عقوق الوالدين أسبابه وأضراره

'); }

عقوق الوالدين أسبابه وأضراره

أسباب عقوق الوالدين

تتعدّد الأسباب التي من شأنها أن تؤدّي إلى عقوق الوالدين، ومن هذه الأسباب:[١][٢][٣]

  • التَّقصير في التَّربية، وعادةً ما يشترك الوالدين بذلك مع أبنائهم، فتقصير الوالدين في تربية الأبناء على منهج القرآن الكريم وعلى سنّة النّبي -صلى الله عليه وسلّم-، وعدم الحرصِ على تعليمهم تعاليمَ الدّين؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وغيرها من العبادات، والأخلاق الحميدة؛ من شأنِه أن يتسبَّب في أن يعقّ الأبناء آبائهم.
  • عقوق الوالدين أنفسهم لآبائهم في السّابق قد يؤدّي إلى عقوق أبنائهم لهم، فيكون الجزاء من جنس العمل.
  • ابتلاءٌ وامتحانٌ من الله -تعالى-، فقد يقوم الوالديْن بتربية أبنائهما تربيةً سليمةً مُشتملةً على مكارم الأخلاقِ، ومع ذلك يقابلهم الأبناء بالإساءة والعقوق ولا ينبغي للأبناء أن يقوموا بالتّقصير في طاعة آبائهم بحجّة تقصير الوالدين بتربيتهم، فطاعة الوالدين واجبةٌ في كلِّ الأحوال ما لم يكن في طاعتهما مخالفةٌ لأمر الله -سبحانه-، كما أن الإحسان إليهما واجبٌ وإن كانا على غير دين الإسلام.
  • الجهل بفضل برّهما وعِظم ثواب ذلك عند الله -سبحانه-، والجهل بالمقابل بسوء عاقبة عقوقهما وعاقبته السيّئة.
  • تناقض أفعال الوالدين عند تعليم أبنائهما الأخلاق والعبادات، والغفلة عن القيام بها أو مخالفتها؛ يدعو الأبناء إلى التقصير وعدم الطاعة.
  • صحبة السوء من أكثر ما يدعو ويشجّع الابن على العقوق.
  • الخصومة بين الوالدين التي تنتهي بالطلاق إلى خلق عدم احترام الأبناء لوالديهم؛ فيقوم الأب مثلاً في بعض الأحيان بتحريض الأولاد على والدتهم بذكر صفاتها السيّئة، وتقوم الأُمّ بفعل نفس الشيء مع أبنائها.
  • عدم العدل بين الأبناء، ممّا يدعو إلى بثّ روح البغضاء والشحناء بين الأبناء والآباء، وقد يتزوّج الابن فيُبتلى بزوجةٍ سيّئة الخُلُق تدعوه إلى عدم الاعتناء بوالديه والتخلّص منهما.

'); }

أضرار عقوق الوالدين

يُعدّ عقوق الوالدين من أكثر ما يتسبَّب بدمار الأُسرة، فقد يؤدّي إلى تخلّي الوالد عن ولده، ويعيش الوالدين حياةً مليئةً بالقهر والقلق والشّقاء، ولا يمكن لأيٍّ منهما أن يمارس حياته بشكلٍ طبيعيٍّ،[٤] كما أنَّ العقوق من الكبائر التي تؤدّي إلى غضب الله -تعالى-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا، قالوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكانَ مُتَّكِئًا فَقالَ- أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قالَ: فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ)،[٥] كما يُحرم العاقّ لوالديه من دخول الجنّة ولذة النظر إلى وجه الله -سبحانه-، فالله لا ينظر إلى من قصَّر في أداء حقوق والديه، يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ؛ العاقُّ لوالِدَيهِ، والمرأةُ المترجِّلةُ، والدَّيُّوثُ، وثلاثةٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ: العاقُّ لوالِدَيهِ، والمدمِنُ على الخمرِ، والمنَّانُ بما أعطى)،[٦] ولا يردّ الله دعوة الوالد إذا دعا على ابنه العاقّ، وبذلك يجد العاقّ عقوبة عقوقه في الدنيا والآخرة، جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثلاث دعواتٍ مستجاباتٌ: دعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوَالِد على وَلدهِ).[٧][٨]

أقوال السلف في عقوق الوالدين

كان الّسلف الصالح -رضوان الله عليهم- يُدركون عِظم عاقبة العاقّ لوالديه، يقول كعب الأحبار -رحمه الله- إن العقوق من أسباب تعجيل العقوبة، وحرمان البركة في العمر، بخلاف البارّ بوالديه الذي يجد البركة في عمره ورزقه،[٩] وأشار عمر بن عبد العزيز على النّاس أن لا يتوقّعوا من العاقّ أن يودَّهم ولو أجزلوا له بالودّ والعطاء، فكيف له أن يَفعل ذلك وقد آذى بأقرب الناس إليه؟![١٠] وقد كانت نصيحة أهل الحكمة لعامة الناس أن لا يُجالسوا أو يُصادقوا عاقّاً، فهو غير جديرٍ بالصداقة؛ لِما كان منه من العقوق لمن هم أشدّ حقّاً عليه من الصَّديق،[١١] وقد ضرَب الصحابة والتابعين في البرّ أروع الأمثلة، فهذا عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب المسمّى بزَيْن العابدين؛ كان يبرّ أُمَّه بِراً عظيماً، حتى سُئل يوماً عن امتناعه عن الأكل مع أُمّه بنفس الوقت رغم برِّه لها، فأجاب قائلاً: “أخاف أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققْتها”، وكذلك الحال مع محمد بن سيرين؛ فقد كان حال جلوسه مع أُمّه كالمريض من شدّة تواضعه لها، فقد قال عنه ابن عون -رحمه الله-: “إن محمدًا إذا كان عند أمه لو رآه رجلٌ ظنّ أن به مرضًا من خفض كلامه عندها”.[١٢]

ما يعين على بر الوالدين

إنّ ممّا يُعين العبد على برِّ والديه الاستعانة بالله -سبحانه-، واستحضار أجر البرّ، وعاقبة العقوق، وفضل والديه العظيم عليه، والإكثار من مجالسة الصالحين البارِّين، والحرص على القراءة في قصص أهل البرّ والإحسان لوالديهم،[١٣] ومن الأسباب التي تُعين الإنسان على البِرّ: الإكثار من التوجّه إلى الله -تعالى- بالتضرّع والدّعاء بأن يُكرمه بالبرّ، ويُعيذه من العقوق ومن سوء عاقبته، وأن يُذَّكر الإنسان نفسه بأنَّه قد يأتي يوم يفقد فيه والديه، فأحوال الدُنيا لا تدوم، والفقد سُنَّةٌ مُقدَّرةٌ على الناس عاجلاً أم آجلاً، فمن أدرك والديه وهُما على قيد الحياة؛ فقد أدرك نعمةً عظيمة حُرِم منها الكثير من الناس، ووجب عليه الإحسان إليهما، وممّا يُعين على البرّ استحضار رضا الله -تعالى- على هذا الفعل الحسن؛ ممَّا يُشوّق الابن إلى الاستزادة من البرّ والإحسان، فالابن البار في طاعةٍ دائمةٍ لله -عزّ وجلّ-.[١٤]

مفهوم عقوق الوالدين

يُعرّف عقوق الوالدين بأنَّه إلحاق الضرر بهما؛ بإغضابهما وعدم تقديم المساعدة لهما،[١٥] وللعلماءِ تعريفاتٌ متقاربةٌ لعقوق الوالدين، حيث يعرّفه ابن الصلاح بأنه الفعل الذي يؤذي الوالدين أذىً غير هيّن، ويوافقه في التعريف قول ابن عطية بأنَّ العقوق يتمََثَّل في إلحاق أنواع الأذى بالوالدين؛ سواء أكان بالكلام أم بالفعل،[١٦] ويكون العقوق بمخالفة الوالدين في الأمور التي لا يوجد فيها معصية، كما أنّ برّهما يكون بالتواضع والإحسان إليهما، أمَّا إذا كان أمرهم لأبنائهم يشتمل على معصيةٍ تؤدّي إلى غضب الله -تعالى-؛ فلا طاعة لهما حينئذٍ، وتكون طاعتهما في المباحات والمندوبات والواجبات،[١٧] ومن علامات عقوق الأبناء لآبائهم وأمّهاتهم؛ إدخال الحزن على قلبيْهما، والتسبّب في بكائهما، والتجرّؤ برفع الصوت عليهما، والغِلظة والقسوة في التعامل معهما، وعدم المسارعة إلى القيام بخدمتهما أو تقديم المساعدة لهما عند الحاجة، والعبوس في وجهيْهما والتأفّف والتضجّر منهما.[١٨]

المراجع

  1. عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، السعودية: موقع الشبكة الاسلامية، صفحة 9، جزء 221. بتصرّف.
  2. “من أسباب العقوق”، www.islamweb.net، 9-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 18-9-2020. بتصرّف.
  3. محمد ابراهيم الحمد، كتاب عقوق الوالدين أسبابه-مظاهره-سبل العلاج، السعودية: موقع وزارة الأوقاف، صفحة 25-28. بتصرّف.
  4. محمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، السعودية: موقع الشبكة الإسلامية، صفحة 6. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 2654، صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2561، حسن صحيح.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3448، حسن.
  8. صلاح الدق (5-4-2018)، “آثار عقوق الوالدين على الأبناء”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-9-2020. بتصرّف.
  9. شمس الدين الذهبي، كتاب الكبائر للذهبي، بيروت: دار الندوة الجديدة، صفحة 41. بتصرّف.
  10. أبو بكر الدينوري (1419)، المجالسة وجواهر العلم، البحرين: جمعية التربية الاسلامية، صفحة 482، جزء 3. بتصرّف.
  11. ابن الجوزي (1993)، كتاب البر والصلة لابن الجوزي، بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، صفحة 103. بتصرّف.
  12. محمد الحمد، كتاب دروس رمضان، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 49-50. بتصرّف.
  13. محمد الحمد، كتاب دروس رمضان، السعودية: وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 47. بتصرّف.
  14. محمد مختار الشنقيطي، دروس الشيخ محمد المختار الشنقيطي، السعودية: موقع الشبكة الاسلامية، صفحة 9. بتصرّف.
  15. محمد قلعجي (1988)، كتاب معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 318. بتصرّف.
  16. سعدي أبو حبيب (1988)، كتاب القاموس القرآني (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفكر، صفحة 258. بتصرّف.
  17. شمس الدين القرطبي (1964)، تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكتب المصرية، صفحة 238، جزء 10. بتصرّف.
  18. محمد بن ابراهيم الحمد، كتاب عقوق الوالدين أسبابه-مظاهره-سبل العلاج، السعودية: موقعوزارة الوقاف السعودية، صفحة 9-11. بتصرّف.
Exit mobile version