محتويات
الشيطان
الشيطان مصدره شَطَنَ، ويُقال غزوةٌ شطونٌ أي: بعيدة، وشطنتِ الدّارُ شُطُوناً إذا بعُدت، والشَّيطانُ: فيعال من شطن، أي: بَعُدَ، ويقال: شيطن الرَّجلُ، وتشيطن، إذا صار كالشَّيطان، وفعل فعله، فيكون سبب تسميته إبعاده عن النعيم وإخراجه من الجنة بعد أن كان فيها، ونفيه إلى الأرض بعد أن كان من أهل الجنة.[١]
طرد إبليس من الجنة
عندما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح، وبعد أن كان إبليس عليه لعنة الله واحداً من الملائكة المقرّبين أمره الله سبحانه وتعالى كما أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام، فسجد الملائكة طائعين ملتزمين بأوامر الله حيث كان ذلك ديدنهم وحالهم في كل وقتٍ وحين، إلا أنّ إبليس رفض ذلك تكبّراً وجحوداً وتعالياً على خلْق آدم، مُدّعياً أن خَلْقه كان أفضل وأشرف وأكرم من خَلْق آدم عليه السلام، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)،[٢] وكانت تلك أوَّل معصية يُعصى بها الله سبحانه وتعالى، وبعدها سخط الله عزّ وجل وغضب على إبليس وطرده من بين ملائكته المقربين، وجلعه في السافلين إلى يوم الدين.
وكان رد إبليس على ذلك أن وعد بإغواء عباد الله المتّقين حتى يُبعدهم عن الجنة كما أُبعِد هو عنها، غيظاً وغِلاً وحسداً، وطلب من الله أن يجعله من الخالدين لكي يقوم بتلك المهمة إلى يوم الدين، قال تعالى في ذكر هذه الحادثة: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ*قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ*قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ*قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ).[٣]
وسوسة الشيطان للإنسان
هدف الشيطان ليس الوسوسة بحد ذاتها، وليس جعل المسلم يرتكب أمراً دون آخر، إنما قصده وهدفه وغايته أن يُبعد الناس عن عبادة الله وتوحيده، وتطويعهم لمعصيته بشتى أنواع المعاصي والآثام حتى يستحقوا الطرد من الجنة كما طُرد هو منها، قال تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا*لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا*وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا*يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)،[٤]
باب ما يوسوس به الشيطان للمسلم غير محدود ولا متناهٍ؛ لأن المسلم كلما ألزمه الحجة وأفسد عليه طريقاً معيناً من الطرق التي يوسوس إليه فيها زاغ وانتقل من ذلك النوع إلى نوعٍ آخر من الوساوس التي يمكنه التسليط فيها على المسلم وإزاغته عن الطريق القويم، فهو لا يزال يوسوس إليه حتى يؤدّي به إلى الحيرة والهلاك والضلال وتتبّع سبل المعاصي والغواية، لذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما يعرض لنا من وساوسه في هذا الباب شيءٌ أن نستعيذ بالله من شره وأن ننتهي عن مراجعته.[٥]
إبعاد وساوس الشيطان عن الإنسان
يمكن للمسلم أن يبتعد ويسلم من وساوس الشيطان بعدّة طرق جاء ذكرها في كتاب الله وفي سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقد ذكر العلماء بعضاً من تلك الطرق والوسائل إن التزم بها المسلم نجا من وساوس الشيطان، وإن أصابه شيءٌ منها كان قوياً صلباً، أو على أقل تقدير خرج بأقل الخسائر، ومن تلك الطرق ما ذكره الخطابي مستخرجاً لها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جاء في الحديث: (يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ بالله ولينتَهِ) وفي رواية (فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله)،[٦] ومما ذكره الخطابي للبعد عن وساوس الشيطان ما يلي:[٥]
- أن يترك التفكير فيما يخطر بالقلب من وساوس الشيطان والامتناع عن قبولها واستحبابها.
- أن يلجأ إلى الله ويلوذ به، وذلك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وصيغتها: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
- التوقف عن مجاراة الشيطان فيما يُدخله للنفس من حديث يُقصَد به إيقاع الشك في قلب المسلم.
- ألّا يلجأ إلى المحاججة لتقوية دليله ورأيه فذلك ما يريده الشيطان، لأنه أقوى حجةً وأكثر دليلاً بما أعطاه الله.
- أن ينشغل المسلم عن وسوسة الشيطان له إذا سأله عمّا يشكك في دينه وعقيدته فيبحث عن جواب السؤال الذي يطرحه إبليس في نفسه بما يقاربه ويوجبه من الحقائق الثابتة في قدرة الله في ذلك الشيء، فيعلم بالنظر يقيناً ويثبت له حقيقة وجود الله ولو لم يدركه حقيقةً بالبصر.
- وقد ذكر ابن حزم الظاهري في رسائله لعلاج وساوس الشيطان عدداً من الوسائل والسبل لعلاج وساوس الشيطان، منها:[٧]
- إمعان النظر في معالم قدرة الله سبحانه وتعالى، وإعجازه الماثل في مخلوقاته من أرضٍ وسماءٍ وجبال ودواب وغير ذلك.
- الاستشهاد بالظاهر المحسوس الذي يشير إلى وجود الله وقدرته ويدلل عليه، وترك التفكير بالباطن الذي لا يمكن إدراكه بالعقل وهو رؤية الله عزَّ وجلَّ وحقيقة وجوده.
- الانشغال بالعلم النظري الخاص بالأحكام الفقهية والتفرغ للعبادات عن التفكير فيما يؤدي إلى إدخال الشيطان إلى القلب والفكر والعقل.
- العلم التام اليقيني بأن ما أُعطِي مخلوقٌ من قدرة وإرادة إلا بمشيئة الله وحكمته، قدَّرها الله له لحكمة ولم يأتِ هو بها بجهد أو مال أو قوة أو سلطان.
المراجع
- ↑ أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، العين، بغداد: دار ومكتبة الهلال، صفحة 237، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 50.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 12-18.
- ↑ سورة النساء، آية: 117-120.
- ^ أ ب أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 163-164، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 134.
- ↑ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (1983)، رسائل ابن حزم الأندلسي (الطبعة 1)، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صفحة 401، جزء 4.