
- قيام الليل، وهو اصطفاء يكرمه الله لمن يشتاق لصوته في عتمة الليل وحلكته، ويستجيب لرجائه ودموعه التي ترجو رحمته وكرمه ورضاه.
- قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، من داوم عليها لا يحول بينه وبين الجنة إلّا الموت.
- صلاة اثنتي عشر ركعة كل يوم تطوعاً، وتُقسَّم ركعتين قبل الفجر،أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، ركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، ويكون بذلك بُني بيتاً للمسلم في الجنة.
وشرط كل عمل صالح الإخلاص لله وحده وأن يقصد وجه الله تعالى دون أن يُشرك بذلك عبد مأمور أصلاً من الله وليس بيده حول أو قوة، فالإخلاص يُحقق العبودية التامة ويكون باباً لدخول الجنة بإذن الله، ومحل النية القلب التي يبدأ بها كل عمل يرتجي وجه الله ويطلب جنته، وعلى المسلم الفطن الذي يطمع في رضوان الله ويُسابق في الخيرات ويكون شعاره “لن يسبقني إلى الجنة أحد” أن يُوطّن نفسه على أي لحظة مغادرة حياة الدنيا إلى الآخرة وحياة البرزخ، ويكون بذلك ضمن دخول الجنة بكثرة ذكر الله وفعل الصالحات من الأعمال، وسلامة القلب من شوائب السوء والمعاصي تأتي من سماع القرآن وفي مجالس الذكر وأوقات الخلوة، فالحياة حياة القلب والموت موت القلب والمرض مرض القلب، والقلب يحضر كلما خرَّ المسلم ساجداً باكياً متذللاً لربه مع حضور الخوف والرجاء من الله باب لدخول الجنة بإذنه.
أحسنوا الظن بالله، وتفائلوا بالجنة بالعمل الصالح ستنعمون بجنة عرضها السماوات والأرض، فالله عند حسن ظن عبده به، اخلعوا ثوب اليأس والجزع والشر، واعمروا دنياكم بالخير والرضا والطاعة.