محتويات
'); }
الموت
بيَّن الله سبحانه وتعالى في كتابه والنَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثه أوَّل منازلِ الآخرة، ألا وهو الموت والقبر، فقد أخبر النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام عن حال العبد المؤمن أو الكافر في سكرات الموت، كما أنه بيَّن حالهم في القبر، وذلك في الحديث الذي رواه البراء بن عازبٍ رضي الله عنه، قال: “‘(خرجنا مع رسولِ اللهِ فذكر مثلَه إلى أن قال فرفع لرأسِه فقال استعيذوا باللهِ من عذابِ القبرِ مرَّتَيْن أو ثلاثًا ثمَّ قال إنَّ العبدَ المؤمنَ إذا كان في انقطاعٍ من الدُّنيا وإقبالٍ من الآخرةِ نزل إليه ملائكةٌ من السَّماءِ بيضُ الوجوهِ كأنَّ وجوهَهم الشَّمسُ معهم كفنٌ من أكفانِ الجنَّةِ وحَنوطٌ من حنوطِ الجنَّةِ حتَّى يجلِسوا منه مدَّ البصرِ ثمَّ يجيءُ ملَكُ الموتِ عليه السَّلامُ حتَّى يجلسَ عند رأسِه فيقولُ أيَّتها النَّفسُ الطَّيِّبةُ اخرُجي إلى مغفرةٍ من اللهِ ورضوانٍ قال فتخرُجُ فتسيلُ كما تسيلُ القطرةُ من في السِّقاءِ فيأخذُها فإذا أخذها لم يدَعوها في يدِه طرْفةَ عينٍ حتَّى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفنِ وفي ذلك الحنوطِ ويخرُجُ منها كأطيَبِ نفْحةِ مِسكٍ وُجِدت على وجهِ الأرضِ قال فيصعَدون بها فلا يمُرُّون يعني بها على ملأٍ من الملائكةِ إلَّا قالوا ما هذا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فيقولون فلانُ بنُ فلانٍ بأحسنِ أسمائِه الَّتي كان يُسمُّونه بها في الدُّنيا حتَّى ينتهوا بها إلى السَّماءِ الدُّنيا فيستفتحون له فيُفتحُ لهم فيُشيِّعُه من كلِّ سماءٍ مُقرَّبوها إلى السَّماءِ الَّتي تليها حتَّى ينتهيَ بها إلى السَّماءِ السَّابعةِ فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ اكتبوا كتابَ عبدي في عِلِّيِّين أعيدوه إلى الأرضِ فإنِّي منها خلقتهم وفيها أُعيدهم ومنها أُخرجُهم تارةً أخرَى فتُعادُ روحُه في جسدِه فيأتيه ملَكان فيُجلسانه فيقولان من ربُّك فيقولُ ربِّي اللهُ فيقولان ما دينُك فيقولُ ديني الإسلامُ فيقولان ما هذا الرَّجلُ الَّذى بُعِث فيكم فيقولُ هو رسولُ اللهِ فيقولان له وما عمَلُك فيقولُ قرأتُ كتابَ اللهِ فآمنتُ به وصدَّقتُه فيُنادي منادٍ من السَّماءِ أن صدق عبدي فأفرِشوه من الجنَّةِ وألبِسوه من الجنَّةِ وافتَحوا له بابًا إلى الجنَّةِ قال فيأتيه من روحِها وطيبِها ويُفسَحُ له في قبرِه مدَّ بصرِه قال ويأتيه رجلٌ حسنُ الوجهِ حسنُ الثِّيابِ طيِّبُ الرِّيحِ فيقولُ أبشِرْ بالَّذي يسُرُّك هذا يومُك الَّذي كنتَ تُوعَدُ فيقولُ من أنت فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالخيرِ فيقولُ أنا عملُك الصَّالحُ فيقولُ ربِّ أقِمِ السَّاعةَ حتَّى أرجِعَ إلى أهلي ومالي وإنَّ العبدَ الكافرَ إذا كان في انقطاعٍ من الدُّنيا وإقبالٍ من الآخرةِ نزل إليه من السَّماءِ ملائكةٌ سودُ الوجوهِ معهم المُسوحُ فيجلِسون منه مدَّ البصرِ ثمَّ يجيءُ ملَكُ الموتِ حتَّى يجلِسَ عند رأسِه فيقولُ أيَّتها النَّفسُ الخبيثةُ اخرُجي إلى سخطٍ من اللهِ وغضبٍ قال فتُفرَّقُ في جسدِه فينتزِعُها كما يُنتزَعُ السُّفُّودُ من الصُّوفِ المبلولِ فيأخذُها فإذا أخذها لم يدَعوها في يدِه طرفةَ عينٍ حتَّى يجعلوها في تلك المُسوحِ ويخرُجُ منها كأنتنِ جيفةٍ وُجِدت على وجهِ الأرضِ فيصعدون بها فلا يمُرُّون بها على ملأٍ من الملائكةِ إلَّا قالوا ما هذا الرُّوحُ الخبيثُ فيقولون فلانُ بنُ فلانٍ بأقبحِ أسمائِه الَّتي كان يُسمَّى بها في الدُّنيا حتَّى يُنتهَى به إلى السَّماءِ الدُّنيا فيُستفتَحُ له فلا يُفتَحُ له ثمَّ قرأ رسولُ اللهِ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ اكتبوا كتابَه في سِجِّين في الأرضِ السُّفلَى فتُطرَحُ روحُه طرحًا ثمَّ قرأ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ فتُعادُ روحُه في جسدِه ويأتيه ملَكان فيُجلسانه فيقولان له من ربُّك فيقولُ هاه هاه لا أدري قال فيقولان له ما دينُك فيقولُ هاه هاه لا أدري فيقولان له ما الرَّجلُ الَّذي بُعِث فيكم فيقولُ هاه هاه لا أدري فيُنادي منادي من السَّماءِ أن كذب فأفرِشوه من النَّارِ وافتحوا له بابًا إلى النَّارِ فيأتيه من حَرِّها وسَمومِها ويُضيَّقُ عليه قبرُه حتَّى تختلِفَ أضلاعُه ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثِّيابِ مُنتِنُ الرِّيحِ فيقولُ له أبشِرْ بالَّذي يسوءُك هذا يومُك الَّذي كنتَ توعدُ فيقولُ من أنت فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشَّرِّ فيقولُ أنا عملُك الخبيثُ فيقولُ ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ“[١].
لقد بيَّن كذلك العلماء قاطبةً كيفيَّة النَّجاة من عذاب القبر، وحذَّروا الأمَّة من هذه المحنة العظيمة، حيث إنّ موت الإنسان يعني انقطاع عمله، فإن كان خيراً فقد فاز، وإن كان شرّاً فقد خابَ، فالعياذ بالله من عذاب القبر، ولكن من رحمة الله تعالى بعباده أنَّه أوجب على البعض أن يُقيموا الصَّلاة على من مات منهم، ويدعوا له في هذه الصَّلاة، لعلَّ الله تعالى يرحمه برحمته التي وسعت كلَّ شيء، حيث إنَّ هذه الصَّلاة لها أحكامٌ خاصَّة، وصِفةٌ معيَّنة، بيَّنها وعلَّمها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدِّين، ومن بين هذه الأحكام عدد التَّكبيرات في هذه الصَّلاة، وما يُقال أو يُقرأُ بعد كلِّ تكبيرة.
'); }
الجنازة
الجنازة بالفتح أو الكسر هي مفرد الجَنائز بالفتح فقط، وقد قيل أن الجنازة بالفتح هي للميِّت، أمَّا إن كانت بالكسر فهي للنَّعش، وقيل أيضاً أن العكس جائز، وقيل أن الجنازة بالفتح والكسر هي للميِّت بنعشه [٢]
حكم الصَّلاة على الميِّت
نقَل ابن تيمية، وابن حجر، وابن عبد البر الإجماع على أنَّ لصلاة الجنازة تحريماً، وتكبيراً، وتحليلاً، وأنَّه يجب استقبال القبلة فيها، كما أنَّه يكون فيها إمامٌ ومأمومون، ولكن يجوز أن يُصلِّي المسلم منفرداً على الميِّت إن لم يكن معه أحد؛ لأنّها فرض كفاية كما سنبيِّن لاحقاً إن شاء الله، وكذلك يُمنع فيها ما يُمنع في الصَّلاة العادية، كالكلام وغيره.
أما بالنِّسبة لحُكْم الصَّلاة على الميِّت المسلم الحاضر، هو فرض كفاية بإجماع العلماء على ذلك، وقد استدلُّوا بعدَّة أدِلَّةٍ، كحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: “‘(أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بجِنازةٍ ليُصلِّيَ عليها، فقال: هل عليه مِن دَينٍ؟ قالوا: لا، فصلَّى عليه، ثم أُتِيَ بجِنازةٍ أخرى، فقال: هل عليه مِن دَينٍ؟ قالوا: نعمْ، قال: فصلُّوا على صاحبِكم. قال أبو قتادة: عليَّ دَينُه يا رسولَ الله، فصلَّى عليه)'” [أخرجه البخاري برقم: 2295].
إنَّ هذا الإجماع قد نقله عدد من العلماء كالإمام النَّوويِّ في المجموع [212/5]، وابن حزم في المحلى [4/2] وغيرهم، وقد قالوا في الحديث الذي ذكرناه سابقاً، أنَّ النَّبيَّ أمر أصحابه بالصَّلاة على الذي عليه دَيْنٌ ولم يُبْقِ شيئاً لردِّ دَيْنه، وهذا الأمر يعني الوجوب أي أنّها فرض، وأما عدم صلاته صلَّى الله عليه وسلَّم على هذا الرجل يعني أنَّ هذا الفرض هو فرض كفاية، أي أنَّه إذا قام به البعض، فإنه سيسقط عن الباقين.
عدد التَّكبيرات في الصَّلاة على الميِّت
لا تَجوز صلاة الجنازة بأقلَّ من أربع تكبيراتٍ بإجماع العلماء قاطبةً، وقد نقل هذا الإجماع مجموعة من العلماء، كالإمام النَّوويُّ في كتابه المجموع [230/5]، وابن عبد البر في كتابه التَّمهيد [334/6]، حيث إنَّهم استدلُّوا بعدَّة أدلَّةٍ من السُّنَّة كحديث جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: “‘(أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على أَصْحمَةَ النجاشيِّ، فكبَّر عليه أربعاً)'” [أخرجه البخاري برقم: 1334، ومسلم برقم: 952 واللَّفظ لمسلم].
اتَّفقت المذاهب الأربعة على أن الزِّيادة عن أربع تكبيرات غير مشروع، حيث إنَّه كان هناك بعض الاختلاف بين الصَّحابة فيما إن كانت أربعاً أو خمساً، ولكن في زمن عمر بن الخطَّاب ثبتت الصَّلاة على أربع تكبيرات، وقد نقل هذا الإجماع الإمام النَّووي، ابن عبد البر في ما نقلناه سابقاً عنهما، كما أنّ غيره نقل هذا الإجماع كالخرشي في شرح مختصر خليل [118/2].
ما يُقال بعد كلِّ تكبيرة
- بعد التَّكبيرة الأولى: ذهب الشَّافعية [للنَّووي في المجموع (233/5]، والحنابلة [لابن قدامة في المُغْني (367/2)]، وبعض السَّلف [يُنظر في الأوسط لابن المنذر (481/5)] إلى أنَّ قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة فرض، وقد استدلُّوا بفعل ابن عباسٍ رضي الله عنهما فيما رواه طلحة بن عبد الله بن عوفٍ، قال: (صلَّيتُ خلفَ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما على جِنازة، فقرَأَ بفاتحةِ الكتابِ، قال: لِيَعْلموا أنَّها سُنَّةٌ). [البخاري برقم: 1335].
- بعد التَّكبيرة الثَّانية: يقرأ المُصلِّي على الميِّت بعد التَّكبيرة الثَّانية الصَّلاة على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا مذهب الشافعية [النَّووي في المجموع (235/5)]، والحنابلة [البهوتي في كشاف القناع (117/2)]، وقد استدلَّ العلماء بحديث أبي أمامة بن سَهلٍ، أنَّ رجلاً من أصحاب النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام أخبره: “‘(أنَّ السُّنَّة في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يُكبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتابِ- بعدَ التكبيرة الأولى- سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصلِّيَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُخلِصَ الدُّعاءَ للجِنازةِ في التكبيراتِ، لا يقرأُ فى شىءٍ منهنَّ، ثم يُسلِّم…)'” [٣]
- بعد التَّكبيرة الثَّالثة: قال المالكية [المواق في التَّاج والإكليل (213/2)]، والشافعية [النَّووي في المجموع (236/5)]، والحنابلة [لبرهان الدين ابن مفلح في المبدع (231/2)] إنَّ الدُّعاء للميِّت في صلاة الجنازة ركنٌ، وقد بيَّن الإمام النَّووي في كتابه المجموع برقم الصَّفحة والجزء الذي بيَّناه هنا، إنَّ القصد في هذه الصَّلاة هو الدُّعاء للميِّت، فلا يجوز أن يُخِلَّ المُصلِّي على الميِّت بهذا المقصود.
- بعد التَّكبيرة الرابعة: اختلفت أقوال العلماء بجواز الدُّعاء للميِّت بعد التَّكبيرة الرابعة على قولين:
- القول الأول: ذهب أهل القول الأوَّل إلى أنَّ الدُّعاء مشروعٌ للميِّت بعد التَّكبيرة الرابعة وقبل التَّحليل من الصَّلاة (أي السَّلام)، وقالوا إنَّ السَّبب بهذه المشروعية هو أن المُصلِّي ما زال قاماً يُصلِّي، وهذا يُجيز له الدعاء في هذا المكان، كما هو الحال بعد التَّكبيرة الثَّالثة وغيرها، وهذا مذهب المالكية [الخرشي في شرح مختصر خليل (118/2)]، والشَّافعي [الرملي في نهاية المحتاج (480/2)]، وهذا أيضاً اختيار بعض الأحناف [كما في حاشية ابن عابدين (213/2)، وغيره]، كما أن هُناك روايةً عن الإمام أحمد بن حنبل بهذا القول [ابن قدامة في المُغْني (365/2)].
- القول الثَّاني: ذهب أهل القول الثَّاني إلى أنَّه ليس من دعاءٍ بعد التَّكبيرة الرابعة، وإنَّما يكون السَّلام مباشرةً بعدها؛ وذلك لأنهُ لو دعا بعد التَّكبيرة الرَّابعة لأصبح من اللَّازم الإتيان بتكبيرةٍ خامسةٍ للفصل بين القراءةِ والسَّلام، وهذا مذهب الحنفيَّة [العيني في البناية (217/3)]، والحنابلة [البهوتي في كشاف القناع (115/2)]، وقولٌ عند المالكية [أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطَّأ (12/2)].
الأدعية المأثورة بعد التَّكبيرة الثالثة
من الأدعية الصَّحيحة الواردة في السُّنَّة للميِّت في صلاة الجنازة، وخاصَّةً بعد التَّكبيرة الثَّالثة ما رواه مسلمٌ في صحيحه برقم (963): “‘(اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه واعْفُ عنه، وأكرم نُزُله، ووسِّع مُدْخَله، واغسله بالماء والثَّلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما نقَّيت (وفي رواية: كما يُنقَّى) الثَّوب الأبيض من الدَّنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أخله، وزوجاً خيراً من زوجه (وفي رواية: زوجة)، وأدخله الجنَّة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النَّار)'”.
المصادر
- ↑ رواه الشيخ الألباني، في صحيح التَّرغيب، عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم: 3558.
- ↑ سعيد القحطاني، أحكام الجنائز، الرِّياض: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، مطبعة سفير، صفحة 5.
- ↑ رواه الشيخ الأباني، في أحكام الجنائز، عن رجلٌ من الصَّحابة، الصفحة أو الرقم: 155.