حفظ اللسان
يعدّ اللسان من النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده، حيث قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ)،[١] ويجب على المسلم أن يستعمل لسانه بما يُرضي الله تعالى، وإلّا كان اللسان ابتلاءً له، حيث قال الله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،[٢] كما وردت العديد من النصوص في القرآن الكريم والسنّة النبويّة التي تحثّ على حفظ اللسان، فاللسان يُصاب بالعديد من الآفات، وقد حصرها بعض أهل العلم بآفتين؛ فإمّا أن يكون اللسان مصاباً بآفة السكوت عن الحقّ، وإمّا أن يكون مصاباً بالكلام الباطل، وقد تكون إحداهما أعظم وأخطر من الأخرى، فالساكت عن الحقّ كالشيطان الأخرس، يصمت عن كلمة الحقّ والصواب، فهو كالذي يرى المنكر ولا يعمل على تغييره مع قدرته على ذلك، وكذلك المتكلّم بالباطل؛ حيث يتكلّم في المعصية، وما فيه غضب الله تعالى، ومن الجدير بالذكر أنّ أهل الصراط المستقيم والسويّ لم يُشغلوا ألسنتهم بالكلام الباطل، وإنّما أشغلوها بالكلام الحسن الطيّب، الذي ينالون به الأجر والثواب في الحياة الآخرة.[٣]
كيفيّة حفظ اللسان
يسعى العبد المسلم إلى حفظ لسانه بشتّى ومختلف الوسائل والطرق الممكنة التي تُعينه على ذلك، وفيما يأتي بيان بعضٍ منها:[٤]
- الوسيلة الأولى: التفكير في الكلام قبل التكلّم به وإخراجه، فإن كان الكلام ممّا ينفع العبد ويحقّق له المصالح يتكلّم به، ولكن إن كان الكلام يضرّه ويُلحق الأذى به فلا يُقبل منه التكّلم والتحدّث به، وكذلك فإن كان الكلام حسناً ومعروفاً فلا بأس بإخراجه، وإن كان الكلام فيه شرٌّ وضررٌ فلا يتكلّم به، وإن كان العبد جاهلاً بحال الكلام؛ أي إنّه لا يعلم إن كان الكلام شراً أم خيراً فالأفضل له تركه وعدم التحدّث به، وذلك الأولى والأفضل.
- الوسيلة الثانية: محاسبة النفس على ما قامت به من الأعمال في الماضي؛ أي أن يحاسب العبد نفسه على الكلمة التي تكلّم بها في مجلسٍ ما، ومحاسبة النفس عليها وعلى المقصود منها؛ أي الرجوع إلى القصد إن كان خيراً أم لا، والتفكير فيها، وتعويد النفس على النطق بكلمةٍ أفضل منها إن كانت غير لائقةٍ في المرات القادمة، وتصحيحها، والاستفادة من ذلك قدر الإمكان.
- الوسيلة الثالثة: مصاحبة من يُعين على الأخلاق الحسنة والكلام اللائق الطيّب، ومثال ذلك؛ أن يتّخذ المرء صديقاً له يلفت نظره إلى الأخطاء التي تقع منه، أو الأقوال التي لا حاجة لها، أو التسرّع فيها، وغير ذلك من الأمور غير المقبولة.
- الوسيلة الرابعة: تعويد النفس على التكلّم بالكلام الطيب الحسن، حيث حثّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الصحابة -رضي الله عنهم- على ذكر الله تعالى، فقد قال: (لا يَزَالُ لسانُكَ رَطْباً من ذِكْرِ اللهِ)،[٥] كما قال الله تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)،[٦] فالجدير بالمسلم أن يُعوّد لسانه على ذكر الله تعالى، واستغفاره، والتحدّث بالكلام الطيب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتّى يصبح ذلك من عاداته.
- الوسيلة الخامسة: استشعار العبد لمراقبة الله تعالى له، حيث قال الله سبحانه: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)،[٧] فعلى المسلم أن يحرص على تقوى الله عزّ وجلّ، ويلتزم بالأوامر التي جاءت بها الشريعة الإسلاميّة، والتخلّق بآداب أهل الإيمان، وحفظ اللسان عن الأمور المحرّمة.
خطورة آفات اللسان
اللسان وسيلة شكر النعم التي منحها الله تعالى لعباده، ولا بُدّ من أن يقترن الشكر باللسان مع قيام العبد بالأعمال التي تُرضي الله عزّ وجلّ، وكلّ كلمةٍ يتكلّم بها الإنسان سيُحاسب عليها، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيراً أو ليصمُتْ)،[٨] إلّا أنّ العبد قد يصدر منه الكلام الذي يُغضب الله تعالى، وفيما يأتي بيان بعض آفات اللسان، والأخطار المترتّبة عليها:[٩]
- آفة الغيبة: وتعرّف الغيبة بأنّها؛ ذكر العبد لأخيه بالأمور التي يكرهها ويُبغضها، حيث قال الله تعالى: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ)،[١٠] والغيبة قد تكون في أمورٍ عديدةٍ؛ فقد تكون في النسب، أو البدن، أو الخُلق، أو الدين، أو المنزل، أو الثياب، وتعدّ غيبة أهل العلم والخير والصلاح من أشدّ وأخطر أنواع الغيبة، حيث قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا).[١١]
- آفة النميمة: وتعرّف النميمة بأنّها؛ نقل الكلام بين الناس بقصد الإيقاع بهم والإفساد بينهم، وقد حذّر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- منها، حيث قال: (لا يدخلُ الجنةَ نَمَّامٌ)،[١٢] كما قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ*مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)،[١٣] فالواجب على المسلم أن يحفظ لسانه عن السيّء من الكلام، ويُحاسب نفسه قبل النطق بالكلام.
- آفة الكذب: إنّ المؤمن لا يُقبل منه أن يكون كاذباً بأيّ حالٍ من الأحوال، فالكذب من أبغض الأخلاق وأكثرها سوءاً، حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقاً)،[١٤] ومن أخطر أنواع الكذب؛ الكذب على الرسول عليه الصّلاة والسّلام، ومن أنواع الكذب أيضاً؛ اليمين الغموس التي تغمس صاحبها بنار جهنّم.
المراجع
- ↑ سورة البلد، آية: 8-9.
- ↑ سورة النور، آية: 24.
- ↑ “حفظ اللسان”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-10-2018. بتصرّف.
- ↑ “امسك عليك لسانك”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن بسر، الصفحة أو الرقم: 7700، صحيح.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 53.
- ↑ سورة الزخرف، آية: 80.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6475، صحيح.
- ↑ “اللسان وآفاته”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 12.
- ↑ سورة النساء، آية: 140.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 105، صحيح.
- ↑ سورة القلم، آية: 10-11.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2607، صحيح.