محتويات
الرجل الصالح صاحب الجنة وإطعامه للفقراء
عرضت القصة لقصة أصحاب الجنة دون التعرّض لوالدهم، الّذي قد ترك لهم الجنّة، ذات البساتين والأشجار المثمرة، فكان حينما يحين وقت قطاف الثمار، يترك جزءًا مما ينتجه ويغلّه من جنّته، بأن يقوم بتخصيصه لما تحتاجه جنّته من احتياجات، ويدّخر جزًءا آخر من غلّته لاحتياجات أبناءه، وما تبقى من ذلك ينفقها على الفقراء والمساكين، وذلك أداء لحق الزكاة، وزيادة على ذلك،[١] وفي ديانة هذا الرجل، قيل بأنّه من الديانة اليهودية؛ لأنّه كان يؤدي زكاة الثمار هذه، إذ أنّ زكاة الثمار قد وردت في التوارة.[٢]
وفاة الرجل الصالح والجنة التي ورثها الأولاد
مات الأب وترك لأبناءه ذلك البستان، وكان ذلك في العام الذي قد تضاعفت ثمار البستان، وأوقفوا إخراج زكاة الثمار لمستحقيها من الفقراء والمساكين.[٣]
رغبة أولاده بعدم إطعام الفقراء
ابتدأت الآيات الكريمة قصّة أصحاب الجنة، الّذين نقل عنهم أنّهم كانوا ببلد يسمّى ضروان من بلاد اليمن، وفي فحوى قصّتهم خير دلالة على أن الرزق وسعة العيش ورغده أدّى إلى غرور أصحاب الجنّة، وبطر النعمة، وعدم القيام بحق الله -تعالى- في شكره على نعمه، فابتلى الله -تعالى- أصحاب الجنّة، إذ قيل بأنهم كان منهم فقرًا ومنهم دون ذلك، فبعد وفاة أبيهم، أصبحت ثروتهم جيّدة، فاجتمعوا في ذات ليلة، وتناقشوا في الدخول إلى البستان قبل استيقاظ الناس من نومهم، فيقطعوا ثمرها، قبل أن ياتي المساكين واليتامى فيتقاسموا معهم من نصيب الثمار، وأقسموا أيمانًا على ذلك، قال -تعالى-: (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَلا يَسْتَثْنُونَ)، قال -تعالى-: (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ* أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ* فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ* وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ).[٤][٥][٢]
العقوبة التي نزلت على جنتهم
ذهب أصحاب الجنة، مريدين الغاية الّتي عقدوا عليها العزم، وقد دبّر الله -تعالى- لهم، ما يستحقّونه من الجزاء، فكان جزاؤهم بأن سلّط الله -تعالى- على المحصول آفة أحاطت بالبستان، وهاجمت المحصول، قال -تعالى-: (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ).
ومن المفسرين من قال بأن ريحًا شديدة قد تسلّطت عل المحصول، فأيًّا كان الجزاء، فقد كانت النتيجة بأن أصبحت الجنة أرضًا خاوية مدمّرة، محترقة، فما إن أتوْا عليْها حتى وجدوها كالّتي حصدت ثمارها وقطعت أشجارها، وهذا كان جزاءً لهم بعد ان قرروا ألا يعطوا الفقراء والمساكين من الثمار.[٦]
توبة أصحاب الجنة بعد العقوبة
قال -تعالى-: (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ* قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ* فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ* قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ* عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ* كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).[٧]
ولمّا رأوْا ما حدث لبستانهم علموا أنّهم قد جنوْا على أنفسهم عندما منعوا حق الله -تعالى- في شكر نعمه، فما حصل إلّا جزاءًا لهم، فقال أخ لهم بأنّه قد نبههم بتقوى الله -تعالى-، وأمرهم بالتوبة ققبل حصول هذا كلّه، واعترفوا بخطأهم ثم استغفروا الله، وسألوه أن يُبدلهم خيراً.[٨]
ما يستفاد من قصة أصحاب الجنة
فيما يأتي بعض من الأمور المستفادة من قصة أصحاب الجنة:
- الامتناع عن أداء حق شكر الله -تعالى- على نعمه، يؤدي إلى ذهاب النعمة.[٩]
- البطر والغرور يؤديان لنكران نعم الله -تعالى-، فيظنّ المرء بأنّ ما عنده هو نتاج عقله وجهده، فيعاقب بالحرمان.[٩]
- اختبار الله -تعالى- للبشر يكون بالمنع والإعطاء.[١٠]
- التوبة إلى الله -تعالى-، ممكن أن تكون سببًا لإبدال العقاب والجزاء، بالخير والثواب، فلا يجزع المسلم من حصول أي مكروه له، فيحرص على تكرار التوبة، والمداومة على الاستغفار.[١١]
- قبول النصيحة والتذكرة بتقوى الله -تعالى-.
ملخص المقال: يستفاد من قصة أصحاب الجنّة أنّ النعم تتضاعف وتكثر إذا ما أدى المسلم حق الله -تعالى- في شكرها، لكن إذا ما قصّر في شكر الله -تعالى- أو اغترّ بما لديه من مقوّمات الحياة؛ فستكون العاقبة وخيمة عليه، سواء كان الجزاء في الحياة الدنيا، أو أُمهل إلى الحياة الآخرة، فالابتلاء لا يكون فقط بالمنع والفقر والمرض، بل ويكون في الغنى وفي إغداق النعم، ليُنظر هل يشكر المرء أم يكفر.
المراجع
- ↑ جامعة المدينة العالمية، التفسير الموضوعي، صفحة 290. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن عاشور، التحرير ولتنوير، صفحة 80. بتصرّف.
- ↑ جعفر شرف الدين، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، صفحة 98. بتصرّف.
- ↑ سورة القلم، آية:21-25
- ↑ سورة القلم، آية:16-18
- ↑ مصطفى عدوي، سلسلة التفسير، صفحة 8. بتصرّف.
- ↑ سورة القلم، آية:21-33
- ↑ سعيد حوى، الاساس في التفسير، صفحة 6057. بتصرّف.
- ^ أ ب جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية، صفحة 98. بتصرّف.
- ↑ جعفر شرف الدين، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، صفحة 104. بتصرّف.
- ↑ مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، صفحة 407.