فضل الصدقة للمريض
حثّ النبي -عليه الصلاة والسلام- المريض أو وليّه بالتّصدُّق عنه؛ لقوله: (داوُوا مرضاكم بالصَّدَقةِ)،[١] وتكون الصدقة بحال المرض؛ فإن كان شديداً فيُسنّ الإكثار من التصدُّق، والمعنى أن المريض يشتري نفسه من الله -تعالى- بقدر ما تُساوي نفسه عنده،[٢] وذلك لما في الصدقة من دفع البلاء والأمراض، ويكون التصدُّق بأيّ عملٍ من أعمال الخير والمعروف، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُعالج الأمراض بثلاثة أنواعٍ من الأدوية؛ منها الطبيعية، والمعنويّة كالصدقة، وخليط منهما، والمقصود بالأدوية المعنوية أو الإلهية كالصدقة،[٣] وتُسنّ في أيّ مرض، وتكون بحسب حال المُتصدّق من حيث الغنى والفقر، ويُشرع تكرار الصدقة في حال تأخّر الشِّفاء، والشّفاء بيد الله -عزّ وجلّ- وحده، كما أنّ الصدقة تنفع العبد في دنياه وآخرته بالأجر العظيم.[٤]
فضائل أخرى للصدقة
إنّ للصدقة الكثير من الفضائل زيادةً عن شفائها للأمراض، ومنها ما يأتي:[٥][٦]
- الصدقة سببٌ لجلب النّفع والبركة للمُنفِق ولماله، لقول الله -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)،[٧] وهي من المال الذي يبقى لصاحبه وينفعه في الدُّنيا والآخرة، لِما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قالَ: يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ، يا ابْنَ آدَمَ مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟).[٨]
- الصدقة سببٌ للنّجاة من النّار وأهوال يوم القيامة، ويبقى أجرُها لصاحبها بعد موته، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له).[٩]
- الصدقة تُكمل النقص في فرض الزكاة وتَجبره، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (أولُ ما يحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ صلاتُهُ، فإنْ كانَ أتمَّها، كُتبتْ لهُ تامةٌ، وإنْ لم يكنْ أتمَّها، قالَ اللهُ لملائكتِهِ: انظروا هلْ تجدونَ لعبدِي منْ تطوعٍ فتكملونَ بها فريضَتَهُ؟ ثمَّ الزكاةَ كذلكَ، ثمَّ تؤخذُ الأعمالُ على حسبِ ذلكَ).[١٠]
- الصدقة سببٌ لدخول صاحبها الجنّة، والعتق من النّار، والنجاة من الحرّ يوم القيامة، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (كلُّ امرِئٍ في ظلِّ صَدقتِهِ، حتَّى يُفصَلَ بينَ النَّاسِ أو قالَ يُحكَمَ بينَ النَّاسِ).[١١]
- الصدقة سببٌ للنصر والرزق، وتُعوِّد المُسلم على العطاء والكرم، كما أنّها تشرح الصدر، وتُدخل الفرح على صاحبها، ويحصُل بها قضاء الحاجات، وتفريج الكُرَب، والسّتر في الدُنيا والآخرة، ونَيل رحمة الله -تعالى-.
- الصدقة سببٌ لنيل محبّة الله -تعالى-؛ لِمَا يتميّز به صاحِبُها من الإحسان، لقوله -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[١٢] ويترتّب لصاحِبِها الأجر الكبير من الله -تعالى-، وإبعاد الخوف والحزن عنه، لقوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).[١٣]
- الصّدقة تُكفّر السّيئات، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (والصدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ).[١٤][١٥]
- الصدقة دليلٌ على صدق المُتصدّق؛ لأنها من العلامات الواضحة على صدق إيمانه، وتُبْعِد عنه البُخل والشُّحّ، لقوله -تعالى-: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[١٦][١٧]
- الصدقة تشمل جميع أنواع الخير بمفهومها العام.[١٨]
أنواع الصدقة
لا تقتصر الصدقة على المال، ولها العديد من الأنواع، وهي كما يأتي:[١٩]
- أداء حُقوق المُسلمين؛ كردِّ السّلام، وإرشاد الضّالّ، وإبرار القسم، وجاء ذِكرُها في العديد من الأحاديث، كقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وعِيَادَةُ المَرِيضِ، واتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وإجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وتَشْمِيتُ العَاطِسِ).[٢٠]
- المشي في حُقوق الناس الواجبة، فقد جاء عن ابن عباس قوله: “مَنْ مَشَى بِحَقِّ أَخِيهِ إِلَيْهِ لِيَقْضِيَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ صَدَقَةٌ”.
- الصدقة المُتعدّية للآخرين؛ كالأمر بالمعروف، والصدقة القاصرة نفعُها على صاحبها، كالتسبيح، ومن أنواع الصدقة أيضاً كفُّ الأذى عن الناس، وإنظار المُعسر، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (من أنظرَ معسرًا كانَ لَه بِكلِّ يومٍ صدقةٌ ومن أنظرَه بعدَ حلِّهِ كانَ لَه مثلُه في كلِّ يومٍ صدقةٌ)،[٢١] وكذلك إعانة المحتاج، وصلاة الضحى، فقد جاء في ذلك نصوصاً شرعيّة.[٢٢]
- الصدقة الجاريّة، وهي التي يبقى أجرُها جارياً لصاحبها بعد موته؛ كبناء المساجد، وطباعة الكُتب، وحفر الآبار، وغيرها.[٢٣]
- الصدقة الماليّة، وهي التي تكون بالمال فقط، والصدقة غير الماليّة؛ التي تكون بجميع أعمال البر والخير، كالكلمة الطّيّبة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، والذّكر، وغيرها،[٢٤] ومما يؤكد هذا المعنى قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالوا للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قالَ: أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ).[٢٥][٢٦]
حكمة مشروعية الصدقة
شرع الإسلام الصّدقة للعديد من الحِكَم، منها الرّحمة بالفُقراء، ومواساتِهِم، ومُضاعفة الأجر للمُتصدّق، وتطهير نفسه من البُخل، وتخلُّقه بأخلاق الأنبياء -عليهم السلام- في البذلّ والعطاء، ولما لها من جلب المودّة والمحبّة بين الناس.[٢٧][٢٨]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن الحسن البصري، الصفحة أو الرقم: 744، حسن لغيره.
- ↑ محمد بن محمد العبدري الفاسي الشهير بابن الحاج، المدخل، القاهرة: دار التراث، صفحة 141، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إسماعيل الحسني عز الدين (2011)، التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة دار السلام، صفحة 70، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 15822، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ راشد بن حسين العبد الكريم (2010)، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الصميعي، صفحة 482-485. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صدقة التطوع في الإسلام – مفهوم، وفضائل، وآداب، وأنواع في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 6-14، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة سبأ، آية: 39.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن الشخير، الصفحة أو الرقم: 2958، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أوالرقم: 1631، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن تميم الداري، الصفحة أو الرقم: 2829، صحيح.
- ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 943، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 195.
- ↑ سورة البقرة، آية: 274.
- ↑ رواه ابن القيم، في أعلام الموقعين، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 4/259، صحيح.
- ↑ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1423هـ)، تفسير الفاتحة والبقرة (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 360، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية: 9.
- ↑ عبد المحسن العباد البدر، شرح الأربعين النووية، صفحة 6، جزء 23. بتصرّف.
- ↑ حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري، القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الطبعة الأولى)، الرياض: مؤسسة النور للطباعة والتجليد، صفحة 47، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، الحنبلي (2001)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم (الطبعة السابعة )، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 90، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1240، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 1977، صحيح.
- ↑ شحاتة محمد صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، الإسكندرية: دار الفتح الإسلامي، صفحة 427، 429-430، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ أمين بن عبد الله الشقاوي (2016)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الأولى)، صفحة 95، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 26، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 1006، صحيح.
- ↑ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، الحنبلي (2004)، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن حزم للطباعة والنشر ، صفحة 248. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية، صفحة 93، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف، الموسوعة الفقهية، الدرر السنية dorar.net، صفحة 262، جزء 1. بتصرّف.