محتويات
'); }
جِهاد النّفس
يُعدّ جِهاد العبد لهواه أعظم أثراً من جِهاد المرء لأعدائه وأبلغَ منه؛ حيث إنّ الجِهاد الذي يتمثّل في مواجهة الأعداء ومدافعَتهم هو في الواقع أقلُّ خطورةً من مُجاهَدة المسلم لما يتنازعه من أهواءٍ تتمثّل في حبّ الدُّنيا وملذّاتها ومُغرَياتها، وقد قال المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- في فضل من يدافع هواه ويُجاهدُه: (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعاً لِما جِئْتُ بِهِ)،[١] فقد نفى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صفة الإيمان عمّن تبِع هواه ولم يُجاهد نفسه، ونسبها لمَن يُوافق هواه ما جاء به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من حبِّ الآخرة، والإقبال عليها، والإدبار عن الدُّنيا.
لجهاد النفس مراتب ودرجات وهيئات، فإذا أراد المسلم الابتعاد عن الذّنوب، وتجنّب ارتكاب المعاصي، والمداومة على الفضائل والتحلّي بالأخلاق الحميدة، فإنّ عليه القيام ببعض الأمور والأعمال المُعِينة على ذلك، بعد أن يُدرك ما هي مراتب جهاد النّفس وأنواعه، وفي هذه المقالة سيأتي تفصيل كيفيّة جهاد العبد لنفسه، وأنواع جهاد النّفس ومراتبه.
'); }
تعريف الجِهاد
الجِهاد لُغةً: من الْجَهْد أو الْجُهْد، وهو بَذْل الجُهْد والطّاقة، ومن مصادر الفعل جاهد: الجِهاد، والمُجاهَدة، ومعناهما بَذْل الجُهد والطّاقة، وتحمُّل الجَهد وهو المشقّة في مُقابَلة العدوّ، والقِتال والمُقاتَلة كذلك،[٢] أمّا الجِهاد اصطلاحاً: فهو بذل الجُهد في قِتال المُشركين [٣] ويعني جِهاد النّفس: بذل الوُسع والطّاقة في شتّى الأمور التي تختصّ بالنّفس البشريّة، وإبعادها عن المعاصي والذّنوب، ومُدافعَتها للصّبر على الطّاعات، وتحمُّل المشاقّ النّفسيّة والمعنويّة لذلك.[٤]
كيفيّة جِهاد النّفس
جعل العلماء لجِهاد النّفس مراتبَ وأنواعاً، ولكلّ نوعٍ منها طريقته وكيفيّته الخاصّة، فمنها ما يكون بمجاهدة الهوى، ومنها ما يكون بمجاهدة أهل المعاصي، والبُعد عنهم، وعدم الرّكون إليهم، أو طلب العلم والصّبر على مشاقّه، وتفصيل ذلك كلّه فيما يأتي:[٤]
الجِهاد بطلب العِلم
يعني الجِهاد بطلب العلم أنْ يُجاهد المسلم نفسَه لتحمُّل مشاقّ الحصول على العلوم بأنواعها، ويسعى إلى طلبها، ويبذل كلّ ما في وسعه لأجل ذلك، وأهمّ ما يتعلّمه المسلم هو أمور دينه: حلالها، وحرامها، وقراءة القرآن وأحكامه، وتعلّم الحديث: صحيحه، وضعيفه، وموضوعه، وتعلّم أحكام الإسلام بتفصيلاتها، ويشتمل طلب العلم تحصيل المسلم كلّ ما ينفعه في دينه ودنياه من العلوم التي لا بُدّ منها لاستمرار الحياة وبقائها، على أن يكون تعلُّمها ممّا أجازه الشّرع ولم يُحرِّمه.[٤]
الجِهاد بالعمل
يعني الجِهاد بالعمل أن يبذل المسلم الجهد في إدراك الغاية التي أوجده الله لأجلها وهي العبادة، ويكون ذلك بالقيام بما أمره الله بالقيام به من الصّلاة، والزّكاة، والحجّ، وغير ذلك من الأمور العمليّة التي يكون القصد منها التقرّب إلى الله تعالى، ومن ضمن تلك الأعمال: أن يسعى المسلم إلى تحصيل رزقه ورزق عياله للتّقوِّي على العبادات، أو توفير الكِفاية له ولأسرته؛ لذلك سُمِّيت أحكامُ الشّرع تكاليفَ؛ حيث إنّ الوصول إليها لا يُدرَك إلا ببَذل الجهد والطّاقة والوقت، وقد قال سبحانه وتعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)؛[٥] فالله -عزَّ وجلَّ- لم يُكلِّف عباده بالعمل إلا بما يُعادل قدرتهم ومقدار تحمُّلهم.[٤]
ولهذا أسقط الله -عزّ وجلّ- التّكليف عن كلّ مَن يجد المشقّة في بعض الأعمال الشرعيّة، ومن هنا جاء باب الرّخص، الذي يقوم على أن يترك المسلم بعض الواجبات أو يؤجِّلها؛ إن كانت هناك مشقّة زائدة عن طاقته في فِعلها، فجاز لمَن كان به مرضٌ أو عِلّة أن يُصلّي قاعداً بدل أن يصلّي قائماً، وجاز له كذلك أن يفطر في نهار رمضان إن خشِي على نفسه الهلاك، وجاز للحائض والنّفساء ترك الصّلاة، والصّيام، وغير ذلك.[٦]
الجِهاد بالدّعوة إلى الله وتحمُّل مشاقّها
يجب على كلّ مسلمٍ أن يُبادر إلى الدّعوة إلى الله بما تحصَّل له من العلوم ولو كان ذلك قليلاً؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم- في الصّحيح: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)؛[٧] فالمسلم مُكلَّف بالدّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجب على الدّاعية أن يصبر على الدّعوة إن اختارها طريقاً له، كما يجب عليه الصّبر على ما يجده فيها من مشاقَّ، ومعاناةٍ، وتكذيبٍ وصدٍّ من الناس، كما صبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه.[٤]
المراجع
- ↑ رواه الذهبي، في الكبائر، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 468، إسناده صحيح.
- ↑ عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، أبو حفص، نجم الدين النسفي (1311)، طلبة الطلبة في المصطلحات الفقهية، بغداد: المطبعة العامرة، مكتبة المثنى، صفحة: 79. بتصرّف.
- ↑ محمد بن قاسم الأنصاري، أبو عبد الله، الرصاع التونسي المالكي (1350)، الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية (الطبعة الأولى)، بيروت: المكتبة العلمية ، صفحة: 139. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج سعد بن ناصر الشثري (13/7/2012)، “مفهوم الجِهاد في الإسلام وشروطه وضوابطه”، السكينة، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2017. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 286.
- ↑ التويجري، “القاعدة الرابعة المشقة تجلب التيسير”، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 20-3-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدا لله بن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 3461.