محتويات
دعوى موسى أنه أعلم أهل الأرض
خرج موسى -عليه السلام- يوماً في بني إسرائيل يخطب فيهم، فسأله أحدهم عن أي الناس أعلم؟ فأجاب موسى -عليه السلام-: أنا، فعاتبه الله -تعالى- لأنَّه نسب العلم لنفسه، ولم يرجعه إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأوحى إليه أنَّ هناك من هو أعلم منك يا موسى: (لي عَبْدٌ بمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ هو أعلم منك)،[١] ومجمع البحرين هو مصبُّ نهر الأردن في بحيرة طبرية على أظهر الأقوال.[٢]
خروج موسى للالتقاء بالخضر
أراد موسى -عليه السلام- أن يتعرف إلى هذا العبد الذي هو أعلم منه، فسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يدلَّه عليه، فأخبره الله -سبحانه وتعالى- بعلامة يَعرف بها مكان هذا العبد، وهي أن يأخذ حوتاً معه، فإذا فَقَدَ الحوت يكون مكانه هذا العبد، وبهذه العلامة عزم موسى -عليه السلام- على الخروج: (وانْطَلَقَ هو وفَتَاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ)،[١] أخذا معهما الحوت، وطلب موسى -عليه السلام- من خادمه يوشع أن يخبره عندما يفقدا الحوت.[٣]
لمَّا وصلا إلى صخرة بجانب البحر، نام سيدنا موسى -عليه السلام-، وفي هذه الأثناء أعاد الله -سبحانه- الروح للحوت وقفز في الماء وظلَّ في مكانه لا يتحرَّك، ولم يكن يُوشع قد نام بعد، فلم يَرِد أن يوقظ موسى -عليه السلام- وقال سيخبره بعد أن يستيقظ،[٣] وبعدها نام يُوشع هو الآخر، ولمَّا استيقظا أخذا يسيران يوماً وليلة.[٢]
ونسيَ يُوشع أن يخبر موسى بخبر الحوت، وبعد هذا المسير الطويل طلب موسى -عليه السلام- من خادمه يُوشع أن يحضر لهما الطعام، فتذكَّر يُوشع عندها موضوع الحوت، فأخبره أنَّه نَسَِي أن يخبره بسبب الشيطان، فقال له موسى إنَّ هذا هو المكان الذي نبحث عنه، فرجعا يبحثان عن مكانهما السابق، فلمَّا وصلا إليه، وجدا رجلا مغطَّى بثوب، وإذ به الخضر.[٢]
أحداث التقاء موسى بالخضر
عندما التقى سيدنا موسى -عليه السلام- بالخضر-عليه السلام- ألقى عليه السلام فردَّ عليه الخضر: وأنّى بأرضك السلام؟ فعرَّفه سيدنا موسى بنفسه، وأخبره بأنَّه جاء ليتعلَّم منه علماً اختصَّه الله -سبحانه وتعالى- به ولا يعلمه موسى، فردَّ عليه الخضر -عليه السلام- بأنّه لن يستطيع تحمُّل ذلك؛ لأنَّ ذلك فوق طاقته، ولكن موسى -عليه السلام- أصرَّ وقال: أنَّه سيكون عند حُسن ظنِّ الخضر ولن يخالفه في أيٍ أمر يأمره به.[٤]
الاتفاق بين موسى والخضر
وافق الخضر -عليه السلام- على مُصاحبة موسى وتعليمه شريطة أن لا يسأله عن أيِ شيءٍ يَستغربه ممّا قد يفعله الخضر، حتى يخبره هو بنفسه عن تفسيره، ووافق موسى على هذا الشرط تأدباً مع معلمه، وقال: (سَتَجِدُني إِن شاءَ اللَّـهُ صابِرًا وَلا أَعصي لَكَ أَمرًا)،[٥] ثمَّ انطلقا في طريقهما.[٦]
ركوب موسى والخضر في السفينة
بعد أن انطلق موسى والخضر -عليهما السلام- وصلا إلى شطِّ البحر، وبعدها جاءت سفينة فعرف أصحاب السفينة الخضر، فحملوهما معهما في سفينتهم من غير أن يأخذوا منهما أجراً على ذلك، وبينما هم في وسط البحر، أخذ سيدنا الخضر لوحاً من ألواح السفينة واقتلعه من مكانه.[٦]
فتفاجأ سيدنا موسى وأسرع يضع ثوبه مكان اللّوح وقال للخضر: كيف تفعل ذلك لهؤلاء الذين حملونا في سفينتهم من غير أجر؟ هل تريد أن تغرقهم؟ وكان هذا أوّل اختبار لسيدنا موسى -عليه السلام-، فذكَّره الخضر بالشَّرط، وأنَّه لن يستطيع تحمُّل ما سيشاهد، فتذكَّر موسى -عليه السلام-، واعتذر عن النسيان.[٦]
قتل الغلام
بعد أن نزلوا من السفينة، وأخذا يمشيان وإذا بغلمانٍ يلعبون، فأخذ الخضر أحد هؤلاء الغلمان وقتله، وألقاه على الأرض، وهنا بلغ التعجُّب من سيدنا موسى -عليه السلام- مبلغاً كبيراً، فاعترض قائلا: كيف تقتل هذا الغلام الذي لم يقترف إثماً بعد ولم يقتل أحداً؟ إنَّ هذا الأمر مُنكر لا يمكن السكوت عنه.[٦]
وهذا هو الاختبار الثاني لسيدنا موسى -عليه السلام- وهو أشدُّ من الأوّل، وهنا أعاد سيدنا الخضر -عليه السلام- التّذكير لموسى بالاتفاق المُبرم بينهما، فعندها قال موسى بنفسه: إنَّ هذه آخر فرصةٍ له؛ فإن خالف المرَّة القادمة فلا عُذر له، وكان حقاً للخضر أن يتركه.[٦]
إقامة الجدار
بعد ذلك انطلقا يمشيان حتى وصلا إلى قريةٍ أهلها لئام، لا يُطعمون الجائع ولا يُضَيِّفون الضيوف، وبينما هم يمشون، وجدا جداراً مائلاً معرَّض للسقوط في أيِّ لحظة، فأقامه الخضر بيده، فتعجَّب موسى -عليه السلام- من ذلك وقال: لو أنَّك أخذت أجراً على عملك هذا؛ لاشترينا الطعام بالمال، وكانت هذه آخر فرصة لموسى -عليه السلام-، فرَّد الخضر بأنَّ هذا موعد فراقِنا، لعدم صبرك، وعدم تنفيذك الشرط.[٦]
تفسير الخضر للأحداث
بعد أن انتهت الفرصة التي أعطاها الخضر لموسى -عليهما السلام-، فسّر له ما حدث، ونُجمِل ذلك باختصار:[٧]
- قصَّة خرق السفينة
كان هناك مَلِكٌ سيمرُّ به أصحاب السفينة، يأخذ السفن الصالحة التي ليس فيها عيوب ظلماً، ولذلك أحدث فيها الخرق.
- قصة الطفل
لأنَّه طُبِع على الكفر، ولو عاش سَيُهلك والديه، فلعلَّ الله أن يبدلهما خيراً منه.
- قصة الجدار
إنَّ هذا الجدار لطفلين في المدينة اللئام أهلها، وكان تحت الجدار كنزٌ خبّأه لهم أبوهم، وكان الجدار آيلاً للسقوط، فمنع ذلك الخضر -عليه السلام- حتى لا يضيع مال الطفلين.
الدروس المستفاد من قصة موسى والخضر
يُمكننا أن نستنتج الكثير من الدروس من هذه القِصّة القرآنية العظيمة نذكر منها:[٨]
- قدرة الله -سبحانه وتعالى- على الإحياء بعد الموت؛ كما حصل للحوت.
- مكانة العلم والسفر في طلبه؛ حيث سافر سيدنا موسى متحملاً المصاعب ليتعلَّم من الخضر -عليهما السلام-.
- على المتعلِّم أن يصبر على التعلُّم، وعلى معلِّمه الذي يُعلِّم أشياءً أن يوضِّحها في الوقت الذي يراه مناسباً.
- التأدب مع العالم والرجوع إلى قوله؛ حيث كان سيدنا موسى -عليه السلام- يرجع إلى كلام الخضر كلّما ذكَّره.
- عند تفسير العلوم على العالم أن يقنع طلابه؛ وذلك عندما فسرَّ سيدنا الخضر ما حصل لسيدنا موسى -عليهما السلام.
- العمل الصالح يحفظ الأولاد بعد وفاة آبائهم؛ ويُلاحَظ ذلك من قصَّة الجدار.
المراجع
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:3401، صحيح.
- ^ أ ب ت محمد الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 362، جزء 15.
- ^ أ ب القرطبي (1964)، تفسير القرطبي (الطبعة 2)، القاهرة:تفسير القرطبي، صفحة 13، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير (1419)، تفسير ابن كثير (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 158، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية:69
- ^ أ ب ت ث ج ح الصابوني (1997)، صفوة التفاسير (الطبعة 1)، القاهرة:دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 183، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ الصابوني (1981)، مختصر تفسير ابن كثير (الطبعة 7)، بيروت:دار القرآن الكريم، صفحة 431، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ فخر الإسلام المدني (8/7/2019)، “فوائد من قصة موسى والخضر عليهما السلام”، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 3/10/2021. بتصرّف.