'); }
صيام أول رجب
تعدّدت آراء العلماء في حكم الصيام في شهر رجب، فذهب فريق من أهل العلم لاستحباب الصيام فيه لِسَبَبيْن؛ الأوّل بسبب فضل الصيام وأجره بشكلٍ عام، والثاني بسبب فضل صيام الأشهر الحُرم ورجب منها، وكذلك ما ورد في فضل صيام رجب، فقد جاء في السنة النبوية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّ أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: (يا رسولَ اللَّهِ! لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ)،[١] فاستدلّوا من هذا الحديث على استحباب صيام رجب، فكما أنّ صيام شعبان مستحبّ فكذلك صيامه.[٢]
أمّا الفريق الذي ذهب إلى كراهة صيام رجب فمنهم ابن عمر -رضي الله عنهما-، والحنابلة كذلك كرهوا إفراد رجب بالصيام، وقالوا بعدم الكراهة إذا أُفطِر يوماً فيه، أمّا صيام بعض أيام شهر رجب فذلك مُستحبّ بسبب ما ورد من فضل الصيام بالأشهر الحُرُم.[٢] أما كراهة الصيام في رجب التي وردت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ فهي تخصيص الصائم لهذا الشهر من السنة بالصيام، وذلك لعدم ورود دليلٍ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- على فضل صيام شهر رجب بشكلٍ خاص.[٣]
'); }
صيام الأشهر الحرم
صيام الأشهر الحُرُم مُستحبٌّ عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية، فقد صرّح الشافعية والمالكية بأنّ شهر مُحرّم ثمّ رجب أفضل الأشهر الحُرُم، ثمّ ذو القِعدة وذو الحجة، واستدلّوا على ذلك بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما سألوه: (أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)،[٤][٥] وذهب الحنفية إلى استحباب صيام الخميس والجُمعة والسّبت من كل شهرٍ من الأشهر الحُرُم، أمّا الحنابلة فقد ذهبوا سُنّيّة صيام شهر مُحرّم فقط من الأشهر الحُرُم.[٦]
ومن أدلة صيام الأشهر الحُرُم التي وردت في القرآن الكريم، قول الله -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم)،[٧] وفي السنة النبوية أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ)؛[٨] فالأشهر الحُرُم من أحبّ وأفضل الشهور عند الله -عز وجل-.[٩]
فضل صيام التطوع
صيام التطوّع له فضلٌ كبيرٌ وأجرٌ عظيمٌ عند الله -عز وجل-؛ فصيام التطوّع يُكمّل النقص الذي يكون بفريضة الصيام يوم القيامة، فقد ورد في السنة النبوية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ الناسُ به يومَ القيامةِ مِن أعمالِهم الصَّلاةُ، قال: يقولُ ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائكتِه -وهو أعلَمُ-: انظُروا في صلاةِ عبدي أتَمَّها أم نقَصَها؟ فإنْ كانتْ تامَّةً كُتِبتْ له تامَّةً، وإنْ كان انتقَصَ منها شيئًا، قال: انظُروا، هل لعبدي مِن تطوُّعٍ؟ فإنْ كان له تطوُّعٌ، قال: أَتِمُّوا لعبدي فريضتَه مِن تطوُّعِه. ثمَّ تؤخَذُ الأعمالُ على ذاكم)،[١٠] وصيام التطوّع سِترٌ من نار جهنم، كما ورد في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (يا كعبُ بنَ عُجرةَ! الصلاةُ برهانٌ، والصومُ جُنَّةٌ حصينةٌ)،[١١] وهو حِصنٌ من الشهوات، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ فإنَّه له وِجَاءٌ).[١٢][١٣]
وصيام يوم تطوّعٍ في سبيل الله -عز وجل- يُباعد صاحبه عن النّار سبعين سنة، فقد ورد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صام يوماً في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)،[١٤] وصيام التطوّع حثَّ عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فيوم القيامة يُدخل صاحبه الجنّة من باب الرّيان، حيث روى أبو هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ).[١٥][١٣]
وصيام التطوّع كفّارةٌ للذنوب والمعاصي، وحصنٌ من الشّيطان ووسوسته، ويزيل أمراض القلوب كالأحقاد والضغائن، ويفوز من صام التطوّع المشروع واستمرّ عليه بِغرف الجنّة العاليات كما في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ في الجنَّةِ غرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها اللَّهُ لمن أطعمَ الطَّعامَ، وألانَ الكلامَ، وتابعَ الصِّيامَ، وصلَّى والنَّاسُ نيامٌ)،[١٦] ومن كان آخر أعماله صيام تطوّع لله -عز وجل- دخل الجنّة بإذن الله،[١٣] والصيام يُهذّب النفس ويصبّرها، بالإضافة إلى أنّ للصائم دعوةٌ لا تُرد، فقد جاء عن النبيّ أنّه قال: (للصَّائمِ عندَ فِطرِهِ لدعوةً ما تردُّ).[١٧][١٨]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2356، حسن.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 18311. بتصرّف.
- ↑ كمال سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 144. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 18358. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 95. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 36.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 5550، صحيح.
- ↑ سيد العفاني، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، صفحة 487. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 865، صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في شرح سنن الترمذي، عن كعب بن عجرة، الصفحة أو الرقم: 2/513، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 5065، صحيح.
- ^ أ ب ت سعيد القحطاني، الصيام في الإسلام، صفحة 342-348. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2840، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1897، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي مالك الأشعري وعلي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2308، صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في الفتوحات الربانية، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 4/342، حسن.
- ↑ خالد الجريسي، الصوم جنة، صفحة 34-37. بتصرّف.