محتويات
'); }
قصة حب رومانسية
في قديم الزّمان في فرنسا عاشت فتاةٌ جميلةٌ جداً تدعى فيكتورين لافوركاد وكانت من أسرةٍ ثريّةٍ ونبيلةٍ، وكانت فيكتورين تقيم في قصرٍ كبيرٍ وبالغ الفخامة، وكانوا دائماً يقيمون الحفلات في هذا القصر ويدعون على هذه الحفلات نجوم المجتمع الفرنسي، وفي أحدى الحفلات التقت فيكتورين بشابٍّ وسيمٍ يدعى جوليان بوسويه، وكان جوليان بارعاً في الحديث ومحبوباً جداً ولكنه كان فقيراً، أحبَّ جوليان الفتاةَ الثّرية فيكتورين وتقدّم لخطبتها ولكنّها رفضت وفضّلت عليه شابّاً ثريّاً من أسرةٍ عريقةٍ يُدعى رينيل.
تزوّجت فيكتورين من الشّاب الثّري رينيل، وبعد الزّواج اكتشفت أنّه فظٌّ وغليظُ القلب وقاسٍ جدّاً وأنّه سيّء التّعامل، فلم تحتمل فيكتورين كل هذا ومرضت مرضاً خطيراً، وبقيت في فراشها حتى ظهرت عليها علامات الموت، فدفنوها في مقبرةِ القرية القريبة من القصر التي وُلدت فيه.
علِم جوليان بخبر وفاتها، وذهب إلى قبرها وكان يتمنّى أن يحتفظَ بشيء من أثرها، فخطرت بباله أن يأتي للمقبرة بعد مُنتصف اللّيل وأن يفتح التّابوت ويأخذ خصلةً من شعرها، وفعل جوليان ذلك، وعندما اقترب من رأس فيكتورين فاذا بفيكتورين تهتزّ وترتعش ومن ثمَّ فتحت عينيها، صُعِقَ جوليان ولكنّه تمالك قواه وحملها بين ذراعيه وذهب إلى بيته وأسعفها، عاد جوليان إلى المقبرة بسرعةٍ وأغلق التّابوت حتى لا يعلم أحدٌ بأنّ فيكتورين ما زالت على قيد الحياة، بقيت فيكتورين في منزل جوليان عدة أسابيعٍ حتى استرجعت صحّتها، ثم اتّفقت فيكتورين وجوليان على السفر إلى أمريكا ليبدآ حياةً جديدةً.
'); }
بعد عشرين سنةٍ عادا إلى باريس بعد شوقٍ وليقضيا إجازةً قصيرةً، وفي أحدى الحفلات كانت فيكتورين وجوليان مدعوَيّن، فارتشعت فيكتورين عندما شاهدت رينيل واقفاً ينظرُ إليها، وتقدّم نحوها وقال لها: إنّك تشبهين كثيراً سيّدة أعرفها، فزِعت فيكتورين بينما بقي رينيل يُحدّق إليها ويتأمّل جسدها، وتوقف نظره إلى يدها اليُسرى، تجمّد الدّم في عروق فيكتورين؛ لأنّها تذكّرت أنّه قذفها مرةً بقطعةِ حديدٍ أصابت يدها اليسرى وتركت آثاراً، عرفها رينيل من الجرح الذي بيدها وقال لها أنّها فيكتورين، فما كان أمام فيكتورين إلّا الاعتراف بكلِّ شيءٍ، وغضب رينيل كثيراً وطلّقها، وبهذا أصبح بأمكانِها أن تتزوّج من جوليان، وأقاما حفلَ زفافٍ كبيرٍ وأكملا حياتهما بسعادةٍ تامّةٍ وعادا إلى أمريكا.
قصص حُبٍّ عربيّة
اشتهر التّاريخ العربيّ بقصص الحبّ العظيمة الخالدة التي قيل فيها أجمل أنواع الشّعر الغزليّ، ولعل أشهرها ما كان في العصر الأمويّ والذي عُرف بالحُبّ العُذري، ذلك الحُبّ الطّاهر العفيف الذي يخلو مما يُشوّهه، ومن هذه القصص:
جميل بثينة
هو جميل بن مُعمّر، أحبَّ بثينة العذرية وهي فتاة من قبيلته، التقي بها لأول مرّة عند نبع الماء عندما ذهب ليسقي أغنامه، فوجدها هناك تسقي أغنامها، فنَهَر أغنامها ليقوم بالذي جاء من أجله فإذا هي تنهر أغنامه لتكمل عملها، وبدل من أن يولّد هذا التّصرف العداوةَ بينهما، أُغرم بها وهام حبّاً مُعجباً بشخصيّتها، وعندما طلبها من أبيها رفض تزويجها و زوّجها لرجل آخر، فجُنَّ جميل، وصار يزورها في بيتها بعد خروج زوجها، وكَثُرَ تردّده على مضارب بيتها حتّى اشتكى أهل الجيران إلى عبدالملك بن مروان، وكان خليفة المسلمين في ذلك الوقت، فأهدر دمه، فهرب إلى اليمن حتّى نسي النّاس ما حصل وعاد إلى مضاربه ليجد أنّ بثينة وأهلها رحلوا إلى الشّام، فرحل هو بدوره إلى مصر و غنّى في حبَّ بثينة جميل الأشعار حتّى توفّي على حبّها (1)، ومن أجمل ما قيل في غزله ببثينة:
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ
ودهراً تولى، يا بثينَ، يعودُ
فنبقى كما كنّا نكونُ، وأنتمُ
قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ
وما أنسَ، مِ الأشياء، لا أنسَ قولها
وقد قُرّبتْ نُضْوِي: أمصرَ تريدُ؟
ولا قولَها: لولا العيونُ التي ترى
لزُرتُكَ، فاعذُرْني، فدَتكَ جُدودُ
خليلي، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ
ودمعي بما أخفيَ الغداة شهيدُ
ألا قد أرى، واللهِ أنْ ربّ عبرة ٍ
إذا الدار شطّتْ بيننا، ستَزيد
فلو تُكشَفُ الأحشاءُ صودِف تحتها
لبثنة َ حبُ طارفٌ وتليدُ
ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني
أُضاحكُ ذِكراكُمْ، وأنتِ صَلود؟
فهلْ ألقينْ فرداً بثينة َ ليلة ً
تجودُ لنا من وُدّها ونجود؟
ومن كان في حبي بُثينة َ يَمتري
فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ
عنترة وعبلة
تربّى عنترة بن شدّاد في أحضان بني عبس، وكان أسود اللّون، أحبّ ابنة عمّه عبلة التي عُرفت بشدّة جمالها، فوصفها في أشعارها بكثرة حتّى تغنّى الجميع بأشعاره، لكنّه حين تقدّم بالزّواج من عبلة، وهي راغبةٌ به، رفض أبوها تزويجهما خوفاً ممّا ستقوله العرب عنه بقبوله لعبدٍ زوجاً لابنته، فهاج في الصّحارى على غير هدىً، وقيل أنّه صبّ جُلَّ طاقته في الحروب حتّى قُتل عن عمر ينازه التّسعين مُتغزّلاً بعبلة في كلّ بيت (1)، ويُعتبر آخر أبياته من أجمل ما قيل في الغزل:
ولقد ذكرتُك والرّماح نواهلٌ مني
وبِيضُ الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السّيوف لأنّها
لاحت كبارق ثغرك المُتبسّم
أثنى عليّ بما علمت فأننى
سَمِحٌ مخاطتي إذا لم أظلمِ
فاذا ظُلمت فأن ظلميَ باسلٌ
مرٌّ مذاقته كأطعم العلقم
قيس ليلى
واسمه قيس بن المُلوّح، تربّى وعاش طفولته بصحبة ابنة عمّه ليلى بنت المهديّ، وكلّما نضجا حُجبا عن بعضهما البعض، وكلّما ابتعدت زاد حبّه و تعلّقه بها، و تغنّى بها جميل الأشعار حتّى شاعت قصّتهما، فغضب أبوها ورفض زواجهما، فمرض قيس بسبب هذا الرّفض حتّى تدخّل أبوه يرجو قبول الزّواج حتّى لا يهلك ابنه، لكن أبوها هدّدها بالقتل إن لم تقبل بغيره زوجاً، فاعتزل قيس النّاس بعد أن تزوّجت ليلى وهام على وجهه حتّى لُقّب بالمجنون، وبادلته ليلى هذا الألم فمرضت وماتت، ولمّا علِم بموتها داوم على قبرها يرثي حبّها حتّى مات (1). ومن أجمل ما قاله في الغزل:
أقول لصاحبي والعيس تهوي
بنا بين المنيفة فالضمار
تَمَتَّعْ مِنْ شَميمِ عَرَارِ نَجْدٍ
فما بَعْدَ العَشِيَّة ِ منْ عَرَا
ألا حبذا نفحات نجد
ورَيَّا رَوْضِهِ غِبَّ القِطَارِ
وَأهْلُكَ إذْ يَحلُّ الحَيُّ نَجْداً
وأنت على زمانك غير زار
شُهُورٌ يَنْقَضِينَ وما شَعَرْنَا
بَأنْصَافٍ لَهُنَّ ولا سَرَارِ
فأما ليلهن فخير ليل
وأطول ما يكون من النهار
كُثير عزّة
كان شاعراً يُضاهي كبار الشّعراء في العصر الأمويّ، قيل أنّه كان يبحث عن ماءٍ ليسقي أغنامه، فسأل إحدى النّسوة في الجوار، فأرشدته عزَّة على منبع الماء، ليقع في حبّها عندها. كانت عزّة على قدر عالٍ من الجمال والفصاحة، لكن كما هو الحال في باقي قصص الحُبّ العذرية، رفض والدها هذا الزّواج لتتزوّج بغيره وترجل إلى مصر، فجنّ جنونه لهذا الخبر وسافر إلى مصر بحثاً عنها. توفّي في الجحاز، وقيل عندها: مات اليوم أفصح النّاس وأشعرَهم (1). ومن جميل شعره ما يأتي:
لعزّة أطلالٌ أبتْ أنْ تكلّما
تهيجُ مغانيها الطَّروبَ المتيَّما
كأنَّ الرّياحَ الذّارياتِ عشيّة ً
بأطْلالها يَنْسِجنَ رَيْطاً مُسهَّما
أَبَتْ وأَبَى وَجْدِي بِعَزَّة َ إذْ نَأْتْ
على عدواءِ الدَّارِ أنْ يتصرَّما
ولكنْ سقى صوبُ الرّبيعِ إذا أتى
على قَلَهيَّ الدَّارِ والمُتَخَيَّما
بغادٍ من الوسميِّ لمّا تصوَّبتْ
عثانينُ واديهِ على القعرِ ديِّما
سقى الكُدرَ فاللَّعباءَ فالبُرقَ فالحمى
فلوذَ الحصى من تغلمينِ فأظلَما
فأروى جنوبَ الدَّونكينِ فضاجعا
فدرَّ فأبلى صادقَ الوبلِ أسحما
تثُجُّ رواياهُ إذا الرَّعدُ زجَّها
بشابة َ فالقُهبِ المزادَ المُحذلم
فأصبح من يرعى الحمى وجنوب
بذي أَفَقٍ مُكّاؤهُ قد تَرَنَّماً
الغزل العربيّ الحديث
أمّا في الشّعر العربيّ الحديث، لا يمكننا المرور عن موضوع الغزل دون ذكر رائعة الشّاعر العظيم نزار قبّاني في رثائه لزوجته بلقيس: شكراً لكم
شكراً لكم . .
فحبيبتي قُتلت وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشّهيدة
وقصيدتي اغتيلت
وهل من أمـةٍ في الأرض
– إلّا نحن – تغتال القصيدة؟
بلقيس
كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
بلقيس
كانت أطول النّخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي
ترافقها طواويسٌ
وتتبعها أيائل
بلقيس، يا وجعي
ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل
هل يا تُرى
من بعد شعرك سوف ترتفع السّنابل؟
يا نينوى الخضراء
يا غجريّتي الشّقراء
يا أمواج دجلة
تلبس في الرّبيع بساقها
أحلى الخلاخل
قتلوك يا بلقيس
أيّة أمةٍ عربيةٍ
تلك التي
تغتال أصوات البلابل؟
أين السموأل؟
والمهلهل؟
والغطاريف الأوائل؟
فقبائلٌ أكلت قبائل
وثعالبٌ قتـلت ثعالب
وعناكبٌ قتلت عناكب
قسماً بعينيك اللّتين إليهما
تأوي ملايين الكواكب
سأقول، يا قمري، عن العرب العجائب
فهل البطولة كذبةٌ عربيةٌ؟
أم مثلنا التّاريخ كاذب ؟
بلقيس
لا تتغيّبي عني
فإن الشّمس بعدك
لا تُضيء على السّواحل
سأقول في التّحقيق:
إنّ اللّص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وأقول في التّحقيق:
إنّ القائد الموهوب أصبح كالمقاول
وأقول:
إنّ حكاية الإشعاع أسخف نكتةٍ قيلت
فنحن قبيلةٌ بين القبائل
هذا هو التاريخ يا بلقيس
كيف يُفرّق الإنسان
ما بين الحدائق والمزابل
بلقيس
أيّتها الشّهيدة والقصيدة
والمُطهَّرة النّقية
سبـأُ تفتش عن مليكتها
فُردّي للجماهير التّحية
يا أعظم الملكات
يا امرأةً تُجسّد كل أمجاد العصور السّومرية
بلقيس
يا عصفورتي الأحلى
ويا أيقونتي الأغلى
ويا دمعاً تناثر فوق خدّ المجدليّة
أترى ظلمتُك إذ نقلتُك
ذات يومٍ من ضفاف الأعظميّة؟
بيروت تقتل كلّ يومٍ واحداً منّا
وتبحث كل يومٍ عن ضحيّة
والموت في فنجان قهوتنا
وفي مفتاح شقّتنا
وفي أزهار شرفتنا
وفي ورق الجرائد
والحروف الأبجديّة.
ها نحن يا بلقيس
ندخل مرةً أُخرى لعصر الجاهليّة
ها نحن ندخل في التّوحش
والتّخلف والبشاعة والوضاعة
ندخل مرةً أخرى عصور البربريّة
حيث الكتابة رحلةٌ
بين الشّظية والشّظية
حيث اغتيال فراشةٍ في حقلها
صار القضيّة
هل تعرفون حبيبتي بلقيس؟
فهي أهم ما كتبوه في كتب الغرام
كانت مزيجاً رائعاً
بين القطيفة والرّخام
كان البنفسج بين عينيها
ينام ولا ينام
بلقيس
يا عطراً بذاكرتي
ويا قبراً يُسافر في الغمام
قتلوك، في بيروت، مثل أي غزالةٍ
من بعدما قتلوا الكلام
بلقيس
ليست هذه مرثيةً
لكن
على العرب السّلام
بلقيس
مشتاقون مشتاقون مشتاقون
والبيت الصّغير
يُسائل عن أميرته مُعطّرة الذّيول
نصغي إلى الأخبار، والأخبار غامضةٌ
ولا تروي فضول
بلقيس
مذبوحون حتّى العظم
والأولاد لا يدرون ما يجري
ولا أدري أنا ماذا أقول؟
هل تقرعين الباب بعد دقائقٍ؟
هل تخلعين المعطف الشّتوي؟
هل تأتين باسمةً
وناضرةً
ومشرقةً كأزهار الحقول؟
بلقيس
إن زروعك الخضراء
ما زالت على الحيطان باكيةً
ووجهك لم يزل مُتنقّلاً
بين المرايا والسّتائر
حتى سجارتك التي أشعلتِها
لم تنطفئ
ودُخانها
ما زال يرفض أن يسافر
بلقيس
مطعونون مطعونون في الأعماق
والأحداق يسكنها الذّهول
بلقيس
كيف أخذت أيامي وأحلامي
وألغيت الحدائق والفصول
يا زوجتي
وحبيبتي وقصيدتي وضياء عيني
قد كنتِ عصفوري الجميل
فكيف هربت يا بلقيس مني ؟..
بلقيس
هذا موعد الشّاي العراقيّ المُعطّر
والمُعتّق كالسّلافة
فمن الذي سيوزّع الأقداح أيتها الزّرافة؟
ومن الذي نقل الفرات لبيتنا
وورود دجلة والرّصافة؟
بلقيس
إن الحزن يثقبني
وبيروت التي قتلتك لا تدري جريمتها
وبيروت التي عشقتك
تجهل أنّها قتلت عشيقتها
وأطفأت القمر
بلقيس
يا بلقيس
يا بلقيس
كلّ غمامةٍ تبكي عليك
فمن ترى يبكي عليّا؟
بلقيس كيف رحلت صامتةً
ولم تضعي يديك على يديّا؟
بلقيس
كيف تركتنا في الرّيح
نرجف مثل أوراق الشّجر؟
وتركتنا – نحن الثّلاثة – ضائعين
كريشةٍ تحت المطر
أتراك ما فكرت بي؟
وأنا الذي يحتاج حبك مثل (زينب) أو (عمر)
بلقيس
يا كنزاً خُرافيّاً
ويا رُمحاً عراقيّاً
وغابة خيزران
يا من تحدّيتِ النّجوم ترفعاً
من أين جئت بكل هذا العنفوان؟
بلقيس
أيّتها الصّديقة والرّفيقة
والرّقيقة مثل زهرة أقحوان
ضاقت بنا بيروت، ضاق البحر
ضاق بنا المكان
بلقيس: ما أنت التي تتكرّرين
فما لبلقيس اثنتان
بلقيس
تذبحني التّفاصيل الصّغيرة في علاقتنا
وتجلدني الدّقائق والثّواني
فلكلّ دبّوسٍ صغيرٍ قصةٌ
ولكلّ عقدٍ من عقودك قصّتان
حتّى ملاقط شعرك الذّهبي
تغمرني ،كعادتها، بأمطار الحنان
ويعرّش الصّوت العراقيّ الجميل
على السّتائر
والمقاعد
والأواني
ومن المرايا تطلعين
من الخواتم تطلعين
من القصيدة تطلعين
من الشّموع
من الكؤوس
من النّبيذ الأرجوانيّ
بلقيس
يا بلقيس يا بلقيس
لو تدرين ما وجع المكان
في كلّ ركنٍ أنت حائمةٌ كعصفورٍ
وعابقةٌ كغابة بيلسان
فهناك كنت تُدخّنين
هناك كنت تطالعين
هناك كنت كنخلةٍ تتمشّطين
وتدخلين على الضّيوف
كأنك السّيف اليماني
بلقيس
أين زجاجة (الغيرلان)؟
والولّاعة الزّرقاء
أين سجارة الـ (كِنت) التي
ما فارقت شفتيك؟
أين (الهاشميّ) مُغنّياً
فوق القوام المهرجان
تتذكّر الأمشاط ماضيها
فيكرج دمعها
هل يا ترى الأمشاط من أشواقها أيضاً تُعاني؟
بلقيس: صعبٌ أن أهاجر من دمي
وأنا المُحاصر بين ألسنة اللّهيب
وبين ألسنة الدّخان.
بلقيس: أيّتها الأميرة
ها أنت تحترقين في حرب العشيرة والعشيرة
ماذا سأكتب عن رحيل مليكتي؟
إنّ الكلام فضيحتي
ها نحن نبحث بين أكوام الضّحايا
عن نجمةٍ سقطت
وعن جسدٍ تناثر كالمرايا
ها نحن نسأل يا حبيبة
إن كان هذا القبر قبرك أنت
أم قبر العروبة
بلقيس:
يا صفصافةً أرخت ضفائرها علي
ويا زرافة كبرياء
بلقيس:
إنّ قضاءنا العربي أن يغتالنا عربٌ
ويأكل لحمنا عربٌ
ويبقر بطننا عربٌ
ويفتح قبرنا عربٌ
فكيف نفرّ من هذا القضاء؟
فالخنجر العربيّ ليس يُقيم فرقاً
بين أعناق الرّجال
وبين أعناق النّساء
بلقيس:
إن هم فجّروك فعندنا
كلّ الجنائز تبتدي في كربلاء
وتنتهي في كربلاء
لن أقرأ التّاريخ بعد اليوم
إنّ أصابعي اشتعلت
وأثوابي تغطّيها الدّماء
ها نحن ندخل عصرنا الحجريّ
نرجع كلّ يومٍ ألف عامٍ للوراء.
البحر في بيروت
بعد رحيل عينيك استقال
والشّعر يسأل عن قصيدته
التي لم تكتمل كلماتها
ولا أحدٌ يجيب على السّؤال
الحزن يا بلقيس
يعصر مُهجتي كالبرتقالة
الآن أعرف مأزق الكلمات
أعرف ورطة اللّغة المُحالة
وأنا الذي اخترع الرّسائل
لست أدري كيف أبتدئ الرّسالة
السّيف يدخل لحم خاصرتي
وخاصرة العبارة
كلّ الحضارة، أنت يا بلقيس، والأنثى حضارة
بلقيس: أنت بشارتي الكبرى
فمن سرق البشارة؟
أنت الكتابة قبلما كانت كتابة
أنت الجزيرة والمنارة
بلقيس:
يا قمري الذي طمروه ما بين الحجارة
الآن ترتفع السّتارة
الآن ترتفع السّتارة
سأقول في التّحقيق
إنّي أعرف الأسماء والأشياء والسّجناء
والشّهداء والفقراء والمستضعفين
وأقول إنّي أعرف السّياف قاتل زوجتي
ووجوه كل المخبرين
وأقول: إنّ عفافنا عهرٌ
وتقوانا قذارة
وأقول: إنّ نضالنا كذبٌ
وأن لا فرق
ما بين السّياسة والدّعارة!
سأقول في التّحقيق:
إنّي قد عرفت القاتلين
وأقول:
إن زماننا العربيّ مُختصٌّ بذبح الياسمين
وبقتل كلّ الأنبياء
وقتل كلّ المُرسلين
حتّى العيون الخضر
يأكلها العرب
حتّى الضّفائر والخواتم
والأساور والمرايا واللُّعب
حتّى النّجوم تخاف من وطني
ولا أدري السّبب
حتّى الطّيور تفرّ من وطني
ولا أدري السّبب
حتّى الكواكب والمراكب والسّحب
حتّى الدّفاتر والكتب
وجميع أشياء الجمال
جميعها ضدّ العرب
لما تناثر جسمك الضّوئي
يا بلقيس،
لؤلؤةً كريمة
فكّرت: هل قتل النّساء هوايةٌ عربيةٌ
أم أنّنا في الأصل، محترفو جريمة؟
بلقيس
يا فرسي الجميلة، إنّني
من كلّ تاريخي خجول
هذي بلادٌ يقتلون بها الخيول
هذي بلادٌ يقتلون بها الخيول
من يوم أن نحروك
يا بلقيس
يا أحلى وطن
لا يعرف الإنسان كيف يعيش في هذا الوطن
لا يعرف الإنسان كيف يموت في هذا الوطن
ما زلت أدفع من دمي
أعلى جزاء
كي أسعد الدّنيا ولكنّ السّماء
شاءت بأن أبقى وحيداً
مثل أوراق الشّتاء
هل يولد الشّعراء من رحم الشّقاء؟
وهل القصيدة طعنةٌ
في القلب ليس لها شفاء؟
أم أنّني وحدي الذي
عيناه تختصران تاريخ البكاء؟
سأقول في التّحقيق :
كيف غزالتي ماتت بسيف أبي لهب
كل اللّصوص من الخليج إلى المحيط
يُدمّرون ويحرقون
وينهبون ويرتشون
ويعتدون على النّساء
كما يريد أبو لهب
كلّ الكلاب موظّفون
ويأكلون
ويسكرون
على حساب أبي لهب
لا قمحةٌ في الأرض
تنبت دون رأي أبي لهب
لا طفلٌ يولد عندنا
إلا وزارت أمّه يوماً
فراش أبي لهب!
لا سجنٌ يُفتح
دون رأي أبي لهب
لا رأسٌ يقطع
دون أمر أبي لهب
سأقول في التّحقيق:
كيف أميرتي اغتُصبت
وكيف تقاسموا فيروز عينيها
وخاتم عرسها
وأقول كيف تقاسموا الشّعر الذي
يجري كأنهار الذّهب
سأقول في التّحقيق:
كيف سطوا على آيات مصحفها الشّريف
وأضرموا فيه اللّهب
سأقول كيف استنزفوا دمها
وكيف استملكوا فمها
فما تركوا به ورداً ولا تركوا عنبا
هل موت بلقيسٍ
هو النّصر الوحيد
بكلّ تاريخ العرب؟
بلقيس
يا معشوقتي حتّى الثّمالة
لو أنّهم حملوا إلينا
من فلسطين الحزينة
نجمةً
أو برتقالة
لو أنّهم حملوا إلينا
من شواطئ غزةٍ
حجراً صغيراً
أو محارة
لو أنّهم من ربع قرنٍ حرّروا
زيتونةً
أو أرجعوا ليمونةً
ومحوا عن التّاريخ عارَه
لشكرت من قتلوك يا بلقيس
يا معشوقتي حتّى الثّمالة
لكنّهم تركوا فلسطينَ
ليغتالوا غزالة!
ماذا يقول الشّعر، يا بلقيس
في هذا الزّمان؟
ماذا يقول الشّعر؟
في العصر الشّعوبي
المجوسيّ
الجبان
والعالم العربيّ
مسحوقٌ ومقموعٌ
ومقطوع اللّسان
نحن الجريمة في تفوّقها
فما (العقد الفريد) وما (الأغاني)؟
أخذوك أيّتها الحبيبة من يديّ
أخذوا القصيدة من فمي
أخذوا الكتابة والقراءة
والطفولة والأماني
بلقيس، يا بلقيس
يا دمعاً يُنقّط فوق أهداب الكمان
علَّمتُ من قتلوك أسرار الهوى
لكنّهم قبل انتهاء الشّوط
قد قتلوا حصاني
بلقيس:
أسألك السّماح، فربما
كانت حياتك فديةً لحياتي
إنّي لأعرف جيّداً
أنّ الذين تورّطوا في القتل، كان مرادهم
أن يقتلوا كلماتي!
نامي بحفظ الله أيّتها الجميلة
فالشّعر بعدك مستحيلٌ
والأنوثة مستحيلة
ستظلّ أجيالٌ من الأطفال
تسأل عن ضفائرك الطّويلة
وتظل أجيالٌ من العُشّاق
تقرأ عنك، أيّتها المعلمة الأصيلة .
وسيعرف الأعراب يوماً
أنّهم قتلوا الرّسولة
قتلوا الرّسولة!
كثيرةٌ هي القصص العربيّة والعالميّة التي تروي قصص العُشّاق، كما هو الحال في قصّة أوزيس وأوزيريس، أنطونيو وكليوبترا، روميو وجولييت، بينيولوبي وأوديسيوس، شاه جان وزوجه أرجمند بانوبيكم، جين إير وادوارد روشستر، سكارليت أوهارا وريت باتلر، باولو وفرانسيسكا، بيراموس وتيسبي، بوكاهونتاس وجون سميث، وغيرهم من القصص التي وقف التّاريخ شاهداً عليها.
المراجع
(1) بتصرّف عن مقالة أشهر قصص الحبّ في التّاريخ، al-hakawati.net