محتويات
الدّنيا
قال تعالى (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة آل عمران، 185 ، الدّنيا أيام وليالٍ نعيشها وعمراً طويلاً، ولكنّ العمر مهما طال فإنّه لن يستمرّ، ومهما تمتّعنا وسعدنا بها أو شقينا فإنّ الدّنيا زائلة لا تدوم لغنيٍّ أو لفقير، فالكلّ في هذه الدّنيا مُسافرون، لذلك يجب أن نفهم غاية وجودنا في هذه الدنيا لنعيش بسعادة وننعم بالرّضى.
لقد خلق الله الحياة الدّنيا ووضع فيها البشر لعبادته وإعمار الأرض، وفضّل النّاس بعضهم على بعض درجات بالتّقوى، فإذا استسلمنا لهذا الأمر وعرفنا أنّه لن يصيبنا من الدّنيا من خير أو شرٍّ إلّا ما كتبه الله لنا فإنّنا سنشعر بالرّاحة ولا نتأسف على ما فاتنا من رزق أو خير فيها، والدّنيا كما ذُكرت في القرآن الكريم دارُ شقاء لا دار بقاء، ولكن لا يعني ذلك ألّا نعيشها، ولا يعني أن نتعامل بسلبية، بل يعني ألّا نجعل السّعي وراء ملذّاتها أهمّ غايتنا.
قصائد شعريّة عن الدّنيا
الآتي بعض القصائد الجميلة عن الدّنيا وحالها.
النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا
علي بن أبي طالب
النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت
إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها
إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها
فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها
وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها
أَينَ المُلوكُ الَّتي كانَت مُسَلطَنَةً
حَتّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقيها
أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها
وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها
كَم مِن مَدائِنَ في الآفاقِ قَد بُنِيَت
أمسَت خَراباً وَدانَ المَوتُ دانيها
لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن كانَت عَلى وَجَلٍ
مِنَ المَنيَّةِ آمالٌ تُقَوّيها
فَالمَرءُ يَبسُطُها وَالدَهرُ يَقبُضُها
وَالنَفسُ تَنشُرُها وَالمَوتُ يَطويها
مكارم الأخلاق
عليّ بن أبي طالب
إن المكارم أخلاق مطهرة
فَالدِّيْنُ أَوَّلُها والعَقْلُ ثَانِيها
وَالعِلْمُ ثالِثُها وَالحِلْمُ رابِعُها
والجود خامِسُها والفضل سادِيها
والبرّ سابعها والصّبر ثامنها
والشُّكرُ تاسِعُها واللِّين باقِيها
والنّفس تعلم أنّي لا أصادقها
ولست أرشد إلا حين أعصيها
دع الأيام
الشّافعي
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ
وَطِبْ نَفْساً إِذَا حَكَمَ القَضَاءُ
وَلا تَجْزَعْ لِحَادِثَةِ اللَّيَالِي
فَمَا لِحَوَادِثِ الدُّنْيَا بَقَاءُ
وَكُنْ رَجُلاً عَلَى الأَهْوَالِ جَلْداً
وَشِيمَتُكَ السَّمَاحَةُ وَالوَفَاءُ
وَإِنْ كَثُرَتْ عُيُوبُكَ فِي البَرَايَا
وَسَرّكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا غِطَاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاءِ فَكُلُّ عَيْبٍ
يُغَطِّيهِ كَمَا قِيلَ السَّخَاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعَادِي قَطُّ ذُلاً
فَإِنَّ شَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ بَلاءُ
وَلا تَرْجُ السَّمَاحَةَ مِنْ بَخِيلٍ
فَمَا فِي النَّارِ لِلظَّمْآنِ مَاءُ
وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّي
وَلَيْسَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ العَنَاءُ
وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرُورٌ
وَلا بُؤْسٌ عَلَيْكَ وَلا رَخَاءُ
إِذَا مَا كُنْتَ ذَا قَلْبٍ قَنُوعٍ
فَأَنْتَ وَمَالِكُ الدُّنْيَا سَوَاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ المَنَايَا
فَلا أَرْضٌ تَقِيهِ وَلا سَمَاءُ
وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ وَلكِنْ
إِذَا نَزَلَ القَضَا ضَاقَ الفَضَاءُ
دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ
فَمَا يُغْنِي عَنِ المَوْتِ الدَّوَاءُ
ماذا تريد من الدنيا
أبو مسلم العماني
ماذا تريد من الدّنيا تُعنّيها
أما ترى كيف تفنيها عواديها
غدّارة ما وفت عهداً وإن وعدت
خانت وإن سالمت فالحرب توريها
ما خالصتك وإن لانت ملامسها
ولا اطمأنّ إلى صدقٍ مصافيها
سحرٌ ومكرٌ وأحزانٌ نضارتها
فاحذر إذا خالست مكراً وتمويها
وانفر فديتك عنها إنّها فتن
وإن دعتك وإن زانت دعاويها
كذّابة في دعاويها منافقة
والشّاهدات على قولي معانيها
تُريك حُسناً وتحت الحسن مهلكة
يا عشقيها أما بانت مساويها
نسعى إليها على علم بسيرتها
ونستقرّ وإن ساءت مساعيها
أمٌّ عقوقٌ وبئس الأمّ تحضننا
على غذاء سموم من أفاعيها
بئس القرار ولا ننفكّ نألفها
ما أعجب النّفس تهوى من يعاديها
تنافس النّاس فيها وهي ساحرة
بهم وهمهم أن يهلكوا فيها
يجنون منها على مقدار شهوتهم
وما جنوه ذعاف من مجانيها
من الذي لم ترعه من طوارقها
وأيّ نفس من البلوى تفاديها
كلّ البريّة موتور بما فتكت
لا ثأر يؤخذ لا أنصار تكفيها
أَلْهَتْكُمُ الدُّنْيَا عَنِ الآخِرَهْ
محمود سامي البارودي
أَلْهَتْكُمُ الدُّنْيَا عَنِ الآخِرَهْ
وهِي َ مِنَ الجَهلِ بِكُم ساخِره
وَغَرَّكُمْ مِنْهَا وَأَنْتُمْ بِكُمْ
جُوعٌ إِلَيْهَا قِدْرُهَا الْبَاخِرَهْ
يَمْشِي الْفَتَى تِيهاً، وَفي ثَوْبِهِ
مِنْ مَعْطِفَيْهِ جِيفَة ٌ جَاخِرَهْ
كَأنَّهُ فى كِبرهِ سادِراً
سَفينَة ٌ في لُجَّة ٍ ماخِرَه
كَم أنفسٍ عَزَّت بِسلطانِها
فِيما مَضَى وَهْي إِذَنْ داخِرَهْ
وعُصبة ٍ كانَت لأِموالِها
مَظِنَّة َ الْفَقْرِ بِها ذَاخِرَهْ
فَأَصْبحَتْ يَرْحَمُهَا مَنْ يَرَى
وَقَدْ غَنَتْ في نِعْمَة ٍ فَاخِرَهْ
فَلا جَوَادٌ صَاهِلٌ عَزَّهُمْ
يَوْماً، وَلاَ خَيْفَانَة ٌ شَاخِرَهْ
بَل عَمَّ دُنياهُم صُروفٌ، لَها
مِنَ الردَى أودِيَة ٌ زاخِره
يأيُّها النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكم
وَاخْشَوْا عَذَابَ اللَّهِ والآخِرهْ
أنتُم قعودٌ ، والرّدَى قائمٌ
يُسْقِيكُمُ بِالْكُوبِ وَالصَّاخِرَهْ
فانتبِهوا مِن غَفلاتِ الهوى
وَاعْتَبِرُوا بِالأَعْظُمِ النَّاخِرَهْ
تزوّد من التّقوى
الشّافعي
تزوّد من التّقوى فإنّك لا تدري
إذا جُنّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجر
فكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
وكم من صغار يُرتجى طولُ عُمرِهم
وقد أدخلت أرواحهم ظلمة القبر
وكم من صحيح مات من غير علّة
وكم من سقيم عاش حيناً من الدّهر
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً
وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم ساكنٍ عند الصباح بقصره
وعند المساء قد كان من ساكن القبر
فداوم على تقوى الإله فإنّها
أمان من الأهوال في موقف الحشر
تزود من التقوى فانك لا تدري
إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
شعر قصير عن الدّنيا
قال الشّعراء في الدّنيا بأبيات قصيرة:
شعر أبو العتاهية
- أصبحتُ والله في مضيق
هل منْ دليلٍ على الطّريقِ
أفٍّ لدنيا تلاعبتْ بي
تلاعبَ الموج بالغريقِ
أصبتُ فيها دُريهماتٍ
فبغضتني إلى الصّديقِ
- وقال في موضع آخر:
نظرت إلى الدّنيا بعين مريضة
وفكرة مغرور وتدبير جاهل
فقلت هي الدّنيا التي ليس مثلها
ونافست منها في غرور باطل
وضيمت أحقاباً أمامي طويلة
بلذّات أيّام قصار قلائل
- وقال في موضع آخر:
عش ما بدا لك سالماً
في ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهيت
لدى الرَّواح وفي البكور
فإذا النّفوس تقعقعت
في ضيق حشرجة الصّدور
فهناك تعلم موقنا
ما كنت إلا في غرور
شعر المتنبّي
- نبكي على الدّنيا وما من معشر
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الألى
كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه
حتّى ثوى فحواه لَحْدٌ ضيّق
شعر إبراهيم بن المهدي
- عجباً عجبت لغفلة الإنسان
قطع الحياة بذلّة وهوان
فكرت في الدّنيا فكانت منزلاً
عندي كبعض منازل الرّكبان
مجرى جميع الخلق فيها واحد
فكثيرها وقليلها سيّان
أبغي الكثير إلى الكثير مضاعفاً
ولو اقتصرت على القليل كفاني
لله در الوارثين كأنّني
بأخصهم مُتبرّم بمكاني
قلقاً يجهّزني إلى دار البلا
مُتحفّزاً لكرامتي بهوان
مُتبرّئاً حتّى إذا نشر الثّرى
فوفى طوى كشحاً على هجراني
أبيات عن الدّنيا
- تزود من الدّنيا فإنّك لا تبقى
وخذ صفوها لمّا صفوت ودع الزّلقا
ولا تأمننّ الدّهر إنّي أمنتُهُ
فلم يبق لي خِلّاً ولم يرعَ لي حقاً
قتلت صناديد الملوك فلم أدَعْ
عدوّاً ولم أهمل على ظنّه خلقاً
وأخليت دار الملك من كل بارع
فشرّدتهم غرباً ومزّقتهم شرقاً
فلمّا بلغت النّجم عزّاً ورفعةً
وصارت رقاب الخلق أجمع لي رِقّاً
رماني الرّدى رمياً فأخمد حمرتي
فها أنا ذا في حفرتي مفرداً ملقى
فأفسدت دُنياي وديني جهالة
فما ذا الذي مني بمصرعِه أشقى
- هي الدّنيا تقول لمن عليها
حذار حذار من بطشي و فتكي
فلا يغرركم حسن ابتسامي
فقولي مُضحك والفعل مُبكي
- يا جامعاً لاهياً والدّهر يرمقه
مُفكّراً أيّ باب عنه يغلقه
جمعت مالاً فقل لي هل جمعت له
يا غافل القلب أيّاماً تفرقه
- طلبتك يا دنيا فأعذرت في الطّلب
وما نلت إلا الهمّ والغمّ والنَّصَبِ
وأسرعت في ذنبي ولم أقضِ حسرتي
هربت بذنبي منك إن نفع الهرب
و لم أرَ حظّاً كالقنوع لأهله
وإن يحمل الإنسان ما عاش في الطّلب
- إِذا امتحنَ الدّنيا لبيبٌ تكشفَتْ
له عن عدوٍ في ثيابِ صديقِ
- انظرْ إِلى لاعبِ الشّطرنج يجمعُها
مغالباً ثم بعدَ الجمعِ يرميها
كالمرءِ يكدحُ للدّنيا ويجمعُها
حتّى إِذا ماتَ خَلاَّها وما فيها
- إذا الدّنيا تأمَّلَها حكيمٌ
تبيّنَ أنّ معناها عبورُ
فبينا أنتَ في ظِلِّ الأماني
بأسعدِ حالةٍ إِذا أنتَ بورُ
- كنْ كيفَ شئتَ فما الدّنيا بخالدةٍ
ولا البقاءُ على خلقٍ بمضمونِ
- ليستْ حياةُ المرءِ في الدّنيا سِوى
حلمٍ يجرُّ وراءَه أحلاما
والعيشُ في الدّنيا جهادٌ دائمٌ
ظَبْيٌ يصارعُ في الوَغَى ضِرْغاما
- وما نيلُ المطالبِ بالتّمني
ولكن تُؤخذُ الدّنيا غِلابا
وما استعصى على قومٍ منالٌ
إِذا الأِقدامُ كانَ لهم ركاب
- خذ ما استطعت من الدّنيا وأهليها
لكن تعلّم قليلاً كيف تُعطيها
كم وردة طيبها حتّى لسارقها
لا دمنة خبثها حتّى لساقيها
- ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدّنيا
سَعيداً بِوَحْدتي وانفرادي
أَصرِفُ العْمْرَ في الجبالِ
وفي الغاباتِ بينَ الصنوبّر الميّادِ
ليس لي من شواغل العيش ما
يصرفُ نفسي عن استماعِ فؤادي
أرقبُ الموتَ، والحياة
وأصغي لحديثِ الآزال والآبادِ
وأغنيّ مع البلابل في الغابِ
وأصغيِ إلى خرير الوادي
وَأُناجي النُّجومَ والفجرَ، و
الأَطيارَ والنّهرَ، والضّياءَ الهادي