محتويات
نبوة موسى ومشاركة هارون له في الدعوة
هارون هوالأخ الأكبر للنبي موسى -عليه السلام-، وقد أرسل الله -تعالى- موسى -عليه السلام- إلى فرعون وقومه ليدعوهم لعبادة الله -تعالى-، وعندما قام لتبليغ الرسالة طلب من الله -عزَّ وجل- أن يجعل أخاه هارون معه نبيًا، ليساعده ويعينه في دعوة النَّاس.[١]
قال -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)،[٢] والمقصود بـ وزيرًا من أهلي؛ أي مساعدًا لي من أهلي، ومعنى اشدد به أزري؛ أي اشدد به ظهري.[٣]
بماذا تميّز سيدنا هارون عليه السلام؟
تميَّز هارون -عليه السلام-، بعدة صفاتٍ كانت سببًا في طلب موسى -عليه السلام- أن يجعله الله نبيًا، ومن هذه الصِّفات:[٤]
- كان هارون -عليه السلام- يتميز بالهدوء واللين، فتمكن بذلك من مواجهة المواقف الصَّعبة بهدوءٍ وسكينةٍ دون انفعالٍ أو غضبٍ أو تسرعٍ، فهو وموسى -عليه السلام- يكمِّلان بعضهما.
- كان هارون -عليه السلام- قويًا شديدًا في الحقِّ، وهذا ساعد موسى -عليه السلام- في تبليغ الدَّعوة، وإدخال الرُّعب في قلوب الأعداء وإخافتهم، وهذا جعل موسى -عليه السلام- مطمئنًا واثقًا.
- تميز هارون -عليه السلام- بفصاحة اللِّسان، ولذلك طلب موسى -عليه السلام- مساعدته في الدَّعوة، ليقنع النَّاس بصدق الرِّسالة وما جاءوا به، قال -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً).[٥]
- كان هارون -عليه السلام- وسيماً؛ فكان جميل الشَّكل والملامح، أبيض الوجه، أملس الشَّعر، يرتاح النَّاس لرؤيته.[٦]
دور هارون في الدعوة
أمر الله -عزَّ وجل-، موسى -عليه السلام – بالتوجه إلى فرعون وقومه، لدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته، وترْك ما كانوا عليه من الظلم والضَّلال، وأيَّده الله بالعديد من المعجزات التي تساعده في إثبات صدق نبوَّته، مثل معجزة العصا التي تقلب فتصبح أفعى؛ وذلك لأنَّ النَّاس في ذلك الوقت اشتهروا بالسِّحر.[٧]
وتوجَّه موسى -عليه السلام- إلى -عزَّ وجل- بالدُّعاء، أن يجعل أخاه هارون معه نبيًا، ليساعده في دعوة فرعون وقومه، فكان هارون خير معينٍ لأخيه موسى، حاميًا له مدافعًا عنه، وتحمل معه المشقَّة، وكان يدعو النَّاس إلى عبادة الله بثباتٍ وعزيمةٍ، ويدعوهم إلى فعل الخير، وينهاهم عن فعل الشَّر، فكان السَّنَد الذي استند إليه موسى عندما ذهب لدعوة فرعون وقومه.[٧]
استخلاف موسى لهارون وفتنة السامري
ذهاب موسى لجبل الطور واستخلافه لهارون
نجَّا الله -تعالى- موسى وهارون -عليهما السلام- وقومهما، من ظلم فرعون وتجبُّره، فخرجوا من مصر بعد أن أهلك الله فرعون وجنوده في البحر، وانطلق موسى وهارون -عليهما السلام- ومن معهم إلى الأرض المقدَّسة وهي بيت المقدس؛ ليعيشوا فيها، وفي طريقهم إليها، مروا على قومٍ يعبدون الأصنام.[٨]
فطلب بنو إسرائيل من موسى -عليه السلام- أن يصنع لهم أصنامًا يعبدونها مثلهم، فحذَّرهم موسى من غضب الله وبيّن أنَّ هذا الأمر سيكون سببًا في هلاكهم،[٨] وبعد ذلك خرج موسى -عليه السلام-، ليتعبَّد ربَّه -عزَّ وجل- عند جبل يسمَّى الطور، وترك خلفه أخاه هارون -عليه السلام- خليفةً له على قومه، ليرعاهم ويهتمَّ بشؤونهم ويوجههم.[٩]
صناعة السّامري للعجل حتى يعبدوه
جاء رجلٌ من بني اسرائيل اسمه السَّامري، فطلب من قومه أن يحضروا له الذَّهب والحليَّ التي أخذوها من أهل مصر قبل خروجهم منها، فألقوها وأذابوها، وصنع لهم السامري صنمًا على شكل عجلٍ، وجعل فيه فراغاً من الدَّاخل، فعندما يمرُّ الهواء من داخله يصدر صوتًا مثل صوت العجل، فأعجبوا به، وخدع السَّامريُّ قومه وأضلَّهم ليعبدوا العجل ويتركوا عبادة الله.[٩]
أخبرهارون -عليه السلام- القوم أن هذا العجل مجرَّدُ صنمٍ لا ينفع ولا يضر، وعليهم أن يعودوا إلى عبادة الله، ويتوبوا عما فعلوه، لكنَّهم رفضوا ذلك واستمرُّوا في عبادة العجل،[٩] قال -تعالى- على لسان هارون -عليه السلام-: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي).[١٠]
عودة سيّدنا موسى ومعاتبتهم على فعلهم
عاد موسى -عليه السلام- إلى قومه، ووجدهم يعبدون العجل، فغضب وذهب إلى أخيه هارون -عليه السلام-، وأمسكه من رأسه ولحيته غاضبًا معاتبًا له، سائلًا إياه: لماذا لم تمنع القوم من عبادة العجل وتُوقفهم؟[١١]
فقال له هارون -عليه السلام- إنَّه دعا القوم ونصحهم وحذّرهم من عبادة العجل، لكنَّهم رفضوا ذلك، بل هدّدوا بقتله، وخاف أن يتفرَّق القوم ويتنازعوا فيما بينهم،[١١] قال -تعالى-: (لَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).[١٢]
ذهب موسى -عليه السلام- بعد ذلك إلى السَّامري سائلاً إياه عن سبب الذي فعل بصناعته للعجل، فقال إنَّه قد ضلَّ ووسوس الشَّيطان له أن يفعل ذلك، ثمَّ أخذ موسى -عليه السلام- الصنم الذي على شكل العجل وحرقه ورماه في في البحر.[٩]
ما الدروس المستفادة من قصة النبي هارون؟
يستفاد من قصّة هارون -عليه السلام- ما يأتي:
- على الإنسان أن يكون خير معينٍ لأخوته ولمن يهتمُّ لأمرهم، ويساعدهم قدر ما يستطيع، كما كان هارون -عليه السلام- خير سندٍ ومعينٍ لأخيه موسى -عليه السلام-.
- الثبات على الإيمان، وأن يكون الإنسان ناصحًا لغيره، يدلُّهم على الخير وعلى فعل الطَّاعات، وينهاهم عن فعل المعاصي، كما كان هارون -عليه السلام- حريصًا على دعوة قومه وإرشادهم.
- على الإنسان أن يستخدم ما أنعمه الله عليه من القدرات والمواهب لخدمة الدِّين والدَّعوة إلى الله، ومساعدة النَّاس.
- عدم الاستماع إلى من يحاول إبعاد النَّاس عن دين الله، والحذر من كذبهم وخداعهم.
- التأني وعدم الاستعجال في الحكم على النَّاس، فعلى الإنسان أن يتمهَّل عند اتخاذ القرارات في حياته، وعليه أن يكون صبورًا .
المراجع
- ↑ أحمد أحمد غلوش (2002)، دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة 1)، صفحة 387. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:23-30
- ↑ “تفسير سورة طه آية 29-31”، مشروع المصحف الإلكتروني، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2021.
- ↑ أحمد أحمد غلوش (2002)، دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة 1)، صفحة 388. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية:34
- ↑ محمد متولي الشعراوي (1997)، تفسير الشعراوي، مصر:مطابع أخبار اليوم، صفحة 262، جزء 15. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد مطني، سورة القصص دراسة تحليلية، صفحة 419، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الجنباز، “قصة موسى ما بعد العبور “، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 6/10/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث فخر الدين الرازي، تفسير الرازي (الطبعة 3)، لبنان:دار إحياء التراث، صفحة 92، جزء 22. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:90
- ^ أ ب جامعة المدينة المنورة، أصول الدعوة وطرقها، صفحة 154-153، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:150