السيرة النبوية

الهجرة إلى الحبشة وأسبابها

مراحل الهجرة إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة

بعد أنْ اشتدّ أذى مشركي قريش على المسلمين في مكة أشار عليهم النبي -عليه السلام- بالهجرة فراراً بدين الله -تعالى- وحماية لأنفسهم من بطش المشركين، واختار لهم أرض الحبشة، لأنّ فيها ملكاً عادلاً، لا يقبل الظلم على أحد، وكانت هذه الهجرة أول هجرة من مكة، وكانت في السنة الخامسة من البعثة، وبلغ عدد المهاجرين عشرة رجال وأربع نسوة، وكان منهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقيّة بنت رسول الله عليه السلام، وأبو سلمة وزوجه أم سلمة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضي الله عنهم-، وغيرهم،[١][٢] حيث خرجوا خفية حتى وصلوا البحر؛ فركبوا السفينة باتجاه الحبشة، وعندما علمت قريش بخبرهم تبعتهم، لكنهم كانوا قد ساروا برعاية الله، ووصلوا الحبشة وأقاموا فيها آمنين بقية رجب وشعبان ورمضان، وكانوا قد وصلتهم أخبار أنّ أهل مكة قد أعلنوا إسلامهم؛ فطفقوا عائدين، وعند مشارف مكة تبيّن لهم أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ أذى المشركين يزداد على الدعوة ومن آمن بها؛[٣] فاختار بعضم الدخول إلى مكة تسلّلاً، ودخل بعضهم بجوار أحد، واختار بقيّتهم العودة إلى الحبشة.[٤]

الهجرة الثانية إلى الحبشة

رجّح بعض المحققين المعاصرين أنّ أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت في أواخر العام العاشر وبداية العام الحادي عشر من البعثة،[٥] وقد كانت قريش قد ضاعفت أذاها على المسلمين الممتحنين في دينهم وأنفسهم؛ فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجدّداً بالخروج إلى الحبشة؛ فخرج نحو بضعاً وثمانين رجلاً وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بن عميس، وبعد خروجهم لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ممّن أسلموا معه في مكة،[٦] وكان جعفر -رضي الله عنه- أميرهم في هذه الهجرة، أمّا المهاجرون فكانوا بمجموعهم يشكّلون تنوّعاً لكل طبقات المجتمع المكي؛ ففيهم الغني والفقير، والرجال والنساء، والكهل والشباب؛ ممّا يعطي انطباعاً بقوة تأثير الدعوة على النّاس رغم كل ما واجهها من تحديات.[٧]

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

لمّا أحسّت قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة والاستقرار في الحبشة، تشاوروا فيما بينهم، واتّفقوا على إرسال شابَّين منهم إلى النجاشيّ؛ كي يطردهم، ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه مع عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، ولم تقتصر الهدايا عليه فقط، بل شَمِلت حاشيته أيضاً، فلم يبقَ أحد إلّا وأهدوه هدية، وحرّضوهم ضدّ من قَدِموا إليهم من مكّة، وأوصوهم بأن يُشيروا على ملكهم بتسليم أهل مكّة إليهم، فوافقوا على ذلك، ثمّ ذهبوا إلى النجاشيّ، وقدّموا له الهدايا الخاصّة به، وقالوا له: “إنّه قد لجأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم، لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه”.[٨]

أيّد قوم النجاشيّ رسولَي قريش في كلامهما، فما كان من النجاشيّ إلّا أن رفض ما طلبوه، وأخبرهم أنّه لن يُسلمهم إليهم حتى يأتي بهم، ويسألهم عمّا قالاه فيهم، فإن قالوا إنّه صحيح سلّمهم إليهما، وإلّا فلا، فلمّا أحضرهم وسألهم، تكلّم منهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كانوا عليه في الجاهلية من الفسوق، والعصيان، وما هم عليه الآن من توحيد الله، والصدق، والأمانة، وحُسن الجوار، وما تعرّضوا له من تعذيب قريش؛ كي يرتدّوا إلى عبادة الأصنام، وقال له إنّهم اختاروه على من سواه؛ طمعاً فيما عنده من العدل، وحُسن الجوار، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه بعضاً ممّا أُنزِل على نبيّه، فقرأ عليه بعضاً من فواتح سورة مريم، فبكى حتى ابتلّت لحيته، وبكى معه قومه، وأخبر القرشيَّين أنّه لن يُسلّمهم إليهما أبداً.[٨]

توعّد عمرو بن العاص للمسلمين، فذهب في اليوم التالي وأخبر النجاشيّ أنّ المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، وطلب منه أن يسألهم عن شأنهم فيه، فلمّا سألهم أخبره جعفر بأنّ عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله وروحه، فوافقهم النجاشيّ على ذلك، وأعطاهم الأمان، وأعاد إلى القرشيَّين هداياهما، فخرجا من عنده خائبَين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشيّ آمنين مُطمئنِّين.[٨][٩]

للمزيد من التفاصيل عن ثبات النبي -صلى الله عليه وسلّم- في حياته الاطّلاع على المقالات الآتية:

عودة المسلمين من الحبشة

طالت مدة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية، حيث ظلّوا هناك إلى ما بعد غزوة خيبر، ولم تكن إقامتهم برغبة منهم، وإنّما بأمر من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن الأحداث التي حصلت أثناء وجودهم في الحبشة: الهجرة النبوية إلى المدينة المُنوَّرة، وتأسيس الدولة الإسلاميّة، وعلى الرغم من احتياج النبيّ إليهم؛ لأنّ عددهم كان كبيراً، إلّا أنّه لم يطلب منهم العودة، كما وقع الكثير من الغزوات العظيمة، كبَدر، وأحد، وبني قينقاع، وبني النضير، وصلح الحديبية الذي كان حدثاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلاميّة، والذي به أشعرَ المسلمين بوجودهم، ولمّا أحسّ رسول الله بثبات دولته بعث عمرو بن أمية إلى المهاجرين في الحبشة؛ كي يطلب منهم العودة،[١٠] وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد فَتح خيبر.[٨]

أسباب الهجرة إلى الحبشة

بعد مرور ما يُقارب الخمس سنوات من الدعوة السرّية، وبَذل قريش ما بوسعها؛ من أجل إيقاف هذه الدعوة، والوقوف في طريقها، ومع ثبات رسول الله وأصحابه، بدأت قريش تنهال على المسلمين بكلّ ما تملكه؛ بهدف تعذيبهم، وما كان منهم إلّا أن صبروا على هذا العذاب، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُحاطاً بحماية من قومه، وعمّه أبي طالب، فلم يصل إليه ما وصل أصحابَه من العذاب، ولم يكن يملك حمايتهم ممّا هم فيه، ثمّ بتفكير من رسول الله، وتأييد من الوحي، جاء الإذن بالهجرة من مكّة؛ لتكون فترة يستريح بها الصحابة ممّا هم فيه، ويكملوا مسيرتهم في نَشر الإسلام، قال -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، [١١] فاقترح رسول الله أرض الحبشة؛ لما فيها من عَدلِ حاكمها، وصِدقه إلى أن يجعل الله لهم فرجاً، ومخرجاً، فخرجت مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، وكانت هذه الهجرة أوّلَ هجرة في الإسلام، علماً بأنّ الحبشة اسمٌ نُسِب إلى الأرض؛ بسبب الناس الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وهم الأحباش، وهي الآن تمثّل دولة إثيوبيا،[١٢]

وقد كان المسلمون آمنين في ظلّ النجاشي، أمّا ما تحقّق من نتائج لهذه الهجرة فهو ما كان إلّا دليلاً على حِنكة رسول الله، وحِكمته في تدبير شؤون قومه، ويمكن إجمال أسباب الهجرة بعدّة أمور، منها:[١٣]

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يعانون منه.
  • تجنُّب الوقوع في الردّة.
  • تنشيط الحركة التجارية، والعمل بالتجارة.
  • تأمين المساعدة في المجال العسكريّ من قِبل الأحباش.

ولم تقتصر الهجرة على المُستضعفين، والفقراء الذين كانوا في مكّة، بل كان أكثرهم ممّن لهم المال، والحماية، والقوة فيها، كعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وهذا من أهمّ الأدلّة على أنّ السبب الرئيسيّ للهجرة لم يكن ضعف المسلمين، وتعرُّضهم للأذى من قِبل قريش فقط، وإنّما كانت هناك أسباب أخرى دفعتهم إلى ذلك، وقد عدّ رسول الله الهجرة إلى الحبشة بمثابة الهجرة إلى المدينة، وفيما يلي بيان للأسباب التي دفعت النبيّ إلى السماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:[١٤]

  • بدء نفاد صبر المسلمين؛ بسبب اشتداد تعذيب قريش لهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن سألوا الرسول عن موعد نصر الله، فخاف رسول الله على دينهم، وأنفسهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار، والضياع بعدما ازداد عدد الداخلين في الإسلام، والخوف من تكوين قريش قوة ضدّهم، وذلك عند شعورها بالخطر منهم، وقد يكون ذلك بتأييد من العرب لقريش.
  • الدور المهمّ الذي قد تلعبه رابطة القرابة، والرحم في تلطُّف القرشيّين بالمسلمين، والتوقُّف عن إيذائهم، وربّما الدخول في الإسلام، على الرغم من أنّ منهم أيضاً من كانت له ردّة فِعل عكسيّة، فازدادوا إيذاءً للمسلمين.

سبب اختيار النبي للحبشة

أمّا في ما يتعلَّق بسبب اختيار الرسول للحبشة حتى تكون المكان الأول الذي يهاجر إليه المسلمون، ففيه عدّة أمور، منها: فراغ أرض الحبشة من القبائل العربيّة؛ فعدم وجود القبائل فيها يُغلق الباب أمام قريش للتحالُف معها، وتكوين قوة ضدّ المسلمين، كما أنّ ملك الحبشة وهو النجاشيّ كان معروفاً بعَدله؛ نتيجة عِلمه بالتوراة، والإنجيل، وقد عَرف أهل مكة عنه ذلك؛ بسبب حركة التجارة المُتبادلة فيما بينهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عندما أشار عليهم بالهجرة للحبشة: (إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا. فخرَجْنا إليه أرسالًا، حتى اجتَمَعْنا، فنزَلْنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أمِنَّا على دِينِنا)،[١٥] كما أنّ الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، وهم أقرب مودّة للذين آمنوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[١٦] إلى جانب كونها أرضاً يعمُّها الأمان، والراحة، والطمأنينة.[١٧] ومع أنّ الحبشة بعيدة عن مكّة -وقد يُعدّ هذا عيباً- إلّا أنّه كان لصالح المسلمين؛ نظراً لكونه بعيداً عن قريش وامتداد نفوذها، إلى جانب أنّها بلد مُستقِلّة سياسيّاً ولا تخضع لأحد، ولها اسمها، وقوّتها، وتجارتها، واقتصادها الخاص والعظيم بين القبائل، إضافة إلى أنّ تبادُل الهدايا والمراسلات فيما بينهم كان ممّا ساعد على تأمين الحماية، وتوفيرها لهم، ولاستقرارهم هناك.[١٨]

نتائج الهجرة وفضل المهاجرين إلى الحبشة

كانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حركة فتحت الآفاق للمستقبل أمام الدعوة الإسلامية، وخروجها من نطاق المدينة المنورة؛ فالداعية الذكيّ لا يحدّ دعوته زمان ولا مكان، وإن لم يستجب له المَدعُوّون، فإنّه يُغيِّر مكان دعوته، ولا يتوقّف عنها، كما ساعدت الهجرة المسلمين في الثبات على دينهم، ليس ذلك وحسب، بل ساعدتهم أيضاً على نشر الإسلام في مكان غير مكّة المُكرَّمة.[١٩]

وللصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ويتّضح ذلك من خلال حوار أسماء بنت عميس؛ وهي من المهاجرات إلى الحبشة، وبين عمر بن الخطّاب حين كانت زائرة عند حفصة بنت عمر، فدخل عمر عليهما، ولمّا عرف أنّها أسماء، قال لها إنّهم أحقّ برسول الله من الذين هاجروا إلى الحبشة، فغضبت وقالت: (كذَبْتَ يا عُمَرُ كَلَّا، وَاللَّهِ كُنْتُمْ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ، أَوْ في أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ في الحَبَشَةِ، وَذلكَ في اللهِ وفي رَسولِهِ)،[٢٠] وأخبرت رسول الله بما دار بينهما من الحديث، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ)،[٢٠] فزاد الفرح في قلوبهم.[٨]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل الدعوة الإسلامية وحياة النبي -صلى الله عليه وسلّم- الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. محمد الخضري (1425)، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 51. بتصرّف.
  2. رمضان البوطي (1426 هـ )، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دار الفكر: دمشق، صفحة 91. بتصرّف.
  3. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 316، جزء 1. بتصرّف.
  4. أ.د. راغب السرجاني (21-4-2010)، “مكة وأحداث ما بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  5. أ.د. راغب السرجاني (12-2-2017)، “توقيت هجرة الحبشة الثانية بالأدلة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  6. محمد الخضري (1425 )، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 55. بتصرّف.
  7. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 373، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج أكرم العمري، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم ، صفحة 172-176. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 72-77. بتصرّف.
  10. راغب السرجاني ، السيرة النبوية، صفحة 5. بتصرّف.
  11. سورة العنكبوت ، آية: 56.
  12. عاتق البلادي ، معجم الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار مكة ، صفحة 91. بتصرّف.
  13. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 216-218. بتصرّف.
  14. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، صفحة 219-220. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1/208، سنده صحيح.
  16. سورة المائدة، آية: 82.
  17. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 223-224. بتصرّف.
  18. راغب السرجاني (21-4-2010)، “الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
  19. إسلام ويب (25-12-2011)، “الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  20. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري ، الصفحة أو الرقم: 2503 ، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مراحل الهجرة إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة

بعد أنْ اشتدّ أذى مشركي قريش على المسلمين في مكة أشار عليهم النبي -عليه السلام- بالهجرة فراراً بدين الله -تعالى- وحماية لأنفسهم من بطش المشركين، واختار لهم أرض الحبشة، لأنّ فيها ملكاً عادلاً، لا يقبل الظلم على أحد، وكانت هذه الهجرة أول هجرة من مكة، وكانت في السنة الخامسة من البعثة، وبلغ عدد المهاجرين عشرة رجال وأربع نسوة، وكان منهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقيّة بنت رسول الله عليه السلام، وأبو سلمة وزوجه أم سلمة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضي الله عنهم-، وغيرهم،[١][٢] حيث خرجوا خفية حتى وصلوا البحر؛ فركبوا السفينة باتجاه الحبشة، وعندما علمت قريش بخبرهم تبعتهم، لكنهم كانوا قد ساروا برعاية الله، ووصلوا الحبشة وأقاموا فيها آمنين بقية رجب وشعبان ورمضان، وكانوا قد وصلتهم أخبار أنّ أهل مكة قد أعلنوا إسلامهم؛ فطفقوا عائدين، وعند مشارف مكة تبيّن لهم أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ أذى المشركين يزداد على الدعوة ومن آمن بها؛[٣] فاختار بعضم الدخول إلى مكة تسلّلاً، ودخل بعضهم بجوار أحد، واختار بقيّتهم العودة إلى الحبشة.[٤]

الهجرة الثانية إلى الحبشة

رجّح بعض المحققين المعاصرين أنّ أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت في أواخر العام العاشر وبداية العام الحادي عشر من البعثة،[٥] وقد كانت قريش قد ضاعفت أذاها على المسلمين الممتحنين في دينهم وأنفسهم؛ فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجدّداً بالخروج إلى الحبشة؛ فخرج نحو بضعاً وثمانين رجلاً وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بن عميس، وبعد خروجهم لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ممّن أسلموا معه في مكة،[٦] وكان جعفر -رضي الله عنه- أميرهم في هذه الهجرة، أمّا المهاجرون فكانوا بمجموعهم يشكّلون تنوّعاً لكل طبقات المجتمع المكي؛ ففيهم الغني والفقير، والرجال والنساء، والكهل والشباب؛ ممّا يعطي انطباعاً بقوة تأثير الدعوة على النّاس رغم كل ما واجهها من تحديات.[٧]

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

لمّا أحسّت قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة والاستقرار في الحبشة، تشاوروا فيما بينهم، واتّفقوا على إرسال شابَّين منهم إلى النجاشيّ؛ كي يطردهم، ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه مع عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، ولم تقتصر الهدايا عليه فقط، بل شَمِلت حاشيته أيضاً، فلم يبقَ أحد إلّا وأهدوه هدية، وحرّضوهم ضدّ من قَدِموا إليهم من مكّة، وأوصوهم بأن يُشيروا على ملكهم بتسليم أهل مكّة إليهم، فوافقوا على ذلك، ثمّ ذهبوا إلى النجاشيّ، وقدّموا له الهدايا الخاصّة به، وقالوا له: “إنّه قد لجأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم، لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه”.[٨]

أيّد قوم النجاشيّ رسولَي قريش في كلامهما، فما كان من النجاشيّ إلّا أن رفض ما طلبوه، وأخبرهم أنّه لن يُسلمهم إليهم حتى يأتي بهم، ويسألهم عمّا قالاه فيهم، فإن قالوا إنّه صحيح سلّمهم إليهما، وإلّا فلا، فلمّا أحضرهم وسألهم، تكلّم منهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كانوا عليه في الجاهلية من الفسوق، والعصيان، وما هم عليه الآن من توحيد الله، والصدق، والأمانة، وحُسن الجوار، وما تعرّضوا له من تعذيب قريش؛ كي يرتدّوا إلى عبادة الأصنام، وقال له إنّهم اختاروه على من سواه؛ طمعاً فيما عنده من العدل، وحُسن الجوار، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه بعضاً ممّا أُنزِل على نبيّه، فقرأ عليه بعضاً من فواتح سورة مريم، فبكى حتى ابتلّت لحيته، وبكى معه قومه، وأخبر القرشيَّين أنّه لن يُسلّمهم إليهما أبداً.[٨]

توعّد عمرو بن العاص للمسلمين، فذهب في اليوم التالي وأخبر النجاشيّ أنّ المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، وطلب منه أن يسألهم عن شأنهم فيه، فلمّا سألهم أخبره جعفر بأنّ عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله وروحه، فوافقهم النجاشيّ على ذلك، وأعطاهم الأمان، وأعاد إلى القرشيَّين هداياهما، فخرجا من عنده خائبَين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشيّ آمنين مُطمئنِّين.[٨][٩]

للمزيد من التفاصيل عن ثبات النبي -صلى الله عليه وسلّم- في حياته الاطّلاع على المقالات الآتية:

عودة المسلمين من الحبشة

طالت مدة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية، حيث ظلّوا هناك إلى ما بعد غزوة خيبر، ولم تكن إقامتهم برغبة منهم، وإنّما بأمر من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن الأحداث التي حصلت أثناء وجودهم في الحبشة: الهجرة النبوية إلى المدينة المُنوَّرة، وتأسيس الدولة الإسلاميّة، وعلى الرغم من احتياج النبيّ إليهم؛ لأنّ عددهم كان كبيراً، إلّا أنّه لم يطلب منهم العودة، كما وقع الكثير من الغزوات العظيمة، كبَدر، وأحد، وبني قينقاع، وبني النضير، وصلح الحديبية الذي كان حدثاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلاميّة، والذي به أشعرَ المسلمين بوجودهم، ولمّا أحسّ رسول الله بثبات دولته بعث عمرو بن أمية إلى المهاجرين في الحبشة؛ كي يطلب منهم العودة،[١٠] وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد فَتح خيبر.[٨]

أسباب الهجرة إلى الحبشة

بعد مرور ما يُقارب الخمس سنوات من الدعوة السرّية، وبَذل قريش ما بوسعها؛ من أجل إيقاف هذه الدعوة، والوقوف في طريقها، ومع ثبات رسول الله وأصحابه، بدأت قريش تنهال على المسلمين بكلّ ما تملكه؛ بهدف تعذيبهم، وما كان منهم إلّا أن صبروا على هذا العذاب، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُحاطاً بحماية من قومه، وعمّه أبي طالب، فلم يصل إليه ما وصل أصحابَه من العذاب، ولم يكن يملك حمايتهم ممّا هم فيه، ثمّ بتفكير من رسول الله، وتأييد من الوحي، جاء الإذن بالهجرة من مكّة؛ لتكون فترة يستريح بها الصحابة ممّا هم فيه، ويكملوا مسيرتهم في نَشر الإسلام، قال -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، [١١] فاقترح رسول الله أرض الحبشة؛ لما فيها من عَدلِ حاكمها، وصِدقه إلى أن يجعل الله لهم فرجاً، ومخرجاً، فخرجت مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، وكانت هذه الهجرة أوّلَ هجرة في الإسلام، علماً بأنّ الحبشة اسمٌ نُسِب إلى الأرض؛ بسبب الناس الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وهم الأحباش، وهي الآن تمثّل دولة إثيوبيا،[١٢]

وقد كان المسلمون آمنين في ظلّ النجاشي، أمّا ما تحقّق من نتائج لهذه الهجرة فهو ما كان إلّا دليلاً على حِنكة رسول الله، وحِكمته في تدبير شؤون قومه، ويمكن إجمال أسباب الهجرة بعدّة أمور، منها:[١٣]

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يعانون منه.
  • تجنُّب الوقوع في الردّة.
  • تنشيط الحركة التجارية، والعمل بالتجارة.
  • تأمين المساعدة في المجال العسكريّ من قِبل الأحباش.

ولم تقتصر الهجرة على المُستضعفين، والفقراء الذين كانوا في مكّة، بل كان أكثرهم ممّن لهم المال، والحماية، والقوة فيها، كعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وهذا من أهمّ الأدلّة على أنّ السبب الرئيسيّ للهجرة لم يكن ضعف المسلمين، وتعرُّضهم للأذى من قِبل قريش فقط، وإنّما كانت هناك أسباب أخرى دفعتهم إلى ذلك، وقد عدّ رسول الله الهجرة إلى الحبشة بمثابة الهجرة إلى المدينة، وفيما يلي بيان للأسباب التي دفعت النبيّ إلى السماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:[١٤]

  • بدء نفاد صبر المسلمين؛ بسبب اشتداد تعذيب قريش لهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن سألوا الرسول عن موعد نصر الله، فخاف رسول الله على دينهم، وأنفسهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار، والضياع بعدما ازداد عدد الداخلين في الإسلام، والخوف من تكوين قريش قوة ضدّهم، وذلك عند شعورها بالخطر منهم، وقد يكون ذلك بتأييد من العرب لقريش.
  • الدور المهمّ الذي قد تلعبه رابطة القرابة، والرحم في تلطُّف القرشيّين بالمسلمين، والتوقُّف عن إيذائهم، وربّما الدخول في الإسلام، على الرغم من أنّ منهم أيضاً من كانت له ردّة فِعل عكسيّة، فازدادوا إيذاءً للمسلمين.

سبب اختيار النبي للحبشة

أمّا في ما يتعلَّق بسبب اختيار الرسول للحبشة حتى تكون المكان الأول الذي يهاجر إليه المسلمون، ففيه عدّة أمور، منها: فراغ أرض الحبشة من القبائل العربيّة؛ فعدم وجود القبائل فيها يُغلق الباب أمام قريش للتحالُف معها، وتكوين قوة ضدّ المسلمين، كما أنّ ملك الحبشة وهو النجاشيّ كان معروفاً بعَدله؛ نتيجة عِلمه بالتوراة، والإنجيل، وقد عَرف أهل مكة عنه ذلك؛ بسبب حركة التجارة المُتبادلة فيما بينهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عندما أشار عليهم بالهجرة للحبشة: (إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا. فخرَجْنا إليه أرسالًا، حتى اجتَمَعْنا، فنزَلْنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أمِنَّا على دِينِنا)،[١٥] كما أنّ الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، وهم أقرب مودّة للذين آمنوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[١٦] إلى جانب كونها أرضاً يعمُّها الأمان، والراحة، والطمأنينة.[١٧] ومع أنّ الحبشة بعيدة عن مكّة -وقد يُعدّ هذا عيباً- إلّا أنّه كان لصالح المسلمين؛ نظراً لكونه بعيداً عن قريش وامتداد نفوذها، إلى جانب أنّها بلد مُستقِلّة سياسيّاً ولا تخضع لأحد، ولها اسمها، وقوّتها، وتجارتها، واقتصادها الخاص والعظيم بين القبائل، إضافة إلى أنّ تبادُل الهدايا والمراسلات فيما بينهم كان ممّا ساعد على تأمين الحماية، وتوفيرها لهم، ولاستقرارهم هناك.[١٨]

نتائج الهجرة وفضل المهاجرين إلى الحبشة

كانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حركة فتحت الآفاق للمستقبل أمام الدعوة الإسلامية، وخروجها من نطاق المدينة المنورة؛ فالداعية الذكيّ لا يحدّ دعوته زمان ولا مكان، وإن لم يستجب له المَدعُوّون، فإنّه يُغيِّر مكان دعوته، ولا يتوقّف عنها، كما ساعدت الهجرة المسلمين في الثبات على دينهم، ليس ذلك وحسب، بل ساعدتهم أيضاً على نشر الإسلام في مكان غير مكّة المُكرَّمة.[١٩]

وللصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ويتّضح ذلك من خلال حوار أسماء بنت عميس؛ وهي من المهاجرات إلى الحبشة، وبين عمر بن الخطّاب حين كانت زائرة عند حفصة بنت عمر، فدخل عمر عليهما، ولمّا عرف أنّها أسماء، قال لها إنّهم أحقّ برسول الله من الذين هاجروا إلى الحبشة، فغضبت وقالت: (كذَبْتَ يا عُمَرُ كَلَّا، وَاللَّهِ كُنْتُمْ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ، أَوْ في أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ في الحَبَشَةِ، وَذلكَ في اللهِ وفي رَسولِهِ)،[٢٠] وأخبرت رسول الله بما دار بينهما من الحديث، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ)،[٢٠] فزاد الفرح في قلوبهم.[٨]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل الدعوة الإسلامية وحياة النبي -صلى الله عليه وسلّم- الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. محمد الخضري (1425)، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 51. بتصرّف.
  2. رمضان البوطي (1426 هـ )، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دار الفكر: دمشق، صفحة 91. بتصرّف.
  3. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 316، جزء 1. بتصرّف.
  4. أ.د. راغب السرجاني (21-4-2010)، “مكة وأحداث ما بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  5. أ.د. راغب السرجاني (12-2-2017)، “توقيت هجرة الحبشة الثانية بالأدلة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  6. محمد الخضري (1425 )، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 55. بتصرّف.
  7. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 373، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج أكرم العمري، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم ، صفحة 172-176. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 72-77. بتصرّف.
  10. راغب السرجاني ، السيرة النبوية، صفحة 5. بتصرّف.
  11. سورة العنكبوت ، آية: 56.
  12. عاتق البلادي ، معجم الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار مكة ، صفحة 91. بتصرّف.
  13. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 216-218. بتصرّف.
  14. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، صفحة 219-220. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1/208، سنده صحيح.
  16. سورة المائدة، آية: 82.
  17. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 223-224. بتصرّف.
  18. راغب السرجاني (21-4-2010)، “الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
  19. إسلام ويب (25-12-2011)، “الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  20. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري ، الصفحة أو الرقم: 2503 ، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مراحل الهجرة إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة

بعد أنْ اشتدّ أذى مشركي قريش على المسلمين في مكة أشار عليهم النبي -عليه السلام- بالهجرة فراراً بدين الله -تعالى- وحماية لأنفسهم من بطش المشركين، واختار لهم أرض الحبشة، لأنّ فيها ملكاً عادلاً، لا يقبل الظلم على أحد، وكانت هذه الهجرة أول هجرة من مكة، وكانت في السنة الخامسة من البعثة، وبلغ عدد المهاجرين عشرة رجال وأربع نسوة، وكان منهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقيّة بنت رسول الله عليه السلام، وأبو سلمة وزوجه أم سلمة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضي الله عنهم-، وغيرهم،[١][٢] حيث خرجوا خفية حتى وصلوا البحر؛ فركبوا السفينة باتجاه الحبشة، وعندما علمت قريش بخبرهم تبعتهم، لكنهم كانوا قد ساروا برعاية الله، ووصلوا الحبشة وأقاموا فيها آمنين بقية رجب وشعبان ورمضان، وكانوا قد وصلتهم أخبار أنّ أهل مكة قد أعلنوا إسلامهم؛ فطفقوا عائدين، وعند مشارف مكة تبيّن لهم أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ أذى المشركين يزداد على الدعوة ومن آمن بها؛[٣] فاختار بعضم الدخول إلى مكة تسلّلاً، ودخل بعضهم بجوار أحد، واختار بقيّتهم العودة إلى الحبشة.[٤]

الهجرة الثانية إلى الحبشة

رجّح بعض المحققين المعاصرين أنّ أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت في أواخر العام العاشر وبداية العام الحادي عشر من البعثة،[٥] وقد كانت قريش قد ضاعفت أذاها على المسلمين الممتحنين في دينهم وأنفسهم؛ فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجدّداً بالخروج إلى الحبشة؛ فخرج نحو بضعاً وثمانين رجلاً وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بن عميس، وبعد خروجهم لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ممّن أسلموا معه في مكة،[٦] وكان جعفر -رضي الله عنه- أميرهم في هذه الهجرة، أمّا المهاجرون فكانوا بمجموعهم يشكّلون تنوّعاً لكل طبقات المجتمع المكي؛ ففيهم الغني والفقير، والرجال والنساء، والكهل والشباب؛ ممّا يعطي انطباعاً بقوة تأثير الدعوة على النّاس رغم كل ما واجهها من تحديات.[٧]

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

لمّا أحسّت قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة والاستقرار في الحبشة، تشاوروا فيما بينهم، واتّفقوا على إرسال شابَّين منهم إلى النجاشيّ؛ كي يطردهم، ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه مع عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، ولم تقتصر الهدايا عليه فقط، بل شَمِلت حاشيته أيضاً، فلم يبقَ أحد إلّا وأهدوه هدية، وحرّضوهم ضدّ من قَدِموا إليهم من مكّة، وأوصوهم بأن يُشيروا على ملكهم بتسليم أهل مكّة إليهم، فوافقوا على ذلك، ثمّ ذهبوا إلى النجاشيّ، وقدّموا له الهدايا الخاصّة به، وقالوا له: “إنّه قد لجأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم، لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه”.[٨]

أيّد قوم النجاشيّ رسولَي قريش في كلامهما، فما كان من النجاشيّ إلّا أن رفض ما طلبوه، وأخبرهم أنّه لن يُسلمهم إليهم حتى يأتي بهم، ويسألهم عمّا قالاه فيهم، فإن قالوا إنّه صحيح سلّمهم إليهما، وإلّا فلا، فلمّا أحضرهم وسألهم، تكلّم منهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كانوا عليه في الجاهلية من الفسوق، والعصيان، وما هم عليه الآن من توحيد الله، والصدق، والأمانة، وحُسن الجوار، وما تعرّضوا له من تعذيب قريش؛ كي يرتدّوا إلى عبادة الأصنام، وقال له إنّهم اختاروه على من سواه؛ طمعاً فيما عنده من العدل، وحُسن الجوار، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه بعضاً ممّا أُنزِل على نبيّه، فقرأ عليه بعضاً من فواتح سورة مريم، فبكى حتى ابتلّت لحيته، وبكى معه قومه، وأخبر القرشيَّين أنّه لن يُسلّمهم إليهما أبداً.[٨]

توعّد عمرو بن العاص للمسلمين، فذهب في اليوم التالي وأخبر النجاشيّ أنّ المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، وطلب منه أن يسألهم عن شأنهم فيه، فلمّا سألهم أخبره جعفر بأنّ عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله وروحه، فوافقهم النجاشيّ على ذلك، وأعطاهم الأمان، وأعاد إلى القرشيَّين هداياهما، فخرجا من عنده خائبَين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشيّ آمنين مُطمئنِّين.[٨][٩]

للمزيد من التفاصيل عن ثبات النبي -صلى الله عليه وسلّم- في حياته الاطّلاع على المقالات الآتية:

عودة المسلمين من الحبشة

طالت مدة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية، حيث ظلّوا هناك إلى ما بعد غزوة خيبر، ولم تكن إقامتهم برغبة منهم، وإنّما بأمر من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن الأحداث التي حصلت أثناء وجودهم في الحبشة: الهجرة النبوية إلى المدينة المُنوَّرة، وتأسيس الدولة الإسلاميّة، وعلى الرغم من احتياج النبيّ إليهم؛ لأنّ عددهم كان كبيراً، إلّا أنّه لم يطلب منهم العودة، كما وقع الكثير من الغزوات العظيمة، كبَدر، وأحد، وبني قينقاع، وبني النضير، وصلح الحديبية الذي كان حدثاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلاميّة، والذي به أشعرَ المسلمين بوجودهم، ولمّا أحسّ رسول الله بثبات دولته بعث عمرو بن أمية إلى المهاجرين في الحبشة؛ كي يطلب منهم العودة،[١٠] وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد فَتح خيبر.[٨]

أسباب الهجرة إلى الحبشة

بعد مرور ما يُقارب الخمس سنوات من الدعوة السرّية، وبَذل قريش ما بوسعها؛ من أجل إيقاف هذه الدعوة، والوقوف في طريقها، ومع ثبات رسول الله وأصحابه، بدأت قريش تنهال على المسلمين بكلّ ما تملكه؛ بهدف تعذيبهم، وما كان منهم إلّا أن صبروا على هذا العذاب، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُحاطاً بحماية من قومه، وعمّه أبي طالب، فلم يصل إليه ما وصل أصحابَه من العذاب، ولم يكن يملك حمايتهم ممّا هم فيه، ثمّ بتفكير من رسول الله، وتأييد من الوحي، جاء الإذن بالهجرة من مكّة؛ لتكون فترة يستريح بها الصحابة ممّا هم فيه، ويكملوا مسيرتهم في نَشر الإسلام، قال -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، [١١] فاقترح رسول الله أرض الحبشة؛ لما فيها من عَدلِ حاكمها، وصِدقه إلى أن يجعل الله لهم فرجاً، ومخرجاً، فخرجت مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، وكانت هذه الهجرة أوّلَ هجرة في الإسلام، علماً بأنّ الحبشة اسمٌ نُسِب إلى الأرض؛ بسبب الناس الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وهم الأحباش، وهي الآن تمثّل دولة إثيوبيا،[١٢]

وقد كان المسلمون آمنين في ظلّ النجاشي، أمّا ما تحقّق من نتائج لهذه الهجرة فهو ما كان إلّا دليلاً على حِنكة رسول الله، وحِكمته في تدبير شؤون قومه، ويمكن إجمال أسباب الهجرة بعدّة أمور، منها:[١٣]

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يعانون منه.
  • تجنُّب الوقوع في الردّة.
  • تنشيط الحركة التجارية، والعمل بالتجارة.
  • تأمين المساعدة في المجال العسكريّ من قِبل الأحباش.

ولم تقتصر الهجرة على المُستضعفين، والفقراء الذين كانوا في مكّة، بل كان أكثرهم ممّن لهم المال، والحماية، والقوة فيها، كعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وهذا من أهمّ الأدلّة على أنّ السبب الرئيسيّ للهجرة لم يكن ضعف المسلمين، وتعرُّضهم للأذى من قِبل قريش فقط، وإنّما كانت هناك أسباب أخرى دفعتهم إلى ذلك، وقد عدّ رسول الله الهجرة إلى الحبشة بمثابة الهجرة إلى المدينة، وفيما يلي بيان للأسباب التي دفعت النبيّ إلى السماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:[١٤]

  • بدء نفاد صبر المسلمين؛ بسبب اشتداد تعذيب قريش لهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن سألوا الرسول عن موعد نصر الله، فخاف رسول الله على دينهم، وأنفسهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار، والضياع بعدما ازداد عدد الداخلين في الإسلام، والخوف من تكوين قريش قوة ضدّهم، وذلك عند شعورها بالخطر منهم، وقد يكون ذلك بتأييد من العرب لقريش.
  • الدور المهمّ الذي قد تلعبه رابطة القرابة، والرحم في تلطُّف القرشيّين بالمسلمين، والتوقُّف عن إيذائهم، وربّما الدخول في الإسلام، على الرغم من أنّ منهم أيضاً من كانت له ردّة فِعل عكسيّة، فازدادوا إيذاءً للمسلمين.

سبب اختيار النبي للحبشة

أمّا في ما يتعلَّق بسبب اختيار الرسول للحبشة حتى تكون المكان الأول الذي يهاجر إليه المسلمون، ففيه عدّة أمور، منها: فراغ أرض الحبشة من القبائل العربيّة؛ فعدم وجود القبائل فيها يُغلق الباب أمام قريش للتحالُف معها، وتكوين قوة ضدّ المسلمين، كما أنّ ملك الحبشة وهو النجاشيّ كان معروفاً بعَدله؛ نتيجة عِلمه بالتوراة، والإنجيل، وقد عَرف أهل مكة عنه ذلك؛ بسبب حركة التجارة المُتبادلة فيما بينهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عندما أشار عليهم بالهجرة للحبشة: (إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا. فخرَجْنا إليه أرسالًا، حتى اجتَمَعْنا، فنزَلْنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أمِنَّا على دِينِنا)،[١٥] كما أنّ الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، وهم أقرب مودّة للذين آمنوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[١٦] إلى جانب كونها أرضاً يعمُّها الأمان، والراحة، والطمأنينة.[١٧] ومع أنّ الحبشة بعيدة عن مكّة -وقد يُعدّ هذا عيباً- إلّا أنّه كان لصالح المسلمين؛ نظراً لكونه بعيداً عن قريش وامتداد نفوذها، إلى جانب أنّها بلد مُستقِلّة سياسيّاً ولا تخضع لأحد، ولها اسمها، وقوّتها، وتجارتها، واقتصادها الخاص والعظيم بين القبائل، إضافة إلى أنّ تبادُل الهدايا والمراسلات فيما بينهم كان ممّا ساعد على تأمين الحماية، وتوفيرها لهم، ولاستقرارهم هناك.[١٨]

نتائج الهجرة وفضل المهاجرين إلى الحبشة

كانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حركة فتحت الآفاق للمستقبل أمام الدعوة الإسلامية، وخروجها من نطاق المدينة المنورة؛ فالداعية الذكيّ لا يحدّ دعوته زمان ولا مكان، وإن لم يستجب له المَدعُوّون، فإنّه يُغيِّر مكان دعوته، ولا يتوقّف عنها، كما ساعدت الهجرة المسلمين في الثبات على دينهم، ليس ذلك وحسب، بل ساعدتهم أيضاً على نشر الإسلام في مكان غير مكّة المُكرَّمة.[١٩]

وللصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ويتّضح ذلك من خلال حوار أسماء بنت عميس؛ وهي من المهاجرات إلى الحبشة، وبين عمر بن الخطّاب حين كانت زائرة عند حفصة بنت عمر، فدخل عمر عليهما، ولمّا عرف أنّها أسماء، قال لها إنّهم أحقّ برسول الله من الذين هاجروا إلى الحبشة، فغضبت وقالت: (كذَبْتَ يا عُمَرُ كَلَّا، وَاللَّهِ كُنْتُمْ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ، أَوْ في أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ في الحَبَشَةِ، وَذلكَ في اللهِ وفي رَسولِهِ)،[٢٠] وأخبرت رسول الله بما دار بينهما من الحديث، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ)،[٢٠] فزاد الفرح في قلوبهم.[٨]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل الدعوة الإسلامية وحياة النبي -صلى الله عليه وسلّم- الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. محمد الخضري (1425)، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 51. بتصرّف.
  2. رمضان البوطي (1426 هـ )، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دار الفكر: دمشق، صفحة 91. بتصرّف.
  3. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 316، جزء 1. بتصرّف.
  4. أ.د. راغب السرجاني (21-4-2010)، “مكة وأحداث ما بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  5. أ.د. راغب السرجاني (12-2-2017)، “توقيت هجرة الحبشة الثانية بالأدلة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  6. محمد الخضري (1425 )، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 55. بتصرّف.
  7. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 373، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج أكرم العمري، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم ، صفحة 172-176. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 72-77. بتصرّف.
  10. راغب السرجاني ، السيرة النبوية، صفحة 5. بتصرّف.
  11. سورة العنكبوت ، آية: 56.
  12. عاتق البلادي ، معجم الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار مكة ، صفحة 91. بتصرّف.
  13. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 216-218. بتصرّف.
  14. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، صفحة 219-220. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1/208، سنده صحيح.
  16. سورة المائدة، آية: 82.
  17. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 223-224. بتصرّف.
  18. راغب السرجاني (21-4-2010)، “الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
  19. إسلام ويب (25-12-2011)، “الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  20. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري ، الصفحة أو الرقم: 2503 ، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مراحل الهجرة إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة

بعد أنْ اشتدّ أذى مشركي قريش على المسلمين في مكة أشار عليهم النبي -عليه السلام- بالهجرة فراراً بدين الله -تعالى- وحماية لأنفسهم من بطش المشركين، واختار لهم أرض الحبشة، لأنّ فيها ملكاً عادلاً، لا يقبل الظلم على أحد، وكانت هذه الهجرة أول هجرة من مكة، وكانت في السنة الخامسة من البعثة، وبلغ عدد المهاجرين عشرة رجال وأربع نسوة، وكان منهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقيّة بنت رسول الله عليه السلام، وأبو سلمة وزوجه أم سلمة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضي الله عنهم-، وغيرهم،[١][٢] حيث خرجوا خفية حتى وصلوا البحر؛ فركبوا السفينة باتجاه الحبشة، وعندما علمت قريش بخبرهم تبعتهم، لكنهم كانوا قد ساروا برعاية الله، ووصلوا الحبشة وأقاموا فيها آمنين بقية رجب وشعبان ورمضان، وكانوا قد وصلتهم أخبار أنّ أهل مكة قد أعلنوا إسلامهم؛ فطفقوا عائدين، وعند مشارف مكة تبيّن لهم أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ أذى المشركين يزداد على الدعوة ومن آمن بها؛[٣] فاختار بعضم الدخول إلى مكة تسلّلاً، ودخل بعضهم بجوار أحد، واختار بقيّتهم العودة إلى الحبشة.[٤]

الهجرة الثانية إلى الحبشة

رجّح بعض المحققين المعاصرين أنّ أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت في أواخر العام العاشر وبداية العام الحادي عشر من البعثة،[٥] وقد كانت قريش قد ضاعفت أذاها على المسلمين الممتحنين في دينهم وأنفسهم؛ فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجدّداً بالخروج إلى الحبشة؛ فخرج نحو بضعاً وثمانين رجلاً وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بن عميس، وبعد خروجهم لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ممّن أسلموا معه في مكة،[٦] وكان جعفر -رضي الله عنه- أميرهم في هذه الهجرة، أمّا المهاجرون فكانوا بمجموعهم يشكّلون تنوّعاً لكل طبقات المجتمع المكي؛ ففيهم الغني والفقير، والرجال والنساء، والكهل والشباب؛ ممّا يعطي انطباعاً بقوة تأثير الدعوة على النّاس رغم كل ما واجهها من تحديات.[٧]

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

لمّا أحسّت قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة والاستقرار في الحبشة، تشاوروا فيما بينهم، واتّفقوا على إرسال شابَّين منهم إلى النجاشيّ؛ كي يطردهم، ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه مع عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، ولم تقتصر الهدايا عليه فقط، بل شَمِلت حاشيته أيضاً، فلم يبقَ أحد إلّا وأهدوه هدية، وحرّضوهم ضدّ من قَدِموا إليهم من مكّة، وأوصوهم بأن يُشيروا على ملكهم بتسليم أهل مكّة إليهم، فوافقوا على ذلك، ثمّ ذهبوا إلى النجاشيّ، وقدّموا له الهدايا الخاصّة به، وقالوا له: “إنّه قد لجأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم، لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه”.[٨]

أيّد قوم النجاشيّ رسولَي قريش في كلامهما، فما كان من النجاشيّ إلّا أن رفض ما طلبوه، وأخبرهم أنّه لن يُسلمهم إليهم حتى يأتي بهم، ويسألهم عمّا قالاه فيهم، فإن قالوا إنّه صحيح سلّمهم إليهما، وإلّا فلا، فلمّا أحضرهم وسألهم، تكلّم منهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كانوا عليه في الجاهلية من الفسوق، والعصيان، وما هم عليه الآن من توحيد الله، والصدق، والأمانة، وحُسن الجوار، وما تعرّضوا له من تعذيب قريش؛ كي يرتدّوا إلى عبادة الأصنام، وقال له إنّهم اختاروه على من سواه؛ طمعاً فيما عنده من العدل، وحُسن الجوار، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه بعضاً ممّا أُنزِل على نبيّه، فقرأ عليه بعضاً من فواتح سورة مريم، فبكى حتى ابتلّت لحيته، وبكى معه قومه، وأخبر القرشيَّين أنّه لن يُسلّمهم إليهما أبداً.[٨]

توعّد عمرو بن العاص للمسلمين، فذهب في اليوم التالي وأخبر النجاشيّ أنّ المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، وطلب منه أن يسألهم عن شأنهم فيه، فلمّا سألهم أخبره جعفر بأنّ عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله وروحه، فوافقهم النجاشيّ على ذلك، وأعطاهم الأمان، وأعاد إلى القرشيَّين هداياهما، فخرجا من عنده خائبَين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشيّ آمنين مُطمئنِّين.[٨][٩]

للمزيد من التفاصيل عن ثبات النبي -صلى الله عليه وسلّم- في حياته الاطّلاع على المقالات الآتية:

عودة المسلمين من الحبشة

طالت مدة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية، حيث ظلّوا هناك إلى ما بعد غزوة خيبر، ولم تكن إقامتهم برغبة منهم، وإنّما بأمر من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن الأحداث التي حصلت أثناء وجودهم في الحبشة: الهجرة النبوية إلى المدينة المُنوَّرة، وتأسيس الدولة الإسلاميّة، وعلى الرغم من احتياج النبيّ إليهم؛ لأنّ عددهم كان كبيراً، إلّا أنّه لم يطلب منهم العودة، كما وقع الكثير من الغزوات العظيمة، كبَدر، وأحد، وبني قينقاع، وبني النضير، وصلح الحديبية الذي كان حدثاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلاميّة، والذي به أشعرَ المسلمين بوجودهم، ولمّا أحسّ رسول الله بثبات دولته بعث عمرو بن أمية إلى المهاجرين في الحبشة؛ كي يطلب منهم العودة،[١٠] وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد فَتح خيبر.[٨]

أسباب الهجرة إلى الحبشة

بعد مرور ما يُقارب الخمس سنوات من الدعوة السرّية، وبَذل قريش ما بوسعها؛ من أجل إيقاف هذه الدعوة، والوقوف في طريقها، ومع ثبات رسول الله وأصحابه، بدأت قريش تنهال على المسلمين بكلّ ما تملكه؛ بهدف تعذيبهم، وما كان منهم إلّا أن صبروا على هذا العذاب، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُحاطاً بحماية من قومه، وعمّه أبي طالب، فلم يصل إليه ما وصل أصحابَه من العذاب، ولم يكن يملك حمايتهم ممّا هم فيه، ثمّ بتفكير من رسول الله، وتأييد من الوحي، جاء الإذن بالهجرة من مكّة؛ لتكون فترة يستريح بها الصحابة ممّا هم فيه، ويكملوا مسيرتهم في نَشر الإسلام، قال -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، [١١] فاقترح رسول الله أرض الحبشة؛ لما فيها من عَدلِ حاكمها، وصِدقه إلى أن يجعل الله لهم فرجاً، ومخرجاً، فخرجت مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، وكانت هذه الهجرة أوّلَ هجرة في الإسلام، علماً بأنّ الحبشة اسمٌ نُسِب إلى الأرض؛ بسبب الناس الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وهم الأحباش، وهي الآن تمثّل دولة إثيوبيا،[١٢]

وقد كان المسلمون آمنين في ظلّ النجاشي، أمّا ما تحقّق من نتائج لهذه الهجرة فهو ما كان إلّا دليلاً على حِنكة رسول الله، وحِكمته في تدبير شؤون قومه، ويمكن إجمال أسباب الهجرة بعدّة أمور، منها:[١٣]

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يعانون منه.
  • تجنُّب الوقوع في الردّة.
  • تنشيط الحركة التجارية، والعمل بالتجارة.
  • تأمين المساعدة في المجال العسكريّ من قِبل الأحباش.

ولم تقتصر الهجرة على المُستضعفين، والفقراء الذين كانوا في مكّة، بل كان أكثرهم ممّن لهم المال، والحماية، والقوة فيها، كعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وهذا من أهمّ الأدلّة على أنّ السبب الرئيسيّ للهجرة لم يكن ضعف المسلمين، وتعرُّضهم للأذى من قِبل قريش فقط، وإنّما كانت هناك أسباب أخرى دفعتهم إلى ذلك، وقد عدّ رسول الله الهجرة إلى الحبشة بمثابة الهجرة إلى المدينة، وفيما يلي بيان للأسباب التي دفعت النبيّ إلى السماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:[١٤]

  • بدء نفاد صبر المسلمين؛ بسبب اشتداد تعذيب قريش لهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن سألوا الرسول عن موعد نصر الله، فخاف رسول الله على دينهم، وأنفسهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار، والضياع بعدما ازداد عدد الداخلين في الإسلام، والخوف من تكوين قريش قوة ضدّهم، وذلك عند شعورها بالخطر منهم، وقد يكون ذلك بتأييد من العرب لقريش.
  • الدور المهمّ الذي قد تلعبه رابطة القرابة، والرحم في تلطُّف القرشيّين بالمسلمين، والتوقُّف عن إيذائهم، وربّما الدخول في الإسلام، على الرغم من أنّ منهم أيضاً من كانت له ردّة فِعل عكسيّة، فازدادوا إيذاءً للمسلمين.

سبب اختيار النبي للحبشة

أمّا في ما يتعلَّق بسبب اختيار الرسول للحبشة حتى تكون المكان الأول الذي يهاجر إليه المسلمون، ففيه عدّة أمور، منها: فراغ أرض الحبشة من القبائل العربيّة؛ فعدم وجود القبائل فيها يُغلق الباب أمام قريش للتحالُف معها، وتكوين قوة ضدّ المسلمين، كما أنّ ملك الحبشة وهو النجاشيّ كان معروفاً بعَدله؛ نتيجة عِلمه بالتوراة، والإنجيل، وقد عَرف أهل مكة عنه ذلك؛ بسبب حركة التجارة المُتبادلة فيما بينهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عندما أشار عليهم بالهجرة للحبشة: (إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا. فخرَجْنا إليه أرسالًا، حتى اجتَمَعْنا، فنزَلْنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أمِنَّا على دِينِنا)،[١٥] كما أنّ الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، وهم أقرب مودّة للذين آمنوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[١٦] إلى جانب كونها أرضاً يعمُّها الأمان، والراحة، والطمأنينة.[١٧] ومع أنّ الحبشة بعيدة عن مكّة -وقد يُعدّ هذا عيباً- إلّا أنّه كان لصالح المسلمين؛ نظراً لكونه بعيداً عن قريش وامتداد نفوذها، إلى جانب أنّها بلد مُستقِلّة سياسيّاً ولا تخضع لأحد، ولها اسمها، وقوّتها، وتجارتها، واقتصادها الخاص والعظيم بين القبائل، إضافة إلى أنّ تبادُل الهدايا والمراسلات فيما بينهم كان ممّا ساعد على تأمين الحماية، وتوفيرها لهم، ولاستقرارهم هناك.[١٨]

نتائج الهجرة وفضل المهاجرين إلى الحبشة

كانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حركة فتحت الآفاق للمستقبل أمام الدعوة الإسلامية، وخروجها من نطاق المدينة المنورة؛ فالداعية الذكيّ لا يحدّ دعوته زمان ولا مكان، وإن لم يستجب له المَدعُوّون، فإنّه يُغيِّر مكان دعوته، ولا يتوقّف عنها، كما ساعدت الهجرة المسلمين في الثبات على دينهم، ليس ذلك وحسب، بل ساعدتهم أيضاً على نشر الإسلام في مكان غير مكّة المُكرَّمة.[١٩]

وللصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ويتّضح ذلك من خلال حوار أسماء بنت عميس؛ وهي من المهاجرات إلى الحبشة، وبين عمر بن الخطّاب حين كانت زائرة عند حفصة بنت عمر، فدخل عمر عليهما، ولمّا عرف أنّها أسماء، قال لها إنّهم أحقّ برسول الله من الذين هاجروا إلى الحبشة، فغضبت وقالت: (كذَبْتَ يا عُمَرُ كَلَّا، وَاللَّهِ كُنْتُمْ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ، أَوْ في أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ في الحَبَشَةِ، وَذلكَ في اللهِ وفي رَسولِهِ)،[٢٠] وأخبرت رسول الله بما دار بينهما من الحديث، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ)،[٢٠] فزاد الفرح في قلوبهم.[٨]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل الدعوة الإسلامية وحياة النبي -صلى الله عليه وسلّم- الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. محمد الخضري (1425)، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 51. بتصرّف.
  2. رمضان البوطي (1426 هـ )، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دار الفكر: دمشق، صفحة 91. بتصرّف.
  3. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 316، جزء 1. بتصرّف.
  4. أ.د. راغب السرجاني (21-4-2010)، “مكة وأحداث ما بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  5. أ.د. راغب السرجاني (12-2-2017)، “توقيت هجرة الحبشة الثانية بالأدلة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  6. محمد الخضري (1425 )، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 55. بتصرّف.
  7. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 373، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج أكرم العمري، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم ، صفحة 172-176. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 72-77. بتصرّف.
  10. راغب السرجاني ، السيرة النبوية، صفحة 5. بتصرّف.
  11. سورة العنكبوت ، آية: 56.
  12. عاتق البلادي ، معجم الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار مكة ، صفحة 91. بتصرّف.
  13. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 216-218. بتصرّف.
  14. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، صفحة 219-220. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1/208، سنده صحيح.
  16. سورة المائدة، آية: 82.
  17. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 223-224. بتصرّف.
  18. راغب السرجاني (21-4-2010)، “الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
  19. إسلام ويب (25-12-2011)، “الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  20. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري ، الصفحة أو الرقم: 2503 ، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

مراحل الهجرة إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة

بعد أنْ اشتدّ أذى مشركي قريش على المسلمين في مكة أشار عليهم النبي -عليه السلام- بالهجرة فراراً بدين الله -تعالى- وحماية لأنفسهم من بطش المشركين، واختار لهم أرض الحبشة، لأنّ فيها ملكاً عادلاً، لا يقبل الظلم على أحد، وكانت هذه الهجرة أول هجرة من مكة، وكانت في السنة الخامسة من البعثة، وبلغ عدد المهاجرين عشرة رجال وأربع نسوة، وكان منهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقيّة بنت رسول الله عليه السلام، وأبو سلمة وزوجه أم سلمة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضي الله عنهم-، وغيرهم،[١][٢] حيث خرجوا خفية حتى وصلوا البحر؛ فركبوا السفينة باتجاه الحبشة، وعندما علمت قريش بخبرهم تبعتهم، لكنهم كانوا قد ساروا برعاية الله، ووصلوا الحبشة وأقاموا فيها آمنين بقية رجب وشعبان ورمضان، وكانوا قد وصلتهم أخبار أنّ أهل مكة قد أعلنوا إسلامهم؛ فطفقوا عائدين، وعند مشارف مكة تبيّن لهم أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ أذى المشركين يزداد على الدعوة ومن آمن بها؛[٣] فاختار بعضم الدخول إلى مكة تسلّلاً، ودخل بعضهم بجوار أحد، واختار بقيّتهم العودة إلى الحبشة.[٤]

الهجرة الثانية إلى الحبشة

رجّح بعض المحققين المعاصرين أنّ أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت في أواخر العام العاشر وبداية العام الحادي عشر من البعثة،[٥] وقد كانت قريش قد ضاعفت أذاها على المسلمين الممتحنين في دينهم وأنفسهم؛ فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجدّداً بالخروج إلى الحبشة؛ فخرج نحو بضعاً وثمانين رجلاً وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بن عميس، وبعد خروجهم لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ممّن أسلموا معه في مكة،[٦] وكان جعفر -رضي الله عنه- أميرهم في هذه الهجرة، أمّا المهاجرون فكانوا بمجموعهم يشكّلون تنوّعاً لكل طبقات المجتمع المكي؛ ففيهم الغني والفقير، والرجال والنساء، والكهل والشباب؛ ممّا يعطي انطباعاً بقوة تأثير الدعوة على النّاس رغم كل ما واجهها من تحديات.[٧]

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

لمّا أحسّت قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة والاستقرار في الحبشة، تشاوروا فيما بينهم، واتّفقوا على إرسال شابَّين منهم إلى النجاشيّ؛ كي يطردهم، ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه مع عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، ولم تقتصر الهدايا عليه فقط، بل شَمِلت حاشيته أيضاً، فلم يبقَ أحد إلّا وأهدوه هدية، وحرّضوهم ضدّ من قَدِموا إليهم من مكّة، وأوصوهم بأن يُشيروا على ملكهم بتسليم أهل مكّة إليهم، فوافقوا على ذلك، ثمّ ذهبوا إلى النجاشيّ، وقدّموا له الهدايا الخاصّة به، وقالوا له: “إنّه قد لجأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم، لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه”.[٨]

أيّد قوم النجاشيّ رسولَي قريش في كلامهما، فما كان من النجاشيّ إلّا أن رفض ما طلبوه، وأخبرهم أنّه لن يُسلمهم إليهم حتى يأتي بهم، ويسألهم عمّا قالاه فيهم، فإن قالوا إنّه صحيح سلّمهم إليهما، وإلّا فلا، فلمّا أحضرهم وسألهم، تكلّم منهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كانوا عليه في الجاهلية من الفسوق، والعصيان، وما هم عليه الآن من توحيد الله، والصدق، والأمانة، وحُسن الجوار، وما تعرّضوا له من تعذيب قريش؛ كي يرتدّوا إلى عبادة الأصنام، وقال له إنّهم اختاروه على من سواه؛ طمعاً فيما عنده من العدل، وحُسن الجوار، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه بعضاً ممّا أُنزِل على نبيّه، فقرأ عليه بعضاً من فواتح سورة مريم، فبكى حتى ابتلّت لحيته، وبكى معه قومه، وأخبر القرشيَّين أنّه لن يُسلّمهم إليهما أبداً.[٨]

توعّد عمرو بن العاص للمسلمين، فذهب في اليوم التالي وأخبر النجاشيّ أنّ المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، وطلب منه أن يسألهم عن شأنهم فيه، فلمّا سألهم أخبره جعفر بأنّ عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله وروحه، فوافقهم النجاشيّ على ذلك، وأعطاهم الأمان، وأعاد إلى القرشيَّين هداياهما، فخرجا من عنده خائبَين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشيّ آمنين مُطمئنِّين.[٨][٩]

للمزيد من التفاصيل عن ثبات النبي -صلى الله عليه وسلّم- في حياته الاطّلاع على المقالات الآتية:

عودة المسلمين من الحبشة

طالت مدة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية، حيث ظلّوا هناك إلى ما بعد غزوة خيبر، ولم تكن إقامتهم برغبة منهم، وإنّما بأمر من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن الأحداث التي حصلت أثناء وجودهم في الحبشة: الهجرة النبوية إلى المدينة المُنوَّرة، وتأسيس الدولة الإسلاميّة، وعلى الرغم من احتياج النبيّ إليهم؛ لأنّ عددهم كان كبيراً، إلّا أنّه لم يطلب منهم العودة، كما وقع الكثير من الغزوات العظيمة، كبَدر، وأحد، وبني قينقاع، وبني النضير، وصلح الحديبية الذي كان حدثاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلاميّة، والذي به أشعرَ المسلمين بوجودهم، ولمّا أحسّ رسول الله بثبات دولته بعث عمرو بن أمية إلى المهاجرين في الحبشة؛ كي يطلب منهم العودة،[١٠] وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد فَتح خيبر.[٨]

أسباب الهجرة إلى الحبشة

بعد مرور ما يُقارب الخمس سنوات من الدعوة السرّية، وبَذل قريش ما بوسعها؛ من أجل إيقاف هذه الدعوة، والوقوف في طريقها، ومع ثبات رسول الله وأصحابه، بدأت قريش تنهال على المسلمين بكلّ ما تملكه؛ بهدف تعذيبهم، وما كان منهم إلّا أن صبروا على هذا العذاب، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُحاطاً بحماية من قومه، وعمّه أبي طالب، فلم يصل إليه ما وصل أصحابَه من العذاب، ولم يكن يملك حمايتهم ممّا هم فيه، ثمّ بتفكير من رسول الله، وتأييد من الوحي، جاء الإذن بالهجرة من مكّة؛ لتكون فترة يستريح بها الصحابة ممّا هم فيه، ويكملوا مسيرتهم في نَشر الإسلام، قال -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، [١١] فاقترح رسول الله أرض الحبشة؛ لما فيها من عَدلِ حاكمها، وصِدقه إلى أن يجعل الله لهم فرجاً، ومخرجاً، فخرجت مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، وكانت هذه الهجرة أوّلَ هجرة في الإسلام، علماً بأنّ الحبشة اسمٌ نُسِب إلى الأرض؛ بسبب الناس الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وهم الأحباش، وهي الآن تمثّل دولة إثيوبيا،[١٢]

وقد كان المسلمون آمنين في ظلّ النجاشي، أمّا ما تحقّق من نتائج لهذه الهجرة فهو ما كان إلّا دليلاً على حِنكة رسول الله، وحِكمته في تدبير شؤون قومه، ويمكن إجمال أسباب الهجرة بعدّة أمور، منها:[١٣]

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يعانون منه.
  • تجنُّب الوقوع في الردّة.
  • تنشيط الحركة التجارية، والعمل بالتجارة.
  • تأمين المساعدة في المجال العسكريّ من قِبل الأحباش.

ولم تقتصر الهجرة على المُستضعفين، والفقراء الذين كانوا في مكّة، بل كان أكثرهم ممّن لهم المال، والحماية، والقوة فيها، كعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وهذا من أهمّ الأدلّة على أنّ السبب الرئيسيّ للهجرة لم يكن ضعف المسلمين، وتعرُّضهم للأذى من قِبل قريش فقط، وإنّما كانت هناك أسباب أخرى دفعتهم إلى ذلك، وقد عدّ رسول الله الهجرة إلى الحبشة بمثابة الهجرة إلى المدينة، وفيما يلي بيان للأسباب التي دفعت النبيّ إلى السماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:[١٤]

  • بدء نفاد صبر المسلمين؛ بسبب اشتداد تعذيب قريش لهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن سألوا الرسول عن موعد نصر الله، فخاف رسول الله على دينهم، وأنفسهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار، والضياع بعدما ازداد عدد الداخلين في الإسلام، والخوف من تكوين قريش قوة ضدّهم، وذلك عند شعورها بالخطر منهم، وقد يكون ذلك بتأييد من العرب لقريش.
  • الدور المهمّ الذي قد تلعبه رابطة القرابة، والرحم في تلطُّف القرشيّين بالمسلمين، والتوقُّف عن إيذائهم، وربّما الدخول في الإسلام، على الرغم من أنّ منهم أيضاً من كانت له ردّة فِعل عكسيّة، فازدادوا إيذاءً للمسلمين.

سبب اختيار النبي للحبشة

أمّا في ما يتعلَّق بسبب اختيار الرسول للحبشة حتى تكون المكان الأول الذي يهاجر إليه المسلمون، ففيه عدّة أمور، منها: فراغ أرض الحبشة من القبائل العربيّة؛ فعدم وجود القبائل فيها يُغلق الباب أمام قريش للتحالُف معها، وتكوين قوة ضدّ المسلمين، كما أنّ ملك الحبشة وهو النجاشيّ كان معروفاً بعَدله؛ نتيجة عِلمه بالتوراة، والإنجيل، وقد عَرف أهل مكة عنه ذلك؛ بسبب حركة التجارة المُتبادلة فيما بينهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عندما أشار عليهم بالهجرة للحبشة: (إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا. فخرَجْنا إليه أرسالًا، حتى اجتَمَعْنا، فنزَلْنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أمِنَّا على دِينِنا)،[١٥] كما أنّ الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، وهم أقرب مودّة للذين آمنوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[١٦] إلى جانب كونها أرضاً يعمُّها الأمان، والراحة، والطمأنينة.[١٧] ومع أنّ الحبشة بعيدة عن مكّة -وقد يُعدّ هذا عيباً- إلّا أنّه كان لصالح المسلمين؛ نظراً لكونه بعيداً عن قريش وامتداد نفوذها، إلى جانب أنّها بلد مُستقِلّة سياسيّاً ولا تخضع لأحد، ولها اسمها، وقوّتها، وتجارتها، واقتصادها الخاص والعظيم بين القبائل، إضافة إلى أنّ تبادُل الهدايا والمراسلات فيما بينهم كان ممّا ساعد على تأمين الحماية، وتوفيرها لهم، ولاستقرارهم هناك.[١٨]

نتائج الهجرة وفضل المهاجرين إلى الحبشة

كانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حركة فتحت الآفاق للمستقبل أمام الدعوة الإسلامية، وخروجها من نطاق المدينة المنورة؛ فالداعية الذكيّ لا يحدّ دعوته زمان ولا مكان، وإن لم يستجب له المَدعُوّون، فإنّه يُغيِّر مكان دعوته، ولا يتوقّف عنها، كما ساعدت الهجرة المسلمين في الثبات على دينهم، ليس ذلك وحسب، بل ساعدتهم أيضاً على نشر الإسلام في مكان غير مكّة المُكرَّمة.[١٩]

وللصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ويتّضح ذلك من خلال حوار أسماء بنت عميس؛ وهي من المهاجرات إلى الحبشة، وبين عمر بن الخطّاب حين كانت زائرة عند حفصة بنت عمر، فدخل عمر عليهما، ولمّا عرف أنّها أسماء، قال لها إنّهم أحقّ برسول الله من الذين هاجروا إلى الحبشة، فغضبت وقالت: (كذَبْتَ يا عُمَرُ كَلَّا، وَاللَّهِ كُنْتُمْ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ، أَوْ في أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ في الحَبَشَةِ، وَذلكَ في اللهِ وفي رَسولِهِ)،[٢٠] وأخبرت رسول الله بما دار بينهما من الحديث، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ)،[٢٠] فزاد الفرح في قلوبهم.[٨]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل الدعوة الإسلامية وحياة النبي -صلى الله عليه وسلّم- الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. محمد الخضري (1425)، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 51. بتصرّف.
  2. رمضان البوطي (1426 هـ )، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دار الفكر: دمشق، صفحة 91. بتصرّف.
  3. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 316، جزء 1. بتصرّف.
  4. أ.د. راغب السرجاني (21-4-2010)، “مكة وأحداث ما بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  5. أ.د. راغب السرجاني (12-2-2017)، “توقيت هجرة الحبشة الثانية بالأدلة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  6. محمد الخضري (1425 )، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 55. بتصرّف.
  7. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 373، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج أكرم العمري، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم ، صفحة 172-176. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 72-77. بتصرّف.
  10. راغب السرجاني ، السيرة النبوية، صفحة 5. بتصرّف.
  11. سورة العنكبوت ، آية: 56.
  12. عاتق البلادي ، معجم الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار مكة ، صفحة 91. بتصرّف.
  13. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 216-218. بتصرّف.
  14. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، صفحة 219-220. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1/208، سنده صحيح.
  16. سورة المائدة، آية: 82.
  17. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 223-224. بتصرّف.
  18. راغب السرجاني (21-4-2010)، “الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
  19. إسلام ويب (25-12-2011)، “الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  20. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري ، الصفحة أو الرقم: 2503 ، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مراحل الهجرة إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة

بعد أنْ اشتدّ أذى مشركي قريش على المسلمين في مكة أشار عليهم النبي -عليه السلام- بالهجرة فراراً بدين الله -تعالى- وحماية لأنفسهم من بطش المشركين، واختار لهم أرض الحبشة، لأنّ فيها ملكاً عادلاً، لا يقبل الظلم على أحد، وكانت هذه الهجرة أول هجرة من مكة، وكانت في السنة الخامسة من البعثة، وبلغ عدد المهاجرين عشرة رجال وأربع نسوة، وكان منهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقيّة بنت رسول الله عليه السلام، وأبو سلمة وزوجه أم سلمة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضي الله عنهم-، وغيرهم،[١][٢] حيث خرجوا خفية حتى وصلوا البحر؛ فركبوا السفينة باتجاه الحبشة، وعندما علمت قريش بخبرهم تبعتهم، لكنهم كانوا قد ساروا برعاية الله، ووصلوا الحبشة وأقاموا فيها آمنين بقية رجب وشعبان ورمضان، وكانوا قد وصلتهم أخبار أنّ أهل مكة قد أعلنوا إسلامهم؛ فطفقوا عائدين، وعند مشارف مكة تبيّن لهم أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ أذى المشركين يزداد على الدعوة ومن آمن بها؛[٣] فاختار بعضم الدخول إلى مكة تسلّلاً، ودخل بعضهم بجوار أحد، واختار بقيّتهم العودة إلى الحبشة.[٤]

الهجرة الثانية إلى الحبشة

رجّح بعض المحققين المعاصرين أنّ أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت في أواخر العام العاشر وبداية العام الحادي عشر من البعثة،[٥] وقد كانت قريش قد ضاعفت أذاها على المسلمين الممتحنين في دينهم وأنفسهم؛ فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجدّداً بالخروج إلى الحبشة؛ فخرج نحو بضعاً وثمانين رجلاً وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بن عميس، وبعد خروجهم لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ممّن أسلموا معه في مكة،[٦] وكان جعفر -رضي الله عنه- أميرهم في هذه الهجرة، أمّا المهاجرون فكانوا بمجموعهم يشكّلون تنوّعاً لكل طبقات المجتمع المكي؛ ففيهم الغني والفقير، والرجال والنساء، والكهل والشباب؛ ممّا يعطي انطباعاً بقوة تأثير الدعوة على النّاس رغم كل ما واجهها من تحديات.[٧]

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

لمّا أحسّت قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة والاستقرار في الحبشة، تشاوروا فيما بينهم، واتّفقوا على إرسال شابَّين منهم إلى النجاشيّ؛ كي يطردهم، ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه مع عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، ولم تقتصر الهدايا عليه فقط، بل شَمِلت حاشيته أيضاً، فلم يبقَ أحد إلّا وأهدوه هدية، وحرّضوهم ضدّ من قَدِموا إليهم من مكّة، وأوصوهم بأن يُشيروا على ملكهم بتسليم أهل مكّة إليهم، فوافقوا على ذلك، ثمّ ذهبوا إلى النجاشيّ، وقدّموا له الهدايا الخاصّة به، وقالوا له: “إنّه قد لجأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم، لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه”.[٨]

أيّد قوم النجاشيّ رسولَي قريش في كلامهما، فما كان من النجاشيّ إلّا أن رفض ما طلبوه، وأخبرهم أنّه لن يُسلمهم إليهم حتى يأتي بهم، ويسألهم عمّا قالاه فيهم، فإن قالوا إنّه صحيح سلّمهم إليهما، وإلّا فلا، فلمّا أحضرهم وسألهم، تكلّم منهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كانوا عليه في الجاهلية من الفسوق، والعصيان، وما هم عليه الآن من توحيد الله، والصدق، والأمانة، وحُسن الجوار، وما تعرّضوا له من تعذيب قريش؛ كي يرتدّوا إلى عبادة الأصنام، وقال له إنّهم اختاروه على من سواه؛ طمعاً فيما عنده من العدل، وحُسن الجوار، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه بعضاً ممّا أُنزِل على نبيّه، فقرأ عليه بعضاً من فواتح سورة مريم، فبكى حتى ابتلّت لحيته، وبكى معه قومه، وأخبر القرشيَّين أنّه لن يُسلّمهم إليهما أبداً.[٨]

توعّد عمرو بن العاص للمسلمين، فذهب في اليوم التالي وأخبر النجاشيّ أنّ المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، وطلب منه أن يسألهم عن شأنهم فيه، فلمّا سألهم أخبره جعفر بأنّ عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله وروحه، فوافقهم النجاشيّ على ذلك، وأعطاهم الأمان، وأعاد إلى القرشيَّين هداياهما، فخرجا من عنده خائبَين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشيّ آمنين مُطمئنِّين.[٨][٩]

للمزيد من التفاصيل عن ثبات النبي -صلى الله عليه وسلّم- في حياته الاطّلاع على المقالات الآتية:

عودة المسلمين من الحبشة

طالت مدة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية، حيث ظلّوا هناك إلى ما بعد غزوة خيبر، ولم تكن إقامتهم برغبة منهم، وإنّما بأمر من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن الأحداث التي حصلت أثناء وجودهم في الحبشة: الهجرة النبوية إلى المدينة المُنوَّرة، وتأسيس الدولة الإسلاميّة، وعلى الرغم من احتياج النبيّ إليهم؛ لأنّ عددهم كان كبيراً، إلّا أنّه لم يطلب منهم العودة، كما وقع الكثير من الغزوات العظيمة، كبَدر، وأحد، وبني قينقاع، وبني النضير، وصلح الحديبية الذي كان حدثاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلاميّة، والذي به أشعرَ المسلمين بوجودهم، ولمّا أحسّ رسول الله بثبات دولته بعث عمرو بن أمية إلى المهاجرين في الحبشة؛ كي يطلب منهم العودة،[١٠] وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد فَتح خيبر.[٨]

أسباب الهجرة إلى الحبشة

بعد مرور ما يُقارب الخمس سنوات من الدعوة السرّية، وبَذل قريش ما بوسعها؛ من أجل إيقاف هذه الدعوة، والوقوف في طريقها، ومع ثبات رسول الله وأصحابه، بدأت قريش تنهال على المسلمين بكلّ ما تملكه؛ بهدف تعذيبهم، وما كان منهم إلّا أن صبروا على هذا العذاب، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُحاطاً بحماية من قومه، وعمّه أبي طالب، فلم يصل إليه ما وصل أصحابَه من العذاب، ولم يكن يملك حمايتهم ممّا هم فيه، ثمّ بتفكير من رسول الله، وتأييد من الوحي، جاء الإذن بالهجرة من مكّة؛ لتكون فترة يستريح بها الصحابة ممّا هم فيه، ويكملوا مسيرتهم في نَشر الإسلام، قال -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، [١١] فاقترح رسول الله أرض الحبشة؛ لما فيها من عَدلِ حاكمها، وصِدقه إلى أن يجعل الله لهم فرجاً، ومخرجاً، فخرجت مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، وكانت هذه الهجرة أوّلَ هجرة في الإسلام، علماً بأنّ الحبشة اسمٌ نُسِب إلى الأرض؛ بسبب الناس الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وهم الأحباش، وهي الآن تمثّل دولة إثيوبيا،[١٢]

وقد كان المسلمون آمنين في ظلّ النجاشي، أمّا ما تحقّق من نتائج لهذه الهجرة فهو ما كان إلّا دليلاً على حِنكة رسول الله، وحِكمته في تدبير شؤون قومه، ويمكن إجمال أسباب الهجرة بعدّة أمور، منها:[١٣]

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يعانون منه.
  • تجنُّب الوقوع في الردّة.
  • تنشيط الحركة التجارية، والعمل بالتجارة.
  • تأمين المساعدة في المجال العسكريّ من قِبل الأحباش.

ولم تقتصر الهجرة على المُستضعفين، والفقراء الذين كانوا في مكّة، بل كان أكثرهم ممّن لهم المال، والحماية، والقوة فيها، كعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وهذا من أهمّ الأدلّة على أنّ السبب الرئيسيّ للهجرة لم يكن ضعف المسلمين، وتعرُّضهم للأذى من قِبل قريش فقط، وإنّما كانت هناك أسباب أخرى دفعتهم إلى ذلك، وقد عدّ رسول الله الهجرة إلى الحبشة بمثابة الهجرة إلى المدينة، وفيما يلي بيان للأسباب التي دفعت النبيّ إلى السماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:[١٤]

  • بدء نفاد صبر المسلمين؛ بسبب اشتداد تعذيب قريش لهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن سألوا الرسول عن موعد نصر الله، فخاف رسول الله على دينهم، وأنفسهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار، والضياع بعدما ازداد عدد الداخلين في الإسلام، والخوف من تكوين قريش قوة ضدّهم، وذلك عند شعورها بالخطر منهم، وقد يكون ذلك بتأييد من العرب لقريش.
  • الدور المهمّ الذي قد تلعبه رابطة القرابة، والرحم في تلطُّف القرشيّين بالمسلمين، والتوقُّف عن إيذائهم، وربّما الدخول في الإسلام، على الرغم من أنّ منهم أيضاً من كانت له ردّة فِعل عكسيّة، فازدادوا إيذاءً للمسلمين.

سبب اختيار النبي للحبشة

أمّا في ما يتعلَّق بسبب اختيار الرسول للحبشة حتى تكون المكان الأول الذي يهاجر إليه المسلمون، ففيه عدّة أمور، منها: فراغ أرض الحبشة من القبائل العربيّة؛ فعدم وجود القبائل فيها يُغلق الباب أمام قريش للتحالُف معها، وتكوين قوة ضدّ المسلمين، كما أنّ ملك الحبشة وهو النجاشيّ كان معروفاً بعَدله؛ نتيجة عِلمه بالتوراة، والإنجيل، وقد عَرف أهل مكة عنه ذلك؛ بسبب حركة التجارة المُتبادلة فيما بينهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عندما أشار عليهم بالهجرة للحبشة: (إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا. فخرَجْنا إليه أرسالًا، حتى اجتَمَعْنا، فنزَلْنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أمِنَّا على دِينِنا)،[١٥] كما أنّ الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، وهم أقرب مودّة للذين آمنوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[١٦] إلى جانب كونها أرضاً يعمُّها الأمان، والراحة، والطمأنينة.[١٧] ومع أنّ الحبشة بعيدة عن مكّة -وقد يُعدّ هذا عيباً- إلّا أنّه كان لصالح المسلمين؛ نظراً لكونه بعيداً عن قريش وامتداد نفوذها، إلى جانب أنّها بلد مُستقِلّة سياسيّاً ولا تخضع لأحد، ولها اسمها، وقوّتها، وتجارتها، واقتصادها الخاص والعظيم بين القبائل، إضافة إلى أنّ تبادُل الهدايا والمراسلات فيما بينهم كان ممّا ساعد على تأمين الحماية، وتوفيرها لهم، ولاستقرارهم هناك.[١٨]

نتائج الهجرة وفضل المهاجرين إلى الحبشة

كانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حركة فتحت الآفاق للمستقبل أمام الدعوة الإسلامية، وخروجها من نطاق المدينة المنورة؛ فالداعية الذكيّ لا يحدّ دعوته زمان ولا مكان، وإن لم يستجب له المَدعُوّون، فإنّه يُغيِّر مكان دعوته، ولا يتوقّف عنها، كما ساعدت الهجرة المسلمين في الثبات على دينهم، ليس ذلك وحسب، بل ساعدتهم أيضاً على نشر الإسلام في مكان غير مكّة المُكرَّمة.[١٩]

وللصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ويتّضح ذلك من خلال حوار أسماء بنت عميس؛ وهي من المهاجرات إلى الحبشة، وبين عمر بن الخطّاب حين كانت زائرة عند حفصة بنت عمر، فدخل عمر عليهما، ولمّا عرف أنّها أسماء، قال لها إنّهم أحقّ برسول الله من الذين هاجروا إلى الحبشة، فغضبت وقالت: (كذَبْتَ يا عُمَرُ كَلَّا، وَاللَّهِ كُنْتُمْ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ، أَوْ في أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ في الحَبَشَةِ، وَذلكَ في اللهِ وفي رَسولِهِ)،[٢٠] وأخبرت رسول الله بما دار بينهما من الحديث، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ)،[٢٠] فزاد الفرح في قلوبهم.[٨]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل الدعوة الإسلامية وحياة النبي -صلى الله عليه وسلّم- الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. محمد الخضري (1425)، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 51. بتصرّف.
  2. رمضان البوطي (1426 هـ )، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دار الفكر: دمشق، صفحة 91. بتصرّف.
  3. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 316، جزء 1. بتصرّف.
  4. أ.د. راغب السرجاني (21-4-2010)، “مكة وأحداث ما بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  5. أ.د. راغب السرجاني (12-2-2017)، “توقيت هجرة الحبشة الثانية بالأدلة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
  6. محمد الخضري (1425 )، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دار الفيحاء: دمشق، صفحة 55. بتصرّف.
  7. موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع: الكويت، صفحة 373، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج أكرم العمري، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم ، صفحة 172-176. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 72-77. بتصرّف.
  10. راغب السرجاني ، السيرة النبوية، صفحة 5. بتصرّف.
  11. سورة العنكبوت ، آية: 56.
  12. عاتق البلادي ، معجم الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار مكة ، صفحة 91. بتصرّف.
  13. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 216-218. بتصرّف.
  14. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، صفحة 219-220. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1/208، سنده صحيح.
  16. سورة المائدة، آية: 82.
  17. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 223-224. بتصرّف.
  18. راغب السرجاني (21-4-2010)، “الهجرة الأولى إلى الحبشة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
  19. إسلام ويب (25-12-2011)، “الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  20. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري ، الصفحة أو الرقم: 2503 ، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى