الآداب

وصف الطبيعة عند ابن الرومي

صورة مقال وصف الطبيعة عند ابن الرومي

وصف الطبيعة في شعر ابن الرومي

يُعدّ وصف الطبيعة من أكثر الفنون والأغراض الشعرية التي برع فيها ابن الرومي أيمّا براعة، فكان من أشهر وصّافي العصر العباسي، حتى لُقِّب ب “الفاني في الطبيعة”، فاتّحد مع الطبيعة وجعلها ملاذه وأمه الرؤوم، ولعلّ لجوءه للطبيعة كان وسيلته لنسيان ما عايشه في الحياة.

اعتمد ابن الرومي في وصفه للطبيعة على الوصف الوجدانيّ، فأسقط على الطبيعة انفعالاته الداخلية، وجعلها تشاركه أحاسيسه ومشاعره، وجاء وصفه للطبيعة معتمدًا على التشبيه، فشخّص الأشياء الثمينة والأحجار الكريمة وجعلها المشبه به في أشعاره، كما برع في تصوير البيئة الحية، فصوّر الطيور والحيوانات المختلفة، فرسم من مظاهر الطبيعة لوحات ورسومات تحدثت عن شخصيته.[١]


خصائص شعر وصف الطبيعة عند ابن الرومي

تمتع شعر وصف الطبيعة بخصائص وميزات جعلته الغرض الأكثر شهرةً في أشعار ابن الرومي، ومن هذه الخصائص ما يأتي:[٢]
  • اعتماد ابن الرومي في تصويره للطبيعة على الحواس، فوظف السمع، والبصر، والشم، إضافةً إلى حاسة الذوق والخيال، فنجده إذا صوّر الروضة، فإنه يصور زقزقة العصافير، ويصور مشاهدها الرائعة، وروائحها العطرة.
  • تصوير ابن الرومي في وصفه للطبيعة الحركة، وهو ما أظهر براعته وإبداعه، إذ إنه ليس من السهل تصوير الحركة كونها لا تتوقف في العين، لكن تصويره حركات الأشياء أظهر أسلوبه الإبداعي.
  • إسقاط الصفات الإنسانية على الطبيعة الساكنة، وجعلها تتمتع بخصائص الإنسان، فهو على سبيل المثال يصور الشمس بامرأة مريضة تضع خدّها على الأرض.
  • التقاط وصف الطبيعة من هوامش اجتماعية، وهي بذلك نقلت السامع والقارئ إلى عالم بديع من الوصف والتصوير الفوتوغرافي.

أنماط الصورة الشعرية الوصفية عند ابن الرومي

كثرت الصور الشعرية في وصف ابن الرومي للطبيعة، عكست للقارئ والسامع رهافة حس الشاعر ويقظة شعوره، فجاءت الصورة الوصفية في نمطين مثّلا الوظيفة الفنية والفكرية، إضافةً للوظيفة النفسية عند الشاعر، وهذان النمطان هما الآتي:

  • نمط الصورة العقلية

هو نمط يقوم على التعبير العقلي، مهتمًا بالفلسفة، متبنيًا منهج المعتزلة في التفكير، فنجد الصورة العقلية في كثرة الورود في قصائد ابن الرومي.

  • نمط الصورة الفنية

هو عبارة عن معادلة ذهنية، يتجلى طرفاها ما بين الخيال والواقع، فكان لها ذلك التأثير العظيم في النفس؛ وذلك لأنها عملت على إيقاظ الأحلام، وإضاءة اللاشعور.

السمات الفنية في قصائد وصف الطبيعة عند ابن الرومي

اتّسمت القصائد الوصفية في شعر ابن الرومي -لا سيما- قصائد وصف الحيوان بمجموعة من السمات الفنية، من هذه السمات ما يأتي: 
  • فن التصوير في شعره الوصفي

فكثيرًا ما استخدم ابن الرومي أداة التجسيم والتشخيص في شعره، فالطيور في وصفياته تنوح وتبكي وتعشق وتشكو، فيصور لنا مشاهد وصفية حيّة نابضة بالمشاعر والانفعالات الإنسانية التي تعكس في نهاية الأمر حالته النفسية، مما يجعل شعره شعرًا وجدانيًا.

  • عدّ ابن الرومي من أصحاب مدرسة المعاني

انفرد شعر ابن الرومي الوصفي بتعدد وجوه المعاني، فهو يقلّب المعنى على جميع وجوهه مستحضرًا كافة الصور، وهي طريقة مستحدثة في عصره لم يتعود عليها غيره من الشعراء والأدباء.

  • كثرة التشبيهات وتواليها

فقد لازم التشبيه أسلوب الوصف ملازمة شديدة، فكان يحتفل بالتشبيه احتفالا كبيرًا في أوصافه.

  • الوضوح

انتهج ابن الرومي منهج الاستقراء والتحليل، مما جعل أسلوبه تحليليًا متأثرًا بالطرائق الفلسفية في العصر العباسي، فعبر عن الحياة وظواهر الوجود بأسلوب واضح، فدل ذلك على سعة ثقافته، وعمق تفكيره وصحته.

  • صلته بالشعر التعليمي

لا شك أنه معرفة الشاعر بالعلوم الطبيعية ومقدرته على العلوم اللغوية جعلته يسترسل في وصفه ويفصّل ويطنب، مما جعل شعره الوصفي يدخل في حيز الشعر التعليمي أحيانًا، مع الحفاظ على الوحدة الموضوعية في شعره.

  • الوحدة العضوية في قصائده

فكل بيت في قصائد ابن الرومي الوصفية يرتبط بأخيه ارتباطًا وثيقًا من قبل ومن بعد، فالمعاني عنده تتولد من بعضها البعض ولا سبيل لفصلها في غالب الأحيان.

  • استخدام البديع

كان استخدام الشاعر للبديع استخدامًا معقولًا، فشاع الطباق والجناس بأقسامه في أبياته دون تكلّف أو تصنّع، إلا أنه لم يكثر من استخدام هذين اللونين البلاغيين بل يستخدمهما بين الحين والآخر.

  • لزوم ما يلزم

أي أن ابن الرومي كان يلتزم في كثير من قوافيه حركة ما قبل الروي في المطلق والمقيّد.

نموذج من شعر وصف الطبيعة عند ابن الرومي

قصيدة “ضحك الربيع إلى بكا الديم” يقول فيها:[٣]

ضحكَ الربيعُ إلى بكا الدِّيمِ

:::وغدا يُسَوِّي النبت بالقمَمِ

من بين أخضرَ لابسٍ كُمَماً

:::خُضْراً وأزهرَ غير ذي كُمَمِ

مُتلاحِق الأطرافِ مُتَّسقٍ

:::فكأنَّه قد طُمَّ بالجَلمِ

مُتبلِّجِ الضَّحواتِ مُشرِقِها

:::متأرِّجِ الأسحار والعَتَمِ

تَجِدُ الوحوشُ به كفايتَها

:::والطيرُ فيه عتيدةُ الطِّعَمِ

فظباؤهُ تُضْحي بمُنْتَطَحٍ

:::وحمامُه تُضْحِي بمختصمِ

أحذى الأميرُ ربيعَنا خُلُقاً

:::يهمي إذا ما البرقُ لم يُشَمِ

فالقطْرُ ضربةُ لازمٍ قسماً

:::والصحوُ فيه تحِلَّةُ القسمِ

والروضُ في قِطَعِ الزَّبَرجَدِ والْ

:::ياقوتُ تحت لآلِئٍ تُؤمِ

طلٌّ يُرقرقُهُ على ورقٍ

:::فكأنّه درٌّ على لِمَمِ

حشد الربيعُ مع الربيع لهُ

:::فغدا يهُزُّ أثائثَ الجُممِ

والدولةُ الزهراءُ والزمن ال

:::مِزهار حسبك شافيَ القَرَمِ

إن الربيعَ لكالشَّباب وإنْ

:::نَ الصيفَ يكسعه لكالهرمِ

أشقائقَ النُّعمانِ بين رُبَى

:::نُعمانَ أنتِ محاسنُ النِّعمِ

غدتِ الشقائقُ وهْي واصفةٌ

:::آلاءَ ذي الجبروتِ والعِظَمِ

تُرَفٌ لأبصارٍ حلَلْنَ بها

:::لِيرَيْنَ كيف عجائبُ الحِكمِ

عبرٌ لأفكارٍ بعثن لها

:::ليرين كيف عجائب الحكمِ

المراجع

  1. “براعة الوصف في شعر ابن الرومي”، الألوكة. بتصرّف.
  2. کبری روشنفکر ورحمت إله زانوسي، الطبيعة الحية في شعر ابن الرومي، صفحة 72. بتصرّف.
  3. “ضحك الربيع إلى بكا الديم”، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى