تأملات قرآنية

جديد فضل سورة يوسف

فضل سورة يوسف

لم يرد في فضل سورة يوسف سوى بعض الأحاديث التي لا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال على فضل السورة كما ذكرَ العلّامة مجد الدين الفيروزأبادي،[١] ولم يثبت وجود فضيلة خاصّة بقراءة سورة يوسف، أو ذكر أيّ سرٍّ من أسرارها.[٢]

إلّا أنّ بعض العلماء ذهبوا إلى القول بفائدة قراءة تلك السورة لِمَن كان يُعاني من الهَمّ والحزن؛ على اعتبار أنّها جزء من القرآن الكريم الذي وصفه الله بأنّه شِفاء للناس، ورحمة، وخاصّة إذا نظر القارىء المُتمعِّن في ما تشتمل عليه من مَعانٍ عظيمة، ومنها: تغيُّر أحوال البشر، وتبدُّلها؛ إذ يُلاحَظ انقلاب المِحنة والشدّة بعد حين إلى فَرَج ومِنْحة، كما تظهر فيها الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- قادر على أن يجمعَ الأشتات بعد طول فِراق، ويُحوّل حالَهم، ويُبدّل مشاعرَهم من الحُزن إلى الفَرح والسرور، ومن الضيق والألم إلى السَّعة واجتماع النِّعَم.[٢][٣]

وقد ورد عن الصحابة أنّهم كانوا يَعتنون بسورة يوسف؛ فقد ورد عن عبدالله بن عامر بن ربيعة أنّه حَفِظ سورة يوسف بالإضافة إلى سورة الحجّ؛ لكثرة قراءة الفاروق عمر -رضي الله عنه- لها في صلاة الفجر،[٣] ومن الصحابة الذين كانوا يحرصون على قراءة سورة يوسف أيضاً عثمان بن عفّان -رضي الله عنه-؛ إذ كثيراً ما كان يُردِّدها في صلاة الصبح، حتى أخذها عنه الفرافصة بن عمير الحنفيّ؛[٤] وقد علّل العلماء سبب حرصه على قراءة سورة يوسف بأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان قد بَشَّرَه يوماً بالجنّة؛ بسبب البلوى التي سوف يتعرّض لها في آخر حياته؛ فكأنّما كانت في قراءتها تسليةٌ عن قلب عثمان، وتثبيتٌ له؛ على اعتبار اشتمال السورة على البلاء الذي تعرَّض له نبيّ الله يوسف -عليه السلام-.[٥]

تعريف بسورة يوسف

تحتلّ سورة يوسف التي تُعَدّ من السُّور المكّية في القرآن الكريم، والتي يبلغ عدد آياتها مئة وإحدى عشرة آية، المرتبةَ الثانية عشرة في ترتيب سُور القرآن، أمّا ترتيبها في النزول، فقد احتلّت المرتبة الثالثة والخمسين؛ إذ نزلت بعد نزول سورة هود، وسُمِّيت هذه السورة بهذا الاسم؛ لورود قصّة النبيّ يوسف -عليه السلام- فيها؛ حيث قَصَّ الله قصّتَه مع إخوته الذين كادوا له، وقصّته مع امرأة العزيز التي روادته عن نفسه، بالإضافة إلى قصّته مع ملك مصر الذي استخلصه لنفسه، وأنزله منزلاً كريماً، وتجدر الإشارة إلى أنّ قصّة يوسف -عليه السلام- لم ترد إلّا في هذه السورة، إلّا أنّ ذِكر يوسف نفسه كان قد ورد في مَعرض الحديث عن جملة من الأنبياء في سورتَين أُخرَيَين من كتاب الله، وهما: سورة الأنعام، وذلك في قوله -تعالى-: (وَوَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ كُلًّا هَدَينا وَنوحًا هَدَينا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوودَ وَسُلَيمانَ وَأَيّوبَ وَيوسُفَ وَموسى وَهارونَ وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ)،[٦] وسورة غافر، وذلك في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّـهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ).[٧][٨]

الدروس المُستفادة من سورة يوسف

تُستَفاد من سورة يوسف العديد من الدروس، والتي يُذكَر منها ما يأتي:[٩]

  • التأكيد على غَلَبة أمر الله مهما كاد الناس، ومَكروا؛ فقد كاد إخوة يوسف له عندما بَيّتوا له نيّة الأذى، فقضى الله بأمره وتدبيره نجاته، وتمكينه؛ فأصبح في نهاية المطاف عزيزَ مصر؛ قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ)،[١٠] وعلى الرغم من المِحَن الكثيرة التي تعرَّض لها يوسف -عليه السلام-، إلّا أنّ العاقبة التي آلَ إليها تُؤكّد سُنّة الله في الكون؛ وهي أنّ العاقبة للمُتَّقِين.
  • بيان أهمّية الاقتداء بشخصيّة النبيّ يوسف -عليه السلام-؛ فقد ذكرَ الله قصّته؛ حتى يكون قدوة يُحتذى بها؛ قال -تعالى-: (وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيناهُ حُكمًا وَعِلمًا وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ).[١١]
  • بيان أهمّية إظهار الافتقار إلى الله -سبحانه وتعالى-، والخضوع له؛ فقد قال الله -تعالى- على لسان نبيّه يوسف -عليه السلام-:(قالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدعونَني إِلَيهِ وَإِلّا تَصرِف عَنّي كَيدَهُنَّ أَصبُ إِلَيهِنَّ وَأَكُن مِنَ الجاهِلينَ).[١٢]
  • الإشارة إلى أنّ الحِيَل المشروعة جائزة ما دامَت أهدافها خَيِّرة؛ فقد لجأ يوسف -عليه السلام- إلى استخدام الحِيلة المشروعة؛ كي يحتفظ بأخيه إلى جانبه، إلّا أنّ الحيلة التي تهدف إلى الشرّ وارتكاب ما هو مُحرَّم غير جائزة.
  • إظهار كرم العافين عن الناس؛ فقد قابلَ يوسف -عليه السلام- إساءة إخوته بالعَفو، والغُفران، ومَنَّ عليهم بكرمه، وإحسانه؛ وذلك في قول الله -تعالى- على لسان نبيّه -عليه السلام- عند مجيء إخوته إليه في مصر: (وَقَد أَحسَنَ بي إِذ أَخرَجَني مِنَ السِّجنِ وَجاءَ بِكُم مِنَ البَدوِ مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطانُ بَيني وَبَينَ إِخوَتي إِنَّ رَبّي لَطيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ العَليمُ الحَكيمُ)؛[١٣] فقد أشارَ يوسف أمام إخوته إلى خروجه من السجن، ولم يُذكِّرهم بجريمتهم عندما وضعوه في الجُبّ، وإنّما نَسَب ذلك الفِعل إلى غواية الشيطان ونزغه.
  • التأكيد على أنّ الله لا يُؤخّر النصرَ إلّا لحكمة بالغة تتمثّل بالتمييز بين الطيّب والخبيث؛ قال -تعالى-: (حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَومِ المُجرِمينَ).[١٤]
  • التربية الصالحة، والعِفّة، والاستقامة، والأمانة، وصلابة العقيدة، والصبر من أسباب تحقيق النصر، والعِزّة، والتمكين، وتخطّي الصِّعاب، والفَرج؛ فقد تربّى يوسف -عليه السلام- في بيت النبوّة، فنشأ نشأة صالحة على الأخلاق الكريمة، والمَزايا الرفيعة التي وَرِثها عن آبائه وأجداده من الأنبياء الكِرام.[١٥]
  • التمسُّك بالمَبدأ -إن كان خيراً-، واليقين التامّ بأنّ الحقّ لا بُدّ أن يظهر حتى ولو بعد حين؛ فعلى الرغم من أنّ يوسف -عليه السلام- كان قد اتُّهِم ظُلماً، وسُجِن، إلّا أنّ الله أظهرَ براءته، ورَفَعه مكاناً عَليّاً.[١٥]
  • الدعوة إلى توحيد الله، والإيمان به منهج الأنبياء، وهاجس الداعية في كلّ حين؛ إذ لم يغفل يوسف -عليه السلام- عن الدعوة حتى أثناء سجنه ومحنته؛ فقد استغلّ لجوء السجينَين إليه؛ لتفسير رؤياهما؛ فدعاهما إلى الإيمان، واتِّباع دِين التوحيد؛ قال -تعالى-: (وَما تَسأَلُهُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِن هُوَ إِلّا ذِكرٌ لِلعالَمينَ).[١٦][١٥] وقال أيضاً: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ*مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).[١٧]

المراجع

  1. “فضل سورة يوسف من كتاب الحاوي في تفسير القرآن الكريم “، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-4. بتصرّف.
  2. ^ أ ب “هل قراءة سورة يوسف ينتفع بها المهموم والحزين”، www.islamweb.net، 2012-5-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب المستغفري (2008)، فضائل القرآن (الطبعة 1)، بيروت : دار ابن حزم ، صفحة 558، جزء 2. بتصرّف.
  4. ابن الأثير (1971)، جامع الأصول، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 336، جزء 5. بتصرّف.
  5. ابن يحيى الكاندهلوي (1971)، أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 116، جزء 2. بتصرّف.
  6. سورة الأنعام، آية: 84.
  7. سورة غافر، آية: 34.
  8. محمد سيد طنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة 1)، القاهرة : دار نهضة مصر ، صفحة 299، جزء 7. بتصرّف.
  9. “نظرات في آيات الله- الدرس: 13 -من سورة يوسف- العبر من قصة سيدنا يوسف عليه السلام”، www.nabulsi.com، 1996-1-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-5. بتصرّف.
  10. سورة يوسف، آية: 21.
  11. سورة يوسف، آية: 22.
  12. سورة يوسف، آية: 33.
  13. سورة يوسف، آية: 100.
  14. سورة يوسف، آية: 110.
  15. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير للزحيلي (الطبعة 2)، دمشق: دار الفكر ، صفحة 196،197، جزء 12. بتصرّف.
  16. سورة يوسف، آية: 104.
  17. سورة يوسف، آية: 39-40.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى