محتويات
حُسن الظن بالله
يسعى العبد المؤمن إلى أداء جميع التكاليف والأعمال التي أمره الله -سبحانه وتعالى- بها، وذلك ليبلغ رضوانه الذي وعد به سبحانه عباده الذين يؤمنون به ويعملون الصالحات، ولكي ينجو بذلك من عذابه الذي أعدّه لمن لم يؤمن به سبحانه ولم يقم بحق الله الذي طُلِب منه.
فالعبد المؤمن يُحسن العمل، ويُحسن الظن بالله، فيدعو ربه ويناجيه وهو موقن بالإجابة، ويعمل الصالحات، ويتجنّب المعاصي وهو على يقين بأنّ الله سيجازيه على ما قام به من الأعمال الصالحة، وأنه سيغفر له تقصيره وخطأه إذا استغفره وتاب إليه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه عن ربه: (يقول اللهُ تعالَى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَنِي، فإن ذَكَرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكَرَنِي في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٌ منهم، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرْولةً).[١]
فالعبد المؤمن إذا قام بالعمل الصالح وأحسن ظنه بربه سيقبل منه عمله ذلك، وإذا استغفر ربه عن ما بدر منه من تقصير وخطأ وأحسن ظنه بربه فرجا رحمته وظن أنّ الله سيعفو عنه ويغفر له خطأه وزلته فله ذلك، لأنه لا يرجو الله إلا مؤمن يعلم أنّ له رباً رحيماً، فالله عند ظن عبده به.[٢]
معنى حُسن الظن بالله
الظنّ في اللغة :(الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ويستعمل في اليقين والشك)[٣]
المقصود بحُسن الظن بالله: (هو أن يعلم المبتلى أنّ الذي ابتلاه هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنّه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليُهلكه به، ولا ليُعذبه به، وإنما ليمتحن إيمانه وصبره ورضاه على ذلك البلاء، وليسمع تضرعه وابتهاله ودعاءه ويرى هل سيصبر على البلاء أم سيكفر، وليراه طريحاً ببابه خاضعاً متذللاً، لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعاً الشكوى إليه لا لسواه).[٤]
حُسن الظن بالله في القرآن الكريم
جاءت العديد من آيات القرآن الكريم لتحث المؤمنين على إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، وعدم إساءة الظن به، ولتؤكد أيضاً على أنّ إساءة الظن بالله ربما تؤدي بالعبد إلى الهلاك، ومن هذه الآيات:
- قول الله عزَّ وجلّ: (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)،[٥] فمن يسيء الظن بالله وبرحمته يكون قد استحق العقوبة من الله، وربما يودي به ذلك الأمر إلى النار والعياذ بالله.
- قول الله عزَّ وجلّ: (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)،[٦] ينهى الله عباده في هذه الآية من أن يظنون به غير الحق، وقد وصف -سبحانه وتعالى- ذلك الأمر بكونه فعلاً جاهلياً من أعمال الجاهلية المرفوضة والممقوتة.
حُسن الظن بالله في السنة النبوية
لحسن الظن أهمية كبيرة في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الآيات القرآنية، حيث تناول عددُ من الأحاديث النبوية حُسن الظن بالله وأهميته، ومن هذه الأحاديث:
- قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أنا عندَ ظنِّ عبدي بي فلْيظُنَّ بي ما شاء).[٧]
- قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (حسنُ الظنِّ مِن حسنِ العبادةِ).[٨]
- قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللهَ يقولُ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني).[٩]
- عن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبل موتِه بثلاثةِ أيامٍ، يقول: (لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ)[١٠] ففي هذه الأحاديث النبوية جميعها حثٌّ للمؤمنين على حُسن الظن بالله، سواء كان المؤمن سليماً معافىً أو مريضاً أو على فراش الموت.
كيفية حُسن الظن بالله
لكي يتمكن المسلم من إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى فإنه يتوجب عليه القيام بعدد من الأمور، ومنها:[١١]
- معرفة أسماء الله سبحانه وصفاته ومعرفة معانيها، والاطلاع على حكمة الله سبحانه وتعالى من خلق الخلق، وحكمته في العطاء الذي يمنحه لعباده الصالحين، ولمن يؤمن به ويحسن الظن به، ويعلم كذلك حكمته من منع رزقه عن عباده الصالحين، وابتلائهم بالأمراض والأوجاع، وأنّ ذلك إنما يصب في صالحهم ويرفع من درجاتهم.
- اجتناب المنكرات والمعاصي، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى عند فعل المعصية، حيث إنّ المسلم إذا ما أتى بمعصية ثم تاب إلى الله فإنه يحسن الظن بأنّ الله سبحانه وتعالى سيقبل توبته ويغفر له ما بدر منه من المعاصي والذنوب.
- إحسان العمل ورجاء الثواب والأجر من الله وحده، فمن علامة حُسن الظن بالله سبحانه وتعالى أن يكون العبد شديد الحرص على طاعة الله وعدم الوقوع في معصيته، ويجزم يقيناً بأنّ الله سيكافئه على إحسانه وطاعته، مما يدفعه للمزيد من الطاعة والعمل الصالح، ليدخل بذلك جنة الله سبحانه وتعالى ورضوانه، وينجو من عذابه.
- معرفة كرم الله سبحانه وأنّ خزائن السماوات والأرض بيده وحده، وأنّ عطاءه لعباده لا ينقص مما عنده شيئاً، وأنّ منع عطائه ليس لبخل حاشاه، إنما هو لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه.
- على المؤمن إذا أصابه ما يكره أن يحسن الظن بربه، وأن يتذكّر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمرِ المؤمنِ. إن أمرَه كلَّه خيرٌ. وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ. إن أصابته سراءُ شكرَ. فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراءُ صبر. فكان خيرًا له).[١٢] وفي هذا الحديث النبوي معنى عظيم، فالمؤمن حقاً من يرضى بقضاء الله وقدره في كل حال، ويحمد الله سبحانه في السرّاء والضراء على ما أصابه، فالمؤمن من ينظر إلى كل شيء يصيبه أنه خير له.
- التوكل على الله عزَّ وجلّ في جميع الظروف والأحوال وفي جميع الأوقات.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7405، صحيح.
- ↑ “معنى قول الله في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي)”، إسلام ويب، 24-6-2001، اطّلع عليه بتاريخ 5-3-2017. بتصرّف.
- ↑ الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 144.
- ↑ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية- مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 174، جزء 75.
- ↑ سورة الفتح، آية: 6.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 154.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن واثلة بن الأسقع، الصفحة أو الرقم: 635، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2/412، إسناده حسن.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2675، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2877، صحيح.
- ↑ “سبيل الوصول إلى حسن الظن بالله تعالى”، إسلام ويب، 23-1-2010، اطّلع عليه بتاريخ 11-2-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان، الصفحة أو الرقم: 2999، صحيح.