إسلام

قيام الليل بعد صلاة العشاء

قيام الليل بعد صلاة العشاء

مقالات ذات صلة

قيام الليل بعد صلاة العشاء

اتّفق العلماء على أنّ صلاة القيام تكون بعد أداء صلاة العشاء، ولا يُشترط أن ينام المسلم بعد العشاء ثمّ يستيقظ من أجل صلاة القيام، فلو بقيَ مستيقظاً وقام اللّيل بما تيسّر له ففِعلُه صحيح بالاتّفاق، ثمّ إنّ من العلماء من قال: إذا نام المسلم ثم استيقظ للقيام كان ذلك تهجّداً،[١] فالمُتهجّد؛ هو القائم باللّيل إلى الصّلاة بعد النّوم.[٢]

ويبدأ وقت القيام بمجرد القيام بأداء صلاة العشاء، ويمتدّ إلى طلوع الفجر الصّادق،[٣] فإن طلع الصّبح ولم يُكمل المسلم ركعات القيام، أو لم يصلِّ الوتر، فإنه يؤدّي ما بقي عليه في ذات اليوم قبل صلاة الظّهر، والدّليل على ذلك ما روته عائشة -رضيَ الله عنها-: (مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قدْ أَوْتَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى السَّحَرِ).[٤][٥]

أفضل وقت لقيام الليل

تعدّدت الأقوال فيما يتعلّق بأفضل الأوقات لقيام اللّيل؛ فالجمهور على أنّ أفضل الأوقات هو السدس الرّابع والسدس الخامس من اللّيل، لِما ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْل، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا).[٦][٧]

ويتحقّق تحصيل الأجر العظيم والتامّ إن قام المسلم آخر اللّيل، وكلّما اقترب من الفجر نال أجراً أكبر،[٨] فقد روى عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أقرَبُ ما يَكونُ الرَّبُّ منَ العبدِ في جوفِ اللَّيلِ الآخرِ، فإن استَطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ في تلكَ السَّاعةِ فَكُن).[٩][١٠]

وفي حال أراد المسلم أن يُقسّم اللّيل نصفين فالنّصف الثاني هو الأفضل لقلّة المعاصي فيه، وإن قسّمه ثلاثة أثلاث فالثّلث الأوسط أفضل من كليهما لقلّة المتوجّهين إلى الله في هذا الوقت، وبحسب قول المالكيّة فالأفضل أن يرى القائم ما هو مناسب له ويضمن الصّحوة فيه فليقمه، سواء أكان الثّلث الأوّل أم الآخر، أمّا قيامه كاملاً فعند الشافعيّة والحنابلة مكروه، لحديث عائشة -رضيَ الله عنها-: (لاَ أعلمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قرأَ القرآنَ كلَّهُ في ليلةٍ، ولاَ قامَ ليلةً حتَّى الصَّباحَ، ولاَ صامَ شَهرًا كاملاً قطُّ غيرَ رمضانَ)،[١١] ويُستثنى من ذلك العشر الأواخر من رمضان.[٧]

كيفية قيام الليل

أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الرّجل الذي أتاه يسأله عن كيفيّة صلاة اللّيل في الحديث الذي رواه ابن عمر -رضيَ الله عنهما-، فقال: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى)،[١٢][١٣]فتكون صلاة قيام الليل ركعتين ركعتين، ويُختم القيام قيامه بركعة الوتر، لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا).[١٤][١٥]

فضل قيام الليل

إنّ لقيام اللّيل فضائل عظيمة تعود على صاحبها بالنّفع العظيم في الدّنيا والآخرة، وقد وردت هذه الفضائل في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشّريفة، نذكر بعضها فيما يأتي:[١٦]

  • القيام بما أمر الله -تعالى- به، فقد قال -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)،[١٧] وإن كان الخطاب في الآية موجّهاً لسيّدنا محمّد، فالخطاب له يدخل فيه أمّته بحكم الاقتداء، إلّا إن كان الحكم خاصّاً بالنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-.
  • الاتّصاف بصفات المحسنين، قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).[١٨]
  • الدّخول في صنف عباد الله الأبرار، وقد مدح الله -تعالى- في كتابه الكريم مقيمي الليل وأثنى عليهم، قال -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا*وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا).[١٩]
  • تفضيل القائمين بالليل على غيرهم، قال -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).[٢٠]
  • تحصيل الجزاء من الله، قال -تعالى-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[٢١]
  • تفضيل صلاة اللّيل في الدّرجة الثانية عند الله بعد صلاة الفريضة، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).[٢٢]
  • محو السيِّئات وكسب الحسنات، وحماية الجسد من الأمراض.
  • النّجاة من الفتن، والاستعداد للآخرة، فقد روت أم سلمة -رضيَ الله عنها- فقالت: (اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا، يقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، ومَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ – يُرِيدُ أزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ – رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ).[٢٣]
  • سبب من أسباب دخول الجنّة، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ).[٢٤]
  • سبب النّشاط في الجسد، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ).[٢٥]
  • كره الرّسول لِمن ينام اللّيل كلّه، فقال لمّا علم عن رجل نام اللّيل ولم يقم إلى الصّلاة: (بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنِهِ).[٢٦]
  • أمر رسول الله ابنته فاطمة وزوجها عليّ -رضيَ الله عنهما- بقيام اللّيل، وذلك لِحرصه عليهما، كما دعا الزّوجين على التّعاون على قيام اللّيل، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (رحم اللهُ رجلًا قام من اللَّيلِ فصلَّى و أيقَظَ امرأتَه، فإن أبَتْ نضحَ في وجههِا الماءَ، و رحم اللهُ امرأةً قامتْ مِن اللَّيلِ فصلَّتْ و أيقظتْ زوجَها، فإن أبى نضحَتْ في وجهِه الماءَ).[٢٧]
  • قيام اللّيل شرف المؤمن.
  • انشراح الصّدر، وطيب النّفس.[٢٨]
  • تحصيل الأجر العظيم من قراءة القرآن الكريم في القيام، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب منَ الغافلينَ ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ ومن قامَ بألفِ آيةٍ كتبَ منَ المقنطرينَ).[٢٩][٣٠]
  • تثبيت الإيمان، والإعانة على القيام بالأعمال الصّالحة.[٣١]
  • تحقيق النّصر، ورقّة القلب.[٣٢]
  • استجابة الدعاء وتحقيق المطلوب، فقد جاء في الحديث عن الصحابيّ الجليل جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).[٣٣]

الخلاصة

يعدّ قيام اللّيل من أجلّ العبادات التي يقوم بها المسلم في اللّيل، ويبدأ وقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، والأفضل فيه أن يكون في الثّلث الأخير من اللّيل، ففي هذا الوقت يكون النّزول الإلهيّ إلى السّماء الدّنيا، ولقيام اللّيل فضائل عديدة، ومنافع جليلة تعود على صاحبها في دنياه وآخرته.

المراجع

  1. حسام الدين عفانة (1430)، فتاوى يسألونك (الطبعة 1)، الضفة الغربية :مكتبة دنديس، صفحة 41، جزء 7. بتصرّف.
  2. محمد التويجري (2009)، وسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية :بيت الأفكار الدولية، صفحة 606، جزء 2. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين ، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 8998. بتصرّف.
  4. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:745 ، صحيح .
  5. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 61. بتصرّف.
  6. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1131، صحيح .
  7. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 1)، مصر :مطابع دار الصفوة ، صفحة 119-120، جزء 34. بتصرّف.
  8. محمود عويضة ، الجامع لأحكام الصلاة، صفحة 75. بتصرّف.
  9. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن عمرو بن عبسة ، الصفحة أو الرقم:3579، صحيح .
  10. كمال السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة :المكتبة التوفيقية، صفحة 401، جزء 1. بتصرّف.
  11. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:1640 ، صحيح .
  12. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:990، صحيح .
  13. محمد عويضة ، الضياء اللامع من صحيح الكتب الستة وصحيح الجامع، صفحة 312. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:998، صحيح.
  15. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفقهية، صفحة 171. بتصرّف.
  16. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 648-651. بتصرّف.
  17. سورة الإسراء ، آية:79
  18. سورة الذاريات، آية:15-17
  19. سورة الفرقان ، آية:63-64
  20. سورة الزمر ، آية:9
  21. سورة السجدة ، آية:17
  22. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:1163، صحيح .
  23. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أم سلمة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:7069، صحيح .
  24. رواه الألباني ، في صحيح ابن ماجه ، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم:1105، صحيح .
  25. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:1142، صحيح .
  26. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:1144، صحيح .
  27. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:625، حسن .
  28. راشد العبد الكريم (2010)، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (الطبعة 4)، المملكة العربية السعودية :دار الصميعي، صفحة 225. بتصرّف.
  29. رواه الألباني ، في صحيح أبي داود ، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1398، صحيح .
  30. سعيد القحطاني ، قيام الليل/ فضله، وآدابه، والأسباب المعينة عليه في ضوء الكتاب والسنة، الرياض :مطبعة سفير، صفحة 13. بتصرّف.
  31. عبد الله القصير (1421)، تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام (الطبعة 2)، المملكة العربية السعودية :وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 50 . بتصرّف.
  32. محمد حسان ، دروس للشيخ محمد حسان، صفحة 3. بتصرّف.
  33. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:757، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى