أثر المعاصي على النفس
حذّر الله -تعالى- عباده من تكرار الوقوع في الزلّات والآثام، والإصرار عليها دون وازعٍ يحرّك نحو التوبة منها وهجرها، ورتّب على إتيان المحرّمات العديد من الآثار السلبية العائدة على العاصي؛ حتى يتنبّه لسوء فعله فيرجع إلى ربه مستغفراً تائباً، ومن الخير أن يعلم الإنسان شؤم المعصية العائد عليه، فيكون ذلك سبباً في تجنّبها، ومن ذلك ما ورد عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنّه كان يسأل النبي -عليه الصلاة السلام- عن الشرّ مخافة أن يقع فيه، وكذلك إن علم الإنسان قُبح نتائج المعاصي التي يأتيها، فإنّ ذلك سيُعين على هجرها، ولقد علم السلف -رضوان الله عليهم- خطورة المعاصي فكانوا يتعاملون معها بحذرٍ شديدٍ، ويتجنّبونها ما استطاعوا، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنّه كان يُشبّه نظرة المؤمن إلى ذنبه بقوله: إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعدٌ تحت جبلٍ، يخاف أن يقع عليه، وكثيراً ما كان الصحابة يربطون بين ذنوبهم وبين أيّ بلاءٍ ينزل فيهم، فلا يشتكون بلاءً أصابهم، بل يحاولون تذكّر ما التمسوا من محرّمٍ استحقّوا فيه هذا البلاء النازل، فسُرعان ما يتوبون إلى الله، ويستغفرونه من زلّاتهم.[١]
ومن آثار المعاصي العائدة على أصحابها: الحرمان من العلم والهداية، فإنّ العلم والهدي نورٌ من الله سبحانه يؤتيه من يشاء من عباده، ولا شكّ أنّ من يكرّر الذنوب ويقع في الأخطاء قد أظلم قلبه، وعلاه قتر الشهوات، فلا يتفتّح لعلمٍ أو هدايةٍ، وقد يكون الحرمان ليس بإتيان العلم، بل بالرفعة، والعلوّ فيه كما قال ابن القيم رحمه الله، معلّقاً على قول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ*وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)،[٢] ومن آثار المعاصي على الإنسان كذلك حلول الوحشة بين العبد وربّه، فيستثقل المرء الطاعات، ويستسهل الحرام والفواحش، ويُعمي القلب عن رحمة الله وهدايته، وذلك من أصعب الآثار والعقوبات التي تنزل في العصاة المصرّين على معصيتهم، كما أنّ المعصية تُورث حرمان الرزق، ومحقاً في العمر، فالإنسان إذا اشتغل بالمعاصي والشهوات، ضاعت أوقاته وبركة أيامه فيما لا ينفع حين يُقبل على ربّه، فيندم وقتها أشدّ الندم، وهو يردّد: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).[٣][١]
كيفيّة التوبة عن المعاصي
ثمّة بعض الأمور المُعينة لمن أراد التوبة وترك المعاصي، فيما يأتي ذكرٌ لأهمّ ما ينبغي استحضاره في كيفيّة الوصول إلى التوبة الصحيحة:[٤]
- الإخلاص لله تعالى؛ وهو أولى الخطوات ليبدأ الإنسان طريق التوبة إليه.
- محبّة الله تعالى؛ فإنّ المحبّة هي محرّك القلوب، فإن أحبّ العبد ربّه سعى لتحقيق رضاه، وإتيان ما افترضه عليه، وبالمقابل إن خلا القلب من محبة الله سبحانه سهُل عليه السقوط في الزلّات والآثام.
- مُجاهدة النفس؛ فالبدايات تكون صعبةٌ، ثمّ بالتدريج يسهل أيّ عملٍ، ومن ذلك اجتناب المحرّمات، والتزام الفرائض والطاعات، والله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).[٥]
- قصر الأمل، وانتظار الآخرة؛ فالإنسان إذا تذكّر سرعة مرور الدنيا وزوالها، وتذكّر الآخرة وما فيها من نعيمٍ أُعدّ للمتقين المؤمنين، رغب في التوبة وفضائل الأعمال، وانتهى عن المحرّمات والآثام.
- تجنّب الخلوة، والفراغ؛ فالفراغ والخلوة سببٌ مباشرٌ للزلل والخطأ، فعلى المسلم أن يُشغل نفسه بخيري دنياه وآخرته، ولا يدع مجالاً لنفسه أن تشغله، فإن لم يشغلها بخيرٍ شغلته بشرٍّ.
- الابتعاد عن ما له صلةٌ بالمعاصي؛ فعلى المسلم أن ينأى بنفسه عمّا يذكّره بالفواحش والمحرّمات، ويقطع تواصله مع من كانوا سبباً في انحرافه، وأن ينتهي عن الذهاب إلى الأماكن التي كان يعصي الله تعالى فيها، فهذا معينٌ له على ترك تلك المعاصي والمحرّمات.
- مجالسة الأخيار، والابتعاد عن رفاق السوء؛ فرفيق الخير يُذكّر صاحبه بالله تعالى، وينبّهه إن وقع في معصيةٍ وإثمٍ، بعكس رفيق السوء الذي يقبّح لصاحبه الحسن، ويحسّن له القبيح، ويخفي عنه عيوبه، ويسهّل له فعل الموبقات والآثام.
- هجر العوائد والعلائق؛ والعوائد هي الراحة والدعة وسكون النفس، فالإنسان يحبّ الراحة ويفضّلها على الانطلاق والمبادرة، فعلى التائب أن يهجر هذه العادة، ويتحرّك نحو ربّه راغباً به، وكذلك هجر العلائق التي علقت في قلبه، فزيّنت له الدنيا وشهواتها، والعلائق هي كلّ ما تعلّق القلب به سوى الله ورسوله، فعلى التائب أن يهجر كلّ شهواته، وألّا يُبقي إلّا ما يوصله بالله سبحانه ورضاه.
- استحضار الآثار السيئة للذنوب على صاحبها، فمن جعل قُبح الذنوب، وشُؤمها نُصب عينيه، لا يستطيع أن يسترسل في ذنبه، ويستسهله كلّ مرةٍ، بل سيكون ذلك مدعاةٌ له لهجر ذنوبه والتوبة منها.
- الدعاء؛ وهو من أعظم الأسباب التي تُعين العبد على ترك معاصيه، فهي سؤالٌ وتوجّهٌ من العبد إلى ربّه أن يُعينه على ترك شهواته، وتجديد إيمانه.
فضل التوّابين
يسّر الله تعالى التوبة لمن أراد من عباده، فقد قال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)،[٦] وتحبّب الله تعالى لعباده التوّابين، وأخبر أنّه يحبّهم، حيث قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)،[٧] وكان من فضل الله وكرمه على عباده أن أجزل للتوّابين منهم العطاء، فقال: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)،[٨] فوعد منهم من أتى ذنباً ومعصيةً إن تاب وصدق في توبته أن يبدّل الله سيئاتهم حسناتٍ، كرماً من عنده، وحبّاً لعباده أن يبادروا التوبة والإنابة، ولقد أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله تعالى يفرح فرحاً عظيماً لمن تاب، وعاد بعد الذنب من عباده، فقال في الحديث الصحيح: (للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه المؤمنِ من رجلٍ في أرضِ دوِّيَّةٍ مَهلَكةٍ، معه راحلتُه، عليها طعامُه وشرابُه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطشُ، ثمّ قال: أرجعُ إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموتَ، فوضع رأسَه على ساعدِه ليموت، فاستيقظ وعنده راحلتُه وعليها زادُه طعامُه وشرابُه، فاللهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ العبدِ المؤمنِ من هذا براحلتِه وزادِه).[٩][١٠][١١]
المراجع
- ^ أ ب “شؤم المعصية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-5. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 176-175.
- ↑ سورة الفجر، آية: 24.
- ↑ “ثمانية عشر مفتاحاً للتوبة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-5. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 69.
- ↑ سورة الحجر، آية: 49.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 70.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2744، صحيح.
- ↑ “فضل التوبة وتيسيرها وحب الله لأهلها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-5. بتصرّف.
- ↑ “الله يحب التوابين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-5. بتصرّف.