كيفية طرد وساوس الشيطان

'); }

الوسواس

الوساوس هو حديث النّفس بأمرٍ خفيّ بغية ردّها عن الإيمان وإيقاعها في الشّرك أو جرّها إلى المُحرّمات والمُنكرات، فالشّيطان يُوسوس للإنسان بأفكار غريبة، ربما تكون خاطئةً وربما تكون صائبةً، لكن هدفه تشكيك المسلم في عقيدته، أو تضليله للانحراف عن الطّريق القويم، ويظلّ الشّيطان مُسيطراً على فكر الإنسان ويُلازم صدره حتّى يدفع العبد للاعتقاد بفكرٍ ما يُودي به إلى الشّرك بالله، أو يُودي به إلى الوقوع في المُحرّمات، ويبثّ الفتنة بين الأفراد والأسر والجماعات، ويُثير العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع حتّى يقع الاقتتال بين النّاس، قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ*وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ ۖ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).[١]

معنى الشيطان وسبب تسميته

الشيطان مصدره شَطَنَ أي بَعُد، ومنها غزوةٌ شطونٌ أي غزوةٌ بعيدة، وشطنتِ الدّارُ شُطُوناً إذا بعُدت، وسُمّي الشَّيطانُ بذلك من البعد، ويُقال: شيطن الرَّجلُ وتشيطن: إذا صار كالشَّيطان وفعل فعله، فإنّه يُبعَد عن النّاس نتيجة أفعاله كما أبعد الله إبليس عن الجنة، فيكون سبب تسمية الشيطان بذلك لإبعاد الله له عن النعيم وإخراجه من الجنة بعد أن كان فيها من المُقرّبين، وإنزاله إلى الأرض في أسفل السّافلين بعد أن كان من أهل الجنة وسكانها مع الملائكة المُقرّبين.[٢]

'); }

أول من وسوس له الشيطان من البشر

يرجع سبب وسوسة الشيطان للإنسان وإبعاده عن طريق الحق إلى ما قبل نزول آدم إلى الأرض، فعندما خلق الله آدم كان إبليس من الملائكة مُقرَّباً من الله -سبحانه وتعالى-، وحينها أمره الله -عزّ وجلّ- هو والملائكة بالسّجود لآدم الذي خلقه بيديه تعظيماً لأمر الله لا لآدم، فأبى إبليس أمر الله تكبُّراً وعُلوّاً على خلْق آدم الذي خلقه الله -سبحانه وتعالى- من تراب، وعلّل رفضه بأنّ أصل خلقه أفضل من أصل خلق آدم؛ حيث إنّه مخلوقٌ من نار، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)،[٣] فعصى إبليس ربّه بأول معصية يُعصى بها الله -عزَّ وجلّ- في السّماء، فغضب الله على إبليس ولعنه، وأبعده وطرده من الجنّة.[٤]

أخذ إبليس على نفسه عهداً بأن يغوي آدم ونسله من عباد الله المُخلصين ليُبعدهم عن الجنة كما أُبعِد هو عنها، حيث سأل الله أن يُحييه إلى يوم القيامة ليقوم بهذه المهمة، قال تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ*قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ*قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ*قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ)،[٥]

أول من وسوس له الشيطان هو آدم -عليه السّلام- بعد أن دخل هو وزوجه الجنة وخرج منها إبليس، فصوّر له أنّ الله ما منعه من الأكل من الشّجرة إلا لأن في الأكل منها الخلود في الجنة، أو أن يُصبحا مَلَكين مُقرَّبين، وخاطبهما بأحبّ ما يَرِد على النّفس البشرية من الأهواء والمُغريات،[٤] قال تعالى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ*فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ*وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ*فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ).[٦]

إبعاد وساوس الشيطان عن الإنسان

من الطّرق ذات الفعاليّة الكبيرة في إبعاد وساوس الشيطان عن الإنسان ما ذكره الإمام الخطابيّ، حيث استخرج بعض الأمور والنّقاط لإبعاد وسوسة الشّيطان عن الإنسان من حديث الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- سابق الذكر حيث قال: (يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ بالله ولينتَهِ) وفي رواية (فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله).[٧] وممّا ذكره الخطابيّ للبعد عن وساوس الشيطان والنجاة منها ما يأتي:[٨]

  • أن يترك المسلم التّفكير فيما يخطر له من وساوس الشيطان الكثيرة في شتّى النّواحي والمجالات، وأن يمتنع عن تجاولها في ذهنه والاستماع لها، فضلاً عن قبولها والبحث فيها؛ لأنّ ذلك ما يصبو له الشّيطان.
  • أن يلجأ المسلم إلى الله ويستعيذ به من شرِّ الشّيطان وشركه، وصيغة الاستعاذة أن يقول المسلم: (أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم).
  • التوقّف عن مُجاراة الشيطان فيما يوسوس به للمُسلم من أفكار ربما تُؤدّي بصاحبها إلى الشّرك، أو إدخال الشكّ في قلب المؤمن المُوحِّد لله.
  • ألّا يتوجّه المُسلم إلى محاججة الشيطان؛ ويكون ذلك بأن يبدأ بإيراد البراهين والحجج لدحض الأفكار التي وسوس له الشيطان بها، حيث أيده الله بقوّة الحجة ليمتحن عباده من يخضع لتلك الوساوس ممّن قويّ إيمانه واعتقاده بالله ورسوله.
  • أن ينشغل المسلم عن وسوسة إبليس بأن يبحث عمّا يُثبت عكس ما وسوس له في الأمور اليقينيّة الثّابتة عياناً لإثبات عظمة الله وقدرته، كالانشغال بعظمة خلق الله للسّماوات والجبال، وإعجازه في خلق الإنسان، وغير ذلك من الحقائق اليقينيّة الثّابتة التي تُظهِر قدرة الله في ذلك الشيء، فيعلم يقيناً أن وجود الله حقّ لا شك فيه ولا مِراء، ولو أنّه لم يُدرك ذلك حقيقةً بالبصر لقصوره عن ذلك.

وقد ذكر الإمام ابن حزم الظاهريّ عدداً من الوسائل لعلاج وساوس الشيطان، منها:[٩]

  • أن يُمعن المسلم النّظر في مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى، ويُلاحظ إعجازه في مخلوقاته في الأرض والسّماء، وكيفيّة خلق الإنسان والإبداع في تصويره وتكوينه.
  • أن يستشهد بما هو ظاهرٌ له من الوقائع التي تُشير وتدلّ يقيناً على وجود الله وقدرته وتُدلِّل عليه، وترك التّفكير ببواطن الأمور التي يعجز العقل عن تصوّرها، كرؤية الله عزَّ وجلَّ وحقيقة وجوده، وخير مثالٍ على ذلك الاستشهاد ما استشهد به الأعرابي على وجود الله حين سأله أحدهم: (بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدلّ على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السّميع البصير؟).[١٠]
  • الانشغال بالعلم النظريّ عن العقائد التي تدعو إلى الفلسفة، خاصّةً عند العوام الذين ربما يُؤدّي انشغالهم بعلم العقائد إلى حدوث خلل لعدم استيعابهم تلك العلوم، والأولى أن ينشغل المسلم بالأحكام الفقهيّة والتفرّغ للعبادات عن التفكير فيما يُؤدّي إلى إدخال الشّيطان إلى القلب والفكر والعقل.
  • العلم التام الذي لا يُخالطه شكّ بأن ما أُعطِي مخلوقٌ مهما بلغ من القدرة؛ فإنّما كان ذلك بإرادة ومشيئة الله وحكمته وقدرته، وأنّه لم يأتِ بتلك القدرة بجهده الشخصيّ، ولا بعلمه المُطلق، ولا بنفوذه وجبروته.

وساوس الشّيطان بين القرآن والسُنّة

لم تكن غاية الشيطان في الوسوسة لآدم إغواءه فقط لأن الله فضله عليه، بل لأنّه لا يريد أن يُطاع الله أبداً، ويكره أن يرى ذلك، وليثبت أنّه خيرٌ من آدم ونسله، قال تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا* لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا* وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا* يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)،[١١] ويمكن أن يبتعد الإنسان عن وساوس الشيطان وإغوائه بأن يلتزم بعدد من الأمور التي تُنجيه من وساوس الشيطان، وإن أصابه شيءٌ منها فإنّه سيواجهها بقوّة وصلابة، وسيقف أمامها قويّاً مُتماسكاً حتّى يُبعده الله عنها، وإن رضخ إلى شيءٍ منها فإنّه ما يلبث أن يعود إلى طاعة الله بعد أن يستغفره ويتوب إليه.

إن ما يوسوس به الشّيطان للمسلم غير محصور بأشياء أو أمور مُعيّنة؛ لأنّ المُسلم كلّما وسوس له الشيطان بأمرٍ فألزمه الحجة وأفسد عليه ما بدأ به من الوسوسة انتقل إلى طريقٍ آخر من الوسوسة حتّى يصل إلى غايته أو يبتعد عنه مُسلماً خسراناً، لذلك أرشد النبي -عليه الصّلاة والسّلام- المسلمين إذا عرض لهم شيءٌ من وساوس الشيطان أن يستعيذوا من شرّه، وأن يلجأوا إلى الله سبحانه وتعالى.[٨] قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).[١٢]

أما في السنة فقد ذكر الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- كيف يمكن للمُسلم أن يتخلّص من وساوس الشيطان بأعمال مُعيّنة، حيث قال: (يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ بالله ولينتَهِ)، وفي رواية (فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله).[٧]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 102-103.
  2. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، العين، بغداد: دار ومكتبة الهلال، صفحة 237، جزء 6. بتصرّف.
  3. سورة الكهف، آية: 50.
  4. ^ أ ب “الكيفية التي وسوس بها الشيطان لآدم وحواء”، إسلام ويب، 3/2/2003، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2017. بتصرّف.
  5. سورة الأعراف، آية: 12-18.
  6. سورة الأعراف، آية: 19-22.
  7. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 134.
  8. ^ أ ب أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 163-164، جزء 8. بتصرّف.
  9. أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (1983)، رسائل ابن حزم الأندلسي (الطبعة 1)، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صفحة 401، جزء 4.
  10. “الإيمان بالله:(توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات – الشرك وأقسامه)”، الدرر السنية – الموسوعة العقدية، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2017. بتصرّف.
  11. سورة النساء، آية: 117-120.
  12. سورة فصلت، آية: 36.
Exit mobile version