'); }
المعاصي وأنواعها
خلق الله -تعالى- الخلق، وأمرهم بعبادته وتوحيده، حتى يبلغوا مرضاته، وحذّرهم من الابتعاد عمّا يرضيه، والوقوع في محارمه، ورتّب على ذلك عقوباتٍ تطال العاصي في الدنيا، أو الآخرة، أو في كليهما، والعصيان هو عكس الطاعة، فإذا عصى الإنسان ربّه، فقد خالف أوامره، وخرج عنها، أو أتى ما نُهي عن إتيانه، فالله -تعالى- يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)،[١] فلا يجوز للمسلم أن يختار أمراً، أو يتخيّر فيه، بعد أن يقضي الله أمره في ذلك الأمر، فعلى المسلم أن يسمع أمر الله -تعالى- ويُطيعه، حتى لا يقع في المعصية، التي قد تكون سبباً في سخط الله عليه، والمعاصي التي قد يقع فيها الإنسان متعدّدةٌ، ومصادرها كثيرةٌ، أوّلها المعاصي التي تكون بإرادة القلوب، وتلك معصيةٌ بحقّ الله تعالى، حيث يقول الله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).[٢][٣]
ومن مصادر المعاصي كذلك الجوارح والحواس؛ كالنظر على ما يحرم الاطلاع عليه، أو إطلاق اللسان في الكلام الحرام، حيث إنّ الحديث المحرّم من أشدّ المحرّمات التي نهى الله عنها، حتى إنّها ذُكرت مراراً في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ، لا يُلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنَّمَ)،[٤] وكما أنّ مصادر المعاصي متنوّعةٌ، فإنّها من حيث العِظم متفاوتةٌ أيضاً، فهناك الكبائر والصغائر التي قد يأتيها المسلم، فأمّا كبائرها؛ فهي الموبقات المُهلكات لصاحبها؛ كالشرك بالله، وترك الصلاة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وأكل أموال اليتامى ظلماً، حيث صنّف الفقهاء الكبائر بحسْب ما جاءت في القرآن، فهي ما اقترنت بنفي إيمانٍ وفلاحٍ، أو رُتّب عليها كفرٌ، أو نفاقٌ، أو فسوقٌ، أو كتب الله عليها حدّاً؛ كالرجم، أو القتل، أو غير ذلك، وأمّا الصغائر فهي الذنوب التي لم ينطبق عليها وصف الكبيرة، مع أنّ المعصية عظيمةٌ مهما صغُرت، طالما أنّها كانت في حقّ الله تعالى.[٣]
'); }
ما يُعين على تجنّب المعاصي
صنّف ابن القيّم -رحمه الله- أسباباً كثيرةً تُعين المرء على تجنّب المعاصي حتى يتركها، وفيما يأتي ذكر البعض منها:[٥][٦][٧]
- علْم الإنسان بقُبح المعصية، وأنّ تحريمها ما جاء إلّا لدنائتها، وشناعتها، وبالابتعاد عنها يصون المرء نفسه عن الدناءة والرذيلة، فإذا أدرك المرء ذلك؛ انتهى عن المعصية وتجنّبها.
- الحياء من الله تعالى، ومن مراقبته، فمن استيقن مراقبة الله الدائمة له، استحيا أن يصدر منه أفعالاً لا تصحّ.
- تذكّر فضائل الله -تعالى- ونعمه على العبد، وإنّ أعظم النعم التي وهبها الله لعبده نعمة الإيمان، ومقابلة النعم بالمعاصي والأعمال المحرمة، من الأسباب التي تؤدي إلى سلبها منه، فقال بعض السلف: (أذنبتُ ذنباً فحُرِمْتُ قيام الليل سنة، فكانت معصيته سبباً في زوال نعمة القيام، والتمتّع بحلاوته لعامٍ كاملٍ، وذلك مّما قدّمت يداه).
- الخوف من الله تعالى، ومن عقابه، فإنّ الإنسان كلّما ازداد علمه وإيمانه، زادت خشيته من الله تعالى، ويؤكّد ذلك قول الله سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).[٨]
- حبّ الله تعالى، وهو أقوى محرّكٍ للطاعات، واجتناب المعاصي، فإنّ المحبّ لمن يحبّ مطيعٌ، وكلّما ازداد الحبّ، ازدادت الطاعة والاستقامة، وندرت الأخطاء والمعاصي.
- تشريف النفس وتزكيتها، فالنفس إن زكت ترفّعت عن السقوط في الدنايا والخطايا، وابتعدت عمّا يحطّ من قدرها، ويخفض من منزلتها.
- استيقان المسلم بسوء عاقبة المعصية وشؤمها، فإن أدرك الإنسان أنّ المعصية ستجرّ عليه عواقب وخيمة؛ تركها، ولم يطمع فيها، وبلذّتها المؤقتة.
- قِصر الأمل، فإنّ الإنسان في حياته كالمسافر الذي يمرّ مسرعاً، ثمّ ما يلبث أن يترك الدار التي استراح فيها، أو الشجرة التي استظلّ بظلّها، فعليه أن يتخفّف ممّا لا نفع في حمله، ويحرص أن يحمل معه ما يُعينه، ولا يطيل التسويف في أمره، فإنّه ما من شيءٍ له ضررٌ على الإنسان، كالتسويف، وطول الأمل.
- التخفّف من فضول الطعام، والشراب، والملبس، ومخالطة الناس، فإنّ الأخطاء تتأتّى من فضول كلّ ذلك، لتجد مخرجاً تُنفَق فيه، فإن ضيّق الإنسان المباح، ضُيّق عليه الحرام كذلك، وليحرص الإنسان أيضاً على ملئ وقته، فإنّ الفراغ يسهّل على النفس نيل شيءٍ من الحرام.
- ثبات الإيمان في القلب، وهو الجامع الشامل لكلّ ما ذُكر، فكلّما قوِي إيمان العبد، كان صبره عن المعاصي أعظم.
سوء عاقبة المعاصي
إذا أطال الإنسان الوقوع في الآثام، ولم يربّي نفسه على تجنّبها، ظهرت آثار معاصيه في حياته، وفيما يأتي بيان بعض الأضرار التي يمكث فيها العاصي:[٧]
- ظلمة القلب وضيقه، ومن ثمّ موته.
- طول الحزن والألم، لِما يعقب المعصية من اضطرابٍ وقلقٍ، وتخلّي الوليّ عن نصرته، وتمزّق شمله، وضعف مقاومته.
- زوال الأمن، وتبدّله إلى خوفٍ، فإنّ أخوف الناس أكثرهم إساءةً ومعصيةً.
- استبدال الرضا بالسخط.
- الفقر بعد الغنى، والمقصود بذلك الإيمان، وغنى القلب منه وفيه.
- زوال حلاوة الإيمان، فيعقب المعصية عدم استشعار حلاوة الطاعة.
- نفور وبغض الناس للعاصي في العموم.
- استرعاء الذنب ذنباً آخراً، فيزداد الإنسان معصيةً فوق معاصيه، حتى يصبح على قلبه الرين، فيُطبع على قلبه بالمعاصي والآثام، فإنّ الإنسان إذا أتى معصيةً، نَكتت في قلبه نكتةً، فإن تاب منها، مُحيت عنه، فإن أدام المعاصي والآثام، طُبع على قلبه، حيث قال أحد الصالحين: (إنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها).
المراجع
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 36.
- ↑ سورة الحج، آية: 25.
- ^ أ ب “المعصية (حقيقتها – أنواعها – كفارتها – شؤم الإصرار عليها)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-28. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6478، صحيح.
- ↑ “عشرة أسباب تعين على الصبر عن المعصية”، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-28. بتصرّف.
- ↑ “عشرة أسباب تعين على الصبر عن المعصية (3/3) “، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-29. بتصرّف.
- ^ أ ب “عشرة أسباب تعين على الصبر عن المعصية (2/3)”، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-29. بتصرّف.
- ↑ سورة فاطر، آية: 28.