فروض وسنن

جديد كيفية تصحيح الصلاة

السهو في الصلاة

يُسرُ العبادات في الإسلام سمة جليّة، ومظاهرها وشواهدها أكثر من أنْ تحصى على عجل، ومن ذلك ما شرعه الإسلام من أمر تصحيح عبادة الصلاة عند وقوع خلل في أدائها، فجاء سجود السهو جَبْراً لما قد يحدث في الصلاة من خَلَلٍ؛ سواءً زيادة كان أو نقصاَ أو شكّاً، وهذا من رحمة الله -تعالى- بعباده؛ لعلمه السابق أنّ النسيان والنقص والغفلة والذهول من طبيعة البشر، كما أنّ الشيطان يحرص على أن يشوش على العبد صلاته؛ فيبعث الأفكار المشتّتة للأذهان، وربما ترتّب على تلك الوسوسة الشيطانية نقص في الصلاة، أو زيادة فيها، ليأتي سجود السهو إرغاماً لشر الشيطان، وجبراً للنقصان، ولعلّ من أكثر ما يقع الخلل فيه عند المصلين سجود السهو في الصلاة، فيتركونه ظنّاً منهم أنّه لا يجب عند هذا الخلل أو ذاك، وربّما أتوا به على غير موجبٍ له، علماً أنّ سجود السهو له أسباب وأحكام ومواضع ينبغي لكلّ مسلم معرفتها، ليكون على بصيرةٍ من أمره؛ فتستقيم صلاته، ويسلم له أجرها، فلا يعذر مسلم في جهالة أمور العبادات العينية المفروضة، لذا كان السؤال عن كيفية تصحيح الخلل في الصلاة.

تعريف الصلاة وبيان أقسامها

بيّن العلماء المقصود في الصلاة شرعاً، وبيّنوا كذلك أقسامها على النحو الآتي:

  • الصلاة في الاصطلاح الشرعيّ: هي عبادة مفروضة لله، يؤدّيها العبد المكلّف وجوباً بأقوالٍ وأفعالٍ مخصوصةٍ ومنضبطةٍ، تُفتَتَح بالتكبير، وتُختَتَم بالتسليم، وسُمِّيت بالصلاة؛ لأنّها تشتمل على الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه، والصلاة في حقيقتها وأصل معناها هي اسم لكلّ دعاء.[١]
  • أقسام الصلاة بحسب أفعالها وأقوالها المخصوصة: الصلاة عند أهل العلم تُقسَم بأفعالها وأقوالها إلى ثلاثة أقسام، ويختلف جبر الخلل الحاصل في كلّ منها، وبيان ذلك على النحو الآتي:[٢]
    • أركان الصلاة: هي التي لا تسقط عن المصلّي بحال، عمداً كان، أم سهواً، أم جهلاً؛ فالصلاة لا تكتمل إلّا بها، ولا تُسمّى صلاةً بالمعنى الشرعي إلّا بتمامها، وإذا ترك المُكلَّف ركنَاً سهواً؛ فإنّ في المسألة تفصيلاً عند العلماء، ولكن لا يجبره سجود السّهو بحالٍ، ويجب تدراك فعل الركن ما لم يشرع المصلّي بركنٍ آخرٍ.
    • واجبات الصلاة: هي التي تُجبَر بسجود السّهو لمن تركها سهواً، وتبطلُ صلاةُ العبد إذا تركها عمداً، وللفقهاء في ذلك تفصيل.
    • سُنَن الصّلاة: هي التي لا تبطُل صلاة المكلّف بتركها، سواءً ترك سنّتها سهواً أو عمداً كما هو عند أغلب الفقهاء.

كيفية تصحيح الخطأ في الصلاة

أقسام الصلاة جميعها يردُ فيها الخلل، ركناً، أو واجباً، أو سنّةً، وتصحيح الخلل الحاصل له أحكامه عند العلماء، وبيان ذلك:[٣]

تصحيح الخلل في أركان الصلاة

من الممكن أن يترك المصلي ركناً في الصلاة أو ينقله، أو يبدّله، وبيان ذلك على النحو الآتي:

  • إذا ترك تكبيرة الإحرام يجبُ عليه أن يُعِيد الصلاة؛ لأنّه لا يمكنه تداركُها؛ فهي مفتاح الشروع في الصلاة.
  • نقل ركن قولي إلى موضع غير موضعه؛ ومثاله أن يقرأ الفاتحة في الركوعِ أو التشهّد بدلاً من القيام، أو أن يقرأ التشهّد في موضع القيام أو أثناء الركوع، فهذا وما شابهه عند الشافعية يجبره سجود السهو، وقال المالكية لا يلزمه السجود، وهذا رأي في المذهب الحنبلي، وإنْ سجد جاز على الاستحباب، والحنفية فصّلوا المسألة؛ فقالوا: إن قرأ الفاتحة في ركوعه أو سجوده لزمه سجود السهو، أمّا إذا تشهّد في موضع القيام أو أثناء الركوع، فلا يلزمه سجود سهو، وذلك لاعتبار أنّ الركوع والسجود عندهم ليسا محلاً لقراءة الفاتحة، فوجب السجود، وأمّا القيام فهو موضع ثناء على الله، فلم يجب السجود.
  • إذا ترك ركناً يمكنه تداركه، بمعنى أن يكون الركن المتروك قبل السلام أو بعده، وقد يكون ركناً قوليّاً أو فعليّاً، ففي المسألة تفصيل:
    • ترك الركن الفعلي: إن ترك ركناً فعليّاً قبل السلام سهواً؛ كأن يسجد قبل الركوع، أو يركع قبل القيام، فأنّه يقضيه وقت أنْ يتذكّره، ويلغي ما بعده، بمعنى أنّه يتمّ صلاته من حيث قضى الرّكن الذي فاته، ويسجد للسهو في نهاية صلاته، وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، بينما ذهب الحنفية إلى أن ترك إحدى سجدتي الركعة لا يُوجِب الإتيان بركعةٍ كاملةٍ، بل يقضي السجدة التي نسيها آخر صلاته ويسجد للسهو، خلافاً لو ترك الركوع أوالسجدتين معاً؛ فيلزمه قضاء ركعةٍ كاملةٍ، وهذا في حال تذكّر الركن قبل السلام، أمّا إذا لم يتذكَّر الرّكن إلّا بعد أن سلَّم، فإن كان في مكانه يعود إلى قضاء الركعة التي سها في أحد أركانها عند جمهور الشافعية والحنابلة، ووافقهم الحنفية باستثاء ركن السجود، وإن طال الفصل أو انتقض وضوؤه قبل أنْ يتذكّر؛ لزمه إعادة الصلاة، وجمهور العلماء على أنّ الكلام القليل لا يُوجب الإعادة خلافاً للحنفية.
    • ترك الركن القوليّ: أجاز الحنفية إن كان المتروك هو قراءة الفاتحة في أوّل ركعتين أنْ يقضيها في آخر ركعتين مع سجود السهو، وأمّا جمهور الفقهاء فمذهبهم أنّه يلزمه قضاء ركعة مكانها وسجود السهو؛ وذلك لأنّهم يرون أن قراءة الفاتحة ركن في كلّ الرّكعات، أمّا إن كان الركن القولي المتروك هو التشهّد الأخير، أو التسليمة، أو الصلاة على النبي -عليه السلام- فقد ذهب الشافعية إلى وجوب الإتيان به ثمّ يسجد للسهو، وعموماً فإنّ الصلاة تبطل في حال لم يسجد المصلي سجود السهو بعد أداء الركن الذي حصل فيه الخلل.

تصحيح الخلل في واجبات وسنن الصلاة

اختلف العلماء في حال ترك واجبات وسنن الصلاة، وبيان ذلك على النحو الآتي:

  • السادة الحنفية والحنابلة عدّوا أموراً من واجبات الصلاة، ويلزم من نسيها سجود السهو، ويسقط عنه الواجب الذي نسيه، ومثاله إذا ترك المصلي التشهّد الأول وقام للركعة الثالثة بعد السجود الثاني من الركعة الثانية؛ فإذا كان المصلي للقعود أقرب منه للقيام رجع للتشهّد ولا يلزمه سجود سهو، وأمّا إن كان للقيام أقرب يشرع في ركعته الثالثة ولا يرجع للتشهّد، ويُجبر الخلل بسجود السهو، للحديث الذي ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إذا صلَّى أحدُكم فقام من الجلوسِ فإنْ لم يستتمَّ قائماً فليجلسْ، وليس عليه سجدتانِ، فإنِ استوَى قائماً فليَمضِ في صلاتهِ وليسجدْ سجدتينِ وهو جالسٌ).[٤]
  • ترك السنن سهواً أو عمداً لا يلزمها سجود سهو، إلّا في حالاتٍ معدودةٍ عند بعض المذاهب، مثل: ترك دعاء القنوت في صلاة الفجر في المذهب الشافعي، وعند بعض أهل العلم نسيان الجهر أو الإسرار في القراءة يُجبر بسجود السّهو.
  • من السنن التي يسجد فيها للسهو استثناء الجهر في الصلاة السريّة، أو الإسرار في الصلاة الجهريّة، خلافاً للشافعي وأحمد في رواية عنه.
  • الأذكار والأدعية المأثورة في الصلاة لا يُسجد فيها للسهو، إلّا عند من عدّ بعضها في الواجبات كما في المذهب الحنبلي.

تصحيح الزيادة في الصلاة

الزيادة في الصلاة إمّا تكون في قولٍ أو فعلٍ، وهذه الأقوال والأفعال بين أن تكون من جنس أقوال وأفعال الصلاة أو لا تكون، وفي ذلك بيان وتفصيل كما يأتي:[٣]

تصحيح الزيادة في جنس الصلاة

قد يزيد المصلّي على صلاته شيئاً من جنس أفعالها وأقوالها، وبيان ذلك فيما يأتي:

  • مثال ذلك أن يؤدّي المصلي ركناً كالركوع أو السجود زيادةً على المفروض، فهذا يسجد للسهو، وينجبر الخلل؛ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا زادَ الرجلُ أو نَقَصَ فليَسْجُدْ سجدتين).[٥]
  • إذا زاد المصلي ركعةً إلى صلاته بعد إتمام ركعاتها المفروضة، فتصحيح صلاته كالآتي:
    • إذا تذكّر قبل سجود الركعة الزائدة عاد مباشرةً للتشهّد الأخير وقت تذكّره، وإلّا فسدت صلاته إنْ تعمّد عدم الرجوع للتشهّد الأخير.
    • إذا تذكّر بعد سجود الركعة الزائدة، فجمهور الفقهاء باستثناء الحنفية على أنّه يلزمه التشهد بعد الركعة الزائدة ويسلّم ويسجد للسهو؛ للحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (صلى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الظهر خمساً، فقالوا: أزيد في الصلاةِ؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليتَ خمساً، فثنى رجليه، وسجد سجدتين).[٦]
  • إذا جاء المصلي بدعاءٍ أو ذكرٍ لم يأتِ به الشرع في الصلاة مثل قوله التكبيرات: الله أكبر كبيراً، فهذا لا يُفسد الصلاة، ولا يلزم فاعله سجود السهو.

تصحيح الزيادة في غير جنس الصلاة

بيّن العلماء حكم الزيادة في غير جنس الصلاة كما يأتي:

  • إذا كانت الزيادات أفعالاً من غير جنس الصلاة، مثل: المشي، وحكّ الجسم وما شابهها، فالصلاة تفسُد بكثرتها، ولا حرج في قليلها سهواً أو عمداً.
  • إذا كانت الزيادات أقوالاً من جنس الصلاة، مثل: الكلام، أو ردّ السلام، فهذا تفسُد به الصلاة فيما كان عمداً لا سهواً عند جمهور الفقهاء، أمّا الحنفية فيرون أنّ الكلام يُفسد الصلاة سهواً وعمداً.

مسائل أخرى في تصحيح الصلاة

قد يشكّ المصلي في عدد ركعات الصلاة، وأحياناً يسهو وهو يصلي مأموماً، وربما وقع السهو من المصلي غير مرّة في صلاةٍ واحدةٍ، والعلماء وقفوا على هذه المسائل، وبيّنوا الحكم فيها.

حكم الشك في عدد الركعات

إذا وقع المصلّي بالشّك في عدد الركعات؛ فإنّ للعلماء تفصيل في المسألة:[٣]

  • جمهور الفقهاء على أن المصلي يبني على الأقل بإطلاق؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاتِهِ فلم يَدرِ كَم صلَّى؟ ثلاثاً أمْ أربعاً؟ فليطرَحِ الشَّكَّ، وليبنِ على ما استيقنَ، ثمَّ يسجُدُ سجدتينِ قبلَ أن يسلِّمَ؛ فإن كانَ صلَّى خَمساً، شفَعنَ لَه صلاتَه، وإن كانَ صلَّى إتماماً لأربعٍ كانتَا تَرغيماً للشَّيطانِ).[٧]
  • أمّا الحنفية فقد فرّقوا في المسألة؛ فقالوا: إذا شكّ في صلاته فلم يعرف كم صلّى، وكان ذلك أول ما عرض له، لزمه أعادة الصلاة من جديد، أمّا إن كان يعرض له الشكّ كثيراً، فهذا يبني على الأغلب في ظنّه، فإنْ استوى عنده الظنّ بنى على الأقل، وأتمّ صلاته وسجد للسهو، وكذا قال الحنابلة من غير تفريقٍ كما عند الحنفية، ومستندهم في ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فليتحرَّ الصوابَ، فلْيُتِمَّ عليه، ثم لِيسجدْ سجدتين).[٨]

حكم سهو المأموم في صلاة الجماعة

اتفق جمهور العلماء على أنّ المأموم إذا سها دون إمامه لا يلزمه سجود سهو، وذلك لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنما جُعِل الإمام ليُؤتَمَّ به)،[٩] وعند بعض الفقهاء أنّ الإمام لا يحمِلُ عن المأموم نقصاً في الأركان باستثناء قراءة الفاتحة؛ فالأركان لا تسقط بحال، فلو سها المأموم عن ركوعٍ أو سجودٍ وجب عليه الإتيان بركعةٍ بعد الصلاة.[٣]

حكم مَن سها أكثر من سهو

قد يقع السهو من المصلي أكثر من مرّةٍ في صلاةٍ واحدةٍ، وحكم ذلك:[٣]

  • اتفق جمهور العلماء على أنّ مَن سها أكثر من سهوٍ في جنسٍ واحدٍ، يكفيه سجدتان، وأمّا إن كان السهو من جنسين مختلفين، فأغلب الفقهاء على أنّه يكفيه سجدتان أيضاً.
  • ذهب بعض الفقهاء أنّه يجبُ على كلّ سهوٍ سجود مستقلٍ عن سهو آخر؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لكلِّ سهوٍ سجدتان بعدما يُسلِّمُ).[١٠]

المراجع

  1. د. سعيد بن وهف القحطاني، منزلة الصّلاة في الإسلام، المملكة العربيّة السعوديّة: مطبعة سفير، صفحة: 7-9. بتصرّف.
  2. سالم الهنداوي (25-9-2013م)، “مقدمة في أركان الصلاة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2018م. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج عبد الحسيب عطية وعبد المطلب حمدان (9-2-2014)، “سجود السّهو”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2018. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في أصل صفة الصلاة، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 3/863، إسناده صحيح.
  5. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 572 ، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 404، صحيح.
  7. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 571 ، صحيح.
  8. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 572 ، صحيح.
  9. رواه الشافعي، في الأم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 8/536، ثابت.
  10. رواه ابن عساكر، في تاريخ دمشق، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم: 38/41، حسن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى