العام الذي ولد فيه الرسول
وُلد النبي -صلَّى الله عليه وسلم- في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، في يوم الاثنين من عام الفيل،[١] وقد سُمِّي عام الفيل بهذا الاسم؛ لِما حدث فيه من اعتداء أبرهة الأشرم وجيشه على الكعبة المُشرَّفة، ويُعد هذا الحدث من الأحداث الثابتة في القرآن الكريم، حيث قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)،[٢] والفيل هو الذي ساقه أصحابه من الحبشة لهدم وتخريب الكعبة، وقد عُرِف عن العرب اهتمامهم بالتأريخ بالأحداث المهمّة والعظيمة، ويجدُر بالذِّكر أنَّ يوم ميلاد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من الأيام الهامّة، ولم تكن الدُنيا قبل مولده كما كانت عليه بعد ذلك.[٣][٤]
وقد وُلد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في شِعب بني هاشم، في بيت والده عبد الله بمكّة المكرّمة، ومن الشواهد على ولادته في عام الفيل قول قيس بن مخرمة: “ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل”، وحديث النبي -صلى الله عليه وسلَّم- عندما قام أعرابيٌّ فسأله عن صيام يوم الإثنين؛ فأجابه النبيّ بقوله: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)،[٥][٦] أمّا ولادة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في التاريخ الميلادي؛ فكانت في عام خمسمئة وواحد وسبعين ميلاديّ.[٧]
أحداث سبقت ميلاد النبي
سُبق ميلاد النبي -صلَّى الله عليه وسلم- ببعض الأحداث العظيمة؛ ومن أبرزها قِيام جدِّ النبي -صلَّى الله عليه وسلم- بحفر بئر زمزم بعد أن جاءه الأمر في منامه بالقيام بحفرها، وعندما تحقَّق من مكانها قام مع ابنه الحارث بالحفر، ولمَّا علم أهل مكة من قريشٍ بالخبر؛ جاؤوا إلى عبد المطلب يطلبون منه مشاركته في شرف حفر بئر إسماعيل عليه السلام، فرفض طلبهم لأنّه خُصِّص بها دونهم، فاحتكموا في أمرهم إلى كاهنةٍ من بني سعد، ثمّ خرجوا إليها، وفي الطريق فقد عبد المطلب وقومه الماء، وكادوا أن يهلكوا، فطلبوا من قبيلة قريش سقايتهم، فأبوا خوفاً على أنفسهم من العطش كذلك، فطلب القوم مشورة عبد المُطَّلب، فأشارعليهم أن يقوم كلّ واحدٍ منهم بحفر حفرة، فإذا مات كانت له قبراً، وبعد أن قاموا بالحفر ينتظرون الموت من العطش؛ أمرهم عبد المطلب بعدم اليأس والارتحال إلى مناطق أخرى علّهم يجدون فيها ماءً، ولمّا صعد عبد المُطَّلب على راحلته؛ تفَّجّر الماء من تحتها، فشرب قومه ونادوا قبيلة قريش لتشرب معهم ممّا رزقهم الله، فجاء القوم وشربوا معهم، وقالوا لعبد المُطلب أنّ الحكم قد ظهر لهم، وأن الذي رزقه هذه الماء في الصحراء لهو الذي أكرمه بزمزم، فرجعوا إلى بلادهم وخلّوا بينه وبين البئر.[٨]
ومن الأحداث التي وقعت قبل ولادة الرسول؛ نذْر عبد المطّلب أن يذبح أحد أبنائه إذا رزقه الله بعشرةٍ من الأولاد، وقد رزقه الله بعشرة أبناء، فقام بعمل قُرعة، ووقع الاختيار على ابنه عبد الله الذي كان أحبَّهم إليه وأقربهم إلى قلبه، فقال عبد المُطَّلب: “اللهم هو أو مئة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين الإبل، فطارت القرعة على المئة من الإبل”، وفي هذا إشارةٌ واضحةٌ إلى ما قدَّره الله -تعالى- من حفظه لحياة عبد الله تمهيداً لمجيء النبي -صلى الله عليه وسلَّم- وسطوع نور رسالة الإسلام، ومن الأحداث التي كانت قبل ميلاد النبيّ أيضاً حادثة الفيل، وفيما يأتي في هذا المقال ذكرٌ وبيانٌ لها.[٨]
حادثة الفيل
بدأت حادثة الفيل عندما استلم أبرهة الأشرم قيادة اليمن، فأراد أن يبني في مدينة صنعاء كنيسةً حتَّى يَقصدها العرب في الحج بدلاً من الكعبة المُشرَّفة، فبناها وسمّاها بالقليس، فثار رجلٌ من رجال العرب على أبرهة، وقام بتدنيس هذه الكنيسة، مما دفع أبرهة الأشرم إلى تجهيز جيشٍ عظيمٍ لهدم الكعبة المشَّرفة،[٩] وقام أبرهة بإرسال رسولٍ إلى مكة المكرَّمة؛ حتّى يُخبر سيّدهم أنَّه لا يُريد من مجيئه دماءَهم والحرب ضدّهم، وإنَّما يريد هدم الكعبة، فقال له عبد المُطَّلب: “والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك منه طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه”.[١٠]
فأمر أبرهة بعبد المطَّلب، وكان رجلاً ذا هيبةٍ ووقار، فلمّا جاءه هابَه أبرهة، وأحسن إليه، وجلس على البِساط، وأجلس عبد المطّلب مكانه، وسأله عن طريق التُرجُمان إن كانت له حاجة، فطلب منه عبد المُطَّلب أن يُعيد له بعيره التي كان قد أخذها منه، فزهِد أبرهة في عبد المُطَّلب وتعجّب من طلبه؛ لأنه يتحّدث معه في شأن مئتي بعير ويترك مسألة هدم الكعبة وهي الأجلّ شأناً، فردَّ عبد المطّلب على تعجُّبه قائلاً: “إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه ويحميه”، فعاد عبد المُطّلب وقد أخذ بعيره، وقَصَد الكعبة؛ للدعاء والتذلّل بين يدي الله -تعالى- أن يحمي البيت، وكان معه أهل قريش يدْعون، ولمّا فرغوا من الدُعاء خرجوا إلى الجبال؛ تحرُّزاَ من المخاطر، وطلباً للأمان، وانتظاراً لعدلِ الله،[١٠] وانطلق أبرهة الأشرم باتّجاه الكعبة راكباً الفيل لهدمها، فلمّا أراد أبرهة أن يتقدّم برك الفيل وأبى الحراك باتّجاه الكعبة، فقام القوم بضربه وتعذيبه حتّى يقوم إلى الكعبة، فلم يتمكّنوا من ذلك، ولم يكن ليتحرَّك إلَّا باتجاه اليمن، ثمّ بعث الله -تعالى-عليهم العذاب من خلال مجموعةٍ كبيرةٍ من الطيور التي تحمل الحجارة في منقارها ورجليها، وما كانت هذه الحجارة تُصيب أحداً منهم إلا مات.[١١]
المراجع
- ↑ أبي الحسن الندوي (1425)، كتاب السيرة النبوية (الطبعة الثانية عشرة)، دمشق: دار ابن كثير ، صفحة 157. بتصرّف.
- ↑ سورة الفيل، آية: 1-5.
- ↑ صالح المغامسي، كتاب الأيام النضرة في السيرة العطرة، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ ابن قنفذ (1984)، كتاب وسيلة الإسلام بالنبي عليه الصلاة والسلام (الطبعة الاولى)، بيروت: دار الغرب الإسلامي، صفحة 44. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- ↑ أحمد أحمد غلوش (2003)، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي (الطبعة الاولى)، صفحة 171. بتصرّف.
- ↑ حسين حسيني معدى، كتاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عيون غربية منصفة (الطبعة الاولى)، دمشق: دار الكتاب العربي، صفحة 209. بتصرّف.
- ^ أ ب صالح بن طه عبد الواحد (1428)، كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، صفحة 28-31، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد بن صالح السلمي (2010)، كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (الطبعة الاولى)، جدة: مكتبة روائع المملكة، صفحة 78. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الطيب النجار، كتاب القول المبين في سيرة سيد المرسلين، بيروت: دار الندوة الجديدة، صفحة 20-22. بتصرّف.
- ↑ أبو القاسم السهيلي (1412)، الروض الأنف في شرح السيرة النبوية (الطبعة الاولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 263-265، جزء 1. بتصرّف.