النوافل

صلاة الميت

صلاة الميت

تعريف الصلاة على الميِّت وحكمها

تُعرّفُ الصَّلاة على الميِّت أو صَلاة الجَنازة بأنَّها تَعبُّدٌ لله -سُبحانه وتعالى- بالصَّلاة على الميِّت بكيفيِّةٍ مَخصُوصَة ومُحدَّدة في الشِّرع.[١] وحُكم الصَّلاة على الميِّت فَرضُ كِفايَة؛ إذا فَعله بعض المَسلمين سَقط الإثمُ عن البقيِّة، وقد ثَبتت فَرضيَّة الصَّلاة على الميِّت بالكتاب والسُنَّة والإِجماع، فمِن القُرآن الكريم نَجد قول الله -سبحانه وتعالى-: (وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم).[٢][٣][٤]

ومن السُّنة حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُؤْتَى بالرَّجُلِ المُتَوَفَّى عليه الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فإنْ حُدِّثَ أنَّه تَرَكَ وفَاءً صَلَّى، وإلَّا قالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عليه الفُتُوحَ، قالَ: أنَا أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ، فمَن تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، ومَن تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ)،[٥] ولِمُداومة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على فعل ذلك والصحابة من بعده، وأما الإجماع؛ فقد أَجمع الفُقهاء على أنَّ الصَّلاة على الميِّت فرضُ كِفاية.[٣][٤]

حكم الجماعة في صلاة الميت

بالرّغم من اتفاق الفُقهاء على أنَّ الصَّلاة على الميِّت فرضُ كفايَة، إلا أنَّ آراءهم تعدّدت في اشتراط الجَماعة للصَّلاة على الميَّت؛ فقال الجُمهور إنَّ الجَماعة لا تُعدُّ شَرطاً في الصَّلاة على الميِّت بل يُسنُّ ذلك، فعن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: (قَدْ تُوُفِّيَ اليومَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ، فَصَلُّوا عليه، قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليه ونَحْنُ معهُ صُفُوفٌ)،[٦] بالإضافة لعدم وُرود نَصٍّ يَقضي باشتراطِها، وقال المالكيّة إنَّ من شُروط صِحَّة الصَّلاة على الميَّت أداؤها جَماعة كصلاة الجُمعة التي لا تصحُّ إلا جَماعة، وإن تَمَّت الصَّلاة على الميِّت بغير إمام يجب إعادتها حتَّى تصحّ.[٧]

ويَجدر بالذِّكر أنَّ العدد الذي يتمُّ فيه الواجب في الصَّلاة على الميِّت مكلَّف واحدٌ، فإن صلَّى مُكلَّفٌ واحدٌ على الميِّت يَسقطُ الإثم عن بقيّة المُسلمين، إلا أنَّه وكما أشرنا سَابقاً يُسنُّ الجَماعة في الصَّلاة على الميِّت، وكلَّما كثُر عدد المُصلِّين على الميَّت كان ذلك أفضل وأنفع له؛ ففي حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (ما مِن مَيِّتٍ تُصَلِّي عليه أُمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِئَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ له، إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ)،[٨] وعند الجَماعة تُسوّى الصُّفوف في الصَّلاة على الميِّت كما تُسوّى في صَلاة الجماعة الاعتياديَّة، ومن السُّنة أن يَصطف النَّاس وراء الإمام ثَلاثة صُفوف حتى وإن كان العددُ قليلاً.[٩]

كيفية الصلاة على الميت

يجب على من أراد الصَّلاة على الميِّت أن يأتي بالوضُوء كاملاً، ثم يَستقبل القِبلة، وعلى الإمام وضع الجنازة بينه وبين القِبلة، ومن السُّنَّة أن يقفَ الإمام عند رأس الجنازة إن كانت لرجل، وعند وسطها إن كانت لامرأة؛ وذلك للحديث الوارد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه فَعل ذلك عند الصَّلاة على الميِّت، وعندما سُئل عن سبب فعله نَسبَه للرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-.[١٠] ثمَّ يُكبِّر المُصلِّي على الميِّت أربعاً، أو خمساً، أو ستاً، أو سبعاً، أو تسعاً، وبالأخصِّ إن كان الميِّت من أهلِ العلم والفَضل، ويُفضّل أن يتناوب جميع التَّكبيرات؛ بأن يَفعل هذا العدد مرة وهذا مرة إحياءً للسُّنَّة. وبعد أن يُكبِّر الإمام ومن معه من المُصلِّين التَّكبيرة الأولى مع رفع اليدين، يضع يده اليُمنى على يده اليُسرى على صدره، ثم يَشرع بقراءة سورة الفَاتحة سراً -بعد الاستعاذة والبَسلمة-، وقد يَقرأ بعدها سورةً قصيرةً أحياناً.[١١]

وبعدها يُكبِّر التَّكبيرة الثَّانية، فيُصلّي على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الإبراهيمية، فيقول سراً: “اللَّهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل مُحمد، كما صَلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنِّك حميدٌ مجيد، اللَّهم بارك على مُحمدٍ وعلى آل مُحمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدُ مجيد”، ثم يُكبِّر التَّكبيرة الثَّالثة ويدعو سرّاً للميِّت، ويتحرَّى الإخلاص والصِّدق في دُعائه، ومن الأدعية الخاصَّة بالميِّت والمأثُورة عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

  • (اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عنْه وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ).[١٢]
  • (اللَّهمَّ اغْفِرْ لحيِّنا وميِّتِنا وشاهدنا وغائِبنا وصَغيرنا وَكبيرنا وذَكرِنا وأُنثانا اللَّهمَّ مَنْ أحييتَه مِنَّا فأحيِه علَى الإسلامِ ومن تَوَفَّيتَه مِنَّا فتَوفَّهُ علَى الإيمانِ اللَّهمَّ لا تحرمنا أجرَه ولا تُضلَّنا بعدَه).[١٣]
  • (اللَّهمَّ إنَّ فلانَ بنَ فلانٍ في ذِمَّتِك وحبلِ جِوارِك فَقِهِ من فتنةِ القبرِ وعذابِ النَّارِ وأنتَ أهلُ الوفاءِ والحقِّ فاغفر لَه وارحمهُ إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ).[١٤]
  • (اللَّهُمَّ عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ احْتَاجَ إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، إِنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِي حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ).[١٥][١١]

ثمَّ يُكبِّر بعدها التَّكبيرة الرَّابعة، ويدعو للميّت وللمُسلمين، ثمَّ يُسلِّم تسليمةً عن اليمين، ولا بَأس إن سلَّم تسليمةً أخرى عن الشِّمال،[١١] وقيل إنَّ تكبيرات الصَّلاة على الميِّت أربعٌ فقط، وما ورد عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- من عددٍ أكبر تمّ نَسخه بالصَّلاة الأخيرة التي صلَّاها على الميِّت والتي كان عدد التَّكبيرات فيها أربعٌ فقط. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الميِّت إن كان مجنوناً أو صبياً لم يبلغ سنَّ التَّكليف بعد؛ لا يُدعى لهما بالأدعية السَّابقة الخاصة بالاستتغفار للميِّت؛ إذ أنَّه لا ذنبٌ عليهما، بل يُخصَّصُ لهم الدُّعاء الآتي: “اللَّهم اجعله لنا فَرَطاً، واجعله لنا أجراً وذُخراً، واجعله لنا شَافعاً ومُشفعاً”.[١٦]

شروط الصلاة على الميت

إنّ للصَّلاة على الميِّت شروطاً ميعنةً لابدَّ من توفُّرها لتَصحَّ الصَّلاة؛ وقسمٌ من هذه الشروط يتعلَّق بالمُصلِّين، والقسم الآخر يتعلّق بالميِّت نفسه، أمّا بالنسبة للشُّروط المتعلِّقة بالمُصلِّين؛ فيُشترط بالمُصلِّي شروطُ الصَّلاة العاديَّة؛ من إسلامٍ، وعقلٍ، وتمييزٍ، وطهارةٍ في البدن والثَّوب والمكان، وسترٍ للعَورة، واستقبالٍ للقِبلة، واستحضارٍ للنِّيَّة، وغيرها من شروط الصَّلاة باستثناء أمرين؛ الوَقت: لأنَّها غير مقيَّدة بوقتٍ كالصَّلوات الأخرى، والجَماعة: فلا تُشترط لها الجَماعة. كما يضيف الشافعيَّة شرطاً آخر؛ وهو عدم تقدُّم المُصلِّي على الجنازة، اتباعاً لفعل السَّلف. أمَّا فيما يتعلق بالشُّروط الخاصَّة بالميِّت فهي:

  • أولا: أن يكون الميِّت مُسلماً؛ فلا يُصلَّى مطلقاً على غير المسلم لقوله -سبحانه وتعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنهُم ماتَ أَبَدًا وَلا تَقُم عَلى قَبرِهِ إِنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ وَماتوا وَهُم فاسِقونَ)،[١٧] وأمَّا سائر المُسلمين عامةً وإن كانوا من أصحاب الكبائر فيُصلَّى عليهم.[١٨]
  • ثانيا: اشترط الحنفيَّة والمالكيَّة توفُّر جسد الميِّت أو أغَلبه لتصحَّ الصَّلاة عليه، ولا تصحُّ الصَّلاة على عضوٍ من الأعضاء، ويجب أن يكون الميِّت حاضراً؛ إذ لا تصحُّ الصَّلاة على الغائب عند الحنفيِّة والمالكيِّة.[١٨]
  • ثالثاً: يُشترط في الميِّت الطَّهارة؛ فلا يُصلَّى على الميِّت قبل الغسل أو التَّيمم -في حال فُقدت القُدرة على الغسل-.[١٨]
  • رابعاً: يُشترط ألَّا يكون الميِّت شهيداً -وهو من مَات في مُعترك الجِهاد، وهذا شَرطٌ عند الجُمهور-؛ إذ أنَّ الشَّهيد لا يُغسَّل، ولا يُكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، وخالف الحنفيَّة؛ وقالوا إنَّ الشَّهيد يُكفَّن ويُصلَّى عليه، ولكنَّه لا يُغسَّل.[١٨]
  • خامساً: تَجدر الإشارة إلى أنَّه هناك شرطٌ آخرَ يتعلّق بعُمر الميِّت؛ فإن كان الميِّت طفلاً -من لم يبلُغ الحُلم-، فعندها تُشرع الصَّلاة عليه، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (دُعِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى جِنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الأنْصَارِ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، طُوبَى لِهذا، عُصْفُورٌ مِن عَصَافِيرِ الجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، قالَ: أَوَ غيرَ ذلكَ، يا عَائِشَةُ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلَابِ آبَائِهِمْ).[١٩][١٨][٢٠]
وأما إن كان الميَّت سقطاً -الجنينُ يَسْقُطُ من بَطْن أُمِّه قبل تمامه، ذكراً كانَ أَو أُنثى-،[٢١] ويستهلُّ صارخاً أو عاطساً؛ أي أنَّه كان حيَّاً ثمَّ مات بعد ذلك، فلا خلاف بين أهل العلم على مشروعيَّة الصَّلاة عليه، ولكنَّ الخلاف وقع في مشروعيَّة الصَّلاة على السقط إذا لم يَستهلَّ صارخاً- أي وُلد ميِّتاً-، وقال الجُمهور لا يُصلَّى عليه، ودليلهم في ذلك الحديث: (إذا استَهَلَّ المولودُ وُرِّثَ)،[٢٢] وقال الحنابلة يُصلَّى عليه، واستدلّوا بحديث المُغيرة بن شعبة عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (السِّقطُ يصلَّى علَيهِ، ويُدعى لوالديهِ بالمغفِرةِ والرَّحمةِ).[٢٣][١٨][٢٠]

وقت ومكان الصلاة على الميت

وقت الصلاة على الميت

يبدأ وقت الصَّلاة على الميِّت الحاضر بعد الانتهاء من تَغسيله، وتَكفينه، وتَجهيزه، أمَّا إن كان الميِّت غَائباً، فيَبدأ وقتُ الصَّلاة عليه بعد بُلوغ خبر وُفاته.[٢٤] وتعدّدت أقوال الفُقهاء في تَحديد الأوقات التي يَجوز فيها الصَّلاة على الميِّت؛ فقال الشافعيَّة بجواز تأدية الصَّلاة على الميِّت في أيّ وقتٍ من الأوقات؛ لأنَّها صلاةٌ لها سَبب لذا يَجوز تأديتها في كلِّ وقت، أمَّا الحنفيِّة فقالوا بكراهة الصَّلاة على الميِّت كراهة تحريميَّة في خَمسة أوقات هي: عند طُلوع الشَّمس، وغُروبها، واستواء الشَّمس في مُنتصف النَّهار، والوقت الذي يكون بين صلاة الفجر وطُلوع الشَّمس، والوقت بين صلاة العَصر وصلاة المغرب.[٢٥]

وقال الحنابلة والمالكيَّة بحرمة الصَّلاة على الميِّت في ثلاثة أوقات وهي: طلوع الشَّمس، وغروبها، وزوال الشَّمس، وقد ورد النَّهي عن الصَّلاة في هذه الأوقات الثَّلاثة في الحديث: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ).[٢٦][٢٥]

مكان الصلاة على الميت

يُستحبُّ أن يُصلَّى على الميت في المُصلَّى؛ لأنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كانت أكثر صَلواته على الميّت تتمّ في المُصلّى في مكانٍ مُعدٍّ لذلك، فيما تعدّدت أقوال الفُقهاء في حكم الصَّلاة على الميِّت في المَسجد على ثلاثة أقوال:[٢٧][٢٨]

  • القول الأول: الكَراهة، وهذا مذهب الحنفيِّة والمالكيِّة، ودليلهم في ذلك حَديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (مَن صلَّى على جَنازةٍ في المسجِدِ فلا شيءَ علَيهِ)،[٢٩] ولأنَّ المسجد مُخصَّصٌ لأداء الصَّلوات المكتوبة وما يَحلقها من النَّوافل والسنن، ولِمخافة تلويث المَسجد.
  • القول الثاني: الجَواز، وهو مذهب الحنابلة، ودليلهم حديث عائشة -رضي الله عنها-: (ما صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ إلَّا في جَوْفِ المَسْجِدِ).[٣٠]
  • القول الثالث: النَّدب إن أَمِن تلويث المَسجد، وهو مذهب الشَّافعية، ودليلهم حديث عائشة -رضي الله عنها- السابق، ولأنَّ الصَّلاة على الميِّت في المسجد أشرف.

وتجدُر الإشارة إلى أنَّ الصَّلاة على الميِّت في المَقبرة فيه قَولين، الأول: يفيد كراهة الصَّلاة على الميِّت في المَقبرة، لما ورد من نَهيٍ عن الصَّلاة فيها في الحديث: (الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا الحمامَ والمقبرةَ)،[٣١] وأصحاب هذا القول هم الحنفيَّة والشَّافعية، ولكن استثنى الشَّافعية من الكراهة مَقابر الأنبياء وشهداء المعركة لأنَّهم أحياء في قبورهم، والقول الثاني للمالكيَّة والحنابلة؛ حيث أجازوا الصَّلاة على الميِّت في المقبرة؛ لعُموم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا).[٣٢][٢٨]

أركان الصلاة على الميت

إنّ للصَّلاة على الميِّت أركاناً مُتعدِّدةً لا بدَّ من توفُّرها لتَصحَّ الصَّلاة على الميِّت، ولو فُقد أيُّ ركنٌ منها بَطلت الصَّلاة، ولم يُعتدُّ بها شرعاً، وأوَّل هذه الأركان النِّيَّة؛ ومَحلها القلب، والرُكن الثَّاني القيام للقادر عليه؛ وهو رُكنٌ متّفقٌ عليه عند جمهور العُلماء؛ فصلاة القاعد والرَّاكب بغير عذرٍ لا تَصحُّ، والرُّكن الثَّالث التَّكبيرات الأربَعة، والسُّنَّة رفعُ اليدين عند التَّكبيرة الأولى فقط؛ إذ لم يرد عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه رفع يده في غيرها من تكبيرات الجَنازة، ثم يلي ذلك رُكن قراءة الفاتحة سرَّاً، ثمَّ رُكن الصَّلاة على النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-.[٣٣]

ثمَّ الدُّعاء للميِّت؛ وهو ركنٌ لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-:(إذا صلَّيتُم على الميِّتِ فأخلِصوا لَه الدُّعاءَ)،[٣٤] وقد تمَّ ذِكر ما يؤثَر من الأدعية للميِّت سابقاً، ثمَّ يأتي بعد ذلك الدُّعاء الذي يلي التَّكبيرة الرَّابعة، وقد جاء في هذه الأدعية دُعاء: “اللَّهم لا تحرمنا أجره، ولا تَفتنَّا بعده”، ومنها أيضا: “اللَّهم ربنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار”، وآخر الأركان السَّلام؛ وهو متَّفقٌ على فَرضيّته بين الفُقهاء ما عدا أبا حنيفة؛ حيث قام بعدِّه من الواجبات وليس من الأركان.[٣٣]

وتجدر الإشارة إلى تعدّد آراء الفقهاء الأربعة في تَصنيف الأركان السَّابقة؛ فعند الحنفيَّة الصَّلاة على الميِّت لها رُكنان فقط؛ وهي التَّكبيرات الأربع والقيام، واعتبروا النيِّة شرطاً لا رُكن، وأنَّ السَّلام واجباً وليس بركن،[٣٥] أمَّا عند المالكيَّة فأركان الصَّلاة على الميِّت خمسة: النيِّة، والتَّكبيرات الأربع، والدُّعاء بينهنَّ -أما الدُّعاء بعد التَّكبيرة الرابعة فيُخيَّر فيها المُصلِّي ولا تَجب عليه-، وتسليمةٌ واحدةٌ يَجهر بها الإمام حدَّ التَّسميع، وآخر الأركان القيام للقادر، أمَّا عند الشافعيَّة فعدد الأركان ستة وهي: النيِّة، والتَّكبيرات، وقراءة الفَاتحة، والصَّلاة على النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأقلُّ الدَُعاء للميِّت، والتَّسليمة الأولى، وعدد الأركان عند الحنابلة سَبعة وهي: القيام للقادر، والنيِّة، والتَّكبيرات الأربع، وقراءة الفاتحة لغير المأموم، والصَّلاة على النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأدنى الدُّعاء للميِّت، والسَّلام، والتَّرتيب.[٣٦]

سنن الصلاة على الميت

اتّفق الفُقهاء على سُنّيِّة الجَماعة في الصَّلاة على الميِّت، وأنَّ هذا الأفضل، لكنَّها تصحُّ أيضاً فرادى؛ وذلك لأنًَ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما تُوفّي صلَّى النَّاسُ عليه فوجاً فوجاً ولم تُعقد صلاة جماعة، كما يُسنُّ للمُصلِّين انتظار رفع الجنازة بعد انتهاء الصَّلاة.[٣٧] وللصَّلاة على الميِّت سننٌ كثيرةٌ يُستحبُّ الإتيان بها، وهي على النَّحو الآتي:[٣٨][٣٩]

  • مَكان وقوف الإمام عند الجَنازة حيث تعدَّدت الأقوال فيها؛ فالمذهب عند الشَّافعيَّة والحنابلة أنَّ الإمام يقف قِبال صدر الميِّت الرجل، ووسط المرأة، فهذا كان فعل النبيّ، أمَّا الحنفيَّة فلم يُفرِّقوا بين الرَّجل والمَرأة في مَكان وقوف الإمام، وقالوا يقف في كل الأحوال عند صدر الميِّت.
  • من السُّنن أيضاً رفع اليدين مع كلِّ تكبيرة من تَكبيرات الصَّلاة على الميِّت؛ هذا وقد اختلف الفُقهاء في مشروعيَّة رفع اليدين في كلِّ تكبيرة -واتفقوا عليها في التَّكبيرة الأولى-، وذهب أكثر أهل العلم إلى مشروعيَّة رفع اليدين في كلِّ تكبيرة وذلك لفعل ابن عمر ذلك -رضي الله عنهما-.
  • الاستعاذة والبَسملة التي تسبق الفاتحة، وتعدّدت الآراء في مشروعيَّة الإتيان بدعاء الاستفتاح؛ حيث قال الحنفيَّة أنَّه يؤتى به، وقال الشافعيَّة والحنابلة إنَّ الصَّلاة على الميِّت لا تتضمّن دعاء الاستفتاح، حيث إن الصَّلاة على الميِّت مبنيَّة على التَّخفيف.
  • الإسرار بالقراءة، ودلَّ على ذلك حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-: (السنَّةُ في الصلاةِ على الجنازةِ أنْ يقرأَ في التكبيرةِ الأولى بأمِّ القرآنِ مخافتَةً، ثمَّ يكبرُ ثلاثًا، والتسليمُ عند الآخرةِ)،[٤٠] وقال بعض العُلماء بجواز الإتيان بسورةٍ قصيرةٍ بعد الفاتحة مع جواز الاكتفاء بقراءة الفاتحة فقط؛ لأن لاصلاة على الميت مبنية على التخفيف كما ذكر سابقاً.
  • قال المالكيَّة باستحباب الصَّلاة على النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عقب كلِّ تكبيرة وقبل الشُّروع بالدُّعاء.
  • دعاء المُصلّي لنفسه ولوالديه وللمُسلمين، ويُفضّل أن يكون الدُّعاء متعلقاً بأمور الآخرة.
  • الوقوف قليلاً بعد التَّكبيرة الرَّابعة وقبل التَّسليم، وقال الشافعيَّة والحنابلة والمالكيَّة بمشروعيَّة الدُّعاء هنا، وقيل الصَّواب الوقوف قليلاً بدون دُعاء، فلم تُنقل الأدعية الخاصَّة في هذه الحالة.
  • وضع اليد اليُمنى على اليد اليُسرى في الصَّلاة، وذلك لعموم سُنِّية هذه الحركة في الصَّلاة، ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّا معشرَ الأنبياءِ، أُمِرْنَا أنْ نُّعجِلَ إفطارَنا، ونؤخِرَ سحورَنا، ونَضَعَ أيمانَنَا عَلَى شمائِلِنا في الصلاةِ).[٤١]
  • الالتفات عن اليمين عند التَّسليم، وتعدّدت الآراء في عدد التَّسليمات هل هي واحدة أم اثنتان؛ فقال الحنفيَّة والشَّافعية بأنَّ المُستحب تسليمتان، والتَّسليمة الواحدة تكفي، قياساً على سائر الصَّلوات، وقال الحنابلة أنَّ المَسنُون تسليمةٌ واحدة، وإن سلَّم تسليمتين فلا بأس.
  • اصطفاف المُصلِّين على ثَلاثة صفوفٍ حتى وإن كان العدد قليلاً، للحديث: (مَن صلَّى عليه ثلاثةُ صفوفٍ فقد أَوَجَبَ).[٤٢]

المراجع

  1. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، الاردن: بيت الافكار الدولية، صفحة 752، جزء 2. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 103.
  3. ^ أ ب محمود السبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق الى دين الحق (الطبعة الرابعة)، السعودية: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 356، جزء 7. بتصرّف.
  4. ^ أ ب كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الائمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 639، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5371، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1320، صحيح.
  7. عبدالله الطيار، عبدالله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية: مدار الوطن للنشر، صفحة 479، جزء 1. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة، الصفحة أو الرقم: 947، صحيح.
  9. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، الاردن: بيت الافكار الدولية، صفحة 757، جزء 2. بتصرّف.
  10. سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، لبنان: دار الكتاب العربي، صفحة 526، جزء 2. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، الاردن: بيت الافكار الدولية، صفحة 758-760، جزء 2. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك الأشجعي، الصفحة أو الرقم: 963، صحيح.
  13. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1226، صحيح.
  14. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن واثلة بن الأسقع الليثي، الصفحة أو الرقم: 1227، صحيح.
  15. رواه ابن الملقن، في تحفة المحتاج، عن يزيد بن ركانة ، الصفحة أو الرقم: 1/596، صحيح أو حسن.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 1514-1515، جزء 2. بتصرّف.
  17. سورة التوبة، آية: 84.
  18. ^ أ ب ت ث ج ح وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 1526-2528، جزء 2. بتصرّف.
  19. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة، الصفحة أو الرقم: 2662، صحيح.
  20. ^ أ ب كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الائمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 644-643، جزء 1. بتصرّف.
  21. “تعريف و معنى السقط في قاموس المعجم الوسيط. قاموس عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2021-2-16.
  22. رواه الالباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2920، صحيح.
  23. رواه الالباني، في صحيح أبي داود، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 3180، صحيح.
  24. مجموعة من المؤلفين (1424)، الفقه الميسر، صفحة 115. بتصرّف.
  25. ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 1529، جزء 2. بتصرّف.
  26. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 831، صحيح.
  27. كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الائمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 650-651، جزء 1. بتصرّف.
  28. ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 1534-1536، جزء 2. بتصرّف.
  29. رواه الالباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3191، حسن.
  30. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة، الصفحة أو الرقم: 973، صحيح.
  31. رواه الالباني، في صحيح أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 492، صحيح.
  32. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 438، صحيح.
  33. ^ أ ب سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، لبنان: دار الكتاب العربي، صفحة 522-526. بتصرّف.
  34. رواه الالباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3199، حسن.
  35. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 1513، جزء 2. بتصرّف.
  36. عبدالله الطيار، عبدالله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية: مدار الوطن للنشر، صفحة 479-480، جزء 1. بتصرّف.
  37. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 1521، جزء 2. بتصرّف.
  38. عبدالله الطيار، عبدالله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية: مدار الوطن للنشر، صفحة 481-485، جزء 1. بتصرّف.
  39. وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 21-23، جزء 16. بتصرّف.
  40. رواه الالباني، في صحيح النسائي، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم: 1988، صحيح.
  41. رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2286، صحيح.
  42. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن مالك بن هبيرة السكوني، الصفحة أو الرقم: 1028، حسن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى