محتويات
تقوية العلاقة مع الله
أحياناً يشعر المرء بفتورٍ في علاقته بربّه عزّ وجل، ويعزى ذلك إلى الكثير من الأمور أهمّها وأبرزها أنّه ربما ابتعد عن الطّاعة، أو أن علاقته بربّه وأداءه للطاعات لم يكن بالشكل الذي ينبغي، فيكون قد أدّاها دون استشعارٍ لمعناها، أو أنّه ربما يكون قد قام ببعض المعاصي التي جعلت بينه وبين الله عزّ وجلّ فجوةً، فأبعدته معصيته، فإذا ما أراد المسلم أنّ يُقوّي علاقته بربّه، ويُحفّز نفسه للطّاعة والعمل والعبادة، فلا بد له من القيام ببعض الأمور التي تُعيد حسن العلاقة بينه وربّه.
كيف أقوي علاقتي بربي
الابتعاد عن المعاصي والآثام
إذا أراد المسلم أن يُقوّي علاقته بربّه فإنّ أولى ما يجب عليه القيام به الكفَّ عن المعاصي، والامتناع عما كان يفعله من ذنوب وآثام، وعليه أن يعزم على ذلك، وإذا ما أراد المسلم الابتعاد عن المعاصي وعدم الاقتراب منها فإنّ ذلك من أفضل ما يُقرّبه من الله ويزيده حبّاً له، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)،[١] فدفع شهواتِ الدّنيا ومَلذّاتها ليس بالأمر السهل، ومن وصل إلى تلك المرتبة فقد بلغ مقاماً رفيعاً، ويكون في أسمى درجات القرب من الله، وحتّى يصبر المسلم على البعد عن الشهوات والملذات فلا بدّ له من القيام ببعض الأعمال، منها:[٢]
- الاستعانة بالله عزَّ وجلّ، ودعوة الله بأن يُقرّبه إليه وينزع من قلبه حبّ الشّهوات والملذّات، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).[٣]
- سؤال الله سبحانه وتعالى أن يجعله قريباً منه فيدعوه أن يُحبِّبه بما يُحبّه، وأن يجعله يبغض ما يُردي به إلى البعد عن الله؛ حيث قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (ما مِن قلبٍ إلَّا بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ إنْ شاء أقامه وإنْ شاء أزاغه)،[٤] وكان رسولُ اللهِ عليه الصّلاة والسّلام يقولُ: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دِينِكَ)،[٤] ويقول عليه السّلام أيضاً: (والميزانُ بيدِ الرَّحمنِ يرفَعُ قومًا ويخفِضُ آخَرينَ إلى يومِ القيامةِ).[٤]
- أن يُؤدّي العبد ما افترضه الله سبحانه عليه من الفرائض، وخصوصاً الصّلوات الخمس في أوقاتها التي شرع أدائها فيها؛ فذلك من أدعى ما يجعل العبد قريباً من ربّه حيث إنّ الصّلاة صلة واتّصالٌ دائمٌ بين العبد وخالقه.
- الرفقة الصالحةٍ تُعين العبد على فعل الخير تُقرب العبد من خالقه وتدنيه منه، فقد قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (المرءُ على دينِ خليلِه، فلينظُرْ أحدُكم من يَخالُّ).[٥]
- الإكثار من قراءة القرآن الكريم، والمواظبة على الأذكار، ممّا يجعل العبد دائم الاتّصال بالله وبعيداً عن معصيته.
الاستغفار
لاستغفار هو طلب العبد المغفرة من الله تعالى بعد رؤية قبح المعصية والإعراض عنها.[٦] ويمكن تعريفه كذلك أنَّه طلب العفو من الله تعالى عمَّا اقترف العبدُ من ذنوبٍ وآثام.[٧]
وقد أشارت النّصوص من القرآن والسُنّة إلى أن الاستغفار له علاقةٌ وثيقةٌ بقرب العبد من خالقه وزيادة اتّصاله به، وعلو منزلته في الدنيا والآخرة، وممّا جاء في ذلك قول الله سبحانه وتعالى في سورة نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)،[٨] ومن أهمّ ما يجعل الاستغفار طريقاً في القرب من الله ما يأتي:[٩]
- الاستغفار سببٌ لتكفير الذّنوب ممّا يجعل العبد أقرب إلى مغفرة الله، فإن المسلم إذا ما أذنب ثم استغفر فإنّ الله سيغفر ذنوبه ويُدنيه منه بسبب حبّه للمستغفرين، قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).[١٠]
- الاستغفار ينجي من عذاب الله ويُقوي علاقة المسلم بخالقه، فقد قال الله تعالى لنبيّه محمد -عليه الصّلاة والسّلام-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)،[١١] فمن يستغفر الله ينجو من عذابه ويقترب من رحمته، وذلك لأنّ الله قرَّبه منه وأدناه إليه.
- في الاستغفار اقتداءٌ بالأنبياء والمرسلين عليهم السّلام؛ وحيث إن الأنبياء هم أصفياء الله وأخلاءه، وهم أقرب الناس منزلةً منه سبحانه، وقد كانوا إذا ما أذنبوا استغفروا الله فغفر لهم وقرَّبهم منه بفضل استغفارهم، وكذلك فإنّ العبد إذا ما اقتدى بهم فسيحصل على ما حصلوا عليه من المغفرة والقرب من الله، وقد أذنب آدم عليه السّلام وزوجه حواء فطلبوا المغفرة من الله فغفر لهم، ويظهر ذلك في قول الله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)،[١٢] وقد أذنب موسى عليه السّلام بعد أن قتل رجلاً بطريق الخطأ فاستغفر الله، قال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).[١٣]
التوبة
إذا ما أذنب العبد ذنباً أو ارتكب كبيرةً ثم تاب منها فإن الله سيغفر له ما كان منه، ويجعله قريباً منه، حيث إنّ الله يحب التوابين من عباده، وينبغي للتّائب أن يتّصف ببعض أمور منها:[١٤]
- أن يجد في قلبه حرقةً على ما اقترف من الذنوب والمعاصي.
- أن يعلم أنه قد قصَّر بحقّ الله سبحانه وتعالى.
- أن يبتعد عن ذلك الذنب أو الكبيرة التي عصى الله فيها، فلا يعود لها مُطلقاً.
- أن يُقبل إلى ربه بفعل الطاعات، وترك المحرمات، ويبتعد عن رفقة السوء التي تُعينه على المعاصي، ويجد رفقةً صالحةً تُعينه على الخير.
المراجع
- ↑ سورة النور، آية: 51-52.
- ↑ “نصائح للبعد عن المعاصي”، إسلام ويب، 31/10/2013، اطّلع عليه بتاريخ 25/2/2017.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 186.
- ^ أ ب ت رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن النواس بن سمعان، الصفحة أو الرقم: 943، صحيح.
- ↑ رواه ابن عساكر، في معجم الشيوخ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2/1220، حسن غريب.
- ↑ الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 18.
- ↑ محمد رواس قلعجي، حامد قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، عَمَّان: دار النفائس، صفحة 275. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تفسير القرطبي، بيروت: دار الفكر، صفحة 277، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 110.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 33.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 23.
- ↑ سورة القصص، آية: 16.
- ↑ “من علامات قبول التوبة حسن الحال بعدها”، إسلام ويب – مركز الفتوى، 18/6/2001، اطّلع عليه بتاريخ 17/12/2016. بتصرّف.