جديد كنتم خير أمة

'); }

خير أمّةٍ

من سنن الله تعالى في خلقه سنّة التّفضيل، وقد أكرم الله أمّة الإسلام بجعلها خير أمةٍ أخرجت للناس، ولم يكن هذا التفضيل مطلقاً دون ضابطٍ أو قيدٍ، بل جاء مقروناً بتكليف الأمّة المسلمة بمهامٍ جسامٍ وأدوارٍ عظامٍ، فصارت الخيرية مقرونةً بتلك القيود، وفي هذا دعوةٌ لا تخفى على كلّ ذي لبٍّ إلى ضرورة تحقيق ما يضمن الخيرية ويديمها، خاصةً إذا علم المسلم أنّ الله -عزّ وجلّ- قد ختم بالإسلام الرسالات الإلهية؛ فلا نبي بعد محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، ولا شرعةً بعد شريعة الإسلام، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[١] فما هي الخيرية المرادة في قول الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)،[٢] وما شروطها ومتطلّباتها؟

المقصود بكنتم خير أمّةٍ أخرجت للناس

هذا العنوان المبارك مقتبسٌ من آيةٍ مباركةٍ من سورة آل عمران، وهي آيةٌ تحمل تكليفاً عظيماً شريفاً للأمة الإسلامية، وتفصيل الآية ومقصودها على النحو الآتي:[٣]

'); }

  • نصّ الآية: قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).[٢]
  • تفسير الآية: يُخاطِب اللهُ تعالى المسلمين جميعاً أنَّهم حازوا الخيرية والكرامة عند الله من بين كافّة الأمم، وأنّ هذه الخيرية مشروطةٌ بقيامهم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان به تعالى، فكانت هذه ميزةً لأمة الإسلام فاقت بها من سبقها من الأمم بكونهم أنفع الناس للخَلق؛ حيث جمع المسلمون عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله -عز وجلّ- بين السعي في تكميلِ الخَلق بحسب إمكانهم، وبين تكميل أنفسهم بالإيمانِ بالله تعالى، والقيامِ بحقوق الإيمان، وقد جاءت أحاديث نبوية توضّح خيرية الأمة وكرامتها عند الله تعالى وتؤكّد عليها، وفي ذلك يقول معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول في قوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ): (إنَّكم تُتمُّونَ سَبعينَ أمَّةً، أنتُمْ خَيرُها وأَكْرمُها علَى اللَّهِ)،[٤] وممّا يؤكّد هذا المعنى أنّ المدح الإلهي لأمة الإسلام قابله ذمٌّ لأهل الكتاب الذين تنكّبوا لطريق الدعوة، حيث ذمَّهم الله-سبحانه وتعالى- في آيةٍ أخرى؛ فقال: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).[٥]
  • الدلالات التربوية للآية: تحمل الآية الكريمة دلالاتٍ تربويةً عظيمةً تضع الأمّة أمام مسؤولياتٍ عظامٍ، ومن أبرز هذه الدلالات:
    • يجدر بالأمة أن تُدرك أنّها خير أمّةٍ أخرجها الله تعالى لِلناسِ، وهذا يدعوها لتعرف قيمتها ومنزلتها، وتعرفَ أنَّه أُريد لها أن تكون طليعةً في الأمم، وصاحبة القيادة، إذ إنّ اللهُ -عز وجل- يُريد أن تكون القيادة والريادة في الأرض للعناصر الخيّرة فيها، ومن هنا كان لزاماً على أفرادها أن يقدّموا للبشرية الاعتقاد والتصوُّرِ الصحيح بعلمٍ ومعرفةٍ سليمةٍ، وأن يكونوا الأنموذج في الخُلق القويم.
    • في الآية بيانٌ لمناط رِفعة الأمّة وسبب خيريّتها، متضمِّنةً دعوة الناس إلى الله، فكلّما عظمت هذه السمة في الأمّة زاد الخير فيها، وكلَّما ضَعُفت ضَعُف الخير فيها وفي الناس.
    • أشارت الآية الكريمة إلى ضرورة العناية بتحقيقِ الإيمان؛ على اعتبار أنّه القاعدة الأساس والميزان العدل للقِيم والمبادىء، ومن خلاله يتّضح التصوُّرَ الثابت للفضيلة والرَّذيلة، كما أنّ الإيمان هو الوقود الروحاني للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في طريق الدعوة وتحمّل تكاليفها.

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لمّا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية؛ من حيث أثره في دفع غربة الدين، وحماية كيان الأمّة من العذاب الإِلهي العاجل؛ فقد أجمع العلماء على أنّه من واجبات الدّين، وصّلوا في مسائله على النحو الآتي:[٦]

  • توافق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتاب الله تعالى، وسنة نبيّه عليه السلام، وإجماع علماء الأمّة، والأمر والنّهي من أبواب النصيحة التي هي من صلب الدِّين، وهذا الوجوب ينتقل بين كونه عينيًّا أو كفائيًّا.
  • استنبط أهل العلم من قول الله عزّ وجلّ: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،[٧] أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفايةٍ على عموم الأمّة؛ لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنكُمْ أُمَّةٌ)، فإذا قام به فردٌ أو جماعةٌ من المسلمين بما يكفي؛ سقط الإثم عن الآخرين، وأمّا إذا تقاعس عنه عموم المسلمين عمَّ الحرج كلّ قادر عليه قاعد عنه.
  • إذا احتاج القائمون على الأمر والنهي إلى مساعدةٍ وعونٍ من غيرهم لتحقيق هذه المهمّة، وجب معاونتهم في ذلك؛ لأنّ الكفاية لا تتحقّق إلا بهم.
  • جاءت كثيرٌ من النصوص الشرعية تأمر الأتباع بالقيام بهذا المسؤولية الكبيرة، وتحمّل المسلمين أعبائها وتبعاتها، ومن هذه النّصوص ما جاء بصيغة التهديد والوعيد من ترك الدعوة إلى الخير، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (والَّذي نفسي بيدِه لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهَوُنَّ عن المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللهُ يبعثُ عليكم عذابًا منه ثمَّ تدعونه فلا يستجيبُ لكم)،[٨] ومنه ما جاء تفصيلاً بالمثال؛ تأكيداً وبياناً لأهميته في مجتمع المسلمين، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مثلُ القائمِ على حدودِ اللَّهِ والواقعِ فيها كمثلِ قومٍ استَهموا على سفينةٍ فأصابَ بعضُهم أعلاَها وبعضُهم أسفلَها فَكانَ الَّذينَ في أسفلِها إذا استقوا منَ الماءِ مرُّوا على من فوقَهم فقالوا لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا فإن يترُكوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)،[٩] ومن الأحاديث ما جاء يحمل الأمر صريحاً، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ، وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ)،[١٠] والعلماء مجمعون على أنّ قوله عليه السلام: “فليُغَيِّرْه”، هو أمرٌ واجبٌ.
  • قرّر أهل العلم أنّ مرتبة الإنكار بالقلب واجبةٌ على كلّ مسلمٍ وجوباً عينياً أكيداً، وانعدامها في المسلم دليلٌ على أنّه ليس في قلبه حبة خردل من إيمان، وأمّا مرتبة الإنكار باليد أو اللسان؛ فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّها فرض كفاية على مجموع الأمة.
  • من حالات الوجوب العيني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
    • إذا لم يطّلع على المنكر إلا فردٌ واحدٌ أو أفرادٌ قلّة لا تتحقّق الكفاية إلا بهم أصبح إنكاره بحقّهم واجب عيني.
    • إذا تعلّقت القدرة على الأمر والنهي والتغيير بفردٍ واحدٍ أو أفرادٍ معدودين، ولا تتحقّق الكفاية إلا بهم انتقل الحكم في حقّهم من الكفاية إلى الوجوب العيني.
    • أصحاب السلطة القادرون على التغيير ومن في حكمهم، ومن بينهم الحاكم أو الوالي يكون التغيير في حقّهم، أمراً ونهياً، واجباً وجوباً عينيّاً.
  • إذا ترتّب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضررٌ أكبر من ترك المعروف أو فعل المنكر فتركه أولى.[١١][١٢]

المراجع

  1. سورة المائدة، آية: 3.
  2. ^ أ ب سورة آل عمران، آية: 110.
  3. “سُورَةُ آل عِمْرانَ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2018. بتصرّف.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن معاوية بن حيدة القشيري، الصفحة أو الرقم: 3001 ، حسن.
  5. سورة المائدة، آية: 79.
  6. سلمان العودة، “حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2018. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية: 104.
  8. رواه المنذري ، في الترغيب والترهيب، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 3/230، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 2493 ، صحيح.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 49، صحيح.
  11. مركز الفتوى (19-2-2011)، “مسائل حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2018. بتصرّف.
  12. محمد المنجد (8-1-2015)، “شرط النهي عن المنكر ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2018. بتصرّف.
Exit mobile version