محتويات
'); }
اليوم الذي أُنزِل فيه القرآن الكريم
نزلت أوّل آيات القرآن الكريم على قلب النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يوم الاثنين قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث عشرة سنة، وعمر النبي حينها أربعون عاماً، وقد ورد ذلك القول عن جَمعٍ من الصحابة، والتابعين، والعلماء، منهم: ابن عباس، وأنس بن مالك، والواحدي، والبلقيني، وعُبيد بن عُمير، وأبو جعفر الباقر، ومن الأدلّة التي تُثبت نزول أوّل الآيات يوم الاثنين: ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قُتادة الأنصاريّ -رضي الله عنه- أنّه قال: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)،[١][٢] وقد وردت روايةٌ أخرى عن شُعبة أنّه قال: (وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟ فَسَكَتْنَا عن ذِكْرِ الخَمِيسِ لَمَّا نُرَاهُ وَهْمًا)،[١] وقال القاضي عياض إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حينما أشار إلى اليوم الذي أُنزِل فيه القرآن عليه إنّما أراد بذلك يوم الاثنين دون غيره، وتدلّ على ذلك روايات الحديث التي تعضد ذلك، وقد ترك الإمام مسلم ذِكْر رواية شُعبة؛ باعتبار أنّ ذلك كان وَهْماً بالنسبة لديه،[٣] ويُشار إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان قد بلغ من العُمر حينما بُعِث، وأُنزِل عليه القرآن أوّل مرّةٍ، أربعينَ عاماً،[٤] أمّا صِفة نزول القرآن أوّل مرّةٍ؛ فقد ذكر الإمام القرطبيّ في تفسير قَوْله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)،[٥] إنّ الليلة المباركة هي ليلة القَدْر، وورد أنّ نزول القرآن في تلك الليلة لم يكن مُنجَّماً؛ أي مُفرَّقاً، وإنّما كان نزولة جُملةً واحدةً؛ إذ أنزله الله من اللوح المحفوظ، ثمّ أُنزِل إلى بيت العزّة في السماء الدُّنيا، ثمّ أُنزِل بواسطة جبريل مُفرَّقاً على رسول الله، وذكر القرطبيّ قولاً عن الشعبي يدلّ على أنّ المقصود من نزول القرآن في ليلة القَدْر ليس نزوله جملةً واحدةً، وإنّما ابتداء نزول أولى آياته.[٦]
الشهر الذي أُنزِل فيه القرآن الكريم
اختلف العلماء في تحديد الشهر الذي بدأ فيه نزول القرآن على رسول الله، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها آتياً:[٢]
'); }
- نزول القرآن في شهر رمضان المبارك؛ استدلالاً بقَوْله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)،[٧] وقد ذهب إلى ذلك القَوْل جماعةٌ من أهل العلم، منهم: الواحدي، وابن كثير، ومحمد بن إسحاق، وعُبيد الله بن عُمير، ويحيى الصرصريّ، إلّا أنّهم اختلفوا في تحديد اليوم من شهر رمضان؛ فقِيل: اليوم السابع منه، وقِيل: الرابع عشر، وقِيل: السابع عشر كما رُوِي عن أبي جعفر الباقر، وذهبت جماعةٌ من أصحاب رسول الله إلى القَوْل بنزوله في اليوم الرابع والعشرين من شهر رمضان؛ أي ليلة خمسة وعشرين؛ لاعتقادهم بأنّها ليلة القَدْر؛ واستدلالاً بما ورد عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- أنّه قال: (أُنزِلَت صحُفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من رمضانَ، وأُنزلَت التوراةُ لستٍّ مَضَين من رمضانَ، وأُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثِ عشرةَ ليلةً خلَتْ من رمضانَ، وأُنزلَ الزَّبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ، وأُنزِلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرين خلَتْ من رمضانَ)،[٨] وقد ذهب ابن حجر إلى القَوْل بنزول القرآن جملةً واحدةً في شهر رمضان، وكذلك ابتداء نزوله على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مُفرَّقاً في الشهر نفسه.
- نُزول القرآن في شهر ربيع الأوّل؛ وهو قَوْل أكثريّة العلماء كما ورد عن ابن القيّم؛ باعتبار أنّ شهر ربيع الأوّل شهر بعثة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وولادته، وقد اختُلِف في اليوم من ذلك الشهر؛ فقِيل: في أوّله، وقِيل: في اليوم الثاني عشر منه كما جاء عن جابر، وابن عباس، وقِيل: في ثامنه وهو القول المشهور بين أقوال العلماء.
- نُزول القرآن في شهر رجب، وتحديداً في اليوم السابع عشر منه، وعلى الرغم من عدم اشتهار هذا القول، إلّا أنّه مذكورٌ في بعض الكُتُب.
مكان نزول القرآن الكريم
نزل القرآن الكريم جملةً واحدةً إلى بيت العزّة من السماء الدُّنيا بعد أن كان في اللوح المحفوظ، ثمّ نزل بعد ذلك مُتفرِّقاً على قلب النبيّ -عليه الصلاة والسلام-،[٩] وقد ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ القرآن نزل مُفرَّقاً في ثلاثة أماكن، وهي: مكّة المُكرَّمة بما فيها من المنازل التي تتبع لها، كعرفات، ومِنى، والحديبية، وكذلك المدينة المُنوَّرة، وما يتبع لها من أماكن، مثل: بدر، وأُحد، وأخيراً بلاد الشام؛ أي بيت المَقدس.[١٠]
مراحل نزول القرآن الكريم
القرآن الكريم آخر الكُتُب السماويّة التي أنزلها الله على رُسُله؛ لتكون حُجّةً على الناس، ودليلاً على صِدق أنبيائه، ورُسُله؛ قال -تعالى- في وَصف القرآن الكريم: (إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا)،[١١][١٢] وقد كان نزول القرآن الكريم على مرحلَتين، هما:[١٣]
- المرحلة الأولى: نزول القرآن الكريم كاملاً إلى بيت العزّة في السماء الدُّنيا؛ وقد دلّ على ذلك النزول قَوْله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)؛[٧] إذ نزل القرآن الكريم في المرحلة الأولى في شهر رمضان المبارك، وتحديداً في ليلة القَدْر؛ قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).[١٤]
- المرحلة الثانية: نزول القرآن الكريم مُفرَّقاً عن طريق أمين الوَحي؛ جبريل -عليه السلام-، على قلب الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ ودلّ على ذلك قَوْله -تعالى-: (وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا).[١٥]
المراجع
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- ^ أ ب محمد بن عبدالرحمن الشايع ، نزول القرآن الكريم والعناية به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 52-46. بتصرّف.
- ↑ الإمام النووي (1392)، شرح الإمام النووي على مسلم (الطبعة الثانية)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 51-52، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ “متى كانت بداية الإسلام “، www.islamqa.info، 1999-6-25، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-17. بتصرّف.
- ↑ سورة الدخان، آية: 3.
- ↑ الإمام شمس الدين القرطبي (1964)، تفسير الجامع لأحكام القرآن (الطبعة الثانية)، مصر: دار الكتب المصرية، صفحة 129-130، جزء 20. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ رواه الألباني، في السلسة الصحيحة، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبي فسيلة، الصفحة أو الرقم: 1497، حسن.
- ↑ الشيخ ملا طيب البحركي (1971)، وسيلة الغفران في علوم القرآن ، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 33. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم الإبياري ، الموسوعة القرآنية ، صفحة 5، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة سورة الإسراء ، آية: 9.
- ↑ مصطفى ديب البغا (1998)، الواضح في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، سوريا: دار الكلم الطيب، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ الشيخ صلاح نجيب الدق (2016-4-2)، “كيف نزل القرآن “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-17. بتصرّف.
- ↑ سورة القدر، آية: 1.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 106.