محتويات
الرسل عليهم السّلام
أرسل الله تعالى الرسل؛ ليكونوا هداة للبشر إلى طريق ربّهم الذي يرضاه لهم، وإنّ من رحمة الله -سبحانه وتعالى- بخلقه أنّه لا يكلّفهم بالأوامر حتّى تصلهم رسالة أنبيائهم؛ فتكون حجّةً لهم أو عليهم، قال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)،[١] ولقد ذكر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ أعداد الأنبياء والرسل كثيرةٌ جدّاً، ففي الحديث الذي يرويه أبو ذرٍ يسأل فيه النبيّ عن أعداد الأنبياء، فيقول: (قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كمِ الأنبياءُ؟ قال: مئةُ ألفٍ وعشرونَ ألفًا. قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كمِ الرُّسلُ مِن ذلك؟ قال: ثلاثُمئةٍ وثلاثةَ عشَرَ جمًّا غفيرًا)،[٢] كما أوضح القرآن الكريم للنبيّ -عليه السّلام- أنّ هناك أنبياءً ومرسلين لا يعلمهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال الله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)،[٣] لكنّ بعض العلماء يذكر أنّ الأحاديث الواردة عن النبيّ -عليه السّلام- في أعداد الأنبياء والرسل متعدّدةٌ، كما تختلف وتتفاوت في صحّتها، وبما أنّ الله تعالى يذكر في كتابه الكريم أنّ هناك رسلاً لم يقصص على نبيه قصصهم، فإنّ الإحاطة بالعدد الحقيقي لجميع الأنبياء والرسل يبدو غير ممكن، إلّا أنّ المسلم يؤمن بعدد الأنبياء الوارد ذكره في القرآن الكريم.[٤][٥]
عدد الرسل الوارد ذكرهم في القرآن الكريم
أورد القرآن الكريم بين آياته أسماء خمسةٍ وعشرين نبيّاً مرسلاً هم: آدم ونوح وإسماعيل وإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وداود وسليمان وأيوب، ويوسف ويونس وصالح، وهود ولوط وشعيب، وموسى وعيسى وهارون، ويحيى وزكريا وإلياس، واليسع وإدريس وذو الكفل عند كثيرٍ من المفسّرين، -عليهم الصّلاة والسّلام- جميعاً، وسيّد المرسلين محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى في آياتٍ كريماتٍ جمعت معظم الأنبياء: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ).[٦][٥]
يختلف العلماء حول بعض الأشخاص الوارد ذكرهم سواءً في القرآن الكريم أو السنّة النبويّة الشريفة، يختلفون بين أن يكونوا أنبياء مرسلين من عند الله تعالى، أم أنّهم رجالٌ صالحون في زمانهم، ومنهم الخضر؛ وهو الرجل الوارد ذكره في سورة الكهف، ويستدلّ من يقول إنّه نبيٌّ بقول الله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)؛[٧] فيفسّرون الرحمة أنّها رحمة النبوّة، ويقولون بأنّ العلم هو علم الوحي، وأمّا ما يُذكر في ذي القرنين وتبّع أيضاً، وهما رجلين ورد ذكرهما في القرآن الكريم، لكنّ النبيّ -عليه السّلام- ورد عنه حديث صحيح حولهما، وهو قوله عليه السّلام: (ما أدري أَتُبَّعُ أنَبيًّا كان أم لا؟ وما أَدري ذا القَرنينِ أَنبيًّا كانَ أم لا)،[٨] ولذلك وجد بعض المفسّرين أنّ الأولى ترك الحديث عنهما، وأمّا في السنّة النبويّة فقد ورد الحديث عن يوشع بن نون وهو فتى نبيّ الله موسى الذي فتح الله تعالى على يديه بيت المقدس مع اليهود بعد تيههم في الأرض، فورد في حديثين مختلفين جمع العلماء ما فيهما ففُهم أنّ المراد ذكره أن يوشع نبيّ من عند الله، وأمّا شيث فورد فيه حديثٌ صحيح لابن حبّان أنّه قد نزلت عليه خمسون صحيفة من عند الله تعالى.[٤]
صفات الأنبياء والرسل
أرسل الله تعالى الرسل إلى أقوامهم؛ ليكونوا مبشّرين ومنذرين لهم من عند ربّهم، يحملون لهم رسالة التوحيد وعبادة الله تعالى، وتعدّ مهمّة الرسل مهمّةً عظيمةً صعبةً، لا يستطيع أيّ شخصٍ حملها وأدائها على أكمل وجهٍ، إلّا إذا اتّصف بصفاتٍ معيّنةٍ تساعده على إبلاغ رسالته على أتمّ وجهٍ؛ لذلك كان اصطفاء الله تعالى لرسله، إذ اختار فيهم صفاتٍ خَلقيّةً وخُلقيّةً مخصوصةً تعينهم على تبليغ الرسالة، فإنّ النبيّ من أهمّ واجباته أن يخالط الناس، ويكثر التحرّك والتنقّل والعمل، فكان من صفاته تمام القوّة والقدرة، وحُسن الخُلق حتى يعامل الناس باختلاف صفاتهم وطبائعهم بشكلٍ مناسبٍ، كما يجبُ على النبيّ أن يكون صبوراً متحمّلاً لما يواجه من كفر الناس وعنادهم، وبذلك يكون قدوةً للناس من حوله، كما يجب أن يكون النبيّ مترفّعاً عن الوقوع في الزلّات والآثام التي قد تجعله مبغوضاً محقَّراً في أعين الناس أمامه، وتلك صفاتٌ عامّةٌ في طبع الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى، ومن الصفات الأخرى التي اختارها الله تعالى في أنبيائه ما يأتي:[٩]
- الصدق: فيجب أن يكون النبيّ قد اشتهر في قومه بصدقه وذلك حتى قبل رسالته؛ حتى يتسنّى للناس أن يُصدّقوا ما جائهم به، ولقد عُرف أنبياء الله تعالى بالصدق دوماً، قال الله تعالى في نبيّه إبراهيم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)،[١٠] وكذلك قال في إسحاق ويعقوب ابنيّ إبراهيم عليهم السّلام: (وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا* وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا).[١١]
- الأمانة: وهي صفةٌ مقترنةٌ بالصدق، كما أنّ الكذب مقترنٌ بالخيانة، ولا يمكن أن يرسل الله تعالى نبيّاً علم فيه طبع الخيانة والكذب، وخُلق الأمانة واسعٌ يشمل الكثير من الأخلاق، منها: ردّ الحقوق، وكتمان السرّ، وتبليغ الرسالة كما وصلت دون تحريفٍ، والالتزام الحقيقيّ بما يأمر به الناس من أقوالٍ وأفعالٍ.
- الفطنة والذكاء: فيجب أن يكون الرسول ذكيّاً فطيناً، قادراً على إدراك ما يدور حوله من أمورٍ بسرعةٍ؛ حتّى يستطيع أن يردّ بالفعل أو القول المناسبين، وإنّ من الفطنة أن يكون النبيّ ذكياً يستطيع إقناع الناس أمامه بصدق رسالته ونبوّته، وذلك بإزالة الشكوك والريبة من أنفسهم إن وجدت.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 15.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 361 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سورة النساء، آية: 164.
- ^ أ ب “عدد الأنبياء والرسل”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-8. بتصرّف.
- ^ أ ب “عدد الرسل والأنبياء”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-8. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 83-86.
- ↑ سورة الكهف، آية: 65.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5524 ، صحيح.
- ↑ “الحاجة إلى الرسل”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-8. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 41.
- ↑ سورة مريم، آية: 49-50.