الآداب

قصائد بشار بن برد في المجون

قصائد بشار بن برد في المجون

قصيدة: قد لامني في خليلتي عمر

يقول بشار بن برد:[١]

قَد لامَني في خَليلَتي عُمَرُ

وَاللَومُ في غَيرِ كُنهِهِ قَدَرُ

قالَ أَفِق قُلتُ لا فَقالَ بَلى

قَد شاعَ في الناسِ عَنكُمُ الخَبَرُ

فَقُلتُ إِن شاعَ ما اعتِذاري مِم

ما لَيسَ لي فيهِ عِندَهُم عُذُرُ

لا أَكتُمُ الناسَ حُبَّ قاتِلَتي

لا لا وَلا أَكرَهُ الَّذي ذَكَروا

لوما فَلا لَومَ بَعدَها أَبَداً

صاحِبُكُم وَالجَليلِ مُحتَضَرُ

قُم قُم إِلَيهِم فَقُل لَهُم قَد أَبى

وَقالَ لا لا أُفيقُ فَاِنتَحِروا

ماذا عَسى أَن يَقولَ قائِلُهُم

وَذا هَوىً ساقَ حينَهُ القَدَرُ

يا قَومِ ما لي وَما لَهُم أَبَداً

يَنظُرُ في عَيبِ غَيرِهِ البَطِرُ

يا عَجَباً لِلخِلافِ يا عَجَباً

بِفي الَّذي لامَ في الهَوى الحَجَرُ

ما لامَ في ذي مَوَدَّةٍ أَحَدٌ

يُؤمِنُ بِاللَهِ قُم فَقَد كَفَروا

حَسبي وَحَسبُ الَّتي كَلِفتُ بِها

مِنّي وَمِنها الحَديثُ وَالنَظَرُ

أَو قُبلَةٌ في خِلالِ ذاكَ وَلا

بَأَسَ إِذا لَم تُحلَّلِ الأُزُرُ

أَو لَمسُ ما تَحتَ مِرطِها بِيَدي

وَالبابُ قَد حالَ دونَهُ السُتُرُ

وَالساقُ بَرّاقَةٌ خَلاخِلُها

وَالصَوتُ عالٍ فَقَد عَلا البُهُرُ

وَاِستَرخَت الكَفُّ لِلغَزالِ وَقا

لَت اُلهُ عَنّي وَالدَمعُ مُنحَدِرُ

اِذهَب فَما أَنتَ كَالَّذي ذَكَروا

أَنتَ وَرَبّي مُعارِكٌ أَشِرُ

وَغابَتِ اليَومَ عَنكَ حاضِنَتي

فَاللَهُ لي اليَومَ مِنكَ مُنتَصِرُ

يا رَبِّ خُذ لي فَقَد تَرى ضُعُفي

مِن فاسِقِ الكَفِّ ما لَهُ شُكُرُ

أَهوى إِلى مِعضَدي فَرَضَّضَهُ

ذو قوةٍ ما يُطاقُ مُقتَدِرُ

يُلصِقُ بي لِحيَةً لَهُ خَشُنَت

ذاتَ سوادٍ كَأَنَّها الإِبَرُ

حَتّى اِقتَهَرني وَإِخوَتي غَيَبٌ

وَيلي عَلَيهِم لَو أَنَّهُم حَضَروا

أَقسِمُ بِاللَهِ ما نَجَوتُ بِها

اِذهَب فَأَنتَ المُسَوَّرُ الظَفِرُ

كَيفَ بِأُمّي إِذا رَأَت شَفَتي

وَكَيفَ إِن شاعَ مِنكَ ذا الخَبَرُ

أَم كَيفَ لا كَيفَ لي بِحاضِنَتي

يا حِبُّ لَو كانَ يَنفَعُ الحَذَرُ

قُلتُ لَها عِندَ ذاكَ يا سَكَني

لا بَأسَ إِنّي مُجَرِّبٌ حَذِرُ

قولي لَهُم بَقَّةٌ لَها ظُفُرٌ

إِن كان في البَقِّ ما لَهُ ظُفُرُ.

قصيدة: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة

يقول بشار بن برد:[٢]

وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها

باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا

إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ

قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا

فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي

فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ إِحسانا

يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ

وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا

قالَت فَهَلّا فَدَتكَ النَفسُ أَحسَنَ مِن

هَذا لِمَن كانَ صَبَّ القَلبِ حَيرانا

يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ

وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا

فَقُلتُ أَحسَنتِ أَنتِ الشَمسُ طالِعَةٌ

أَضرَمتِ في القَلبِ وَالأَحشاءِ نيرانا

فَأَسمِعينِيَ صَوتاً مُطرِباً هَزَجاً

يَزيدُ صَبّاً مُحِبّاً فيكِ أَشجانا

يا لَيتَني كُنتُ تُفّاحاً مُفَلَّجَةً

أَو كُنتُ مِن قُضَبِ الرَيحانِ رَيحانا

حَتّى إِذا وَجَدَت ريحي فَأَعجَبَها

وَنَحنُ في خَلوَةٍ مُثِّلتُ إِنسانا

فَحَرَّكَت عودَها ثُمَّ اِنثَنَت طَرَباً

تَشدو بِهِ ثُمَّ لا تُخفيهِ كِتمانا

أَصبحتُ أَطوَعَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ

لأَكثَرِ الخَلقِ لي في الحُبِّ عِصيانا

فَقُلتُ أَطرَبتِنا يا زَينَ مِجلِسِنا

فَهاتِ إِنَّكِ بِالإِحسانِ أَولانا

لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ الحُبَّ يَقتُلُني

أَعدَدتُ لي قَبلَ أَن أَلقاكِ أَكفانا

فَغَنَّتِ الشَربَ صَوتاً مُؤنِقاً رَمَلاً

يُذكي السُرورَ وَيُبكي العَينَ أَلوانا

لا يَقتُلُ اللَهُ مَن دامَت مَوَدَّتُهُ

وَاللَهُ يَقتُلُ أَهلَ الغَدرِ أَحيانا

لا تَعذِلوني فَإِنّي مِن تَذَكُّرِها

نَشوانُ هَل يَعذِلُ الصاحونَ نَشوانا

لَم أَدرِ ما وَصفُها يَقظانَ قَد عَلِمَت

وَقَد لَهَوتُ بِها في النَومِ أَحيانا

باتَتَ تُناوِلُني فاهاً فَأَلثُمُهُ

جِنِّيَّةٌ زُوِّجَت في النَومِ إِنسانا.

قصيدة: خشاب هل لمحب عندكم فرج

يقول بشار بن برد:[٣]

 

خُشّابَ هَل لِمُحِبٍّ عِندَكُم فَرَجُ

أَو لا فَإِنّي بِحَبلِ المَوتِ مُعتَلِجُ

لَو كانَ ما بي بِخَلقِ اللَهِ كُلِّهِمُ

لا يَخلُصونَ إِلى أَحبابِهِم دَرَجوا

لِلهَجرِ نارٌ عَلى قَلبي وَفي كَبِدي

إِذا نَأَيتِ وَرُؤيا وَجهِكِ الثَلَجُ

كَأَنَّ حُبَّكِ فَوقي حينَ أَكتُمُهُ

وَتَحتَ رِجلَيَّ لُجٌّ فَوقَهُ لُجَجُ

قَد بُحتُ بِالحُبِّ ضَيقاً عَن جَلالَتِهِ

وَأَنتِ كَالصاعِ تُطوى تَحتَهُ السُرُجُ

خُشّابَ جودي جِهاراً أَو مُسارَقَةً

فَقَد بُليتُ وَمَرَّت بِالمُنى حِجَجُ

حَتّى مَتى أَنتِ يا خُشّابَ جالِسَةً

لا تَخرُجينَ لَنا يَوماً وَلا تَلِجُ

لَو كُنتِ تَلقينَ ما نَلقى قَسَمتِ لَنا

يَوماً نَعيشُ بِهِ مِنكُم وَنَبتَهِجُ

لا خَيرَ في العَيشِ إِن كُنّا كَذا أَبَداً

لا نَلتَقي وَسَبيلُ المُلتَقى نَهَجُ

مَن راقَبَ الناسَ لَم يَظفَر بِحاجَتِهِ

وَفازَ بِالطَيِّباتِ الفاتِكُ اللَهِجُ

وَقَد نَهاكِ أُناسٌ لا صَفا لَهُمُ

عَيشٌ وَلا عَدِموا خَصماً وَلا فَلَجوا

قالوا حَرامٌ تَلاقينا فَقَد كَذَبوا

ما في اِلتِزامٍ وَلا في قُبلَةٍ حَرَجُ

أَما شَعَرتِ فَدَتكِ النَفسُ جارِيَةً

أَن لَيسَ لي دونَ ما مَنَّيتِني فَرَجُ

إِنّي أُبَشِّرُ نَفسي كُلَّما اِختَلَجَت

عَيني أَقولُ بِنَيلٍ مِنكِ تَختَلِجُ

وَقَد تَمَنَّيتُ أَن أَلقاكِ خالِيَةً

يَوماً وَأَنّي وَفيما قُلتِ لي عِوَجُ

أَشكو إِلى اللَهِ شَوقاً لا يُفَرِّطُني

وَشُرَّعاً في سَوادِ القَلبِ تَختَلِجُ

يا رَبِّ لا صَبرَ لي عَن قُربِ جارِيَةٍ

تَنأى دَلالاً وَفيها إِن دَنَت غَنَجُ

غَرّاءَ حَوراءَ مِن طيبٍ إِذا نَكَهَت

لِلبَيتِ وَالدارِ مِن أَنفاسِها أَرَجُ

كَأَنَّها قَمَرٌ رابٍ رَوادِفُهُ

عَذبُ الثَنايا بَدا في عَينِهِ دَعَجُ.

قصيدة: إبليس خير من أبيكم

يقول بشار بن برد:[٤]

إِبليسُ خَيرٌ مِن أَبيكُم آدَمٍ

فَتَنَبَّهوا يا مَعشَرَ الفُجّارِ

إِبليسُ مِن نارٍ وَآدَمُ طينَةٌ

وَالأَرضُ لا تَسمو سُمُوَّ النارِ.

قصيدة: يا فرخ نهيا بإفك قلت أو زور

يقول بشار بن برد:[٥]

يا فَرخَ نِهيا بِإِفكٍ قُلتَ أَو زورِ

إِذ لا تَزالُ تَعَبّا لي بِتَعبيرِ

قَد كُنتُ قَصَّرتُ بُقيا أَو مُحافَظَةً

فَالآنَ حينَ اِنجَلى هَمّي بِتَقصيري

نُبِّئتُ أَنَّكَ يا حَمّادُ تَنبَحُني

وَالكَلبُ يَنبَحُ مَربوطاً بِساجورِ

أَحينَ هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِن حَرَسي

وَاِحمَرَّ مِن مُهَجِ الأَجوافِ تَصديري

وَذَبَّ عَنّي غُواةَ الناسِ مُعتَدِياً

بابٌ حَديدٌ وَصَوتٌ غَيرُ مَنزورِ

تَفشو إِلَيَّ بِأَشعارٍ مُلَصَّقَةٍ

مَهلاً أَبا عُمَرٍ ما أَنتَ في العيرِ

حَلَفتُ بِالقِبلَةِ البَيضاءِ مُجتَهِداً

وَبِالمَقامِ وَرُكنِ البَيتِ وَالسورِ

لَقَد عَقَقتَ عَجوزاً جِئتَ مِن هَنِها

ما الشَيخُ والِدُكَ الأَدنى بِمَبرورِ

غَنَّيتَ في الشَربِ مَندوباً وَمُبتَدِئاً

فَهَل كَفاكَ التَغَنّي في المَواخيرِ

غُرُّ القَصائِدِ أُسديها وَأُلحِمُها

كَأَنَّ رَأسَكَ مِنها في أَعاصيرِ

اِذكُر سَواءَةَ ثُمَّ اِفخَر بِظِئرِهِمُ

وَما اِفتِخارُ بُنَيِّ الظِئرِ بِالظيرِ

صَه لا تَكَلَّم جِهاراً في مَجالِسِنا

وَسَل عَجوزَكَ عَن بَكرِ بِنِ مَذعورِ

قَد كُنتُ أَعرِفُ حَمّاداً فَأَستُرُهُ

وَما اِمرُؤٌ مِن بَني نِهيا بِمَستورِ

وَأَنتَ أَعقَدُ مِثلُ اللَوزِ مُعتَرِضٌ

بِالدُرِّ تَغدو بِوَجهٍ غَيرِ مَنصورِ

تُعطي وَتَأخُذُ مِن قُبلٍ وَمِن دُبُرٍ

وَذاكَ شُغلٌ عَنِ المَعروفِ وَالخيرِ

وَعَجرَدٌ كانَ وَشّاءً وَكانَ لَهُ

عِلمُ المُباهي بِوَضعِ الوَشي وَالنيرِ

قَد عالجَ الغُرلَ حيناً قَبلَ لِحيَتِهِ

حَتّى عَلا رَأسَهُ شَيبٌ بِتَقتيرِ

وَأَنتُمُ أَهلُ بَيتٍ عَمَّكُم سَتَهٌ

فَكُلُّكُم بِاِستِهِ داءُ السَنانيرِ

في مِنصِبٍ مِن بَني نِهيا تُطيفُ بِهِ

شُمطُ النَبيطِ بِإِكبارٍ وَتَوقيرِ.

المراجع

  1. “قد لامني في خليلتي عمر “، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2021.
  2. “وذات دل كأن البدر صورتها “، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2021.
  3. ” خشاب هل لمحب عندكم فرج”، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2021.
  4. ” إبليس خير من أبيكم آدم”، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2021.
  5. “يا فرخ نهيا بإفك قلت أو زور”، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى