الحج والعمرة

في أي سنة فرض الحج

وقت فرض الحجّ

وردَت عدّة أقوال في العام الذي فرض الله -تعالى- فيه الحَجّ، ومنها أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، ومِمّن نقل ذلك أبو الفرج الجوزي، وعلى الرغم من أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، إلّا أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى مكّة في العام السابع للهجرة؛ لقضاء العمرة، وخرج في العام الثامن إلى مكّة؛ فاتحاً، وبعثَ في العام التاسع قافلةً؛ للحجّ، وجعل عليها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أميراً، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حجّ في العام العاشر من الهجرة؛ أي أنّه أخَّرَه مدّة، ولم يخرج إلى الحجّ على الفور،[١] ونقل النوويّ أنّ الحجّ فُرِض في السنة السادسة للهجرة، وقال ابن الرفعة إنّه فُرِض في السنة الثامنة للهجرة، وقال الماورديّ إنّه فُرِض في العام التاسع للهجرة، أمّا الإمام ابن قيم الجوزية فقد قال إنّه فُرِض في العام العاشر للهجرة، بينما قال الجويني إنّه فُرِض قبل الهجرة، وذلك في كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب).[٢][٣]

وقد بيّن ابن عثيمين أنّ الحجّ فُرِض في العام التاسع من الهجرة؛ لأنّ مكّة كانت قبل ذلك تحت ولاية المشركين، وعندما فتح المسلمون مكّة في العام الثامن، مكثوا في مكّة شهر رمضان وأوائل شهر شوّال، ثمّ خرجوا لقتال ثقيف، وانتهى القتال في شهر ذي القعدة، فلم يُفرَض الحجّ إلّا في السنة التاسعة من الهجرة،[٤] وقد استدلّ من قال بهذا القول بأنّ آية وجوب الحجّ في القرآن الكريم نزلت في عام الوفود؛ أي في العام التاسع من الهجرة، وهي قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).[٥][٦]

حكم الحجّ في الإسلام

الحجّ رُكن من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على المسلم المستطيع مرّة واحدة في العمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٧][٨] وقد اتّفق الفقهاء على فرضيّته؛ لورود الأدلّة على ذلك في الكتاب، والسنّة؛ ففي فرضيّته مرّة واحدة في العمر قال -صلّى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ)،[٩] وقد يكون الحجّ واجباً على المسلم أكثر من مرّة، كأن ينذر أن يحجّ، وبذلك يجب عليه الوفاء بالنَّذْر، وقد يكون الحجّ مُحرَّماً عليه، كأن يخرج إلى الحجّ بمالٍ حرام، وقد يكون مكروهاً، كأن يخرج إليه وأبواه في حاجة إلى مَن يخدمهما، ونحوه.[١٠]

الحِكمة من فرضيّة الحَجّ

الحجّ رُكن عظيم، وطاعة جليلة فَرَضها الله -تعالى- على عباده، وجعل فيها العديد من الحِكَم والمنافع العديدة، والتي يُذكَر منها ما يأتي:[١١]

  • تعظيم شعائر الله -تعالى-، وهذا مقصد مُهمّ من مَقاصد الشريعة؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب).[١٢]
  • تطهير الحاجّ من ذنوبه؛ بمغفرتها وتكفيرها له، فيرجع إلى وطنه نقيّاً من الذنوب كاليوم الذي وُلِد فيه؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ).[١٣]
  • مُضاعَفة أجر الصلاة في الحَرَم، وفي ذلك منفعة عظيمة للمسلم؛ حيث تعدل الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة فيما سواه؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ).[١٤]
  • إبعاد الفقر عن الحاجّ وسلامته منه إذا تابع بين الحجّ والعمرة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ).[١٥]
  • تحصيل منافع مادّية في الحَجّ؛ فقد أباح الله -تعالى- للحُجّاج التجارة في الحَجّ إن لم يكن ذلك يشغلهم عن حجّهم.
  • تقوية روابط الأُخوّة الإسلاميّة والتعارف بين المسلمين القادمين من مختلف الأعراق والبُلدان، فتتجلّى مظاهر الوحدة الإسلاميّة، والإخاء.[١٦]

المراجع

  1. ابن حجر العسقلاني (2007م)، التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز (الطبعة الأولى)، السعودية: دار أضواء السلف، صفحة 499، جزء 4. بتصرّف.
  2. ابن حجر العسقلاني (1995م)، التخليص الحبير (الطبعة الأولى)، مصر: مؤسسة قرطبة، صفحة 420، جزء 2. بتصرّف.
  3. سيد قطب (2004)، في ظلال القران (الطبعة الرابعة والثلاثون)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 193، جزء 2. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 8، جزء 88. بتصرّف.
  5. سورة آل عمران، آية: 97.
  6. “متى فرض الحج؟”، islamqa.info، 17-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية: 97.
  8. أ. د صالح بن غانم السدلان (1425هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 81. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
  10. “الحج (تعريفه – منزلته – حكمه – شروطه)”، ar.islamway.net، 27-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  11. د.سعيد بن وهف القحطاني (2010م)، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 44،52،54،62، جزء 1. بتصرّف.
  12. سورة الحج، آية: 32.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1819، صحيح.
  14. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 5089، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2630، صحيح.
  16. عبد الوهاب خلاف، “لماذا فُرض الحج على المسلمين؟”، archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

وقت فرض الحجّ

وردَت عدّة أقوال في العام الذي فرض الله -تعالى- فيه الحَجّ، ومنها أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، ومِمّن نقل ذلك أبو الفرج الجوزي، وعلى الرغم من أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، إلّا أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى مكّة في العام السابع للهجرة؛ لقضاء العمرة، وخرج في العام الثامن إلى مكّة؛ فاتحاً، وبعثَ في العام التاسع قافلةً؛ للحجّ، وجعل عليها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أميراً، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حجّ في العام العاشر من الهجرة؛ أي أنّه أخَّرَه مدّة، ولم يخرج إلى الحجّ على الفور،[١] ونقل النوويّ أنّ الحجّ فُرِض في السنة السادسة للهجرة، وقال ابن الرفعة إنّه فُرِض في السنة الثامنة للهجرة، وقال الماورديّ إنّه فُرِض في العام التاسع للهجرة، أمّا الإمام ابن قيم الجوزية فقد قال إنّه فُرِض في العام العاشر للهجرة، بينما قال الجويني إنّه فُرِض قبل الهجرة، وذلك في كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب).[٢][٣]

وقد بيّن ابن عثيمين أنّ الحجّ فُرِض في العام التاسع من الهجرة؛ لأنّ مكّة كانت قبل ذلك تحت ولاية المشركين، وعندما فتح المسلمون مكّة في العام الثامن، مكثوا في مكّة شهر رمضان وأوائل شهر شوّال، ثمّ خرجوا لقتال ثقيف، وانتهى القتال في شهر ذي القعدة، فلم يُفرَض الحجّ إلّا في السنة التاسعة من الهجرة،[٤] وقد استدلّ من قال بهذا القول بأنّ آية وجوب الحجّ في القرآن الكريم نزلت في عام الوفود؛ أي في العام التاسع من الهجرة، وهي قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).[٥][٦]

حكم الحجّ في الإسلام

الحجّ رُكن من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على المسلم المستطيع مرّة واحدة في العمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٧][٨] وقد اتّفق الفقهاء على فرضيّته؛ لورود الأدلّة على ذلك في الكتاب، والسنّة؛ ففي فرضيّته مرّة واحدة في العمر قال -صلّى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ)،[٩] وقد يكون الحجّ واجباً على المسلم أكثر من مرّة، كأن ينذر أن يحجّ، وبذلك يجب عليه الوفاء بالنَّذْر، وقد يكون الحجّ مُحرَّماً عليه، كأن يخرج إلى الحجّ بمالٍ حرام، وقد يكون مكروهاً، كأن يخرج إليه وأبواه في حاجة إلى مَن يخدمهما، ونحوه.[١٠]

الحِكمة من فرضيّة الحَجّ

الحجّ رُكن عظيم، وطاعة جليلة فَرَضها الله -تعالى- على عباده، وجعل فيها العديد من الحِكَم والمنافع العديدة، والتي يُذكَر منها ما يأتي:[١١]

  • تعظيم شعائر الله -تعالى-، وهذا مقصد مُهمّ من مَقاصد الشريعة؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب).[١٢]
  • تطهير الحاجّ من ذنوبه؛ بمغفرتها وتكفيرها له، فيرجع إلى وطنه نقيّاً من الذنوب كاليوم الذي وُلِد فيه؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ).[١٣]
  • مُضاعَفة أجر الصلاة في الحَرَم، وفي ذلك منفعة عظيمة للمسلم؛ حيث تعدل الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة فيما سواه؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ).[١٤]
  • إبعاد الفقر عن الحاجّ وسلامته منه إذا تابع بين الحجّ والعمرة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ).[١٥]
  • تحصيل منافع مادّية في الحَجّ؛ فقد أباح الله -تعالى- للحُجّاج التجارة في الحَجّ إن لم يكن ذلك يشغلهم عن حجّهم.
  • تقوية روابط الأُخوّة الإسلاميّة والتعارف بين المسلمين القادمين من مختلف الأعراق والبُلدان، فتتجلّى مظاهر الوحدة الإسلاميّة، والإخاء.[١٦]

المراجع

  1. ابن حجر العسقلاني (2007م)، التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز (الطبعة الأولى)، السعودية: دار أضواء السلف، صفحة 499، جزء 4. بتصرّف.
  2. ابن حجر العسقلاني (1995م)، التخليص الحبير (الطبعة الأولى)، مصر: مؤسسة قرطبة، صفحة 420، جزء 2. بتصرّف.
  3. سيد قطب (2004)، في ظلال القران (الطبعة الرابعة والثلاثون)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 193، جزء 2. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 8، جزء 88. بتصرّف.
  5. سورة آل عمران، آية: 97.
  6. “متى فرض الحج؟”، islamqa.info، 17-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية: 97.
  8. أ. د صالح بن غانم السدلان (1425هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 81. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
  10. “الحج (تعريفه – منزلته – حكمه – شروطه)”، ar.islamway.net، 27-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  11. د.سعيد بن وهف القحطاني (2010م)، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 44،52،54،62، جزء 1. بتصرّف.
  12. سورة الحج، آية: 32.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1819، صحيح.
  14. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 5089، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2630، صحيح.
  16. عبد الوهاب خلاف، “لماذا فُرض الحج على المسلمين؟”، archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

وقت فرض الحجّ

وردَت عدّة أقوال في العام الذي فرض الله -تعالى- فيه الحَجّ، ومنها أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، ومِمّن نقل ذلك أبو الفرج الجوزي، وعلى الرغم من أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، إلّا أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى مكّة في العام السابع للهجرة؛ لقضاء العمرة، وخرج في العام الثامن إلى مكّة؛ فاتحاً، وبعثَ في العام التاسع قافلةً؛ للحجّ، وجعل عليها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أميراً، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حجّ في العام العاشر من الهجرة؛ أي أنّه أخَّرَه مدّة، ولم يخرج إلى الحجّ على الفور،[١] ونقل النوويّ أنّ الحجّ فُرِض في السنة السادسة للهجرة، وقال ابن الرفعة إنّه فُرِض في السنة الثامنة للهجرة، وقال الماورديّ إنّه فُرِض في العام التاسع للهجرة، أمّا الإمام ابن قيم الجوزية فقد قال إنّه فُرِض في العام العاشر للهجرة، بينما قال الجويني إنّه فُرِض قبل الهجرة، وذلك في كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب).[٢][٣]

وقد بيّن ابن عثيمين أنّ الحجّ فُرِض في العام التاسع من الهجرة؛ لأنّ مكّة كانت قبل ذلك تحت ولاية المشركين، وعندما فتح المسلمون مكّة في العام الثامن، مكثوا في مكّة شهر رمضان وأوائل شهر شوّال، ثمّ خرجوا لقتال ثقيف، وانتهى القتال في شهر ذي القعدة، فلم يُفرَض الحجّ إلّا في السنة التاسعة من الهجرة،[٤] وقد استدلّ من قال بهذا القول بأنّ آية وجوب الحجّ في القرآن الكريم نزلت في عام الوفود؛ أي في العام التاسع من الهجرة، وهي قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).[٥][٦]

حكم الحجّ في الإسلام

الحجّ رُكن من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على المسلم المستطيع مرّة واحدة في العمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٧][٨] وقد اتّفق الفقهاء على فرضيّته؛ لورود الأدلّة على ذلك في الكتاب، والسنّة؛ ففي فرضيّته مرّة واحدة في العمر قال -صلّى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ)،[٩] وقد يكون الحجّ واجباً على المسلم أكثر من مرّة، كأن ينذر أن يحجّ، وبذلك يجب عليه الوفاء بالنَّذْر، وقد يكون الحجّ مُحرَّماً عليه، كأن يخرج إلى الحجّ بمالٍ حرام، وقد يكون مكروهاً، كأن يخرج إليه وأبواه في حاجة إلى مَن يخدمهما، ونحوه.[١٠]

الحِكمة من فرضيّة الحَجّ

الحجّ رُكن عظيم، وطاعة جليلة فَرَضها الله -تعالى- على عباده، وجعل فيها العديد من الحِكَم والمنافع العديدة، والتي يُذكَر منها ما يأتي:[١١]

  • تعظيم شعائر الله -تعالى-، وهذا مقصد مُهمّ من مَقاصد الشريعة؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب).[١٢]
  • تطهير الحاجّ من ذنوبه؛ بمغفرتها وتكفيرها له، فيرجع إلى وطنه نقيّاً من الذنوب كاليوم الذي وُلِد فيه؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ).[١٣]
  • مُضاعَفة أجر الصلاة في الحَرَم، وفي ذلك منفعة عظيمة للمسلم؛ حيث تعدل الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة فيما سواه؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ).[١٤]
  • إبعاد الفقر عن الحاجّ وسلامته منه إذا تابع بين الحجّ والعمرة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ).[١٥]
  • تحصيل منافع مادّية في الحَجّ؛ فقد أباح الله -تعالى- للحُجّاج التجارة في الحَجّ إن لم يكن ذلك يشغلهم عن حجّهم.
  • تقوية روابط الأُخوّة الإسلاميّة والتعارف بين المسلمين القادمين من مختلف الأعراق والبُلدان، فتتجلّى مظاهر الوحدة الإسلاميّة، والإخاء.[١٦]

المراجع

  1. ابن حجر العسقلاني (2007م)، التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز (الطبعة الأولى)، السعودية: دار أضواء السلف، صفحة 499، جزء 4. بتصرّف.
  2. ابن حجر العسقلاني (1995م)، التخليص الحبير (الطبعة الأولى)، مصر: مؤسسة قرطبة، صفحة 420، جزء 2. بتصرّف.
  3. سيد قطب (2004)، في ظلال القران (الطبعة الرابعة والثلاثون)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 193، جزء 2. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 8، جزء 88. بتصرّف.
  5. سورة آل عمران، آية: 97.
  6. “متى فرض الحج؟”، islamqa.info، 17-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية: 97.
  8. أ. د صالح بن غانم السدلان (1425هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 81. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
  10. “الحج (تعريفه – منزلته – حكمه – شروطه)”، ar.islamway.net، 27-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  11. د.سعيد بن وهف القحطاني (2010م)، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 44،52،54،62، جزء 1. بتصرّف.
  12. سورة الحج، آية: 32.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1819، صحيح.
  14. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 5089، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2630، صحيح.
  16. عبد الوهاب خلاف، “لماذا فُرض الحج على المسلمين؟”، archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

وقت فرض الحجّ

وردَت عدّة أقوال في العام الذي فرض الله -تعالى- فيه الحَجّ، ومنها أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، ومِمّن نقل ذلك أبو الفرج الجوزي، وعلى الرغم من أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، إلّا أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى مكّة في العام السابع للهجرة؛ لقضاء العمرة، وخرج في العام الثامن إلى مكّة؛ فاتحاً، وبعثَ في العام التاسع قافلةً؛ للحجّ، وجعل عليها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أميراً، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حجّ في العام العاشر من الهجرة؛ أي أنّه أخَّرَه مدّة، ولم يخرج إلى الحجّ على الفور،[١] ونقل النوويّ أنّ الحجّ فُرِض في السنة السادسة للهجرة، وقال ابن الرفعة إنّه فُرِض في السنة الثامنة للهجرة، وقال الماورديّ إنّه فُرِض في العام التاسع للهجرة، أمّا الإمام ابن قيم الجوزية فقد قال إنّه فُرِض في العام العاشر للهجرة، بينما قال الجويني إنّه فُرِض قبل الهجرة، وذلك في كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب).[٢][٣]

وقد بيّن ابن عثيمين أنّ الحجّ فُرِض في العام التاسع من الهجرة؛ لأنّ مكّة كانت قبل ذلك تحت ولاية المشركين، وعندما فتح المسلمون مكّة في العام الثامن، مكثوا في مكّة شهر رمضان وأوائل شهر شوّال، ثمّ خرجوا لقتال ثقيف، وانتهى القتال في شهر ذي القعدة، فلم يُفرَض الحجّ إلّا في السنة التاسعة من الهجرة،[٤] وقد استدلّ من قال بهذا القول بأنّ آية وجوب الحجّ في القرآن الكريم نزلت في عام الوفود؛ أي في العام التاسع من الهجرة، وهي قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).[٥][٦]

حكم الحجّ في الإسلام

الحجّ رُكن من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على المسلم المستطيع مرّة واحدة في العمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٧][٨] وقد اتّفق الفقهاء على فرضيّته؛ لورود الأدلّة على ذلك في الكتاب، والسنّة؛ ففي فرضيّته مرّة واحدة في العمر قال -صلّى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ)،[٩] وقد يكون الحجّ واجباً على المسلم أكثر من مرّة، كأن ينذر أن يحجّ، وبذلك يجب عليه الوفاء بالنَّذْر، وقد يكون الحجّ مُحرَّماً عليه، كأن يخرج إلى الحجّ بمالٍ حرام، وقد يكون مكروهاً، كأن يخرج إليه وأبواه في حاجة إلى مَن يخدمهما، ونحوه.[١٠]

الحِكمة من فرضيّة الحَجّ

الحجّ رُكن عظيم، وطاعة جليلة فَرَضها الله -تعالى- على عباده، وجعل فيها العديد من الحِكَم والمنافع العديدة، والتي يُذكَر منها ما يأتي:[١١]

  • تعظيم شعائر الله -تعالى-، وهذا مقصد مُهمّ من مَقاصد الشريعة؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب).[١٢]
  • تطهير الحاجّ من ذنوبه؛ بمغفرتها وتكفيرها له، فيرجع إلى وطنه نقيّاً من الذنوب كاليوم الذي وُلِد فيه؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ).[١٣]
  • مُضاعَفة أجر الصلاة في الحَرَم، وفي ذلك منفعة عظيمة للمسلم؛ حيث تعدل الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة فيما سواه؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ).[١٤]
  • إبعاد الفقر عن الحاجّ وسلامته منه إذا تابع بين الحجّ والعمرة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ).[١٥]
  • تحصيل منافع مادّية في الحَجّ؛ فقد أباح الله -تعالى- للحُجّاج التجارة في الحَجّ إن لم يكن ذلك يشغلهم عن حجّهم.
  • تقوية روابط الأُخوّة الإسلاميّة والتعارف بين المسلمين القادمين من مختلف الأعراق والبُلدان، فتتجلّى مظاهر الوحدة الإسلاميّة، والإخاء.[١٦]

المراجع

  1. ابن حجر العسقلاني (2007م)، التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز (الطبعة الأولى)، السعودية: دار أضواء السلف، صفحة 499، جزء 4. بتصرّف.
  2. ابن حجر العسقلاني (1995م)، التخليص الحبير (الطبعة الأولى)، مصر: مؤسسة قرطبة، صفحة 420، جزء 2. بتصرّف.
  3. سيد قطب (2004)، في ظلال القران (الطبعة الرابعة والثلاثون)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 193، جزء 2. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 8، جزء 88. بتصرّف.
  5. سورة آل عمران، آية: 97.
  6. “متى فرض الحج؟”، islamqa.info، 17-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية: 97.
  8. أ. د صالح بن غانم السدلان (1425هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 81. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
  10. “الحج (تعريفه – منزلته – حكمه – شروطه)”، ar.islamway.net، 27-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  11. د.سعيد بن وهف القحطاني (2010م)، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 44،52،54،62، جزء 1. بتصرّف.
  12. سورة الحج، آية: 32.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1819، صحيح.
  14. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 5089، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2630، صحيح.
  16. عبد الوهاب خلاف، “لماذا فُرض الحج على المسلمين؟”، archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

وقت فرض الحجّ

وردَت عدّة أقوال في العام الذي فرض الله -تعالى- فيه الحَجّ، ومنها أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، ومِمّن نقل ذلك أبو الفرج الجوزي، وعلى الرغم من أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، إلّا أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى مكّة في العام السابع للهجرة؛ لقضاء العمرة، وخرج في العام الثامن إلى مكّة؛ فاتحاً، وبعثَ في العام التاسع قافلةً؛ للحجّ، وجعل عليها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أميراً، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حجّ في العام العاشر من الهجرة؛ أي أنّه أخَّرَه مدّة، ولم يخرج إلى الحجّ على الفور،[١] ونقل النوويّ أنّ الحجّ فُرِض في السنة السادسة للهجرة، وقال ابن الرفعة إنّه فُرِض في السنة الثامنة للهجرة، وقال الماورديّ إنّه فُرِض في العام التاسع للهجرة، أمّا الإمام ابن قيم الجوزية فقد قال إنّه فُرِض في العام العاشر للهجرة، بينما قال الجويني إنّه فُرِض قبل الهجرة، وذلك في كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب).[٢][٣]

وقد بيّن ابن عثيمين أنّ الحجّ فُرِض في العام التاسع من الهجرة؛ لأنّ مكّة كانت قبل ذلك تحت ولاية المشركين، وعندما فتح المسلمون مكّة في العام الثامن، مكثوا في مكّة شهر رمضان وأوائل شهر شوّال، ثمّ خرجوا لقتال ثقيف، وانتهى القتال في شهر ذي القعدة، فلم يُفرَض الحجّ إلّا في السنة التاسعة من الهجرة،[٤] وقد استدلّ من قال بهذا القول بأنّ آية وجوب الحجّ في القرآن الكريم نزلت في عام الوفود؛ أي في العام التاسع من الهجرة، وهي قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).[٥][٦]

حكم الحجّ في الإسلام

الحجّ رُكن من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على المسلم المستطيع مرّة واحدة في العمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٧][٨] وقد اتّفق الفقهاء على فرضيّته؛ لورود الأدلّة على ذلك في الكتاب، والسنّة؛ ففي فرضيّته مرّة واحدة في العمر قال -صلّى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ)،[٩] وقد يكون الحجّ واجباً على المسلم أكثر من مرّة، كأن ينذر أن يحجّ، وبذلك يجب عليه الوفاء بالنَّذْر، وقد يكون الحجّ مُحرَّماً عليه، كأن يخرج إلى الحجّ بمالٍ حرام، وقد يكون مكروهاً، كأن يخرج إليه وأبواه في حاجة إلى مَن يخدمهما، ونحوه.[١٠]

الحِكمة من فرضيّة الحَجّ

الحجّ رُكن عظيم، وطاعة جليلة فَرَضها الله -تعالى- على عباده، وجعل فيها العديد من الحِكَم والمنافع العديدة، والتي يُذكَر منها ما يأتي:[١١]

  • تعظيم شعائر الله -تعالى-، وهذا مقصد مُهمّ من مَقاصد الشريعة؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب).[١٢]
  • تطهير الحاجّ من ذنوبه؛ بمغفرتها وتكفيرها له، فيرجع إلى وطنه نقيّاً من الذنوب كاليوم الذي وُلِد فيه؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ).[١٣]
  • مُضاعَفة أجر الصلاة في الحَرَم، وفي ذلك منفعة عظيمة للمسلم؛ حيث تعدل الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة فيما سواه؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ).[١٤]
  • إبعاد الفقر عن الحاجّ وسلامته منه إذا تابع بين الحجّ والعمرة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ).[١٥]
  • تحصيل منافع مادّية في الحَجّ؛ فقد أباح الله -تعالى- للحُجّاج التجارة في الحَجّ إن لم يكن ذلك يشغلهم عن حجّهم.
  • تقوية روابط الأُخوّة الإسلاميّة والتعارف بين المسلمين القادمين من مختلف الأعراق والبُلدان، فتتجلّى مظاهر الوحدة الإسلاميّة، والإخاء.[١٦]

المراجع

  1. ابن حجر العسقلاني (2007م)، التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز (الطبعة الأولى)، السعودية: دار أضواء السلف، صفحة 499، جزء 4. بتصرّف.
  2. ابن حجر العسقلاني (1995م)، التخليص الحبير (الطبعة الأولى)، مصر: مؤسسة قرطبة، صفحة 420، جزء 2. بتصرّف.
  3. سيد قطب (2004)، في ظلال القران (الطبعة الرابعة والثلاثون)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 193، جزء 2. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 8، جزء 88. بتصرّف.
  5. سورة آل عمران، آية: 97.
  6. “متى فرض الحج؟”، islamqa.info، 17-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية: 97.
  8. أ. د صالح بن غانم السدلان (1425هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 81. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
  10. “الحج (تعريفه – منزلته – حكمه – شروطه)”، ar.islamway.net، 27-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  11. د.سعيد بن وهف القحطاني (2010م)، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 44،52،54،62، جزء 1. بتصرّف.
  12. سورة الحج، آية: 32.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1819، صحيح.
  14. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 5089، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2630، صحيح.
  16. عبد الوهاب خلاف، “لماذا فُرض الحج على المسلمين؟”، archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى