مقدمة
من المعروف أنّ لكلّ إنسان شخصيته التي يتميّز بها عن غيره، حيث يؤكّد لنا علماء النفس أن الإنسان لا يولد بشخصية معينة، بل إنّ شخصية الإنسان هي عبارة عن تفاعل بعض العوامل الوراثية والبيئية -بغض النظر- عن البيئة التي يتواجد بها، والتي تؤثر على شخصيته، كما أنّ تفاعل الإنسان مع مجتمعه يحدّد إلى درجة كبيرة أسلوب الشخص في المجتمع، هذه العوامل تجعل الإنسان متفرد في سلوكياته، احتياجاته، ومعتقداته.
إنّنا -نحن البشر- نختلف في مستوى ذكائنا، ودرجة تعلمنا، وعقائدنا الدينية، والتجارب الذاتية، والخلفية الاجتماعية، وكل هذا يحدد طريقتنا في التعامل في التعامل مع غيرنا من الناس، لذلك يجب علينا أن ندرك أننا مختلفون في فهمنا للأشياء ونظرتنا لها، وعندما أرى شيئاً معيناً ليس بالضرورة أن يتفق معي كل الذين أعرفهم، لذلك فإن كل إنسان له الحق في الاختلاف معنا.
كيفية فهم الآخرين
يقول أطباء النفس: (إن الذي يفهم الآخرين يمتلك علماً، والذي يفهم نفسه يملك حكمة)، أيها -القارئ العزيز- إن من أصعب الأشياء أن تفهم الآخرين، وذلك لأن الناس شخصياتهم مختلفة، فما ينفع مع شخص ما ليس بالضرورة أن ينفع شخص آخر، وذلك لأن كل شخص بحاجة إلى دليل خاص به يقنعه. كل إنسان لديه قناعات خاصة، كما تطرقنا في مقدمة المقال، لذلك فهم شخص ما بشكل كامل وتام يعتبر أمر غير ممكن، بل مستحيل، وهناك بعض القواعد العامة لفهم الناس، ومن يمتلك هذا الفهم العام فهو يمتلك علماً ليس بسيطاً، بل يمتلك علماً عظيماً!.
أولاً قبل أن نفهم الآخرين، يجب أن تفهم نفسك، هذا ليس بالأمر البسيط، فما عليك سوى التعلم؛ لأن التعلم يؤدي إلى الفهم والذي يقود بدوره إلى الوعي الصحيح، والوعي الجيد للأمور يقود إلى الإدراك، وهذا الإدراك يعتبر من أعلى مستويات العيش الإنساني.
فهم الذات
وذلك بثلاث مراحل:
- الفهم: وهو خاصة بالعقل، حيث بالعقل نستطيع أن نفهم كيف ركبنا الأحداث وكيف قبلناها، وكيف حللنا تأثيرات الحياة وانعكاساتها، وأن كل ما نراه حولنا عبارة عن فكرة معكوسة واقعيا.
- الوعي: وهو خاص بالقلب، وهذا الواعي الذي يأتي بعد أن تفهم مجريات الأمور، حيث يعي الإنسان رسالته في هذه الدنيا، وطريقة حياته.
- الإدراك: وهو مسألة روحية، فالروح تدرك ما حولها، وهي –فقط- التي تفهم أي شيء يدخل عليها من أيُ أبعاد أو زمان أو مكان، إن الروح تدرك أن الحل واحد وإن تنوعت أشكاله ومعطياته.
قد يتساءل القارئ، هل الكاتب خرج عن محور الموضوع وسرح بخياله؟ ما دخل هذه الفلسفة الجوفاء بالسؤال المطروح “كيف أفهم نفسي”؟. أقول -أيها العزيز- أولاً هذه ليست فلسفة جوفاء تحلق بعيداً عن الواقع، إذا كنت تريد جواباً حقيقياً صريحاً لسؤالك، فأنت في المقال الصحيح، أنا لن أكذب عليك بنصائح إنتكاسية، أو بكلام مُنمق يشعرك أنك واثق من نفسك، ولكنك تعلم في داخل نفسك أنك لست كذلك.
إن الكثير من الناس ليس لديهم المرحلة الأولى، فكيف به أن يفهم غيره إذا لم يفهم واقع نفسه! دعنا نعطي مثالاً سريعاً لفهم ذلك: لو أنّ أخاك أو طفلك الصغير أخطأ معك، ماذا سوف تكون ردة فعل كل منا؟ الانفعال، وثوران المشاعر، ثم تكون ردة فعلك السريعة من خلال غضبك، أو تعاطفك معه، وهنا العقل يتصرف من خلال تحليل الموقف، ومحاولة تقبل أو عدم تقبل الأمر، وتصرف القلب يكون من خلال وعي الأمر بالود والحب والتفهم، وأمّا تصرف الروح يكون: الإدراك الجيد لهذا الفعل، وأن ذلك جزء من حياتنا.
ولهذا إذا كنت تفهم نفسك جيداً، فإنك لن تجد صعوبة في التفاعل مع هذا الأمر بإيجابية وحكمة، ولكن إذا كنت قاصر في فهم نفسك فسوف يتطور أي موقف إلى الأسوأ، لذا يجب أن نفهم أنفسنا جيداً، فهي التي تتواصل مع الآخرين، فمن غير الممكن أن أحوال فهم الآخرين، في حين أني لا أفهم نفسي! لهذا أكدت على هذا الموضوع المهم، قبل أن أنتقل إلى الجزء الأخير من الموضوع.
فهم الآخرين
هناك سؤال مهم، وهو: لماذا أنت مهتم بفهم الآخرين؟ إن الكثير من المشاكل التي تحدث حولنا وسببها الرئيسي هو عدم فهم الناس بشكل صحيح، وليس كامل؛ لأنه مستحيل، لذلك نتعامل مع الناس بطريقة سيئة وخاطئة، لذا يحدث نفور واضح سواءً منا أو منهم، ومن أهم أسباب الفهم الخاطئ للناس، والثقة المتزعزعة بالنفس، وهو عندما أعتقد أن عيوبي كثيرة، وأنظر إلى غيري على أنه كامل، ليس به أي عيب! لذا هذا الشخص لا يشعر بالثقة عندما يتواجد مع الناس، ولو فهم هذا الشخص نفسه، وأن به بعض العيوب، لاستطاع أن يفهم غيره من الناس، وأن يشعر بالثقة في نفسه في وجود أي شخص غريب.
لقد فهم الناس بشكل خاطئ، أثر هذا الفهم على شخصيته، وعاب نفسه!، إنّ أحد الأسباب الرئيسية في عدم فهم الناس بشكل صحيح، هو حكمك عليهم مستنداً على ما تعتقده، لا كما يعتقدونه هم. فمثلاً: إذا كانت ثقتك بنفسك ضعيفة، ثم قابلت أحد الأشخاص لأول مرة في حياتك، ومن تصرفه حمكت عليه بأنه حاد الطباع، لكن الأمر لا يكون هكذا! فقد يكون الشخص الذي قابلته خجول، ولا يستطيع أن يظهر مشاعره من أول مرة!.
بعد أن وضحنا الكثير من الأمور حول هذا الموضوع المهم، والتي كان لا بد منها، نأتي الآن إلى الإجابة عن سؤال “كيف أفهم الآخرين” بشكل مباشر، وأعتقد أن ما كتبته في هذا المقال، قد أجاب على السؤال، لكن دعونا نستخلص ما توصلنا إليه في هذا المقال، واستنتاج الخلاصة على شكل نقاط، توضح ما أشكل على البعض.
ما يجب فعله
أن تفهم نفسك جيداً، ولأنك إنسان فالآخرين مثلك –أيضًا- إذا كان هناك عيوب فيك، فهناك واحد لا يوجد به أي عيب، وهو الله -جلّ في علاه- يجب أن تفهم ذلك جيداً، وما دون الله من خلقه -الذين يعقلون- هم البشر كثيري العيوب، لا تعتمد أو تتعامل مع غيرك على ما تعتقد، عندما تحكم على شخصاً ما ضع ما تعتقده فيه جانباً، فالحكم عليه يكون وفقاً لظروفه لا ظروفك، وفق ما يعتقده وما يره لا ما تعتقده وتراه أنت، وقد بينت ذلك في أول المقال.
إذا فهمت أن الناس شخصيات، وكل منهم له عيوب ومميزات، وكلا منهم يخطئ في مواضع، ويصيب في مواضع، ومنهم الصالح، ومنهم القذر، ومنهم الطيب، ومنهم الخبيث، نستطيع أن نفهم جميع الناس بشكل عام، وهذا بحد ذاته أمر ليس بسيط، لأن ذلك يقود إلى فهم نفسك، ويعطيك الثقة القوية بالنفس، وأخيراً تفهم من هم حولك، هذه جملة من الأمور التي توضح معالم الطريق للإنسان الذي ينبغي عليه أن يُلم بها، وهي معرفة فهم الأشخاص ما يجعلك أكثر وزناً في المجتمع والوطن بشكل عام، كما يتعين على الإنسان أن يكون حكيماً في ما يقوم وما يفعل.