مواضيع دينية متفرقة

كيفية الإحرام من جدة

كيفية الإحرام من جدة

تقع جدَّة داخل المواقيت، ولا تعتبر منها، لذلك يجب على الشخص الذي لا يعدّ من أهلها أن يُحرِم قبل الوصول إليها، فيُحرِم من الجوّ أو يُحرِم من البحر قبل أن يصل إليها، فإذا كان أقرب إلى الجحفة وهي ميقات أهل الشام يُحرِم بمحاذاتها، وإذا كان قادماً من الجنوب وأقرب إلى يلملم فيُحرِم بمحاذاتها،[١] ولكن يجوز الإحرام من جدة لأهل جدّة ولمن كان له بيتاً فيها؛ لأنَّه يعتبر من أهلها،[٢] أمّا من جاءها زائراً وأراد أداء العمرة فينقسم إلى حالتين: إمّا أن يكون قد نوى العمرة منذ ابتداء سفره، وفي هذه الحالة يجب أن يُحرِم من محاذاة الميقات قبل الوصول إلى جدة، ثمَّ إذا شاء يستطيع أن يمكث فترة في جدة مُحرِماً ثم يأتي بالعمرة، ولا يُشترط تعجيل أداء العمرة، أما الحالة الثانية فهي أن يكون الشخص قد جاء لزيارة جدة، ثمَّ طرأت له نية العمرة وهو في جدة، ففي هذه الحالة يُحرِم من جدة، ولا يُشترط تعجيل أداء العمرة أيضاً.[٣]

وإذا كان الشخص قد نوى العمرة من بلده في الحالة الأولى ولكنَّه مرَّ بالميقات ولم يُحرِم منه فيجب عليه فدية دم، وهي ذبح شاة تجزئ للأضحية تُذبح في مكة المكرمة، وتُقسَّم على فقرائها، ولا يجوز له أن يأكل منها شيئاً، وإذا رجع إلى بلده ولم يذبح يُرسل مالاً لشخصٍ في مكة يُوكِّله بالذبح عنه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما وقّت المواقيت: (هُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ)،[٤][٥] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ومَن كانَ دُونَ ذلكَ، فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِن مَكَّةَ)،[٤] والمقصود أن يُحرِم أهل مكة من مكة في الحج، لكن في العمرة عليهم أن يخرجوا إلى الحِلّ فيُحرموا ويُلبّوا بالعمرة منه، ومن المناطق التي يجوز الإحرام منها لأهل مكة: التنعيم، والجعرانة، وعرفات، ويدلّ الحديث على أنَّ الموجودين داخل المواقيت يُحرمون من مكانهم، فمثلاً أهل جدة يُحرمون من جدة، وكذلك أهل رابغ، وأهل ذي الحليفة، والشرايع، وأم السلم، والبحرة، ومَن فوق الجحفة؛ فهؤلاء جميعهم يُعتبر ميقاتهم بلدهم.[٦]

المواقيت الخمسة للإحرام

المواقيت الخمسة هي ذو الحليفة؛ وهو ميقات أهل المدينة المنورة، والجحفة؛ وهو ميقات من يأتي من جهة الساحل، وميقات أهل مصر وأهل الشام، وهم الآن يُحرِمون من رابغ؛ وهي منطقة قبل الجحفة بقليل من باب الاحتياط، ويلملم؛ وهو ميقات أهل اليمن، قرن المنازل أو السيل؛ وهو ميقات أهل الشرق، وأهل نجد، وذات عرق أو الضريبة؛ وهو ميقات أهل العراق،[٦] أمّا حدود حرم مكة تفصيلاً فهي كالآتي:[٧]

  • حدود الحرم شمالاً: وتبعد سبعة كيلو متراتٍ، وتُسمّى التنعيم.
  • حدود الحرم جنوباً: وتبعد اثني عشر كيلو متراً، وتُسمّى أضاة لين طريق اليمن.
  • حدود الحرم شرقاً: وتبعد خمسة عشر كيلو متراً، وتُسمّى ضفة وادي عرنة الغربية، ومنها طريق الطائف، ومن جهة الجعرانة يوجد منطقة تُسمّى شرائع المجاهدين، وتبعد ستة عشر كيلو متراً تقريباً.
  • حدود الحرم غرباً: وتبعد اثنين وعشرين كيلو متراً، وتُسمّى الشميسي، وهي منطقة الحديبية، وهو على طريق جدة.

تعريف الإحرام

الإحرام في الشرع هو نية الدخول في النسك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)،[٨] وقد سُمّي الإحرام بهذا الاسم؛ لأنَّه بدخول الشخص في الإحرام يَحْرُم عليه العديد من الأمور التي كانت حلالاً عليه قبل ذلك، مثل: الزواج، والصيد، والطِّيب، وسائر محظورات الإحرام، تماماً كتكبيرة الإحرام في الصلاة، والتي تُحرّم ما كان حلالاً قبلها من الكلام و الضحك و الأكل والشرب، أمّا بالنسبة للتلبية -وهي قول الحاج أو المعتمر: لبيك اللهم حجاً أو عمرةً-، فالمشهور أنّها مستحبة، بمعنى أنَّه لو نوى شخصٌ الإحرام ولم يُلبِّ يكون إحرامه صحيحاً، لأنَّ الإحرام هو النيَّة، وليس التلبيَة.[٩]

كيفية الإحرام

أول مناسك الحج هو الإحرام، وذهب ابن تيمية إلى أنَّه لا تكفي النية والقصد في الإحرام، وإنما لا بد من القول أو العمل الذي يُصبح به الشخص مُحرماً، ويستحب للعبج التهيّؤ لهذه العبادة العظيمة قبل الإحرام بفعل بعض الأمور وهي:[١٠][١١]

  • يُسَن للمُحرِم أن يذكر نسكه؛ فيقول القارن في الحج: “لبيك عمرةً وحجاً”، ويقول المفرد: “لبيك حجاً”، ويقول المعتمر والمتمتّع: “لبيك عمرةً”، ويقول الحاج: “اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة”.
  • يُسَن للمُحرِم أن يُحرم بعد صلاة الفريضة إن تيسّر له ذلك، ولكن ليس للإحرام صلاةٌ تخصّه، وإن أحرم بعد صلاة ركعتين سنّة؛ كتحية المسجد، أو سنة الوضوء، أو صلاة الضحى، فلا حرج عليه، ويُسَن إحرامه عقب الصلاة في المسجد أو عندما تتوقّف الراحلة التي تُقلّه، ويكون مستقبلاً القبلة.
  • يُسَن للمُحرِم أن يشترط التحلّل من النسك عند العذر، إذا خشي أن لا يستطيع إتمام نسكه إما لمرضٍ أو خوفٍ، فيستطيع أن يقول عند الإهلال بالنسك: “إنْ حَبَسنِيْ حَابِسٌ فَمَحلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي”، وهذا الاشتراط يفيده في عدم ترتّب ذبح هديٍ عليه في حال لم يستطع إكمال نسكه لعارضٍ أو مرضٍ، أمّا إذا لم يكن قد اشترط منذ البداية التحلّل من النّسك بسبب العذر، فإنَّه يترتّب عليه أن يذبح دم كفديةٍ حتى يتحلّل إذا لم يستطع إكمال النُّسك، ودليل ذلك ما يأتي:
    • قال -تعالى-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ).[١٢]
    • قول عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الشريف: (دَخَلَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- علَى ضُبَاعَةَ بنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقالَ لَهَا: لَعَلَّكِ أرَدْتِ الحَجَّ؟ قالَتْ: واللَّهِ لا أجِدُنِي إلَّا وجِعَةً، فَقالَ لَهَا: حُجِّي واشْتَرِطِي، وقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي).[١٣]
  • يُسَن للمُحرِم بعد الإحرام إذا استوى على راحلته بعد أن يحمد الله -تعالى- ويكبّره ويسبح له أن يقول ما رواه جابر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لكَ)،[١٤] أو ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: (كان من تلبيتِه: لبَّيكَ إلهَ الحقِّ).[١٥][١١]
  • يُسَن للمُحرِم أن يغسل جميع بدنه، لأنَّه أعمّ في التنظيف وأبلغ في إزالة الروائح الكريهة، ويُعطّر جسمه ولا يُعطّر ثيابه، ويتجرّد الرجل من لبس المخيط، ويلبس رداء وإزار نظيفين أبيضين، ويلبس نعلين، أما النساء فتلبسن لباساً ساتراً، وليس ضيقاً، وليس لباس شهرة، ولا تلبس القفّازين ولا النقاب.
ودليل سنّة الاغتسال للإحرام ما رواه زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: (أنَّهُ رأى النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- تجرَّدَ لإحرامِهِ واغتسلَ)،[١٦] ويُسَنّ للحائض والنفساء أن تغتسل أيضاً، لما رواه جابر -رضي الله عنه-: (فِي حَديثِ أَسْمَاءَ بنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نُفِسَتْ بذِي الحُلَيْفَةِ أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-، فأمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ)،[١٧] وأمر عائشة -رضي الله عنها- أن تغتسل لتهلّ بالحج فيما رواه جابر أيضاً، حيث قال: (كَانَتْ عَائِشَةُ قَدِمَتْ معهُ مَكَّةَ وهي حَائِضٌ، فأمَرَهَا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنْ تَنْسُكَ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غيرَ أنَّهَا لا تَطُوفُ، ولَا تُصَلِّي، حتَّى تَطْهُرَ)،[١٨] ومن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله لمرضٍ مثلاً فعليه أن يتيمّم، لأنَّه غُسل مشروع انتقل به إلى التيمم عند عدم وجود الماء، لقوله -تعالى-: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا).[١٩] كما يسنّ التنظّف بإزالة الشعر والأظافر والروائح الكريهة.[٢٠]

المراجع

  1. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود، صفحة 6، جزء 208. بتصرّف.
  2. محمد صالح المنجد، سلسلة القصص، صفحة 33، جزء 6. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية ، صفحة 19358، جزء 11. بتصرّف.
  4. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1524، صحيح.
  5. “أحوال وأحكام من قصد ” جدة ” لعمل أو زيارة ثم اعتمر”، www.islamqa.info، 23-10-2007، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2020. بتصرّف.
  6. ^ أ ب “مكان إحرام أهل جدة ورابغ”، www.binbaz.org.sa. بتصرّف.
  7. محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشر)، المملكة العربية السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 658. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
  9. عبد العزيز الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 5، جزء 21. بتصرّف.
  10. صالح الفوزان، الملخص الفقهي (الطبعة الأولى)، الرياض-المملكة العربية السعودية: دار العاصمة، صفحة 413، جزء 1. بتصرّف.
  11. ^ أ ب محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، المملكة العربية السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 658-659. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية: 196.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5089، صحيح.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1218، صحيح.
  15. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2146، صحيح على شرط الشيخين.
  16. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 2480، صحيح.
  17. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1210، صحيح.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 7230، صحيح.
  19. سورة النساء، آية: 43.
  20. عبد العزيز السلمان، الأسئلة والأجوبة الفقهية، صفحة 225، جزء 2. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى