محتويات
مدّة الدعوة السريّة
بلّغ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الدعوة إلى توحيد الله، وقد تفرّعت إلى مرحلَتَين:[١][٢]
- المرحلة المكيّة: وقد استمرّت ثلاث عشرة سنّةً، وقد قُسمت إلى مرحَلَتين:
- مرحلة الدعوة السريّة؛ واستمرّت ثلاث سنواتٍ كما تمّ بيانه سابقاً، وانتهت بقَوْله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)،[٣] فصعد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على جبل الصفا يدعو أهل مكّة.
- مرحلة الدعوة الجهريّة؛ وكانت باللسان فقط، وبدأت من السنة الرابعة للبعثة إلى حين الهجرة إلى المدينة المنوّرة.
- المرحلة المدنيّة: وقد استمرّت عشر سنواتٍ.
تعريفٌ بالدعوة السريّة
أمر الله -تعالى- الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالدّعوة إلى توحيده بعد نزول جبريل -عليه السلام- بستة أشهرٍ، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ)،[٤] وتجدر الإشارة إلى أنّ الدعوة السريّة لا تعني الكتمان، وإنّما تبليغ الغير أمراً، لاتّباعه، باستخدام أساليب الترغيب والترهيب، وغيرهما من الوسائل والأساليب، مع الطلب المتكرّر، وتقديم النُّصح والمشورة، وإظهار الخير والبرّ للمدعوين، فالداعي يريد تحقيق مصلحتهم، والسريّة مرحلةٌ أساسيّةٌ، يمرّ بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في دعوتهم، فقد ورد في قَوْله -تعالى- عن نبيّه نوح -عليه السلام-: (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)،[٥] وذلك يدلّ على أنّ نَهْج الدعوات في بدايتها تكون سريّةً، كزوجة فرعون التي كانت تُخفي إيمانها.[٦][٧]
الحكمة من سريّة الدعوة
كانت مكّة المكرّمة ذات مكانةٍ جليليةٍ قبل الإسلام؛ بحكم مكانتها الدينيّة بين العرب؛ إذ إنّ فيها الكعبة، وكان أهل مكّة قائمين على خدمة البيت، ولذلك فكان تحوّل الدِّين وتغييره أمراً عظيماً، ممّا استدعى سريّة الدّعوة في بدايتها، وقد كان للسريّة العديد من الحِكم، يُذكر منها:[٨][٩]
- بناء الأساساات الأولى للدعوة، ممّن يقومون ويؤمنون بها، بحيث يكونوا القوّة الدافعة لأي مواجهةٍ.
- اتّباع نَهْج المقاومة المسالمة، وعدم إشعال بواعث العداوة في النّفوس المستكبرة، وقيام الدّعوة على كَسْب القلوب.
- إيصال الدّعوة لكلّ العرب، ممّن يأتون من خارج مكّة في المواسم المختلفة.
خصائص الدعوة السريّة
تميّزت الدعوة السريّة بمجموعةٍ من الخصائص؛ فكانت بداية نشر الدين الإسلاميّ، ولذلك كان لزاماً تعليم الداخلين بالإسلام حقائق التوحيد، وترسيخ الإيمان في القلوب، وتربيتهم على أخلاق الإسلام، وفي الدعوة السريّة شُرعت الصلاة، وكانت ركعتين صباحاً، ومثلهنّ مساءً، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يصلّون سرّاً، بعيداً عن أعين الناس؛ لئلا يعرفوا بإيمانهم، وكانت أعداد المسلمين تزداد يوماً بعد يومٍ، حتى تكوّنت نواةٌ للجماعة المسلمة المؤمنة سرّاً، على الرغم من العذاب والتضحيات التي قدّمها الصحابة الأوائل، إلى أن جاء الأمر بالجهر بالدعوة، وحينها بدأت مرحلةٌ جديدةٌ،[١٠] كما تميّزت الدعوة أيضاً بشموليتها؛ فهي للنّاس كافةً، لا فرق فيها بين الأفراد بحسب العِرق، أو اللون، أو الجنس.[١١]
مقرّ الدعوة السريّة
بدأت الدعوة الإسلاميّة السريّة في بيت أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، ثمّ تحوّلت إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ بسبب زيادة أعداد المسلمين، فكانوا يجتمعون فيها، ويتعلّمون فيها أحكام الإسلام، وقد تمّ اختيار دار الأرقم؛ لأنّه من قبيلة بني مخزوم التي كانت حاملةً للواء الحرب ضدّ بني هاشم، كمت أنّ الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه، وكان عُمره ستة عشر سنّةً، إذ كانت تظنّ أنّ المسلمين يجتمعون في بيوت كبار الصحابة.[١٢]
السابقون للإسلام في المرحلة السريّة
كانت الجزيرة العربية تتّصف بالقبليّة والعشائريّة، وكانت قبيلة قريش شأنها شأن العرب في ذلك، ومع هذا فقد اتّسعت رقعة الداخلين الأوائل بالإسلام، بحيث تعدّت الدعوة الإسلاميّة قبلية قريش، فلم يكن نصيب بني هاشم من المسلمين الأوائل أكثر من القبائل الأخرى،[١٣] وقد أسلم في المرحلة السريّة ستون صحابيّاً، من قبائل مختلفةٍ، وكان أوّل من أسلم السيدة خديجة بنت خويلد، زوجة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ثمّ أسلم أبو بكر الصدّيق من قبيلة تيم، ثمّ عليّ بن أبي طالب من بني هاشم، ثمّ أسلم عثمان بن عفّان من بني أميّة، وعمر بن الخطّاب من بني عدي، وعبد الرحمن بن عوف من بني زُهرة، وعثمان بن مظعون من جُمح، والزبير بن العوّام من بني أسد، وأبو عبيدة بن الجرّاح من بني عامر، كما دخل في الإسلام صهيب بن سِنان من الروم، وأبو ذرّ من غفّار، ومن السابقين بالإسلام أيضاً: خالد بن سعيد، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرتّ، وبلال بن رباح، وبذلك يتبيّن أنّ الإسلام لم يكن مقتصراً على أهل مكّة فقط، وإنّما عامّاً لكّل الناس، على اختلاف قبائلهم، وعشائرهم، وألوانهم، وأعراقهم، فلم ينحصر الإسلام بطائفةٍ محدّدةٍ، بل جاء عامّاً دون تفريقٍ بين أحدٍ.[١٤][١٥]
المراجع
- ↑ موسى بن راشد العازمي (1432هـ – 2011 م)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 192، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حمد عجاج كرمى (1427 هـ)، الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 62. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 214.
- ↑ سورة المدثر، آية: 1-2.
- ↑ سورة نوح، آية: 9.
- ↑ أحمد أحمد غلوش (1424هـ-2003م)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي (الطبعة الأولى)، لبنان: مؤسسة الرسالة، صفحة 442. بتصرّف.
- ↑ شحاتة محمد صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (الطبعة الأولى)، مصر: دار الخلفاء الراشدين – دار الفتح الإسلامي، صفحة 358، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة 65. بتصرّف.
- ↑ محمد أمحزون (2010-4-10)، “الحكمة من الدعوة السرية”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-20. بتصرّف.
- ↑ إسلام ويب (2003-8-20)، “الإسلام في مرحلة الدعوة السرية”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-28. بتصرّف.
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: موقع الشبكة الإسلامية، صفحة 1، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ إسلام ويب (2019-2-5)، “نظرات في مرحلة الدعوة السرية”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-28. بتصرّف.
- ↑ د. أكرم ضياء العمري (1415هـ – 1994 م)، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ (الطبعة السادسة)، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 132، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ أحمد أحمد غلوش (1424هـ-2003م)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 464-465. بتصرّف.
- ↑ د. أكرم ضياء العمري (1415 هـ – 1994 م)، السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ (الطبعة السادسة)، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 133-140، جزء 1. بتصرّف.